الحوار الأميركي السوري… هل تحقق شيء يذكر؟
زين الشامي
رغم الكثير من الزيارات التي قام بها ديبلوماسيون أميركيون إلى دمشق وآخرهم جيفري فيلتمان، نائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط والمسؤول في المجلس الأمن القومي دانييل شابيرو، رغم هذه الزيارات، مازالت العلاقة السورية – الأميركية في مرحلة الاختبار وجس النبض، ولا يبدو أن اختراقاً جدياً حصل بين الطرفين، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة جملة معطيات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن التحسن الذي تأمله دمشق سيستغرق وقتاً طويلاً.
وما يمكن قوله عن الذي تحقق فيما يخص العلاقة بين البلدين خلال الأشهر المنصرمة من عمر إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، انه لم يتجاوز الأطر والمبادئ العامة التي وضعتها الديبلوماسية الأميركية فيما يخص علاقاتها الدولية عموماً والشرق أوسطية خصوصاً، وهي أطر ومبادئ تعتمد وتسعى لفتح قنوات الحوار مع الخصوم السابقين للإدارة الأميركية، وهو ما تفعله واشنطن مع دول عدة وليس مع دمشق لوحدها، إضافة إلى تأكيد هذه الإدارة على التزامها بالسعي للتوصل إلى اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، وهذا بدوره لا يعني أن ثمة اختراقاً ثنائياً، أو تقدماً جوهفرياً، قد حصل خلال الأشهر السابقة.
من ناحية ثانية، فإن موافقة الرئيس باراك أوباما أخيراً وتجديده أوامره للحكومة الفيديرالية بتمديد العقوبات الاقتصادية على سورية عاماً إضافياً يعتبر مؤشراً آخر على عدم حصول أي تقدم جدي، ودليلاً على أن العلاقة مازالت تعيش مرحلة الاختبار وجس النبض. أيضاً فإن قرار أوباما عكس استمرار وجود تيار في الكونغرس الأميركي يعارض الانفتاح على دمشق، وذلك لاستمرارها في انتهاج سياساتها السابقة، وهي سياسات تهدد الاستقرار الإقليمي وتدعم منظمات تعتبرها واشنطن منظمات إرهابية، وقبل اتخاذه القرار بتجديد العقوبات، كان اثنان من أعضاء الكونغرس قد وجها رسالة له طالباه فيها بتمديد العقوبات. من ناحيته، قال مسؤول في الخارجية الأميركية إن العقوبات المطبقة على سورية عام 2004 بموجب «قانون محاسبة سورية» ستظل باقية لعام آخر؛ لأن سورية لم تفِ بعد بالتزاماتها الدولية، مشيراً إلى أن جزءاً من رحلة فيلتمان إلى المنطقة كان محاولة لحمل السوريين على اتخاذ بعض الخطوات التي تسمح بالتحرك باتجاه علاقة أفضل، لكن يوجد الكثير الذي ينبغي أن يفعله السوريون، حسب تعبيره، وهذا يعني حسب هذا المسؤول الأميركي أن الإدارة الجديدة لا تختلف عن سابقتها لناحية طلبها من دمشق تغيير بعض سياساتها ومواقفها، وهو الأمر الذي مازالت دمشق تعبر عن رفضها له، أو بالأحرى لم يظهر من دمشق أي إشارات تدل على استعدادها للقيام بخطوات دراماتيكية.
المؤشر الآخر لعدم حصول التقدم المنشود، تجنب الإدارة الأميركية إرسال شخصيات رفيعة المستوى الى دمشق، والاقتصار على مستويات متدنية مثل نائب وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، وقد لوحظ خلال الشهرين المنصرمين إبقاء لبنان محطة لزيارات ديبلوماسية أميركية، وعدم زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أو السناتور السابق والمبعوث الخاص روبرت ميتشل لدمشق، لا بل إن وزيرة الخارجية كلينتون ونائبها فيلتمان أيضاً، أكدا من خلال تصريحاتهما التي أطلقاها من بيروت على أولوية لبنان والتمسك باستقراره وعدم عقد صفقة مع سورية على حسابه، وهو ما يعطي إشارة بالغة الدلالة على أن لبنان، ورغم مخاوف بعض الساسة اللبنانيين من حصول صفقة مع دمشق على حسابه، مازال يشكل المعبر الضروري لعلاقة جديدة وجدية بين الولايات المتحدة وسورية.
من ناحية ثانية، لابد من التنويه إلى أن ثمة أصواتاً في الولايات المتحدة تشجع بقوة أي تحسن في العلاقة السورية – الأميركية، في الوقت ذاته الذي عبرت فيه عن استيائها من تجديد العقوبات على سورية مثل جوشوا لانديز، الخبير في الشأن السوري، والذي رأى أنه بعد وعود أوباما بتغيير طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والمنطقة، فإن تمديد العقوبات سيكون خطوة في الاتجاه الخاطئ، وسيعطي إشارات خاطئة إلى القيادة السورية.
وقال لانديز في مقال له نشره على موقع في الإنترنت ان: «تجديد أوباما العقوبات يظهر أن لا تغيير حقيقيا طرأ ولا مغادرة لسياسات الرئيس بوش».
من ناحية ثالثة، ثمة اتجاه في الإدارة الاميركية رأى أن تجديد العقوبات روتيني جداً وليس مرتبطاً من قريب أو بعيد بما حصل من حوارات بين المسؤولين السوريين والأميركيين في الآونة الأخيرة.
وفي جميع الأحوال، لا يعتقد أن يحقق الطرفان أي اختراقات كبيرة على المدى القريب، نظراً إلى عدم قدرة أي منهما على اتخاذ قرارات جذرية عميقة تجاه بعضهما البعض، فلا سورية تمتلك القدرة على تلبية المتطلبات الأميركية المتعلقة بضرورة وضع حد لعلاقاتها مع المنظمات التي تصفها واشنطن «بالإرهابية» ممثلة بـ «حزب الله» وحركة «حماس»، ولا الولايات المتحدة مستعدة لقبول سياسات دمشق الإقليمية، التجارب السابقة أثبتت قدرة البلدين على بناء علاقات مصالح من تحت الطاولة، وعقد صفقات جانبية تلبي المصالح المشتركة وتحفظ لكليهما حق شتم ونقد الآخر أمام الرأي العام.
كاتب سوري
صحيفة الراي العام