صفحات سوريةفلورنس غزلان

الإنفجار السكاني

null
فلورنس غزلان
يخشى القائمون على السلطة وصناع القرار في بلادنا من عبارة ” تحديد النسل” ، فيستبدلونها بعبارة” تنظيم النسل”.والخشية هذه تأتي من أصحاب اللحى والعمائم، لأنهم يحشرون أنفهم في كل شاردة وواردة من الأمور الاقتصادية والاجتماعية حتى أدق تفاصيل علاقاتنا اليومية مع أفراد أسرتنا ، كيف نحب ، كيف نتزوج ، كيف نغتسل وكيف نمرض ..الخ، لا يريدون أن يدعونا نعيش بسلام، نحل قضايانا كما تحلها بقية الأمم بعقل يمتلكه الانسان كفارق عن بقية المخلوقات، ويتفرغون لعباداتهم ، لم تطول ذراعهم وتتمدد لولا التضامن والتعاون القائم بينهم وبين أنظمة الاستبداد ، فلكل منها مصلحته في دعم الآخر وبقاء سيوفهم جميعاً مسلطة على حياتنا تعبث بنا وبمقدراتنا وتجهض أحلامنا وتخرب كل جميل بحياتنا وتضع مستقبلنا على كفة عفريت الموت الماثل أمامنا، لا حلول لدى أي طرف منهم ولا برامج فاعلة تؤدي إلى الحد من هذا الانفجار الخانق والذي سيجعلنا نأكل بعضنا بعضاً ويكثر من حوادث الإجرام وتشتت المجتمع وقيمه، ناهيك عن نسبة العطالة وعن حصة الفرد من الثروة الوطنية وناهيك عن ضعف قدرته الشرائية وعجزه عن تأمين أبسط أمور الحياة وأهمها لأسرته، إلى جانب  تناقص عدد الوفيات نتيجة للوعي الصحي الأفضل لدى بعض الشرائح الاجتماعية ، والزواج المبكر للفتيات مما يعطي عمر الانجاب فترة أطول.
فرجال الدين وأخص منهم رجال الدين الإسلامي بالذات  ، لأن معظم رجال الكنيسة مقتنع بتحديد النسل أو تنظيمه ولا تتواجد كثرة المواليد إلا بين صفوف الفقراء وذوي الدخل المحدود ، وبين من يتزوج بأربع نساء ويخلف قطاراً من الأبناء، لهذا فإن تحديد النسل مقترناً أصلاً بقضية ( تعدد الزوجات ) شئنا هذا أم أبينا، فمن ينجب من زوجة واحدة لا يقارن بمن ينجب من اثنتين أو أكثر. ومشايخ الإسلام يرفضون تحديد النسل باعتباره هبة الله وعطاءها!، وكل طفل يأتي لابد ويأتي رزقه معه!
ــ أقترح على رجال الدين من هؤلاء طالما أنهم واثقون من رزق الله لهم ولما تفرخه مجتمعاتنا من أفواه تحتاج للغذاء والماء والدواء والمدارس وغيرها…طالما أن لهم كل هذه الحظوة عند الرب ، أن يتوسطوا للفقراء برزق فيه بعض البحبوحة تحضر مع كل مولود جديد، أو على الأقل يتوصوا بنا فيجدوا لنا حلاً معقولا وبرنامجاً عاجلاً لمشكلة الانفجار السكاني ومعه مشكلة المياه وجفاف الينابيع ومصادر الثروات ــ لو كان الأمر بالدعاء والصلاة ، لكنا انتصرنا على إسرائيل منذ عشرات السنين ولو كان بالصلوات لكنا تخلصنا من كل ويلاتنا منذ مئات السنين..ولو كان الماء بصلاة الاستسقاء لكانت آبارنا وأنهارنا قد فاضت عن حاجتنا واتساعها…كفاكم تلاعباً بعقولنا فما نحن بقاصرين!، توقفوا عن الهذيان، فالسماء لاتمطر ذهباً والآرض لاتعطي أكثر مما فيها ولا معجزات أمام كثرة الأفواه الجائعة حين تصبح الامكانيات معدومة…الأحلام لاتبني قصوراً والعمى وإدارة الظهر والغيبية أمام واقع مر وخطير…لايحل معضلة بحجم الجبل…فإن لم نتغلب عليها ، فلا مناص من أنها ستسحقنا وتكون بركاناً وزلزالاً لايبقي ولا يذر…لأننا لا نُعمل العقل..بل نلغيه…ألم يقل الرسول الكريم” اعقلها وتوكل” فهل قال توكل فقط وسيرزقك من عنده ..توالدوا وستأتيكم الأرزاق؟…
ــ سوريا بعد الاستقلال( 1947)  كانت تعد مايقارب ال3 ملايين نسمة ، وعند الوحدة مع سورية ومصر كنا نعد ثلاث ملايين ونصف…الآن تضاعف العدد أكثر من خمس مرات، وخلال نصف قرن  فقط ليصبح 22 مليون نسمة!
