المشكلة الكردية في تركيا
محمد نور الدين
الآمال التي علّقت مؤخرا على إمكانية أحداث خرق في المشكلة الكردية في تركيا تتجه إلى التبخر والعودة كما هي العادة في كل مرة إلى نقطة الصفر.
والآمال المذكورة بدأت مع زيارة الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى تركيا قبل حوالي الشهرين واعلن خلالها عن تنظيم مؤتمر كردي خلال شهر نيسان/ابريل أو ايار/مايو في اربيل من أجل مقاربة شاملة للملف الكردي في المنطقة وتتضمن دعوة لتخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح على ان تبادر الحكومة التركية إلى خطوات مقابلة ليس اقلها العفو عن المقاتلين الذين في الجبال.
المؤتمر الموعود يبدو انه اصبح من الماضي وليس من مؤشرات على انعقاده. ايضا يقترب الأول من حزيران/يونيو موعد إنهاء تجميد نشاطات حزب العمال الكردستاني كبادرة حسن نية اعلنت في السابق وحتى الآن لم يحدث اي شيء من جانب انقرة.
وفي الجانب التركي حدثان مهمان سلبيان، الاول هو قيام السلطات الامنية بحملة اعتقالات واسعة في صفوف قياديي حزب المجتمع الديمقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني وهو ما وصفه القيادي في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان بأنه “مجزرة سياسية” ومن يريد حلا لا يرتكب مثل هذه المجزرة.
والثاني هو تصريح رئيس الاركان التركي الجنرال ايلكير باشبوغ ان العام 2009 يشكل فرصة لتصفية حزب العمال الكردستاني مستندا في ذلك ربما إلى المناخات التي اشاعتها مواقف الادارة الأمريكية الجديدة بعد زيارة اوباما إلى تركيا ووصفه حزب العمال الكردستاني بالمنظمة الإرهابية.
وفي الضفة المقابلة، اي حزب العمال الكردستاني، لا تفاؤل على هذا الصعيد أو لأي استعداد للتخلي عن السلاح من دون ان يكون ذلك جزءا من عملية متكاملة.
يقول قره يلان في حوار اجرته معه صحيفة “ميللييت” انه فقط بالكفاح المسلح أمكن تحقيق بعض المكاسب للأكراد. ويقول قره يلان انه لو لم تندلع الانتفاضة المسلحة عام 1984 لكان الاكراد اليوم قد انتهوا.وحينها كان التكلم باللغة الكردية ممنوعا حتى داخل البيوت.ومع ذلك فإن الكفاح المسلح هو جزء من العملية السياسية. ويرفض قره يلان التخلي عن السلاح لأن العملية السياسية لوحدها لا تقدّم شيئا. ويعطي مثلا حزب المجتمع الديمقراطي الذي نال المزيد من الاصوات وله 21 نائبا في البرلمان ومع ذلك لا يمد رجب طيب اردوغان يده اليه فيما لا يعترف به (بالحزب) رئيس الاركان ولا يدعوه إلى المناسبات الرسمية.
لذا فإن ترك السلاح أولا من دون اي مقابل سيكون امرا سيئا جدا للقضية الكردية.
الى التشاؤم والثبات على المواقف السابقة في المعسكرين التركي والكردي يأتي الموقف الدولي ليخفف ايضا من اي تفاؤل.
مراد قره يلان نفسه يقول ان فرنسا والمانيا لا يريدان حل المشكلة الكردية لأنهما يريدان لها ان تبقى مشتعلة كذريعة لعدم ضم تركيا إلى الاتحاد الاوروبي. فإذا حلت المشكلة الكردية تنفتح الأبواب امام العضوية التركية وهو ما لا تريده اوروبا. ويقول قره يلان ان اوروبا تثرثر كثيرا عن حقوق الانسان في تركيا لكنها لا تفعل شيئا. هدفها الوحيد هو عدم رؤية تركيا داخل الاتحاد الاوروبي.ويقول قره يلان ان اردوغان وتركيا لا يرون ولا يريدون ان يروا هذه الحقيقة.
ولا يستثني قره يلان واشنطن من “اللعب” بالقضية الكردية واتباع نهج “اللاحل” تجاهها. ذلك ان واشنطن ايضا تريد ان تبقي المشكلة قائمة كي تبقى ورقة ضغط على تركيا ولكي تبقى تركيا تحتاج إلى “إسرائيل” وإلى طائرات هيرون التي بلا طيار وما إلى ذلك.ولا يحسم قره يلان عما سيكون عليه موقف اوباما لكنه يقول ان سياسة أمريكا كانت دائما “اللاحل”.
في هذه الحال يبقى السؤال: “ما الحل؟”.
والاجابة رغم صعوبتها وتعقيدها ترتبط بالارادة السياسية وبالرؤية الحضارية لدى الجميع. لكن المسؤولية الأكبر تبقى بيد النظام السياسي الذي نشأ في الدول التي ينتمي اليها الأكراد والتي فهمت “الدولة الامة” التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية على انها سيطرة عرق على آخر بل انكار وجوده. وهذه مشكلة المشاكل.
ان الاعتراف بالآخر على انه انسان اولا وان له هوية وشخصية خاصة مختلفة تتطلب ترجمة في الدستور والقوانين والثقافة ثانيا هو المدخل الموضوعي الوحيد لبدء عملية حل تفيد الجميع ويحتاج اليها الجميع. ومن دون ذلك لن يمكن لتركيا ان تعرف استقرارا في الداخل ولا ان تمارس دورا اكبر في الخارج.
الخليج