الإسلام والسياسة وتبديد الأساطير
سعد محيو
التراجع الانتخابي الذي سجّله الإسلاميون(السلف والاخوان المسلمون) في الانتخابات الكويتية، يفترض أن يؤدي إلى حصيلتين اثنتين:
الأولى، طمأنة الحكومات العربية، ومعها الاحزاب الليبرالية واليسارية، بأن صعود الحركات الإسلامية في العملية الديمقراطية ليس قدراً لا مفر منه، حتى ولو كانت هذه الحركات تطرح شعارات دينية – شعبية تدغدغ مشاعر الكثرة الكاسحة المؤمنة من المواطنين، إذ معيار العمل السياسي في خاتمة المطاف هو المصلحة لا الإيديولوجيا، الأداء الاقتصادي لا التعبوي .
هذه الحقيقة تؤكدها أيضاً نتائج الانتخابات التي جرت في دول عربية أخرى، والتي أوضحت أن الحركات الإسلامية أبعد ماتكون عن تحقيق انتصارات انتخابية ساحقة دوماً، بل هي تكافح راهناً للحفاظ على المكاسب المتواضعة التي حققتها سابقاً .
فقد شهدت الانتخابات الأخيرة في المغرب والأردن خسارة الإسلاميين في المجالس التشريعية وبين قواعدهم، ما أدى إلى إثارة نقاشات داخلية في صفوفهم في شأن كلفة ومزايا المشاركة في السياسات . صحيح أن بعض الانتخابات لم تكن حرة تماماً، وأن الإسلاميين ربما حققوا نتائج أفضل على نحو ما في منافسة أكثر انفتاحاً، إلا أن الاتجاه التراجعي الذي كشفت عنه هذه الانتخابات لايدعم الافتراض القائل أن الإسلاميين يستطيعون بسهولة تحقيق انتصارات انتخابية كاسحة .
الحصيلة الثانية تتعلق بالحركات الإسلامية نفسها، والتي يجب أن تحسم في النهاية وضعها في إطار الديمقراطية: هل هي حركات سياسية أم دينية؟
هذه النقطة كانت مدار تركيز دراسة مهمة قام بها الباحثان البارزان في مؤسسة كارينغي عمر حمزاوي ومارينا أوتاوي، تمحورت حول الآتي:
تُعتبر الأحزاب والحركات الإسلامية التي اتّخذت خيارها الاستراتيجي بالمشاركة في العملية السياسية الشرعية في بلدانها، إلى جانب المؤسسات الحاكمة، أهم العناصر السياسية الفاعلة في البلدان العربية . هذه الأحزاب والحركات معقّدة إلى أبعد الحدود، إذ هي تخضع إلى تحوّلات دائمة بفعل صراعات القوى الداخلية والطريقة التي يُسمح لها من خلالها بالمشاركة .
باستثناء جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين، فإن كل الأحزاب والحركات الإسلامية تستمد أفكارها من جماعة الإخوان المسلمين وترتبط بها، وإن بوثاق غير مُحكَم، وهذا ليس وليد المصادفة، إذ إن الأحزاب التي لها جذور راسخة في فكر جماعة الإخوان المسلمين، خضعت على مر السنين إلى التحوّل الإيديولوجي الذي يبرّر مشاركتها في الحياة السياسية الشرعية في بلدانها .
أسفرت المشاركة السياسية للأحزاب والحركات الإسلامية عن بروز همّين أساسيين في العالم العربي والغرب، الأول يتعلق في ما إذا كانت هذه الأحزاب والحركات ديمقراطية حقاً . والثاني في ما إذا كانت المشاركة نفسها ستُفضي إلى ترسيخ التزام هذه الحركات بالمعايير والأساليب الديمقراطية .
ماذا تعني هاتان الحصيلتان أعلاه؟ ضرورة نزع كل الأوهام المتعلقة بمشاركة الحركات الإسلامية في العمل السياسي، سواء التي تقض مضاجع الحكومات والتيارات الليبرالية واليسارية، أو تلك التي تُغرق في لججها هذه الحركات نفسها، فالديمقراطية، في خاتمة المطاف، هي نور الشمس القادر على تفتيت كل موميات الأساطير والخيالات غير الواقعية .
ونتائج انتخابات الكويت، وقبلها انتخابات المغرب والأردن، معالم على هذا الطريق .
الخليج