ــ تونس تتقارب مع سورية في المساحة وتعداد السكان عند استقلالها أيضا كانت تعدعام (1956) مايقارب ال4 ملايين نسمة ، لكنها كانت أكثر حظاً وقيادييها أكثر وعياً وقدرة على حسابات المستقبل ودراسة نتائجه وأبعاده على مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للمواطن التونسي، فأرسل إليها الحبيب بورقيبة، الذي أصدر قراره للبرلمانيين وعين من بينهم لجنة تقوم على تحديد عدد الزوجات بواحدة وعمر زواج الإناث الأدنى بال18 سنة، وتوفير الحماية للمرأة وأطفالها بحالة الطلاق وتقييده بقرار صادر عن المحكمة، وهذه الإجراءات بدأت بعد خمسة أشهر فقط من استقلال تونس!…المهم في القضية أن رجال اللجنة فشلوا في الحد من الزواج بأكثر من امرأة فتوصلوا للزواج  باثنتين فقط! ، وعندما عادوا لبورقيبة بالأمر ثار على القرار وقرر أن يأخذ الأمر بيده، ولما لدوره الوطني من الأهمية والتقدير والمحبة لدى شعبه فقد خطب بالشعب معلنا عن قراره شارحاً استناده للشريعة الاسلامية وضرورة حماية الأسرة ومستوى المعيشة التونسية وضمان مستقبل وسلامة بلاده وتقدمها…فقبل الشعب ورحب بالقرار! وحتى الآن يسري مفعوله… وتعداد تونس اليوم 10 ملايين نسمة ومتوسط دخل المواطن التونسي ضعف متوسط دخله في مصر وسورية .
بعد هذا الأمر قام عبد الناصر بتهنئة بورقيبة لشجاعته في اتخاذ مثل هذا القرار !، أسأل اليوم ..ألم يكن عبد الناصر آنذاك يملك شعبية لاحدود لها تجاوزت مصر ليصبح زعيم العرب دون منازع؟…لماذا لم يجرؤ عبد الناصر على اتخاذ قرار مشابه ؟ لكان قد حمى مصر نهائياً وجنبها   حال التردي والفقر المدقع…وهاهي تعد اليوم مايقارب ال80 مليون نسمة نصفهم يعيش تحت خط الفقر! كم بورقيبة نحتاج؟!
