لبنان الذي يجب أن يبقى في «حالة حرب» دائمة!
محمد مشموشي *
من بين ما حجبته سحابة الغبار التي أثارها «حزب الله»، غداة انهاء احتجاز الضباط الأربعة من قبل المحكمة الدولية الخاصة للبنان، سحابة أخرى (لكن عاصفة هذه المرة) كان الحزب قد أثارها قبل ذلك بيومين، من خلال الورقة التي طرحها رئيس كتلته النيابية محمد رعد أمام طاولة الحوار الوطني، والداعية الى جعل لبنان «حالة طوارئ» دائمة أو «دولة حرب» مع اسرائيل. ومؤكد أن الحزب لم يقصد، من سحابة غباره حول الضباط، حجب ورقته هذه عن أنظار الناس ولا طبعا اسقاطها من جدول أعماله للمرحلة المقبلة، الا أن مصادفة التزامن بين الحدثين – 48 ساعة فقط – لم تترك له مجالا ربما للتحرك بحرية في الملعبين معا وفي وقت واحد.. فكانت السحابة التي ما لبثت أن زالت، أو زالت مفاعيلها على الأقل، لتبدأ في الغد زميلتها التي قد لا تنقشع بسرعة.
ومن هنا تحديدا، فضلا عما سيكون لذلك من انعكاسات على حاضر لبنان ومستقبله، تكتسب السحابة «العاصفة» التي أثيرت أمام طاولة الحوار أهميتها.
مناسبة الورقة اعلان اسرائيل أنها ستقوم، في الفترة ما بين 31 أيار (مايو) الحالي و 4 حزيران (يونيو) المقبل، بمناورة عسكرية بعنوان «افتراض تعرض اسرائيل لهجمات صاروخية»، وأن أجهزة العدو الأمنية والعسكرية (جوا وبرا وبحرا) والمدنية (الانذار والطوارئ والمستشفيات والدفاع المدني) والشعبية (الملاجئ والمدارس) والسياسية (الحكومة والكنيست) ستشترك كل في ما يخصها في المناورة. والأهم، من وجهة نظر الحزب، أن هذه المناورة تتم للمرة الثالثة في خلال عامين، اذ بدأت في العام 2007 باسم «نقطة تحول 1» لتصبح الآن «نقطة تحول 3»، وأن الهدف منها، بحسب نائب وزير الحرب الاسرائيلي الجنرال ماتان فلنائي، «ادخال الناس في ثقافة طوارئ… وكأن الحرب توشك أن تندلع صباح يوم غد»، و»ان كل دولة اسرائيل في مرمى صواريخ العدو، ويجب أن يعرف الجمهور الاسرائيلي هذا وأن تستعد السلطات بناء عليه»، على خلفية احتمال أن تواجه اسرائيل هجوما صاروخيا واسع النطاق من ايران، سورية، لبنان، وقطاع غزة بالتزامن مع تصعيد في الضفة الغربية».
كل ذلك ولا جديد في أمر اسرائيل. الجديد، حتى لا يقال المفاجئ فعلا، هو ما تضعه ورقة «حزب الله» من مسؤوليات وتاليا من مهام على لبنان في مواجهة هذه المناورة التي ليست جديدة من ناحية، فهي الثالثة في خلال عامين بحسب الورقة ذاتها، والتي قد تتكرر في أية مرحلة أخرى من ناحية ثانية.
تنطلق الورقة مما تصفه بـ «خلفيات وأبعاد» المناورة، لتقول انها مؤشر الى فرضية ينطلق منها العدو لمآل الأحداث في المنطقة. وتتلخص هذه الفرضية، كما تقول، بـ «حتمية – أو بالحد الأدنى أرجحية – انتهاء مسار التطورات الاقليمية الى صدام مسلح يعيد انتاج خريطة التوازنات على مستوى الفرص والتهديدات»… لتصل الى «أن طبيعة المناورة، لجهة احاطة رقعتها بارجاء الكيان كافة، تشي بالشمولية الجغرافية للمواجهة المفترضة التي تحاكيها. «فهي تتعامل مع فرضيات عملانية تتحول فيها اسرائيل الى جبهة قتال تتلقى الصليات الصاروخية الصاروخية المعادية وتتفاعل مع تبعاتها المادية والمعنوية».
