التنظيم الدولي في بيروت: استراتيجية جديدة لـ الاخوان المسلمين
تقرير قاسم قصير
تجري حركة “الاخوان المسلمين” والتنظيمات المتفرعة عنها على امتداد العالمين العربي والاسلامي مراجعة داخلية لادائها السياسي والتنظيمي خلال السنوات الاخيرة، مما قد يؤدي لاعتماد خطط مستقبلية جديدة سواء على صعيد الموقف من قوى المقاومة او لجهة رفع شعار “اقامة الحكم الاسلامي”، وصولا لاختيار قيادة جديدة بعد انتهاء فترة ولاية المرشد العام الحالي للاخوان محمد مهدي عاكف ووفاة نائبه الدكتور حسن هويدي، مما سيحتم ايجاد البدائل المناسبة والقادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها الاخوان حاليا ومستقبليا.
وكشفت مصادر قيادية في حركة “الاخوان” ان تجربة الحركة الاسلامية في السودان منذ قيام “حركة الانقاذ”، والتطورات التي جرت على الصعيد الفلسطيني، منذ نجاح حركة “حماس” في انتخابات المجلس التشريعي، شكلت دافعا قويا لقيادات الاخوان لاعادة تقويم ومراجعة التجربة الاسلامية ووضع استراتيجية مستقبلية تحمي قوى المقاومة في المنطقة، وقادرة على تحقيق الاهداف الاسلامية المطلوبة.
فماذا يجري داخل حركة “الاخوان المسلمين”؟
سياسات جديدة واولوية المقاومة
تقول مصادر قيادية في حركة “الاخوان المسلمين”: “لقد كان الشعار المركزي الذي تسعى الحركة لتحقيقه باستمرار يتمثل باقامة الدولة الاسلامية، ولقد خاض الاسلاميون تجارب مريرة في هذا المجال مما جعل الحركة تعيد النظر في هذا الهدف وتعطي الاولوية لعملية بناء المجتمع المسلم ونشر الوعي الديني في اوساط المجتمع، مع العمل لانشاء المؤسسات التي يمكن ان تقوم عليها الدولة مع توفير امكانات اوسع للحركة لاسلمة المجتمع، حتى اذا جاء اوان اقامة الدولة تكون الساحة مهيأة لتحقيق هذا الهدف “.
وتتابع “لقد شكلت تجارب بعض الاقطار في اطار الاستيلاء على السلطة محطة توقفت عندها الحركة وجعلتها تعيد النظر في هدفها القديم الذي كان يقضي باقامة الدولة الاسلامية وهذا التطور الجديد في اطار رؤية الاخوان المسلمين سيكون جديرا بأن يتوقف عنده الاسلاميون الذين لم يمارسوا هذه التجربة حتى لا يقعوا في اية اخطاء يصعب عليهم مواجهتها”.
وتضيف “تعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية للحركة الاسلامية وتتولى الحركة مع امتداداتها الاسلامية على المستوى العالم دعم حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وتوفير كل اسباب القوة من اجل متابعة ادائها الجهادي، لان الحركة الاسلامية تعتبر المشروع الصهيوني اكبر خطر يهدد العالم الاسلامي والاسلام بشكل خاص، ومن اجل توفير كل اسباب القوة لحركة “حماس” اتخذ “الاخوان السوريون” على سبيل المثال قراراً بتجميد المواجهة السياسية التي كانوا يخوضونها ضد النظام في سوريا وحتى لا تشكل مواقفهم أي اذى لحركة “حماس” التي تعتبر الساحة السورية مجالا مريحا لحركتها السياسية والتنظيمية”.
وتقول هذه المصادر: “وان الاخوان المسلمين يحرصون على الا يخوضوا اية مواجهات مجانية مع الانظمة الحاكمة وعلى تحقيق اهدافهم بالطرق السلمية المعروفة عبر المشاركة بالانتخابات رغم ان بعض الانظمة تعتمد سياسات عدائية للحركة الاسلامية وبتوجيه من الخارج احيانا، مما يجعل الحركة تدير العلاقة مع هذه الانظمة بما يتلاءم مع حرصها على توفير الاداء الحر لحركتها السياسية والدعوية في كل قطر”.