ــ من الصعب مناقشة الأمرفي كل البلدان العربية، لكنه بالنسبة لسورية، أصبح الخطر الأكبر والأهم، وكان يفترض أن يتم التنبه له مسبقاً وليس بعد استفحاله وبعد وقوع الفاس بالراس..فأين هي خطط الثورة ونظامها الاشتراكي؟ تشكلت في سورية بعض الجمعيات الأهلية أو الحكومية بالاضافة للاتحاد النسائي الرسمي، كجمعية تنظيم الأسرة ، وقد رفعت شعار ” أسرة أصغر أمومة أفضل”! كل ماقدمته من خدمات في عياداتها اقتصرت على بعض حملات التوعية وتوزيع وسائل منع الحمل والتي لم تساهم وتنتشر بشكل فعلي وتمسح كل مناطق الأرياف خاصة ، حيث تكثر نسبة المواليد ويزداد تعدد الزوجات ومعه ينتشر الفقر والجهل، وحسب تقرير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة عن الفقر بسورية ، فإن الأرقام مخيفة وتقول: أن النساء اللواتي يمارسن تنظيماً للانجاب في أسرهن لا تزيد نسبتهن على 46% ، وهناك أكثر من 25% من نساء سورية لايعرفن ولم يستخدمن أي وسيلة من وسائل منع الحمل، بل أن نسبة عدد النساء الراغبات في المزيد من الحمل والإنجاب يفوق ال43%  ، وأن أكثر من 24% من نساء سورية لديهن صورة خاطئة عن طرق ووسائل منع الحمل ويعتبرنها ضارة أكثر منها نافعة!..إذن ماذا قدمت مناهج وبرامج الإعلام والتوعية ؟.
ــ كم هو مؤسف أن يحوي برلماننا السوري على عشرات النساء، يصادقن على التمييز ضدهن ويوافقن على استلاب حقوقهن ، ولا يرفعن الايدي والأصوات لإزالة الحيف والظلم عن كاهلهن وكاهل بنات وطنهن ويوافقن على التصويت والتحفظ على معاهدة السيداو العالمية الخاصة بمنع التمميز ضد المرأة…فماذا سيقدمن للتاريخ وللمرأة السورية؟
ــ  كيف نحارب تعدد الزوجات ونحدد النسل، طالما أن المرأة البرلمانية تنجب العديد من الأطفال وطالما أنها لاتسعى ولا توقف تعدد الزوجات ولا تقترح قوانين تغير وتطور من وضع المرأة وبالتالي تصب في حماية الأسرة والمجتمع وتنهض مستوى الوعي والثقافة الاجتماعية وتساهم في تطور الوضع الاقتصادي ومشكلته الأكبر تكاثر السكان؟!، كيف يمكن أن ننظم الأسرة ونحد من الانفجار السكاني ومازالت القوانين السورية تعاقب المرأة بجرم ” منع الحمل”! ..نعم جرم منع الحمل ويعاقب عليه  القانون رقم ( 523 و 530) الصادر عام 1998 بعقوبات قانونية بالحبس بين شهر إلى سنة وغرامة مالية، وقد أدينت 22 امرأة عام 2002 بالحبس لأنهن استخدمن منع الحمل!
هذه هي الثورة وقوانينها الثورية! وهذا يعني أن ماتمارسه الجمعيات المختصة بتنظيم الأسرة ومايمارسه الاتحاد النسائي يعتبر خرقاً وخروجاً على القانون!.
ــ عندما بدأ ناقوس التردي الاقتصادي والمعيشي للفرد والأسرة يطرق ويستفحل راحت تطرح بعض الدراسات الخجولة لحلول أكثر قصورا وخجلاً  بل خوفاً،  رغم كل الإنذارات الواضحة والإشارات الدالة على أن الإنفجار قادم بل نعيشه بكل تفاصيله المتمثلة باستفحال الجريمة والبطالة والهجرة والجوع والتشرد وتسرب الأطفال وارتفاع نسبة الأمية بدلاً من انخفاظها وتردي التعليم وقصور المناهج ، فقد صدر القانون الخجول عام 2001 والذي إن طال فلن يطول إلا نسبة ضئيلة جداً من الأسر ، وأن الالتفاف عليه وعدم العمل به ممكن ولا يحاسب عليه القانون، إذن ماهو مفعوله ولماذا أنشيء وهو يثبت فشله يومياً ؟  ويتعلق بتحديد إجازة الأمومة للمرأة العاملة بثلاثة أطفال فقط! أي أنها لو أنجبت رابعا وخامساً فهذا بإمكانها، لكنها لا تُمنح إجازة مدفوعة ، بل تأخذ إجازة خاصة وعلى حسابها!
