تأجيج.. لا تأجيل
جورج علم
توالت في الأمس القريب دعوات التهدئة من كلّ حدب وصوب، وكانت للقادة التزامات وتعهدات حول طاولة الحوار الوطني، وفجأة تغيّر المشهد، وعاد الخطاب التصعيدي، فما الذي تبّدل؟
يأتي غياب البرامج السياسيّة في طليعة الأسباب، ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي بقي الطرح مقتصراً على شعارات تكاد أن تكون متشابهة عند هذا الطرف أو ذاك في ظلّ غياب البرامج التي تتضمّن تصورات حلول ومعالجات للأزمات المعيشيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والمالية والضريبيّة وصولاً إلى القضايا الوطنية المحال بعضها على طاولة الحوار الوطني.
وما بين التأجيج والتأجيل، يجب الاعتراف بأن الضرب على الوتر الطائفي والمذهبي يؤدي حكماً الى النتيجة الأولى، فيما يحتاج التأجيل الى قرار خارجي، ولا يبدو حتى الساعة ان أية جهة مستعدّة على تحمّل مسؤوليته، او ـ وفق ما هو متداول وراء الكواليس ـ لا يوجد حتى الآن ما يؤشر إلى ذلك على الرغم من أن الجهات المحليّة مستنفرة، و«الكلّ على سلاحه»، وكلّ فئة لها خارجها ومرجعيتها.
ويتصرّف المسؤولون على اختلاف مواقعهم وميولهم ومذاهبهم على أن الانتخابات في موعدها، والبعض لديه ضمانات من الخارج، فيما البعض الآخر لديه تطمينات، ويلتقي الفريقان على أن الانتخابات حتماً، وإنها المعركة، وطالما هي كذلك فعندها يجوز استخدام كلّ الأسلحة، ولكن ليس من سلاح يفجّر العصبيات ويرفع نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع سوى السلاح المذهبي الفئوي المناطقي.
ويرى البعض وفق حساباته واستنتاجاته أننا في حمّى المشهد الأخير من اتفاق الدوحة، ومع إنجاز الاستحقاق الانتخابي يكون القادة قد وفوا بالتزاماتهم، ونفذوا كامل الاتفاق وفق ما التزموا به قبل مغادرتهم الدوحة. وطالما أن هذا الاتفاق لم يتحدث عن برنامج وطني، ولم يحدد أولويات سياسيّة واقتصادية وإنمائيّة تفترض التعاون على التفاهم لإيجاد الحلول لها، فإن الانتخابات ستجري على وتيرة الكيديّة والمناخ الطائفي ـ المذهبي السائد والمستعر، وبعد السابع من حزيران تذهب السكرة لتأتي الفكرة، وهي صعبة ومعقّدة وملغومة بأسئلة مصيريّة تتناول حكومة ما بعد الانتخابات ورئيسها والتوازنات التي ستقوم عليها، وتطلعاتها الآنيّة والمستقبليّة، وكيفيّة ترتيب سلّم أولوياتها.
وإذا كان السابع من حزيران هو الموعد المضروب لامتحان المواطن في قدرته على ممارسة حقّه في الانتخاب بروح مسؤولة مترفّعة عن الضغوط المالية والمعنوية، فإن الثامن منه هو موعد للبدء بامتحان قدرة الرئيس على التوفيق بين مجموع المتناقضات التي ستزدحم في مرحلة ما بعد الانتخابات، وعند البدء بتشكيل الفريق الحكومي، والغوص في كيفيّة تسويق أفكاره وطروحاته في غمرة التجاذبات المحتدمة على طول خطوط التماس المنتشرة ما بين الأحزاب والطوائف والمذاهب.
والمتداول في بعض الكواليس أيضاً، أن المعركة آنيّاً هي معركة الأحجام والأوزان، وإن الغرض من التأجيج هو استنهاض الهمم لتحقيق أكبر كثافة من الإقبال على صناديق الاقتراع، وضمان وصول كل طرف الى المجلس النيابي بأكبر كتلة نيابيّة، وإن ما يجري في الداخل إنما هو امتداد طبيعي لما يجري في الخارج، حيث هناك معركة محتدمة لتثبيت الأحجام والأوزان في المنطقة بعد وصول إدارة أميركيّة تحاول ان تبلور خطط تعاطيها مع أزمات المنطقة وفق سلّم أولويات مصالحها، ووصول حكومة إسرائيليّة متطرفة تحاول ان تكون الأولوية لأولوياتها، فيما البقيّة الباقيّة من دول ومرجعيات تنتظر نتائج «الكباش» الإسرائيلي ـ الأميركي، ومن سيفوز في فرض سلّم أولوياته على الآخر.
السفير