تركيا وإحياء مفاوضات السلام؟
عمر كوش
حملت التطورات التي حدثت في الآونة الأخيرة ما يوحي بإحراز تقدم لافت في الاتصالات ما بين سورية وإسرائيل عبر القنوات الخلفية، غير الرسمية، وبالتحديد عبر الوساطة التركية، وذلك على الرغم من التوتر المتزايد بين البلدين،
الذي تعاظم بعد الهجوم الإسرائيلي في شهر سبتمبر من العام الماضي على ما قيل إنه مشروع مشتبه لبناء مفاعل نووي سوري قرب بلدة تل أبيض في محافظة دير الزور الشرقية، فضلاً عن تداعيات حرب يوليو (تموز) 2006 والوضع المتأزم في لبنان والوضع المشتعل في قطاع غزة.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد كشف مؤخراً في مقابلة مع صحيفة الوطن القطرية عن وساطة تركية، يقودها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان منذ مدة من الزمن، وأن الأخير نقل إليه استعداد إسرائيل للانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة مقابل توقيع اتفاق للسلام الكامل مع سورية. وقد أكّد رجب طيب أردوغان الوساطة التركية خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، وتوقع أن تبدأ قريباً المفاوضات بين ممثلين من الجانبين على مستوى منخفض من التمثيل كخطوة أولى.
وتتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع سورية، خصوصاً بعد قدوم حزب التنمية والعدالة إلى السلطة فيها، وعلاقاتها جيدة كذلك مع إسرائيل، والأهم من ذلك كله هو علاقاتها المميزة والتاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن الوساطة التركية لا يمكن أن تتم بمعزل عن التشاور مع الإدارة الأميركية وموافقتها، لكن المفاجئ في الأمر هو تزامن الإعلان عن المسعى السلمي التركي مع الاتهام الأميركي لسورية، الذي يزعم أن سورية حاولت إقامة برنامج نووي سري، وتلقت مساعدات من كوريا الشمالية. وقد أثار هذا الاتهام عاصفة جديدة من التفسيرات والجدل والتراشق الكلامي، وفسّر على أنه يغلق باب الأمل باقتراب بزوغ فجر للسلام الحقيقي، والعادل والشامل، الذي يترقبه الشعب السوري ومعه غالبية شعوب المنطقة كافة.
اللافت في الاتهام الأميركي صدوره من البيت الأبيض، في وقت يبحث فيه الرئيس الأميركي مع محمود عباس طرق تفعيل مسار التسوية السلمية بين فلسطين وإسرائيل، ويسعى جاهداً إلى منح حزبه الجمهوري قوة دافعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تخلصه من أوحال الإخفاقات والفشل الكارثي في العراق وأفغانستان. كما أن الاتهام الأميركي يرسل إشارات إلى كوريا الشمالية، بغية تقديمها المزيد من التنازلات مع بدء المفاوضات السداسية بخصوص تفكيك برنامجها النووي. وهو مبني على شكوك، بلا أدلة أو إثباتات، في حين أنه يتناسى إسرائيل، التي تمتلك أكبر ترسانة نووية في المنطقة، ولديها مخزون يبلغ أكثر من 300 رأس نووي. وعليه فإن شكوكاً كثيرة تطاول جدية المسعى الإسرائيلي حيال السلام مع سورية، بالرغم من أن الأجواء السائدة في أيامنا هذه تشير إلى بداية حدوث انفراج في التوتر بين الطرفين السوري والإسرائيلي الذي تصاعد منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.
بناء على ما تقدم، فإن الشكوك ستطاول أيضاً نجاح المسعى التركي للسلام، خصوصاً وأن إسرائيل رفضت رفضاً قاطعاً طوال سنين احتلال مرتفعات الجولان التنازل عن شبر منها، بل وتعتبرها جزءاً من إسرائيل الكبرى، لذلك تنصلت في أكثر من مناسبة من ما بات يُعرف بـ«وديعة رابين». ولن يكون الهدف من مسايرة المسعى التركي سوى اللعب على ورقة قدرة حكومة إيهود إولمرت على السير في مفاوضات السلام، بعد أن فشلت ورقتها العدوانية في حرب يوليو (تموز) 2006، وبالتالي ستستخدم ورقة الدخول في مفاوضات مع سورية للتسويق الداخلي، وستقدم على المفاوضات مع أجل المفاوضات، واستهلاك الوقت، وليس من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل. ولا ننسى أن الدبلوماسية الإسرائيلية تخطط -كما يقال- لضرب أكثر من عصفور بحجر، حيث تتحدث الأوساط السياسية الإسرائيلية عن «السلام المشروط» مع سورية، وأن الدخول معها في مفاوضات سلام سيفضي إلى فك ارتباطها وتحالفها مع إيران وحزب الله وحركة حماس وخروجها من «محور الشر». وهذا ما يتفق مع المسعى الاستراتيجي الأميركي، ويعطي إشارة إلى نوع من تبادل الأدوار والتنسيق ما بين الحليفين الاستراتيجيين، إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، فالأولى تظهر سعيها للدخول في مفاوضات سلام مع سورية، فيما توجه الثانية الاتهام بإقامة مشروع نووي سري، بغية تهيئة مناخ متوتر وضغط نفسي لعقد صفقة سلام مريحة جداً. وفي ظل هذه المعطيات، فإن السلام المنشود لشعوبنا ومنطقتنا سيبقى بعيد المنال.
كاتب من سورية