المونودراما في اللاذقية: ستة عروض صنعت مهرجاناً حقيقياً

أنور بدر
اللاذقية ـ ‘القدس العربي’ انطلقت أواخر نيسان/أبريل كعادتها كل عام، فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان المونودراما المسرحي في مدينة اللاذقية، برعاية من وزارة الثقافة السورية، حيث أكّد الدكتور عجاج سليم مدير المسارح والموسيقا في الوزارة أنّ المسرح في سورية بخير، وهو يمتلك كل مقومات النجاح والتفوق، حسب تعبيره، وفي مقدمتها هذا الجمهور الذي اجتمع الآن، وغصت به مدرجات المركز الثقافي العربي في اللاذقية، فالمسرح لا ينهض إلا بجمهوره.
لكن ما يميز مهرجان المونودراما عن غيره من المهرجانات المسرحية التي تنتشر في سورية، أنه اختص دون سواه بموضوع المونودراما أو عروض الممثل الواحد، والتي تُغري البعض بالاستسهال مع أنه من أعقد أشكال المسرح، إذ تُلقى فيه أعباء النهوض بالعرض المسرحي على ممثل واحد، وغالباً ما يستعين بأقل العناصر الإضافية في الديكور والسينوغرافيا، مما يجعله نموذجاً للمسرح الفقير، الذي يمكّن الممثل أن يُسافر بعرضه إلى الكثير من المدن وبقاع الأرض، ويُقدّم عرضه بأقل التكاليف الممكنة، شرط أن يتمكن هذا الممثل من شد جمهوره بقوة الأداء وتماسك الموضوع ليس إلا. وفي هذا الشرط تكمن صعوبة المونودراما وخطورتها بآن معاً.
المسألة الثانية أنّ مهرجان المونودراما يُشكل استثناءً مع تجارب قليلة حافظت على طابعها الأهلي أو الخاص، رغم الرعاية الرسمية لمديرية المسارح والموسيقى، بل هو ما يُشكل في هذا الصدد نموذجاً للتعاون الثقافي بين المؤسسات الأهلية والمؤسسة الرسمية، هارباً من يافطات المنظمات الشعبية التي تعودنا أن تنظم مهرجاناتها المسرحية كالشبيبة والجامعي وصولاً إلى العمالي. فهذا المهرجان أطلقه ‘البيت العربي للموسيقى والرسم’ بإدارة ياسر دريباتي، الذي يعتبره علامة فارقة في انتظامه وتطوره وفي اختصاصه أيضاً، مؤكداً أهميته في تفعيل الحراك المسرحي ضمن المحافظة وفي استقطاب عروض مهمة ومتميزة محلية وعربية، لكن النقلة المهمة في هذا الدورة تمثلت بالخروج أبعد قليلاً عن خشبة المركز الثقافي الذي أقيمت فيه العروض خلال ستة أيام متتالية، عبر ورشات عمل ومشاهد مسرحية توزعت في العديد من المقاهي الثقافية التي تزين فضاء هذه المحافظة الساحلية.
إذ أقيمت ثلاث ورشات عمل لمجموعات من الشباب الهواة، فأشرفت الفنانة أمل عمران على ورشات إعداد الممثل، استمرت عشرة أيام بالتعاون بين البيت العربي للموسيقى والرسم وبين المسرح الجامعي في اللاذقية، أثمرت عن مشهد ‘احتفال بيوم تافه’ في حفل الافتتاح. وورشة ثانية تتعلق بفن الإيماء أو البانتوميم بإشراف الممثلة ندى الحمصي، أمّا الورشة الثالثة حول فن الجسد فأشرفت عليها المسرحية التونسية زهيرة بن عمار، وقد نتج عن هذه الورشات مجموعة مشاهد مسرحية عُرضت خلال أيام المهرجان في الكثير من المقاهي الثقافية ‘فسحة أمل- درج الورد- جدل بيزنطي- نزل السرور- الحور العتيق – ليال بالاس’ استقطبت الكثير من المتابعين والمهتمين في محافظة ما زالت تكتنز الرغبة في الاكتشاف وفي التواصل.
كما افتتح في مقهى ‘نزل السرور’ معرض تشكيلي مواز لنشاطات المهرجان المسرحي شارك فيه الفنانون: أمير حمدان، منى محمد، علي مقوص، هيشون، محمود مقوص، شكل إضافة هامة للمهرجان.
بالنسبة للعروض المشاركة، فقد تغيب العرض التونسي ‘وزن الريشة’ فيما حلّ العرض التونسي الآخر ‘السنديانة’ في الافتتاح، وقد تألقت فيه الفنانة القديرة زهيرة بن عمار نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، حيث تروي يوميات من خريف العمر لامرأة تعيش هواجس الأنثى والوحدة في منزلها الفارغ إلا من كرسي. وقد استطاعت رغم اللهجة التونسية والكثير من المفردات الفرنسية أن تخلق تواصلاً مع جمهورها عبر الحرفية العالية في الأداء والتشكيلات البصرية والحركية لممثلة قديرة، رغم سوء الإضاءة والصوت التي أضعفت التواصل قليلاً، وقد سبق لي أن شاهدت هذا العرض الجميل في دمشق العام المنصرم. بالمقابل شكل العرضان السعودي ‘عندما يأتي المساء’ لمساعد الزهراني وبتوقيع فهد الحارثي مخرجاً، والعراقي ‘رقعة الشطرنج’ من تمثيل مصعب إبراهيم، تأليف وإخراج بشار عبد الغني، مساحة للاكتشاف بالنسبة لنا.
العرض السوري ‘بقايا مجنون’ أنبأ عن ممثل واعد ‘ماهر ديب’ يمتلك طاقة عالية في الأداء والتحكم بجسده وصوته وتعابيره الانفعالية مما يرشحه للعب أدوار مهمة في الحركة المسرحية السورية، مع أنّ نص فرحان الخليل لم يخدمه كثيراً. وكان العرض بتوقيع قتيبة غانم مخرجاً.
فيما شكل المهرجان مناسبة لاستعادة عرض ‘امرأة نساء’ واستعادة الفنانة القديرة ندى الحمصي العائدة إلى الخشبة مجدداً، وهو عرض نال الكثير من الجوائز في اليابان وتونس وكندا، لكنه لم يحظ بعروض سورية تليق به. وهو عرض إيمائي من تأليف وإخراج الدكتور محمد قارصلي.
كما استعاد المهرجان عرض ‘صوت ماريا’ للممثلة ‘فدوى سليمان’ ومن إخراج ‘مانويل جيجي’ عن نص ‘ليديا شيرمان هوداك’، إذ سبق وقدم في العام المنصرم ضمن المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو يحكي عن مأساة إمرأة تغتصب ابنتها في الحرب، فتقدم صرخة احتجاج ضد العنف، وكان عرضاً احترافياً لمخرج غادرنا طويلاً لكنه عاد بعرض جميل.
وفي اعتقادي أنّ هذا المهرجان بعروضه الستة شكل حالة ثقافية ووجدانية رعاها البيت العربي للموسيقى والرسم، حالة مليئة بالحب والأمل، بحيث يمكننا القول أنها هي التي منحت هذه العروض، وهذا المهرجان أهميته اللافتة للانتباه.
القدس العربي