مؤشر سوري
ساطع نور الدين
اذا كان الصراع الذي انفجر بين الرئيس نبيه بري وبين العماد ميشال عون، هو مؤشر جدي على ان سوريا لا تتدخل في المعركة الانتخابية اللبنانية، الا في الحدود الدنيا التي لا تقارن بحجم دورها الماضي في انتاج المرشحين وتشكيل اللوائح وتعيين النواب، فإن عملية الاقتراع تصبح دليلا على تحولات خارجية كبرى، لا تقتصر على سلوك دمشق ولا على الرقابة العربية والاجنبية التي تخضع لها.
يمكن الزعم ان الصراع هامشي، ولن يدخل تعديلا جوهريا على عدد المقاعد التي يتوقع ان تنالها الاغلبية او الاقلية الحاليتان، وسيبقي جزين وغيرها من الدوائر التي يمكن ان تشهد تنافسا بين جمهور كل من بري وعون، في حساب «المعارضة»، وهو ما لم يكن يستدعي تدخلا سوريا مباشرا، بل يمكن الاكتفاء باللقاء الثلاثي الذي استضافه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليل الجمعة الفائت، والذي حاول ان يضبط الحلف المقدس بين التيارات الثلاثة ويمنعه من التفكك.
لكن مجرد الاجتهاد داخل صفوف فريق الثامن من آذار في طريقة ادارة المعركة الانتخابية، والذي عبر من جهة عن التعب من التيار العوني ومزاعمه المفرطة ومن جهة اخرى عن القلق على مستقبله ودوره في اعقاب امتحان السابع من حزيران، يقود الى احد امرين: اما ان دمشق مطمئنة الى غالبيتها المقبلة في مجلس النواب الجديد، او انها ملتزمة بشكل مطلق، امام الاخرين طبعا، بعدم التورط في التفاصيل اللبنانية.. علما بأن عون لم يعد قوة مسيحية حاسمة، وهو لن يظل حليفا ثابتا للاقلية التي تعتبرها سوريا ورقة قوتها الرئيسية في لبنان!
ثمة هامش سوري واسع يستفيد منه مختلف المرشحين والناخبين. الاقلية تجتهد في اختيار الاسماء وفي تشكيل اللوائح وحتى في التنافس في ما بينها، والذي لن يبقى حبيا لفترة طويلة.. والاكثرية من جهتها تخوض معركتها الانتخابية بهدوء نسبي وحرية شبه مطلقة وتصل الى اقصى الحدود الممكنة في الترويج لخطابها وبرنامجها السياسي الذي يمثل حسب المعايير اللبنانية مغامرة فعلية تتعارض مع الثقافة وحتى اللغة التي سادت طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي لا يزال البعض يعتبر انها لن تموت ولن يطرأ عليها اي تعديل.
توفير هذا الهامش هو تطور سوري استثنائي، يتنافى مع ما قيل مؤخرا عن ان دمشق كانت وستظل تعتبر لبنان حديقة خلفية، لن تسمح لاي من العرب او الاجانب مشاركتها فيها او تقاسمها معها. والكلام كان موجها الى الرياض اولا كما الى واشنطن اللتين تدركان الآن بلا شك ان اجراء الانتخابات اللبنانية وإعلان نتائجها التي ترجح بقاء الغالبية الحالية في مقاعدها، هي علامة على ان سوريا خرجت بالفعل من تجربتها اللبنانية الماضية، وقررت الانخراط في حوار وتفاهم مع خصومها الذين وضعوها على مدى السنوات الاربع الاخيرة في قفص الاتهام وفي حالة عزلة.
المؤشر اللبناني بسيط جدا، ولا احد يعترف به لا في بيروت ولا في دمشق، لكنه جدي جدا في الحكم على مجمل السياسة الخارجية السورية التي يبدو ان لبنان صار للمرة الاولى منذ عقود احد عناوينها الرئيسية..
السفير