صفحات العالمفلورنس غزلان

هل هي حرب ضد الخنازير أم ضد الأقباط؟

فلورنس غزلان
لا يستطيع المرء أن يقف مشلولاً مكتوف الأيدي وهو يرى جموع الفقراء تحاول حماية مصدر رزقها، لا يستطيع من تبقى لديه بعضاً من ضمير أو إنسانية أن يصمت حيال هذا الكم الهائل من الفقر والبؤس المريع في كآبته والمخيف في نتائجه، مع محاولات الدولة الكبيرة في المنظومة العربية أن تغطي عوراتها بغربال لا يحجب شمس الحقيقة، تريد إغلاق أو تورية هذه المشاهد وإبعادها عن ضواحي القاهرة التي تعج بما يوحي أن انفجاراً سكانياً وثورة للجياع لابد ستأتي بنيرانها ذات يوم وتحصد كل ماتحاول انظمة الاستبداد والقمع وأنظمة الفساد أن تخفيه ، لأنها تخشى على سمعتها السياحية وصورتها المنمقة بكثير من الزيف والطلاء، دون أن تحاول  وضع برامجاً ودراسات حقيقية للقضاء جذرياً على أسباب الفقر ومسببيه أولاً، ثم أسباب المرض ثانياً..
لأن مرض أنفلونزا الخنازير لم يثبت علمياً ولا مخبرياً ، ــ خاصة في مصر  ــ أن الخنزير المربى في أحياء الزبالة وبين أكوام نفايات الأغنياء هو من سيحمل المرض لمصر وأهلها، ثم ماثبت علميا ولدى الدول المصابة بالمرض ..أنهم عدلوا عن تسميته بمرض أنفلونزا الخنازير ، بل أنفلونزا المكسيك، وأن الإنسان هو الناقل الحقيقي له باتجاه الإنسان والحيوان وبما فيه الخنزير وأنه عبارة عن خليط بين أنفلونزا الطيور والحيوان…إذن لماذا تحرق وتذبح كل أعداد الخنازير التي يعتاش عليها فقراء وبؤساء  أحياء النفايات من أقباط مصر؟
ولماذا تم التصويت ولفلفة الموضوع وسلقه وإصدار قرار متسرع نتيجة لصيحات البرلمانيين من الإسلاميين وخاصة الأخوان المسلمين في( ديمقراطية ) مصر العربية؟
طُرحت بعض الحلول لكن احداً لم يأخذ بها أو ينصت إليها، لأن صوت إلغاء الآخر وإلغاء كل مايدل عليه وعلى ثقافته ودينه، كان الغالب والكاسح لكل الأصوات، قال البعض أنه يمكن نقل الخنازير إلى مزارع بعيدة نسبياً عن أماكن السكن، لكن الدولة لا تملك مقدرة على إنشاء هذه المزارع! أو أنها لاتريد أن تكلف ميزانيتها من أجل إنقاذ خنازير الفقراء الأقباط!.
في مصر مايزيد على 350 ألف خنزير يعيش قسماً كبيراً منها في ضواحي القاهرة المدقعة بالفقر، وفي الأبنية العشوائية أو أحياء الصفيح والورق، الخالية من أي خدمات صحية أو شوارع ومدارس ، اللهم إلا مابنته وأقامته بعض الجمعيات الخيرية القادمة من الغرب.
كان بإمكان هذه الثروة الحيوانية أن يحافظ على الأقل على نسبة كبيرة منها، طالما أنها لم تثبت إصابتها أو خطر حملها ونقلها للمرض، وكيف لنا أن ننسى أنفلونزا الطيور، والذي لم تستطع مصر حتى الآن القضاء عليه، حيث يعيش الدجاج والبط مع الفلاح داخل البيت نفسه، و لم يصدر أي قانون بالقضاء على كل الطيور الموجودة في مصر! ، فلماذا يريدون القضاء على الخنازير كلها؟
حين اكتشف مرض ” جنون البقر” في بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوربية، كانت تُتلف كل الأبقار في المزرعة التي تكتشف فيها إصابة، ولا تتلف المزرعة المجاورة التي يثبت عدم إصابة أي بقرة فيها ، حفاظاً على الثروة الوطنية وعلى حق الفلاح وحماية مصدر رزقه، وما تعوضه الحكومات الأوربية لايقاس بما طرحته الحكومة المصرية، فبعد أن أغرت الفلاح المصري ووعدته بألف جنيه مقابل كل رأس خنزير يتم ذبحه، عادت لتغل يديها إلى عنقها وتدفع مائة جنيه فقط عن كل رأس وخمسمائة عن الأنثى الولود!…فكيف يستطيع هذا المبلغ أن يعوض الفلاح عن خسارته وكم من الأيام سيغطي عوزه وجوعه؟، ناهيك عن افتقار مصر ومناطق التربية بالذات لمذابح صحية ولثلاجات مضمونة للحفاظ على مايذبح من حيوانات، مما أدى ويؤدي لتعرض هؤلاء الفقراء لجشع تجار اللحوم واستغلال ظرفهم في شراء اللحوم المذبوحة بأسعار بخسة، ثم أن الشرطة سبق وقامت بحرق العديد من الخنازير وإتلافها في نفس مناطق السكن، دون أن تراعي مفعول هذا الإتلاف على صحة المواطنين!
ثار الأقباط الفقراء واعترضوا، وفرح الإسلاميون وفركوا أيديهم بأن النصر الأول بدأ، والعد نحو قدرتهم على إخضاع الحكومة لآرائهم وعلى سطوتهم في القضاء على كل ” كافر” قبطي ، اليوم نقتل خنازيرهم وغداً نجبرهم على دفع الجزية أو الرحيل. وقد جاء هذا الحدث ليغذي أحقاداً قائمة تحاول الحكومة بين فينة وأخرى التغطية والتعمية عليها بين الطائفتين الإسلامية والقبطية، فقد حفلت هذه السنة وسابقاتها بالكثير من أحداث القتل والجريمة ذات الطابع الطائفي، وإن دل هذا التصرف العشوائي وغير المدروس على شيء ، فإنما يدل على قصر نظر سياسي سيؤدي إلى نتائج وخيمة وعواقب مؤسفة لا تصب بمصلحة وحدة الشعب المصري وهو الأحوج اليوم للتكاتف والتضامن بين كل فئاته ومكوناته، في مواجهة هجمة متنوعة تريد الاصطياد في الماء العكر والنيل من دور مصر العربي ودورها المناطقي وتريد الإخلال بأمنها…
فهل فكر رجالات النظام بقرارهم هذا قبل أن يخشوا لسان وعاقبة الإسلاميين؟ أم أنهم أرادوا أن يثبتوا حسن نيتهم تجاه النواب الأخوان ويهدئوا من روع هجمتهم بما يتعلق والخلاف بين الحكومة المصرية ودور حزب الله على أرض مصر ؟
كلا الأمرين أتى بنتائج مخيبة وبسياسة عمياء تضر بكل فقير قبطيا كان أم مسلماً، وهذا يعني أن الحكومة لا تفكر بقضاياهم وحاجاتهم الأكثر ضرورة ولا بوضع برامج لحلها، وإنما تفكر بالأكثرية التي تريد لهم الزوال، فهل ستنتصر مصر بهذه السياسة على خطئها ومغالطاتها ، الانتصار يقع أولا على النفس وعلى مرضها الداخلي الاقتصادي والاجتماعي…وأعتقد أن مصر تخسر في حساباتها  الضيقة ضمن لعبة صغيرة ذات نتائج كبيرة وخطيرة.
باريس 14/5/2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى