أوباما هل يتراجع عن “حل الدولتين”؟
سميح صعب
تراجع الرئيس الاميركي باراك أوباما حتى الآن عن بعض الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية او في مستهل عهده، مثل الغاء المحاكم العسكرية، او نشر صور التعذيب الذي مارسه محققون اميركيون في حق مشتبه في ضلوعهم بالارهاب، فضلاً عن التراجع عن الجدول الزمني الذي كان ينادي به للانسحاب من العراق. فهل يلاقي “حل الدولتين” المصير نفسه؟
فقد نجح نتنياهو في فرض الربط بين عملية السلام في الشرق الاوسط وايران. وعلى رغم انه لم يقدم أي تنازل واضح في ما يتعلق بحل الدولتين، فإنه انتزع من باراك أوباما ما يشبه الجدول الزمني لعملية التفاوض المفترضة بين واشنطن وطهران.
لم يتنازل نتنياهو عن شيء واخذ كل شيء من أوباما. فهو فرض على واشنطن خطاباً أكثر تشدداً مع ايران، كما فرض على الادارة الاميركية العودة الى التلويح باستخدام العقوبات الجماعية ضد طهران في حال فشل الحوار ضمن المهلة التي حددها الرئيس الاميركي، كذلك فرض على أوباما استعارة عبارة جورج بوش ان واشنطن تضع كل الخيارات على الطاولة في مواجهة ايران، وهي عبارة تحمل ضمناً امكان استخدام القوة العسكرية لحمل طهران على وقف برنامجها النووي.
واكثر من ذلك، لم يتمكن أوباما من انتزاع وعد من نتنياهو بعدم اللجوء الى الخيار العسكري خلال فترة التفاوض بين واشنطن وطهران.
لقد اعطى أوباما نتنياهو ما يريده في الموضوع الايراني، ولم يستطع ان يقنع رئيس الوزراء الاسرائيلي بلفظ كلمة دولة فلسطينية. وأقصى ما قاله نتنياهو كان واضحاً وضوح الشمس”اننا نريد ان يحكم الفلسطينيون انفسهم”. وهذه عبارة تستخدم في اللغة الديبلوماسية للاشارة الى الحكم الذاتي.
وحصل نتنياهو على أبعد من ذلك، فقد جعل أوباما وبقية فريق ادارته يتبنون لهجة واحدة في مطالبة الدول العربية باتخاذ خطوات حيال اسرائيل قبل ان تتعهد الاخيرة فعلاً قبولها دولة فلسطينية. واشنطن تطالب العرب بأن يعيدوا اتصالاتهم باسرائيل، وان يتوجهوا لاقامة علاقات ديبلوماسية معها بمجرد إزالة موقع استيطاني عشوائي، وحتى من دون صدور قرار اسرائيلي واضح بتجميد الاستيطان وفق ما تنص عليه “خريطة الطريق”.
وهكذا أثمرت زيارة نتنياهو، التي كان يأمل العرب في ان تنتهي برضوخ اسرائيلي لمطلب الدعم لحل الدولتين، مكاسب جديدة لاسرائيل من دون ان تقبل الاخيرة لا بحل الدولتين ولا بتجميد فعلي للاستيطان. وانتقل العمل الاميركي الآن الى ايران. وبات نتنياهو اكثر جرأة في مطالبة “الجيران” العرب باقامة “جبهة مشتركة” ضد ايران إنطلاقاً من الهواجس المشتركة لدول الاعتدال العربي واسرائيل.
وفي أحسن الحالات سيطرح أوباما في القاهرة الشهر المقبل “سلاماً اقليمياً” بكلمات غامضة وغير محددة لا تفرض على اسرائيل تحمّل أية اعباء او تقديم أية تنازلات في المدى المنظور، في مقابل دعوة ملحة للدول العربية كي تبدأ مسيرة التطبيع مع الدولة العبرية حتى قبل ان تقدم على أية خطوات عملية في اتجاه القبول بمبدأ قيام دولة فلسطينية.
وعليه، فقد نجح نتنياهو في إبعاد كأس السلام عنه، متخذاً من ايران ذريعة. وبما ان الملف الايراني لن يكون في الامكان حله في أشهر ولا في سنة او سنتين، فإن القضية الفلسطينية هي الاخرى مرجحة للبقاء في دائرة الانتظار والجمود اعواماً أخرى تضاف الى الاعوام الـ61 التي مرت عليها حتى الان.
مجدداً ترمي اسرائيل وواشنطن الكرة في الملعب العربي. فهما تطالبان العرب بالمبادرة الى إظهار حسن النية حيال اسرائيل من خلال بدء مسيرة التطبيع معها فوراً وقبل قيام دولة فلسطينية، والمشاركة ايضاً في الضغوط التي تمارس على ايران من أجل حملها على وقف برنامجها النووي.
النهار