الأزمة المالية العالمية

العرب والأزمة المالية العالمية

محمد كريشان
غريب جدا أنه مع كل ما يجري في العالم اليوم من أزمة مالية رهيبة لم يتقدم أي مسؤول عربي ليقول رأيه العام عن التداعيات المحتملة لذلك على بلاده، ولو بشكل عام أو على سبيل التقريب، على الأقل من باب تهيئة الناس تدريجيا للتكيف مع واقع اقتصادي واجتماعي جديد سواء لديهم أو في محيطهم القريب أو البعيد، وفي كل الأحوال هم معنيون به ومتأثرون به شاءوا أم أبوا. ولهذا السبب يقترن لدينا هذه الأيام الجهل والذعر، وكلاهما يغذي الآخر، فالمواطن العادي لا يفهم أصلا ما يجري في الولايات المتحدة ولا أسبابه ولا علاقة بقية العالم به وبالطبع ما الذي يمكن أن يصيب البلاد العربية، غنيّـــها قبل فقيرها جراء كل ذلك.
وطالما أن الصورة كذلك فمن باب العبث الحديث عن تداعي الدول العربية لعقد اجتماع يبحث هذه الهزة الدولية الكبيرة فمن لم ير داعيا ليتحرك داخل بيته لن يقبل بطبيعة الحال على بحث أي شيء بين جيرانه أو على صعيد الحارة ككل مع أن العارفين بتفاصيل ما يحدث الآن يؤكدون أن لا أحد سيكون بمنأى عن توابع هذا الزلزال المالي بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة، ليس فقط على مستوى الدول وسياسات الحكومات واختياراتها المالية والتنموية وإنما أيضا على مستوى الأفراد وتغير نمط سلوكهم وخططهم المالية. إن الدول العربية المنتظمة جديا في عقد اجتماعاتها الأمنية السنوية على مستوى وزراء الداخلية العرب وما يعقبها من لقاءات دورية لقادة الشرطة وخبراء الإرهاب لم تر على ما يبدو ما يستدعي لقاء اقتصاديا تشاوريا لمحاولة تلمس أولي لمضاعفات وانعكاسات ما يجري حاليا على غرار ما فعل نظراؤهم الأوروبيون، ولا بأس بالمناسبة من بحث الجوانب الأمنية طالما أن هذا هو هوسهم الدائم، لأن للأزمة الحالية بالتأكيد جانبا أمنيا لا بد من تلمسه من الآن في دول سبق وأن احترقت مدنها ونزل فيها الجيش للشوارع بسبب ارتفاع أسعار الخبز أو المحروقات وفي مجتمعات تعاني من نسب بطالة مرتفعة وفساد مستشر.
للاقتصاد رجاله وخبراؤه ولكن يعود للساسة دائما الحسم في كثير من الخيارات المستقبلية آخذين بعين الاعتبار المصلحة الاقتصادية للبلاد ولكن مقترنة بالحرص على توازناتها الاجتماعية واستقرارها لأن أي هز عنيف لهما قد تكون تكلفته المالية أعلى بكثير من عجز مالي في هذا الميدان أو ذاك. وحسب ما بدأ يتسرب تدريجيا وبخجل فإن معظم الدول العربية مقدمة بدرجات متفاوتة على أيام عصيبة فحتى تلك التي لن تتضرر كثيرا جراء الأزمة الحالية بالمعنى المباشر للضرر فإنها ستعاني جراء تضرر شركائها التجاريين أو دول محيطها الجغرافي.
دول الخليج العربية تبدو مقبلة على ما يبدو على فترة صعبة بعد فترة من الانتعاش جراء ارتفاع أسعار النفط وقد بدأت بعض الصحف الخليجية تشير من الآن إلى أن أزمة السيولة العالمية ستؤثر حتما في دول المنطقة وقد تجعل من الصعب تمويل مشروعات كبيرة في البنية التحتية والعقارات فضلا عن تردد البنوك في تمويل بعض المشاريع ناهيك عما يقال من أن واشنطن ستضغط على أكثر من دولة خليجية لمساعدتها في هذه المحنة مع أن هذه الدول تضررت هي الأخرى بتراجع قيمة ودائعها ومحافظها الائتمانية في السوق الأمريكية. أما دول المغرب العربي فقد عرفت تقليديا بارتباط اقتصادياتها بالاقتصاد الأوروبي توريدا وتصديرا وأي هزة تصيب الأوروبيين تنعكس عليها فورا تقريبا أقلها تراجع عدد السياح القادمين إلى تلك الربوع بسبب ما سيعانيه المواطن الأوروبي من مشاكل في التشغيل ومخصصاته التقاعدية وودائعه الائتمانية وغير ذلك.
أفهمونا من الآن، أعزكم الله، ماذا ينتظرنا وينتظركم؟
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى