يوم الصحافة العالمي…في سورية بدون حرية
فلورنس غزلان
يمر العالم اليوم بموعد مع حرية الصحافة… ( الثالث من أيار ) موعد مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، حرية الكتابة والتعبير وانسياب القلم ناطقاً باسم الفكر الحر لخدمة الحضارة الإنسانية، ولنقل تنوع الفكر والمشارب…
كي يجعل من صحف العالم منابراً تكشف المخفي وتبحث عن الحقيقة ، حين تغلفها مصالح الدول والأنظمة السياسية والاقتصادية من أجل السيطرة على مصادر القوة والطاقة أو ــ إن صح القول ــ منابع الحياة الإنسانية…حسب المصادر العالمية الموثقة، فان عدد الصحافيين الذين قضوا هذا العام بحثاً عن مصدر الخبر ومن أجل إيصاله للإنسان في بيته أمام تلفازه أو صحيفته اليومية…..دون عناء…فقد قدم (28) صحفيا ومراسلاً أرواحهم من أجل نقل الصورة والكلمة من موقعها إلى متلقيها وقارئها…لكننا وفي هذا اليوم نقف بذهول ..ونتطلع بوجع، نحو أهلنا في الوطن السوري، نحو أصدقاء لنا وأحبة لا يتقنوا سوى الكلمة يناضلون من خلالها…وبها..كي ينقلوا الصحيح من الخبر والنقي من الفكر..كي ينتقدوا الخطأ في عقر داره، من أجل نقل بلادهم نحو حلمها بحرية أوسع ومساحة أكثر رحابة في التحرك والانطلاق مع العالم المتحضر للتقدم والبناء…هؤلاء اليوم يدفعون من حياتهم ومن أيامهم ثمناً للكلمة، كيف يمكن للصحفي أن يمارس حريته في بلاد تحكمها سلطة لا تعترف بحق الصحفي وتقيده بقوانين تحاصره وتكتم أنفاس قلمه وكتاباته بالمواد ( 50، 51، 52 ؟)، وكلها صدرت بعد العهد الميمون للثورة المباركة!، علما أن سورية البارحة، وحتى عام 1949 كان لديها قانون ( 53) يمنح الحق للصحف ويعطيها تراخيص لتقول وتكثف وتحيي الكتابة والعمل الثقافي، لكن الأمر العسكري رقم ( 4) الصادر عام 1963 والذي أمر بإغلاق الصحف وحجبها ومصادرة آلات الطباعة وتوقف دور النشر عن العمل ــ بالطبع بعد صدور قانون الطواريء ساري المفعول حتى اللحظة ــ، بل زاد حصاراً وأمعن بخنق كل حروف اللغة، وجعلها عقيمة المعنى والمبنى تدور في فلك السلطة وتخدم حاشيتها من خلال قوانين تصادر حق الإنسان في التعبير والقول والحركة ، وأخص به قانون المطبوعات الصادر عام 2001 والذي يحمل الرقم 50 ويوقع أشد العقوبات ويمنح وزير الإعلام ورئيس مجلس الوزراء كل الصلاحيات، ويرفض أي ترخيص لصحف حرة خارج إطار الرسمي ( الثورة، البعث، تشرين) …الأقانيم الثلاثة المقدسة!!! في وطن القداسة للرئاسة وحسن الإصغاء والكتابة والكياسة، علماً أن هذه القوانين الاستثنائية تعني بشكل منطقي وواقعي إلغاء العمل وإبطال مفعول المادة( 38) من الدستور السوري نفسه المعدل عام 1973 ، لمن يوضع الدستور ومواده إذن ولماذا؟…أمن أجل أن نقول للعالم أنه عندنا دستور موضوع على الرف …باطل الفعل وعاطل عن العمل لأجل غير مسمى؟.
في هذا اليوم كيف يعن لنا أن نمر به دون أن نأتي ونُصِر على تذكير من ينسى أو يتناسى…بأولئك القابعين ، الذين نطقوا بالشهادة …شهادة الحق بوجه الباطل…نطقوا وجهروا دون وجل ..وعلى رأسهم ( عارف دليلة الاقتصادي ، الذي يدفع ثمن جريمة تحليله المفصل للنهب والخراب الاقتصادي والفساد في مواقعه الحساسة ، والتي تعطي بشائر ثمارها التخريبية اليوم ملقية بظلال جوعها على الشعب السوري المسكين، يقبع هذا الشيخ الجليل داخل زنزانته المنفردة…لأنه نطق بالكفر..الكفر بأن وضع إصبعه على الجرح النازف لخيرات البلد وعلى مصادر الاستنزاف المستمر لرزق المواطن، ومن يستغلها ويسرقها من فم أطفال المواطن اللاهث وراء لقمته وحاجاته الضرورية ، حفنة صغيرة تتحكم بالوطن وتتخذ منه بنكاً لتمويل مشاريعها الثرائية …دون أن تفكر للحظة …بالأفواه الجائعة ، التي يزداد تعدادها وتتكاثف أسراب طوابيرها وقوفاً من أجل الحصول على رغيف للخبز ــ ( لكم في إدلب والرقة مثالا) وعودوا لمصادر الخبر في مواقع قريبة من النظام أو ناقلة للخبر من أرضه…( الثورة، أو كلنا شركاء …أو المرصد السوري..)، أما طوابير المازوت والغاز والبنزين …فحدث ولا حرج ــ هذا لو امتلك المواطن ثمنها ــ.
كافر أنت يا عارف دليلة…كافر بنعمة الرب الصغير والسادة الصغار الكبار حماة الوطن وحراسه من عين الحسود! …لماذا كفرت ياعارف دليلة؟…ولماذا نطقت بما تجاوز حواف وأطراف ( سرير بروست ، ومقياس ريختر الوطني ؟) هذا المقياس وضعته أيدي النظام وصنفت من يتجاوزه بالكافر الخائن ، الذي يتطاول على الوطن …لأن الوطن هو ..لأن النظام يعني سوريا والوطن والشعب يعني أبوة هذا النظام المفروضة بزواج عرفي وبالإكراه…
ويحكم …نحن أبناء سورية…نحن جياع سورية…نطلب الطلاق علنا …وأمام كل محاكم الأرض الشرعية وأعرافها الدولية…طلقونا من نظام التجويع والتركيع والتخوين …طلقونا …ونحن نطلقكم …بالثلاثة والعشرة والمئة….لكنه زواج الإكراه زواج الاغتصاب …فإلى متى يدوم؟ ولماذا؟.
أضم إلى قائمة الكفر في يوم الصحافة وحريتها…فايز سارة…وأكرم البني وميشيل كيلو…و علي العبدالله ، ومحمود عيسى، طلال أبو دان…فائق المير…الخ، وكل من يقبع اليوم خلف قضبان النظام …لأنه قال ما برأيه صدقاً ..لأنه مارس قناعاته، ولا يتحمل أن يوضع السيف فوق رأسه ويملي عليه شروطه في التفكير…لأنهم …لا يسمحون للمخبر ورجل الأمن، أن يدخل دماغهم وينظم كيفية ترتيبه وتعاطيه مع الحدث وكيفية رؤيته للصح والخطأ!…كيف يمكننا أن نرى اليوم …أن أنور البني يحصل على جائزة وتكريم من ( فرونت لاين) …لحقوق الإنسان، وهو يقبع داخل جدران سميكة مغلقة …وعسس يحسبون عليه أنفاسه …ويسجلون أحاديث الهمس التي تدور بينه وبين كمال البني…فيضيفون له ثلاثة أعوام على ما سبق وصدر بحقه…فاثنا عشرة لا تكفي يا دكتور كمال…لا تكفي الحقد الدفين في قلب النظام!… إنه لا يحتمل جرأتكم في وجه سوطه ودواليبه وعنفه اليومي .
فمن أين لكم بكل هذه الجرأة يا سادة الكلمة الحرة؟.
حين تصفك يا أنور السيدة رئيسة ايرلندا ( ماري ماكيلز) “بأنك بطلا لحقوق الإنسان، وأن البطل لحقوق الإنسان في بلد مثل بلدك …يقارع نظاماً ديكتاتورياً لا شك …بأنه يقف وحيداً” …أو معه ثلة صغيرة فقط من أصدقاء عاهدوا …من أصدقاء ..نذروا أنفسهم سابقاً ولا حقاً…دفعوا ويدفعوا على مذبح الحرية حياتهم وحياة أبناءهم وعائلاتهم …ألا تستحق هذه النسوة أن يقال بحقها أنها بطلة وشجاعة هي الأخرى؟…ألا تستحق راغدة وروزيت ووديعة …وكل نساءكم العظيمات الصابرات المنتظرات …أن يحملن أعلى الأوسمة فوق صدورهن؟…إنهن صحفيات الظل… حبيسات سجنكم…وسجن الحي ونظرات الإشفاق ونظرات التشفي بعض الأحيان…لكن أعظمها …نظرات التقدير والإجلال والانحناء لقدرتهن على الصبر، قدرتهن على الثبات …قدرتهن على البناء…بناء العائلة وتصنيع الأبناء وتربيتهم …دون الانصياع والذل والانقياد …دون الانهيار أمام مساومة الجلادين…
ربما تجاوزت اليوم العالمي للصحافة وحريتها، وجئت على ذكر نساء وأعلام لا علاقة لهم بهذا اليوم…لكني أربطهم ويربطهم فيه نضالهم المستمر من أجلكم، لأنهم صوتكم …صوت الحرية ، حرية وطنكم ..وكي لا تنسوا وكي لا ينساهم العالم الحر، الذي يحتفل بالصحافة وبالكلمة الحرة…كي نطالب كل منظمات وهيئات الدفاع عن الكلمة الحرة وأصحابها، أن يقفوا اليوم مع ضمائرهم ، مع القوانين العالمية ، التي تضمن حرية النشر والتعبير…أن تطالب بإطلاق سراحهم ولا تكتفي بتكريمهم وهم داخل القضبان …تكريمهم يتم عندما يكونوا أحرارا…عندما تكون سورية حرة كريمة ولكل أبنائها.
ــ باريس 3/5/2008
خاص – صفحات سورية –