الحرب الاولى لأوباما
امين قمورية
لا تحسد باكستان على ما تعيشه في هذه اللحظات. صحيح ان “ارض الانقياء” لم تكن نقية طوال سنوات عمرها الـ 62، اذ لطخها اللون الاحمر القاني كثيرا، مرات بالحروب مع الهند ومرات بالصراعات الداخلية التي لا تنتهي: صراعات على السلطة، صراعات بين المدنيين والعسكر، بين العلمانيين والمتدينين، بين المهاجرين والمقيمين، بين السنّة والشيعة، بين القبائل والاتنيات… وتمكنت في كل مرة من تخطي كل القطوعات الخطيرة محافظة على الحد الادنى من التماسك الشكلي والجيش الموحد، لكنها هذه المرة تخوض حربا داخلية غير مضمونة النتائج، هي ليست حربها، بل حرب تخوضها بالوكالة عن غيرها !
زرداري كان كمن يشرب الكأس المرة عندما امر جيشه باقتحام وادي سوات. تردد كثيرا قبل ان يفعل، وعدّ الى المليون قبل ان ينقض اتفاق السلام الذي وقعه مع “طالبان سوات” وسمح لهم بموجبه بتطبيق الشريعة في الوادي، لكن لم يكن امامه خيار سوى ان يفعل ذلك وان يتجرّع الكأس حتى النهاية . فإن أحجم عن اقتحام الوادي الخلاب الذي حوله المتزمتون الدينيون من “سويسرا باكستان” الى “قندهار” جديدة، ثمة من هو مستعد للقيام بهذه المهمة. زعيم المعارضة نواز شريف، الذي انتظر طويلا لاعتلاء عرش السلطة مجددا، مستعد للقيام بأي شيء حتى يعود الى الحكم عودة المنتقم الذي خلع عن كرسيه ورمي الى المنفى واذلال الملاحقات والمحاكم الغيابية . فواشنطن تريد رأس الوادي ومن فيه بأي ثمن ، ومن اجل ذلك لا مانع حتى من اطاحة زوج “الشهيدة” بنازير بوتو وحزبها عن الحكم، حتى ولو كان معمداً بالدم وبالشرعية الشعبية المنتجة ديموقراطياً.
وزرداري، المحرج في الداخل وفي الخارج والمتعب بالانهيار الاقتصادي، يدرك ان اجهزته الامنية هي التي اعتادت لسنوات طويلة ان تنظم “الجهاديين” وتجندهم لاستخدامهم في صراعات باكستان مع جيرانها، فكيف لهذه الاجهزة ان تغير عاداتها اليوم؟ ومن يضمن له انها ستنصاع لاوامره وهي التي كانت على الدوام صانعة الرؤساء والحكام؟ ويدرك ايضا ان المناطق القبلية الباكستانية مستقلة استقلالا ذاتيا، وهي المناطق الوحيدة في العالم التي لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية، وفي حال كهذا فإنه يتعذر عليه وعلى حكومته المركزية أن تجند القبائل ضد أبنائها من “طالبان باكستان”، خصوصا أن الأمر يبدو الآن كأنه حرب بالنيابة عن واشنطن.
الرئيس باراك أوباما لا تعنيه هذه التبريرات، ذلك ان المصالح العليا لاميركا في المرصاد. فأوباما الرئيس الذي عليه الحفاظ على المصالح ومواجهة المعضلات المعقدة غير أوباما المرشح، المنظّر من بعيد الذي يمد يد المصافحة الى الخصوم والاعداء قبل الاصدقاء. روما من فوق غيرها من تحت، والتحديات لا تحل ابدا بالتمنيات والتعابير الجميلة واختيار الكلمات المنمقة. فإما ان تسحق الحكومة الباكستانية المتمردين الذين يهددون الوجود الحيوي الاميركي في افغانستان وجنوب آسيا ويتطلعون الى وضع اليد على الترسانة النووية الباكستانية لتغيير وجه التاريخ، وإما ان تمهد واشنطن لحكومة اخرى تتولى هذه المهمة. وفي حال عدم ايجاد بديل فلا مانع لديها من ان تتصدى للمهمة بنفسها او تكليف تحالف دولي القيام بذلك، وعندئذ تصير باكستان افغانستان جديدة ويتحمل اهلها انفسهم وزر اخضاعها للاحتلال وفقدان السيادة! وإما ان ترضخ الحكومة الباكستانية لمطالب واشنطن الامنية وإما تخسر الوعد بالمساعدات السخية الضرورية لانقاذ الجيش والحكم والاقتصاد!
أوباما كان في منتهى الوضوح عندما طالب ضيفيه زرداري وكرزاي بحزم بخوض المعركة نيابة عنه لوضع حد لخطر “طالبان” واخواتها في كل من باكستان وافغانستان، الدولتين اللتين صنفتهما الاستراتيجة الاميركية الجديدة بانهما مركز الحرب العالمية على الارهاب . وما كان على زرداري وكرزاي سوى الرضوخ!
ما يجري في باكستان بوادر “التغيير” الذي وعد به أوباما العالم ، فالذي تغير ليس الكف عن شن الحروب ضد الشعوب الاخرى بل تكليف وكلاء غير حصريين القيام بهذه المهمة نيابة عن الجيش الاميركي، انما في رعايته واشرافه وتبعا لخطته. أليس هذا بتغيير؟!