تطورات التنظيم الدولي
اما على صعيد الوضع التنظيمي الداخلي لـ”الاخوان المسلمين” ولا سيما بعد وفاة نائب المرشد العام حسن هويدي، وفي ظل عدم رغبة المرشد الحالي محمد مهدي عاكف بتولي ولاية جديدة، فتقول المصادر القيادية: “يشكل التنظيم الدولي الاطار القيادي لحركة الاخوان المسلمين في العالم ويتولى مكتب الارشاد العام تنظيم العلاقة بين كافة الاقطار، ودرجت العادة على اختيار المرشد العام من مصر لان الوزن التنظيمي للحركة في مصر هو الاكبر، على ان يجري اختيار نائبين للمرشد احدهما في مصر والآخر في الخارج من اجل الاشراف على اجتماعات مكتب الارشاد، في غياب المرشد الذي يحظر عليه السفر في كثير من الاحيان. ويتم الآن البحث في اختيار البديل من الدكتور حسن هويدي (الذي توفي قبل شهرين) وكان ممكنا ان يتولى الشيخ فيصل المولوي هذه المهمة لولا الظروف الصحية التي يواجهها حاليا. اما على صعيد المرشد العام فعادة يجري انتخاب المرشد ولفترة زمنية محددة، حتى اذا انتهت هذه المدة يعاد انتخابه او انتخاب سواه للمهمة المنوطة به، والذين تولوا منصب المرشد العام توفوا وهم في سدة المسؤولية بينما قرر المرشد الحالي محمد مهدي عاكف عدم الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية خلال هذا العام مما سيفرض على “الاخوان” انتخاب مرشد جديد، وهذا امر طبيعي وليس هناك اية مشكلات داخلية والامور تتم من خلال المؤسسات التنظيمية للحركة”.
وتكشف المصادر “ان لبنان شكل خلال الخمسينات والستينات مقرا لاجتماعات قيادات الاخوان ومركزا للتحرك بعد الضغوط التي تعرضوا لها في مصر، وان المرشد العام للاخوان آنذاك عصام العطار اقام فترة طويلة في بيروت ولكن الضغوط المصرية على السلطات اللبنانية وقتها دفعتها لاعتقال قيادات الاخوان وابعادهم الى خارج لبنان. وان التنظيم الدولي نجح خلال السنوات الماضية في اعادة ترتيب اوضاعه التنظيمية والعلاقات بين مختلف فروع الاخوان تتم بشكل منتظم حيث تبحث مختلف القضايا، مع اعطاء قيادة الحركة قي كل قطر اتخاذ القرارات الخاصة بها حتى لو كان هناك تباين بين القيادة المركزية للاخوان وقيادة كل قطر، وهذا ما حصل في بعض القضايا في الوضع في لبنان والعراق وسوريا”. وكما علمنا فقد استعادت بيروت في هذه الفترة دورها كمركز للتواصل بين قيادات “التنظيم الدولي للاخوان” في لقاءات غير معلنة.
الموقف من الشيعة وايران
وحول بروز بعض الخلافات بين قيادات الاخوان حول الموقف من الشيعة والدور الايراني اوضحت المصادر القيادية: “ان حركة الاخوان تعتبر المذهب الشيعي مذهبا اسلاميا معتمدا وبدأت علاقة الاخوان بالمرجعيات الشيعية منذ اربعينات القرن الماضي عندما كان يلتقيها الامام حسن البنا خلال موسم الحج وفي القاهرة عند انشاء هيئة التقريب بين المذاهب الاسلامية، وكان البنا عضوا مؤسسا فيها، وفي الخمسينات استقبل الاخوان في سوريا ومصر والاردن السيد نواب الصفوي (من قادة الحركة الاسلامية في ايران) واقاموا له احتفالات ضخمة في جامعة القاهرة. كما شهد العراق اول تجربة اسلامية وحدوية من خلال مشاركة السنة والشيعة في انشاء الحزب الاسلامي في العراق، رغم ان هذه التجربة لم تعمر طويلا، فانضم الشيعة الى حزب الدعوة وتابع السنة نشاطهم تحت راية الاخوان. وعندما بدأ الامام الخميني تحركه السياسي في العراق وفرنسا تجاوب معه الاخوان وتظاهروا دعما لجهاده ونضاله السياسي حتى اقامة الجمهورية الاسلامية وهذا هو الاصل في منهج الاخوان ولا يخرج عنه احد منهم في اي قطر من الاقطار”.
وتضيف المصادر: “اما في الموقف السياسي فقد تجد بعض الاخوان الخليجيين يتحسسون من المشروع الايراني الفارسي في الخليج او تجد بعض الاخوة العراقيين يدينون الممارسات الايرانية على الساحة العراقية، وقد تجد مثل ذلك في الساحة اللبنانية احيانا. وهذه كلها ردود فعل لممارسات سياسية قد يكون هذا الفريق او ذاك مخطئا في ممارسته لها. لكن رغم ذلك فان الاخوان ليس لديهم اي خوف من المشروع الشيعي والاولوية لديهم العمل لتعزيز الوحدة الاسلامية والمرشد العام وكبار مفكري الحركة خير من يعبر عن هذا الموقف”.
وتختم المصادر: “ان المشروع الصهيوني والاميركي هما من ابرز التحديات التي يواجهها الاخوان المسلمون حاليا لأن هناك اقتناعا كاملا بأن الادارة الاميركية تعتبر ان الاسلام هو العدو الاول لها وانها بعد ان قضت على الشيوعية العالمية لم يبقَ امامها من عقبة سوى الحركة الاسلامية، السنية والشيعية، وبكافة اطرها التنظيمية والجهادية، ورغم أننا نشهد اليوم بعض التغيرات في مواقف الادارة الاميركية منذ انتخاب باراك اوباما رئيسا، لكننا ما زلنا ننتظر تحويل هذه المواقف الى خطوات عملية لنحدد عند ذلك مواقفنا النهائية”.