تغييب هموم السوريين ظاهرة أنتجها الاستبداد
نصر سعيد
في البدء كانت الكلمة , والصرخة اليوم الى المختصين في العلوم الاجتماعية : كفانا تكرارا للماضي حول دراسات عالِما الاجتماع إميل دوركهايم واوغست كونت , فلدينا من الهموم اليوم ومن الظواهر ما يكفي لنجعل منها موضوعا معاصرا حيا , تجددون به جدل النظرية والحياة .
ففي أغلب دول العالم نجد المواطن يجسد احترامه للدولة باحترامه لقانون بلاده , لا يخاف الا من مخالفة القانون , وهذا هو الجوهر ’ أما في سوريا فالمواطن لا يخاف الا ممن يخرق القانون , ان الخوف سمة الاستبداد , وقد خلق معيارا جديدا في السياسة , لذلك فعلى علماء الاجتماع اليوم ان يتطرقوا له ’ ويمكن تكثيفه بالقول : أذا أردت أن تعرف رجل السلطة الحقيقي في سوريا , اسأل سؤالا واحدا , هل يخاف الناس منه ام لا ؟ ولمعرفة قوة مسؤول في سوريا أخضعه لهذه الميزات , فقوته في السلطة تتناسب طردا مع درجة خوف المواطن منه , لا من درجة تطبيق القانون !!! ان هذا المؤشر الجديد يبدو عميقا في سيكولوجيا الإنسان السوري , انه تمظهر للخوف بأشكال عديدة ’ وقد أدى إلى خلق ظواهر جديدة قديمة قّل مثيلها في العالم المعاصر , على علماء الاجتماع الانشغال بها اليوم وتقديم الدراسات الوافية حولها . واهم هذه الظواهر.
1- ظاهرة انزياح الهموم :
الإنسان السوري مواليا أو معارضا , يتابع , يفكر , يناقش , يجادل علنا , لكن في هموم الشعب اللبناني والفلسطيني والسوداني والعراقي والأفغاني والفنزويلي , ويبتعد قدر الإمكان عن التدخل بمشاكلنا وهمومنا الداخلية , ومجرد ان تحاول إعادته الى واقعة يرد عليك بالقول: الله يخليك اتركنا بعيدين , شو بدك تحبسنا وتخرب بيتنا وتقطع لقمة عيشنا .
2- ظاهرة الشرطي الداخلي:
ان الاستبداد خلق عند كل سوري شرطيا داخليا يرشده على الخطوط الحمر والخطوط الخضر دون تدخل الأجهزة الأمنية مباشرة , وقد يعلّمه فنون تجاهل همومنا وتبرير واقعنا وإسقاط عيوبنا على الآخرين , كما يرشده على فنون التوازن لإخفاء التوتر الداخلي الناتج عن تناقض القيم يكل أنواعها وأبعادها.
3- ظاهرة الإنسان العارف الجاهل :
العارف بماذا يجري والجاهل بماذا يجري , ثنائية الحاضر في أحداث الخارج, الغائب عن ذاته و ثنائية المنتمي المتحمس لأحداث المحيط واللامبالي منطوقا لواقع الحال بالداخل , ثنائية القومي العروبي من المحيط الى الخليج و الساكت عن أجزاء عربية عديدة في شرق الوطن , انه إنسان عبقري ,قادر , ميت , ناطق, صامت , مادح , ناقد , لم يفقد الأمل في حياة حرة كريمة ودولة يسودها القانون والعدل.
4- ظاهرة تشويه مفهوم الاستقرار والأمان الاجتماعي :
ان الاستقرار ليس سكونا للمجتمع , فالسكون الذي نحن فيه هو موت للمجتمع ’ لأنه تماثل في الإدارات الاجتماعية , هذا بحد ذاته برهان على غياب اهم خاصية للمجتمع الحي , وهي خاصية التنوع والتباين والحركة المتنوعة , ان الأمان هو في حيوية وحركية المجتمع ’ انه القدرة على التعبير , القدرة على أن تنام في المساء دون شعور بالخوف جراء حديث او كلمة عبّرت بها في النهار, قد تؤدي بك الى ورطة أو استدعاء أو عقوبة في وظيفة .
5- ظاهرة المعايير المزدوجة :
سلاح نستخدمه ضد الآخرين , ونحن في سوريا الرسمية أكثر من يقع به , السلطة ’ الكتاب , المحامون , الإعلاميون , “المعارضون ” يطالبون بحقوق سجناء غوانتانمو وسجناء ابو غريب ويدركون معنى إعطاء الحقوق للسياسيين , في الوقت الذي يتجاهلون به حقوق سجناء الرأي في سوريا ’ يؤيدون تبادل السفارات مع لبنان ة ويصمتون حول ميشيل كيلو الذي يقبع في السجن لأنه أيد تبادل السفارات وتحسين العلاقة وأبدى رأيه في ذلك دون ان يحمل سلاحا لفرض رأيه .
السلطة تؤيد الإجماع الوطني للمتحاربين بالسلاح الثقيل في دارفورد ولا تعمل على الاجماع الوطني لحاملي الأقلام من معتقلي إعلان دمشق .
في سوريا يؤيدون حرق الدواليب في شوارع بيروت ويدينون حرق الدواليب في شوارع القامشلي .
في سوريا يتساءلون على حساب من تم توقيف الضباط الأربعة في لبنان بدون محاكمة لمدة أربع سنوات ؟ ويسكتون عن توقيف الآلاف عندنا بدون محاكمة لعشرات السنين
( ست سنوات لم اُسأَل كلمة واحدة في توقيفي , بعدها قدمت الى محكمة امن الدولة التي حكمتني اثنتي عشر سنة وجردتني مدنيا وحتى الآن لم يسمح لي الأمن بالعودة إلى وظيفتي رغم موافقة مجلس الوزراء على ذلك بعد انتهاء مدة تجريدي المدني ) .
نقابة المحامين تتضامن مع الزيدي الذي حُكم عاما واحد في العراق , ومع العربي الاسرائيلي – عزمي بشارة – السارح المارح , وتصمت هذه النقابة على اعتقال الدكتورة فداء حوراني بنت احد مؤسسي حزب البعث الحاكم ة رئيسة إعلان دمشق .
امثلة كثيرة وظواهر عديدة تنتظر الباحثين في العلوم الاجتماعية ليساهموا في بناء جوهر التنمية الشاملة ألا وهو الانسان .
* عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق
موقع اعلان دمشق