ومن هنا، فالمناورة «تفترض أن المقاومة في لبنان هي أحد الأطراف الأساسية التي تعد خطط الحرب لمواجهتها»، واذا – تذهب الورقة الى القول – انه «لا يمكن المرور بشكل عرضي أمام التركيز الاسرائيلي على عنصر المباغتة في سيناريوهات المناورة… ومن شأن هذا الأمر أن يرجح فرضية سعي الاسرائيلي الى تحقيق جهوزية معينة تستوجبها أعمال قد يبادر اليها، وهي أعمال من النوع الذي يتوقع أن يستجلب ردا فوريا وسريعا وقويا من الجهات المستهدفة».
لا حاجة لمناقشة الورقة في عدوانية اسرائيل التي لا يشك أحد فيها، الا أن ما ينبغي طرح السؤال حوله هو: هل لبنان وحده هو المعني بهذه المناورة التي تفترض، كما في الخطة المعلنة، هجوما من ايران أو من سورية أو من قطاع غزة أيضا؟، وهل يملك لبنان أن يواجه مثل هذا « الهجوم « المفترض، أم أن الورقة مجرد جزء من ورقة مشتركة ايرانية – سورية – فلسطينية – لبنانية استعدادا للمواجهة؟!.
أيا كانت الاجابة، فمما لا شك فيه أن ما تضعه الورقة من مهام على لبنان في ظل ما تصفه بـ «الحراك الحثيث الذي يظهره العدو الاسرائيلي على صعيد استعداده للحرب»، وأنه «لا يمكن لبنان أن يقف مكتوفا ومتفرجا على ما يعد له»، انما يضع لبنان أرضا ودولة ومؤسسات واللبنانيين كلهم في «حالة حرب « راهنة، أو دائمة باعتبار أن اسرائيل في حالة مناورة دائمة، اضافة الى حالات «الحروب» الأخرى (الطائفية والمذهبية والسياسية) التي تضربه في العمق في هذه المرحلة.
وليس أدل على ذلك مما تقترحه الورقة على اللبنانيين من مهام: «اذا كان العدو لا يخفي وضعه لبنان في دائرة استهدافاته العدوانية على مستوى الخطط الحربية التي يعدها ويناور عليها جهارا، فان الواجب الوطني يقتضي أن يتم العمل على بلورة آليات لمواجهة التحدي الاسرائيلي الداهم بما يكفل ردع العدو من جهة، وتحقيق الجهوزية للأسوأ من جهة أخرى». بل وأكثر، تضيف الورقة، «ان من الطبيعي أن تكون الاستعدادات اللبنانية متناسبة مع طبيعة التحدي، وأن تكون شاملة لكل النواحي المطلوبة لمواجهة النيات والاستعدادات الاسرائيلية» على الصعد المدنية والعسكرية والسياسية كلها.
… ودائما، يقول «حزب الله» في ورقته، من خلال «انتاج صيغة لتنسيق الجهوزية القتالية الدفاعية بين المقاومة والجيش بحيث يتكامل الجانبان في بث رسالة ردع للعدو، قوامها الاستعداد الكامل لتدفيعه ثمنا باهظا لأي مغامرة قد يقدم عليها».
* * *
اذا كانت ورقة «حزب الله» هذه تريد توجيه رسالة الى طاولة الحوار التي تبحث منذ ثلاثة أعوام ما يوصف بـ «الاستراتيجية الدفاعية»، فقد وصلت الرسالة قبل ذلك بوقت طويل بدليل أن هذا الحوار يدور في حلقة مفرغة ويبدو واضحا أنها لن تخرج منها.
واذا كانت، وقد تم توزيعها ونشرها في الاعلام بقرار من الحزب، توجيه رسالة الى اسرائيل، فقد وصلت الرسالة بدورها أيضا. لكن الرسالة الباقية هي رسالة الحزب الدائمة، رسالته القديمة – الجديدة، وهي موجهة الى من يريد بأصرح العبارات: سلاحنا مسألة اقليمية، بمناورات اسرائيلية أو من دونها، وبانتخابات نيابية لبنانية أو من دونها، وباستراتيجية دفاعية أو من دونها.
* كاتب لبناني.
الحياة