‘البعث’ السوري من الاشتراكية العلمية الى اقتصاد السوق ‘الاجتماعي’ ومن الوحدة الى الاتحاد
كامل صقر
في العام القادم ينعقد المؤتمر القطري الحادي عشر لحزب البعث الحاكم في سورية، وحتى ذلك الحين من المتوقَّع أن تكون اللجان المكلفة بإعداد تصوراتها فيما يتعلق بتعديل بعض المنطلقات النظرية للحزب قد فرغت من عملها ليتم إقرارها وفق التصور الذي تم التوافق عليه، يُضاف إلى ذلك ملفات سياسية واقتصادية ومعيشية ستبت بها قيادة الحزب من موقعه كحزب حاكم في سورية. ويرى المتابعون للشأن السوري أن المؤتمر القطري العاشر الذي عقد في العام 2005 جاء في ظروف سياسية ظاغطة أثقلت على قيادة الحزب، فيما سيُعقد المؤتمر القادم في ظروف سياسية أفضل بعد التطورات الأخيرة التي جرت في المنطقة.
وكان قد ورد في بيان القـيادة القطرية السورية لحزب البعث في الذكـرى 62 لتأسيـس الحـزب ‘أن الأهداف التي قام من أجلها البعث، لا تزال حاضرة بين أجيال اليوم، نظراً لما تحمله نظرية البعث ومنطلقاته من قدرة وقابلية على الحيوية والتجدد والتطوير’.
ويرى المراقبون أن في هذا تأكيدا من قيادة البعث على أنه لا مانع من تغيير بعض المنطلقات دون تغيير في الأهداف العامة، وفي إحدى افتتاحيات جريدة البعث الناطقة باسم حزب البعث كتب مدير عام الجريدة عبد اللطيف عمران في 7/5/2009 أن الحياة الحزبية اليوم تتجه إلى التحرر من الالتزام بحدود نظرية ثابتة وأن عالم اليوم لم يعد يراهن على تنوع نظريات الأحزاب بل على ممارساتها في السلطة، وحسب الافتتاحية فإن الفوارق الأيديولوجية لم تمنع بعض الاشتراكيين الفرنسيين من المشاركة في حكومة اليمين التي يقودها ساركوزي، ولم تحُل دون تحالف الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني مع الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل للوصول إلى سدة الحكم، ربما لم يكن حزب البعث هو المقصود بالضرورة في الحديث عن التحرر من حدود النظرية هنا، ولكن لا مانع من فهم هذا الحديث في سياق ما سيجري داخل البعث من تغيرات فكرية، بسيطة كانت أم كبيرة.
ويبدو الشق الاشتراكي هو الأكثر وضوحاً ـ على الأقل كما يظهر لنا ـ فيما يخص التعديلات التي ستطال بعض المنطلقات النظرية للبعث، وما علمناه أنه سيجري الإعداد لتغيير بعض المنطلقات بعناية شديدة لسببين جوهريين، الأول وهو الخروج بتعديلات تضع في الحسبان الخصوصية السورية وما تفرضه من دقة في إقرار ما ينسجم معها، والثاني تحاشي أن يُساء فهم هذا التغيير على أنه تخلي من البعث عن جملة أهداف تأسس من أجلها سيما ما يتصل منها بطبقة العمال والفلاحين، وكان هيثم سطايحي عضو القيادة القطرية لحزب البعث قد أكد في ندوة أقامها الحزب لمناقشة بعض المنطلقات الفكرية أن الحزب تبنى مفهوم الاشتراكية العلمية وأنه بعد التطورات الواسعة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم يجب التفكير برؤية متجددة لمفهوم الاشتراكية، ويقول امطانيوس حبيب لـ’القدس العربي’ وهو أحد الباحثين الذين شاركوا في تلك الندوة أنه ثمة حلين في محور الاشتراكية، إما اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يؤكد على دعم القطاع الخاص بما لا ينفي دور الحكومة، أو أن نقول بالاشتراكية الديمقراطية التي طُبقت في دول أوروبية مثل السويد وسلوفاكيا ودول في أمريكا الجنوبية كفنزويلا وبوليفيا’، ويضيف أنه تم اقتراح السير باقتصاد السوق الاجتماعي في حزب البعث، وأنه ليس هناك فرق كبير بين اقتصاد السوق والاشتراكية الديمقراطية، وأن حزب البعث أخذ باقتصاد السوق الاجتماعي حتى لا يثير خوف قطاع الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب من موضوع الاشتراكية سيما مع القول بأن الاشتراكية هي وفرة في الإنتاج وعدالة في التوزيع حسب تعبيره، وليست بالضرورة هي الملكية العامة لوسائل الإنتاج كما يراها البعض في الحزب، مبينا ان البعث عندما يقول باقتصاد السوق فإنه يؤكد على الشق الاجتماعي الذي يعني أن الدولة لن تستقيل من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المواطن، وفي شق الوحدة فإن الحزب كان يقول بالوحدة الاندماجية والآن يفكر البعث بأي شكل يمكن أن يجمع العرب ـ كما يقول امطانيوس حبيب ـ كالتضامن العربي أو التكامل العربي وأنه لا مانع من إقامة اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي إذا لم تكن الوحدة ممكنة.
القدس العربي