سوريا و”إسرائيل”: “سلام الحرب”
سعد محيو
هل اقتربت سوريا و”إسرائيل” حقاً من إبرام صفقة سلام؟
الأتراك يؤكدون ذلك، ويقولون إن المفاوضات غير المباشرة التي تجري برعايتهم منذ أكثر من سنة، وصلت إلى “مرحلة واعدة”. والسوريون يبدون تفاؤلاً علنياً، وإن كانوا يشددون على أنهم ما زالوا بانتظار تعهد “إسرائيلي” بالانسحاب من الجولان إلى حدود 1967 وليس إلى خطوط 1923. و”الإسرائيليون” لا ينفون حدوث تقدم، ويحثون الأتراك على مواصلة جهودهم.
حتى واشنطن، وبرغم حرصها على مواصلة العمل لخنق دمشق دبلوماسياً، لم تضغط على أنقرة بما فيه الكفاية لحملها على وقف وساطتها. صحيح أنها تفضل “استسلام” عاصمة الأمويين لشروطها (وفي مقدمها فصل عرى تحالفها مع إيران) بلا مفاوضات، لكنها لن تمانع إذا ما تحقق هذا “الاستسلام” على طاولة دبلوماسية تركية.
ثمة، إذاً، معطيات تفوح منها روائح التسوية. لكن مهلاً: إناء الشرق الأوسط لا ينضح دائماً بما فيه. وهذا الذي فيه الآن، يدل على أن الطرفين السوري و”الإسرائيلي” ليسا في وارد إبرام صفقة كبرى في الجولان. وحتى لو أرادا، فلن يستطيعا فرض هذه الإرادة على أوضاعهما الداخلية.
في “إسرائيل”، دلت آخر الاستطلاعات على أن 25 في المائة من “الإسرائيليين” فقط يوافقون على إخلاء الهضبة المحتلة. هذا في حين كان نصف نواب ووزراء حزب “كاديما” الحاكم يعلنون وقوفهم بالمرصاد لأي خطوة من هذا النوع، وفي وقت يلمّح زعيم حزب العمل باراك إلى أنه مستعد لمقايضة السلام مع سوريا بلبنان وليس بالجولان.
وفي بلاد الشام، لا شيء البتة يدل على أن النظام في وارد مصالحة “إسرائيل”، فيما هو يخاصم حلفاءه التاريخيين المصريين والسوريين بسبب وقوفه ضد “الاصطفاف الاستراتيجي الجديد” ضد إيران. فمثل هذه الخطوة، وحتى لو تضمنت إعادة كامل الجولان (وهذا ما لا يبدو وارداً)، ستتطلب في الدرجة الأولى طاقماً حاكماً جديداً في دمشق، يقلب الأولويات الداخلية والخارجية السورية رأساً على عقب.
ايهود أولمرت أضعف بكثير من أن يقدم على السلام مع سوريا. وبشار الأسد سيصبح أضعف بكثير إذا ما انحاز إلى خيار التسوية بدل المقاومة. وفي مثل هذه الأوضاع، يصبح السلام أشبه بجمل يحاول الدخول من خرم الإبرة. أو هكذا يبدو الوضع حتى الآن على الأقل.
لكن، إذا ما كان السلام بين سوريا و”إسرائيل” مستبعداً في هذه المرحلة، فهل يعني ذلك أن الحرب بينهما واردة؟
كلا الطرفين يعملان ليومهما كأن الحرب واقعة غداً. ف “إسرائيل” تقصف ما تزعم أنه مفاعل دير الزور، وتغتال عماد مغنية، وتجري مناورات كبرى في الجولان، لإفهام سوريا بأنها ستكون مستعدة لضربها إذا ما تجاوزت “الخطوط الحمراء”. وسوريا تنشط في بناء الاستحكامات والخنادق والأنفاق على طول الخط الممتد من الجولان إلى دمشق، وتنشر صواريخ بعيدة المدى في الشمال السوري قادرة على ضرب كل المدن “الإسرائيلية” لردع أي هجوم “إسرائيلي”.
بيد أن كل ذلك يبدو صرخات حرب هدفها مجرد تجنب الحرب. خطوات دفاعية لا هجومية، أو بطاقة تأمين ضد مخاطر المغامرات غير المحسوبة.
لقد كان الرئيس الأسد محقاً حين استبعد مؤخراً نشوب حرب قريبة بين سوريا و”إسرائيل”. وهذا أمر سيتأكد أكثر إذا ما تضمنت الوساطة التركية الحصول على ضمانات من الجانبين حيال ذلك، حتى لو تعثرت جهود السلام.
لكن، هل غياب احتمال الحرب على الجبهة السورية، يعني أيضاً غيابه على الجبهة اللبنانية أو الفلسطينية؟
لا نعتقد. فمناورات السلام في جبهة، قد تكون ضرورية لمناورات الحرب في جبهة (أو جبهات) ثانية