نار الفتنة … وفصل المسارين
زهير قصيباتي: الحياة 8/5/2008
قبل يوم الإضراب والرصاص والبارود في بيروت، وسطوة أصابع الفتنة التي تسللت الى أحيائها على خط التماس الجديد، كان اللبناني «مخيّراً» بين الموت البطيء والانتحار. 7 أيار «العمالي» لم يكن مجرد نسخة عن اليوم الأسود الذي نقل المواجهة من أسوار مبنى الجامعة العربية الى خط التماس المذهبي في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي.
التماس تمدد خطوط انتحار… الموالاة تتهم المعارضة بحشر لبنان في خندق الموت البطيء، والمعارضة تحمّل «جماعة السلطة» وزر جرّ البلد واللبنانيين الى جبهة الانتحار. ألم تكن «الممانعة» أقل كلفة؟!
… بين خنادق «الممانعة» و «الأمر الواقع»، روائح البارود وموت حرية بيروت على خطوط 8 آذار و14 آذار. لم يكن السؤال في 7 أيار الذي انقسم بين اتحاد مشكوك في وحدته تدعمه المعارضة وبين شوارع الموالاة ورفض الإضراب «القسري»، هل بدأت مرحلة جديدة في لبنان، بل لماذا الآن مرحلة المواجهة. وحين يدعو العماد ميشال عون الى «ترحيل» حكومة فؤاد السنيورة، لا بد ان يكون السؤال هل حزمت المعارضة وعلى رأسها «حزب الله»، أمرها لإسقاط ما تسميه «الأمر الواقع» بالقوة؟
بين الكر والفر في شوارع بيروت، لم يكترث أحد لمصير المبادرة العربية، وبعدما بدا ان الدعوة الى «ترحيل» الحكومة في خضم المعركة على شبكة اتصالات «حزب الله»، إنما تنعى «مبادرة» الرئيس نبيه بري لتجديد حوار شروطه ناقصة، اقتربت المواجهة من مشروع انتحار، طالما ان أي طرف لا يمكنه ادعاء القدرة على لجم لهيب النار المذهبية التي استحضرت الحريق العراقي بامتياز.
يمكن المعارضة ان تعتبر جعجع حالماً، متمنياً لها مصير «جيش المهدي» في العراق، والذي اعتبِر «تدجينه» ضربة للنفوذ الإيراني في هذا البلد. في لبنان، ليس مبالغة وصف القرارات الأخيرة لحكومة السنيورة بأنها قرارات مواجهة، ليست فقط مع شبكة الاتصالات التي يعتبرها «حزب الله» جزءاً من سلاح المقاومة لا يجوز تعطيله أو انتزاعه، بل كذلك مع الدور الإيراني، المعروفة امتداداته. ولا يتردد بعض المشككين في «سر جرأة» الحكومة المفاجئة – إذ تغامر بصراع مفتوح مع الحزب وجمهوره – في الحديث عن رياح إقليمية – دولية جديدة، بدأت تهب على العراق ولبنان.
لن يكون غريباً ان تتلقى حكومة السنيورة سهام التخوين والارتباط بقرار دولي أميركي خصوصاً، بين خيوطه معالم تحجيم للدور الإيراني إقليمياً. أما الحديث عن الثمن الباهظ الذي دفعه العراقيون، وقد ينجر اللبنانيون إليه للخلاص من الموت البطيء، فليس أولوية تحت وطأة البارود، والانتحار… دفاعاً عن النفس!
قد يقال بعد فشل الإضراب الذي تحوّل حرب شوارع مصغّرة، ان المعارضة بفتحها معركة المطار، تسعى الى مقايضة حركته بإسقاط قرار الحكومة إحالة رئيس جهاز أمنه العميد وفيق شقير على ملاك الجيش، وبمنع «تدويل» المرافق والمدارج. لكن الأهم ألا تصبح رئة البلد ونافذته على العالم، إحدى أدوات الصراع، في حال قررت المعارضة التصدي لمحاولة إسقاط دور حليفها الإيراني في لبنان.
ألم تكن تلك المرة الأولى التي تحزم الحكومة فيها أمرها لـ «فضح دور هيئات ايرانية» في «الاعتداء على سيادة الدولة»؟ لم تعد المسألة تعريباً أو تدويلاً، هما تحصيل حاصل، خصوصاً تقاطعهما على خط واحد، وتلك مشكلة للمعارضة التي تدرك ان الإجماع العربي – الدولي هو على رفض تنازع المقاومة مع شرعية الدولة اللبنانية وحكومتها. المسألة «الطارئة» فيما خطوط التماس المتأرجحة على سواتر الصراع، تجيّش الغضب المذهبي في بيروت، هي المدى الذي ستصرّ عليه المعارضة و «حزب الله» في تحدي قرارات للحكومة، تتحدى ما كان محظوراً حتى الحديث عنه، بوصفه بين ألف باء المحرّمات، في مفردات الحزب والمقاومة.
ووراء حرائق الإضراب، وبارود المواجهة في بيروت، لن يبقى بين المحظورات التكهن بما اذا كانت بدأت مرحلة فصل المسارين السوري والإيراني في لبنان، فيما دمشق لا تبدو راغبة في معركة الى النهاية مع الشرعية الدولية… ولا تحديها في هذا البلد الذي اقترب مجدداً من «أبواب جهنم». بها، تهدد المعارضة رداً على تجرؤ الحكومة «الاستثنائي»، وإذا كان هو بين المتغيرات الطارئة، ومعه «معركة» تحجيم الدور الإيراني، فالمخيف ان ينزلق جميع اللبنانيين الى الجحيم، إذا قرأ بعضهم وجهة الرياح بالمنحى المعاكس، أو غرق في حسابات الثأر والسيطرة على الزواريب.