أوباما ليس فرنسيا في سورية
طارق الحميد
في الوقت الذي زار فيه جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دمشق مرتين في شهرين، وتحدث السوريون بإيجابية عن أوباما، بادرت واشنطن إلى تجديد العقوبات المفروضة على سورية، فما الذي يحدث؟
من الواضح أن أوباما قرر عدم تكرار تجربة الاندفاع الفرنسية مع السوريين، إذ يقول لي مصدر أميركي مطلع إن الأميركيين يشعرون بأن «بشار الأسد يشعر بثقة أكثر من اللازم»، ولذا لا يريدون تكرار التسرع الفرنسي. ويضيف أن «التقارب مع سورية سيكون أبطأ مما يتوقع الآخرون.. سيكون خطوة بخطوة، دمشق تفعل كذا، نحن نفعل كذا بالمقابل».
فهل صحيح أن السوريين أصابهم الغرور لأن أميركا هي التي بادرت، والسعوديون هم الذين تقدموا بمبادرة المصالحة العربية؟
يبدو أن المسألة أكبر، وأعقد من ذلك. فمن يقرأ التصريحات السورية جيدا يلاحظ أن دمشق تعيش مرحلة اللاثقة بجميع الأطراف، سواء العرب أو الأميركيين وحتى الإيرانيين، فسورية تسير في حقل ألغام. فثمن التقارب مع العرب سيكون على حساب المصالح الإيرانية، والتقارب مع واشنطن يعني الاصطدام مع إيران وعملائها بالمنطقة، خصوصا أن سورية هي حلقة الوصل بينهم، جغرافيا وسياسيا.
وإذا تأملنا ما قيل مؤخرا في المؤتمر الصحافي بين الرئيسين السوري والإيراني في دمشق سنجد أن الرئيس السوري تحدث عن علاقات استراتيجية، لكنها «طبيعية وليست محورا»، بينما قال نجاد «النصر حل علينا وظروف المنطقة والعالم تتجه بسرعة لمصلحة مواقف إيران وسورية». وهذا معناه أن طهران تطلب من دمشق الانتظار والصمود. والغريب أن من يشنون الهجوم على العرب الآن مدعين الدفاع عن سورية ليسوا سوريين، بل هم صحافيون إيرانيون وفي بعض الوكالات الرسمية الإيرانية.
يأتي كل ذلك في الوقت الذي تتودد فيه حماس لسورية بالقول إنه يجوز لها في التفاوض مع إسرائيل ما لا يجوز لغيرها. وحزب الله بدوره يلتزم الصمت ولا يعلق. وكل ذلك يوحي بربكة بين حلفاء إيران وعلاقتهم بسورية.
وهذا بالطبع أمر يجعل السوريين في حيرة من أمرهم، فبمن عليهم أن يثقوا. ففي حال تقدموا بخطوات تجاه واشنطن وتصدعت علاقتهم بإيران، فلا شيء سيضمن لهم مصداقية الأميركيين.
وإن ذهب السوريون إلى أميركا تحت غطاء عربي، فمن يضمن لهم أن تأخذهم واشنطن على محمل الجد، وبالتالي يحصلون على التقدير والمكانة التي يريدونها، عربيا ودوليا، من منطلق رؤيتهم لأنفسهم بأنهم من يمتلك مفتاح الحلول.
المشكلة أنه إذا انتظرت سورية أكثر مما ينبغي، وحدثت انفراجة في الحوار الأميركي ـ الإيراني، حينها سيتحول السوريون إلى مجرد ورقة في ملف إيران التفاوضي مع أميركا، ويخسرون كثيرا من أوراق القوة التي يعتقدون أنها بيدهم الآن!
وقبل هذا وذاك، ما الذي ستفعله دمشق لو أحرجتها إيران بحرب جديدة عبر حزب الله أو حماس، مع إسرائيل، خصوصا أنه معروف أن سورية لا تحارب منذ 42 عاما، ولا هي بقادرة حتى على أن تصالح اليوم؟
ولذا أعتقد أن دمشق تعيش أزمة اللاثقة، أكثر من كونه غرورا.
الشرق الأوسط