ــ أولا ..كم هي نسبة المرأة العاملة والموظفة في سورية؟ وغالبا فإن المراة العاملة أكثر وعياً وأقل انجاباً …بشكل عام ..وأعرف عشرات النساء الموظفات أنجبن مالايقل عن خمسة وستة أطفال..وهل ألغى هذا القانون إنجاب المرأة الثانية والثالثة والرابعة؟، وهل حدد المواليد بثلاثة أطفال على أقل تقدير؟..بئس القانون الفاشل وأهله…
ــ كان يمكن لهذا القانون أن يكون فاعلا ومؤثرا نوعاً ما، لو طال كل نساء سورية وليس العاملات فقط وحدد المواليد بثلاثة …مع أن هذا العدد كبير أيضا…لكنها بداية لمن يحبون اللانجاب والتفريخ معتقدين أن السعادة هي بكثرة الأولاد..مع أنه الشقاء والويل وقد أثببت الدراسات العالمية  أن الأسر الأقل أطفالا أو التي لم تنجب هي الأكثر سعادة.
ــ كان يمكن لهذا القانون أن يصبح فاعلاً لو اقترن بالحد من تعدد الزوجات ومنعه بأكثر من واحدة، فما الفرق بيننا وبين تونس؟ هل نحن أكثر ايماناً وإسلاماً؟ أم أكثر اشتراكية وثورية؟ لهذا فإن ثوريتنا ستأخذنا إلى الثورة على من لم يفهم معنى الثورة ولا الاشتراكية..ورغم ما تفعله الصين من تحديد للمواليد، ورغم أن قوانينها لاتسمح بأكثر من امرأة لكن أعداد السكان يثير المخاوف ويدرس بشكل يومي وعميق، رغم أن النمو الاقتصادي الصيني يفوق كل الدول الأخرى..
يعتبر رجال الإسلام وأئمته أن تحديد النسل تفكير غربي يريد لنا الانقراض ! ..أعتقد أننا سننقرض لكن ليس بسبب فكرة تحديد النسل، بل بسبب قصور عقلنا الذي يستمع لمثل هذه المهاترات، ويعتبر كل ما يأتي من الغرب سيء وكافر وعاطل ويجب محاربته!، إذن فليفيدنا هؤلاء بحل، وليمنحونا بركاتهم التي تحمل إعجازاً وليتوقفوا عن الاتيان بنصوص لن تحل ماهو قائم ، نريد حلاً موضوعيا عملياً لا خطباً وكلاماً…لأن الخطب لن تشبع الجياع، ولأن الكلام والنصوص لن تحد من التكاثر ولن تتدفق أمامها ينابيع الماء وصنابير الغذاء..كما أنها لن توقف زحف الفساد والنهب من أولي الأمر وأبنائهم وأخوتهم ومواليهم، وهم المشجع على الخطب والمقر بشرائعها لأنها تحمي ظهورهم وإفقارنا يعني بقاءهم.
ــ ترقبوا القادم والقادم أعظم…ستصبح سورية بعد نصف قرن خمسين مليون نسمة لأن النمو الديموغرافي فيها هو الأعلى بين النسب العالمية ويعادل 2,45% ــ  علما أنه لا إحصائيات دقيقة ورسمية وهي مجرد تقديرات تقوم بها بعض الدراسات الغربية ــ…الخيرهو بتباهينا بين الأمم
تباهينا بالجوع والمرض، تباهينا بأعداد الأطفال المشردين ..بهم سنحارب ونفاخر وننتصر، فتوكلوا وانتظروا أرزاقاً تهبط من السماء فبدلا من المطر ستأتيكم أكياساً من الذهب، وبدلا من  الجفاف ستتدفق العيون والآبار وتفيض الأنهار عسلا وسمناً بفضل الدعاء وانتشار وباء الأسلمة ووباء الاتكال على الغيب.
باريس 20/5/2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى