هل سورية هي ” الدولة الشقيقة ” الجديدة ؟.
سدات لاجينر
ترجمها عن التركية : مصطفى إسماعيل
شهدت سورية خلال الفترة الوجيزة الماضية زيارة وفد رسمي تركي برئاسة الرئيس التركي عبد الله غول, استغرقت ثلاثة أيام, وإذا كان الإعلام السوري الرسمي قد اختار اللجوء كالمعتاد إلى العناوين المملة والمكررة المستخدمة حول أيما زيارة, فإن الحال في تركيا يختلف إذ شهدت مراكز الأبحاث والدراسات والمنابر الإعلامية التركية كتابات كثيرة حول الزيارة تلك, متضمنة الانهمام بالتفاصيل المسكوت عنها في الإعلام السوري, أهم من كل ذلك أن هنالك باحثين عديدين بدأوا في أعقاب الزيارة بالكتابة عن العلاقات التركية – السورية وعراقيلها وآفاقها, والكاتب ” سدات لاجينر ” الذي يدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الدولية والتي تعرف اختصاراً بـ USAK هو أحد الأشخاص الذين كانوا في عداد الكتاب والصحفيين المرافقين للوفد التركي والرئيس غول, فيما يلي المقالة المطولة التي نشرها في الموقع الالكتروني لمؤسسته في الثلاثاء 19 أيار 2009 :
سدات لاجينر : هل سورية هي ” الدولة الشقيقة ” الجديدة ؟.
استخدمنا فيما مضى تعبيرَ ” نحنُ دولٌ شقيقة ” أكثر من أجل باكستان. بعدها ومع حلِّ الاتحاد السوفياتي بدأت الجمهوريات التركية وفي مقدمتها أذربيجان بالدخول في إطار هذا التوصيف, ولكن يمكن القول أنَّ الدولتين الوحيدتين اللتين بإمكاننا تأسيس أخوة فعلية معهما هما باكستان وأذربيجان, وإنْ استُخدِمَ بين الحينِ والآخر تعبيرُ ” إخوتنا المسلمين ” من أجل الدول العربية, فإنَّ كلمة ” إخوة ” هنا تفيدُ السخرية أحياناً, وقد تُحيلُ في أحيان أخرى إلى حقل الأمنيةِ, أكثرَ من الإحالة إلى وضعِ أخوَّة حقيقي. ويتضمنُ التعبيرُ في أحايينَ كثيرة ظلماً, مُنطوٍ بداخل السؤال التالي : ” ما داموا أشقاءَ, لما لا يتعاملونَ كأشقاءْ ؟ “.
تُظهرُ جولة السيد رئيس الجمهورية عبد الله غول السورية لمدة ثلاثة أيام أن شقيقاً آخرَ على وشك الولادة, وذلك نتاجٌ مباشرٌ للجهود التي قُدِّمَتْ إلى الآن, وفاقاً لذلك تتقدمُ سورية بسرعة من صفة ” دولة معادية ” إلى صفة ” دولة شقيقة “. علاوة على هذا, لا يبدو أنَّ تقارب الدولتين سيبقى رهنَ الحماس والعواطف, فالبذارُ بُذرتْ, وتمَّ إرواءُ الحقل, وحالة الجو كانتْ مُواتية, وحانَ الآن موعدُ الحصاد, ولهذا ربما نالَ ذلك سعادة وزير الخارجية الجديد أحمد داوود أوغلو, فهوَ رغمَ أنه بدأ للتو مهمته كوزير, كان أشبه بفلاح باسم الوجه في وقت الحصاد. حين سألته : ” كيف تجري المباحثات “, ردَّ : ” لم تعد هنالك مباحثات أو لقاءات, هنالكَ منذُ الآن توافقٌ, نحنُ أصبحنا في هذه النقطة ” وكانَ يلخص بذلك كم أن المباحثات بين تركيا وسوريا مضت ناجحة.
المباحثات الثنائية بين الوفدين السوري والتركي برئاسة رئيس الجمهورية عبد الله غول والرئيس السوري بشار الأسد تعدت الساعتين, وإن كان ذلكم التأخير قد فتح الطريق أمام إشارات استفهام وسؤال ” هل هنالك مشكلة ما ؟ “, ولكن علم بعد وقتٍ قصير من ذلك أن تجاوز التوقيت المحدد للمباحثات تمَّ لأن الطرفين طلبا زيادة على المدة المقررة لجلسة المباحثات, نتيجة لكثرة الموضوعات المتباحث حولها, ولرغبة الطرفين في تعاونٍ أكثر.
الأتراك والسوريون سعداء جداً بنتائج اتفاقية التجارة الحرة الموقعة فيما بينهما في الفترة القريبة الماضية, والطرفان يريدان تزيين هذه الخطوة الأولى بخطوات أخرى جريئة وواسعة. من بين المواضيع التي جرى التباحث حولها: مشاريع طاقة مشتركة, تقوية البنية التحتية لشبكة الاتصالات, وإلغاء القوانين التي من شأنها أن تبطىء وتعيق سرعة العلاقات بينهما, ومن المواضيع الأخرى التي تباحث حولها الوفدُ المرافقُ للرئيس غول في زيارته إلى سورية التي استغرقتْ ثلاثةَ أيام بالتأكيد : القضايا الإقليمية, المفاوضات السورية – الإسرائيلية, الصراعُ الداخلي الفلسطيني, الوضعُ في العراق إضافةً إلى مواضيعَ أخرى.
” الدولةُ الشقيقةُ تركيا “…
في المؤتمر الصحفي الذي أعقبَ المباحثات لم أتكاسلْ, بلْ كنتُ أحصي. الرئيس السوري بشار الأسد استخدم كلمة ” شقيق ” تسعَ مرات, أما الرئيس غول فقد فضَّلَ استخدام كلمة ” شقيق ” من أجل سورية سبعَ مرات. كان رئيسي الجمهوريتين يخاطبان بعضهما البعض بكلمة ” شقيقي “. ولم يكُ المشهدُ مختلفاً في اللقاءات الثنائية. فلمْ تفارقْ كلمة ” شقيق ” فم الأسد. في اليومين الثاني والثالث من الزيارة لم يختلف المشهدُ أيضاً, ففي الاجتماعات المفتوحة والمغلقة كانت تركيا بالنسبة للأسد ” دولة شقيقة “, ورئيس الجمهورية غول كان ” أخي العزيز “.
يمكنكم القول أن هكذا إشارات واردة في الديبلوماسية, هل هنالك ما يثيرُ العجبَ فيها ؟.
صحيحٌ أن الديبلوماسية والسياسة متعلقة بالمجاملات, والالتفاتُ المكثف إلى رئيس دولة أخرى جاءك في ديارك هو من العادات المتعارف عليها, ولكن لا يمكن أن تكونَ الكلمات الديبلوماسية خاليةً من المعاني تماماً, فلا يمكنُ نعت كل دولة بأنها شقيقة, ولا يمكنُ نعتُ كل دولة بأنها صديقة, ولا يمكنُ أن يتأتى استخدام رئيسي الدولتين للكلمة ذاتها 16 مرة في اجتماع لم يتعدى الساعة من فراغ, سيما إذا ما علمت أن سورية المتحدث عنها هنا تعتمد لغة حقيقية أكثر منها أدبية, من هذا المنطلق إذا ما تمعنا في محادثات المسؤولين, نرى أنها إضافة إلى ذلك تتضمن تحليلات صارت تلفت الأنظار أكثر إلى النقطة التي بلغتها العلاقات التركية – السورية.
الانفتاح على سورية …
سورية دولةٌ منغلقةٌ على الخارج, وهي تبذلُ في حقبة الأسد الأبن محاولاتٍ كبرى للانفتاح على الخارج, ولكن حتى لو استمر تغيير الذهنية بهذه الطريقة إلا أنه لا يمكن الاتكالُ في الانفتاح على صورة الرئيس فقط, إذ يشترط في هذه الحالة وجود كوادر لتحويل الأفكار إلى حيَّة, وهؤلاءِ الكوادرُ همْ ملحقُ القيادة والأفكار الجيدة. إنَّ قوة الإنسان وقيمة الدولة لا تزدهرُ خلال فترة قصيرة, باختصارٍ, سيستغرقُ ذلكَ زمناً متغيراً.
الأهمُّ من ذلك, أن سورية تخافُ, فالأغصانُ التي تعلقت بها أنكسرت, وهي تشعر اليوم بعزلة, ليس الاندماج في العالم أمراً يمكن لدولة أن تنجزه بمفردها, إذ يقتضي ذلك التعاون من لدن الدول الأخرى أيضاً, فسورية تتواجد في أحد مناطق العالم المنحوسة, ويمكنكم عدَّها من ناحية جوارها الجغرافي سيئة الحظ أكثر من تركيا حتى, فتركيا أفضل جيرانها ولها جيران آخرون أيضاً : إسرائيل مثلاً, فهضبة الجولان لا تزالُ تحت الاحتلال الإسرائيلي, وتبدو إسرائيل كماكينة حرب ضخمة في وضعية المستعد للإغارة على دمشق. ويمكن رؤية دمشق بالنظر من هضاب الجولان. هكذا تبدو العاصمة السورية قريبة من عدو لا يأمن جانبه. دول الجوار السوري ما عدا تركيا وإسرائيل هي دول عربية. لبنان والعراق والأردن, ولكن هذه الدول العربية ليس بإمكانها أن تكون حلاً لحالة العزلة التي تراوح فيها سورية, فكل منها منشغلة أكثر بهمومها, لا بل أنها تعاني من مشاكل عديدة نتيجة لتدخلات سورية, فلبنان لا يزال يعاني من الفوضى, وليس الوضع في العراق مفارقاً لذلك.
أكثر من ذلك فإن السوريين يخشون من تعرضهم إلى ما تعرَّض إليه العراق, ففي شوارع سورية لا يزالُ القلقُ من هجومٍ أمريكي أو إسرائيلي قوياً.
في هكذا وسط تمدُّ تركيا يدها, وتقدم اقتراحاتها من أجل التعاون في الميادين كافة, في أشد آناء تصاعد الشعور السوري بالحصار, ولا تقطعُ علاقاتها بالرغم من الضغوطات الأمريكية, تنسى تركيا الماضي, وتتحرك بدافع من الشعور بالجيرة, وليسّ بدافعٍ من الانتقام. إلى درجة أن تركيا في بعض الأحيان تتعامل مع سورية وكأنها هي المحتاجة إلى هذا التعامل, وليست سورية هي المحتاجة. هنالك العشرات من الزيارات رفيعة المستوى منذ 2003 وإلى الآن. وحده رئيس الوزراء أردوغان زار هذه الدولة ثلاث مرات, فيما زار أحمد داوود أوغلو سورية في خلال السنوات الست الأخيرة ثلاثين مرة تماماً. وسطي زيارات المسؤولين الأتراك إلى سورية في السنة هو 5 زيارات. أيضاً فإن رئيس الجمهورية غول كان قد زار سورية حين كان رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية, وزيارته الحالية إلى سورية هي الأولى له كرئيس للجمهورية, وأصبح غول الذي انتقل من دمشق إلى حلب زائراً خلال زيارته الرئيس التركي الأول الذي يزور هذه المدينة, وإذا ما أضفنا إلى ذلك زيارات رجالات الدولة السورية ( الوزراء والمسؤولين السوريين رفيعي المستوى ) إلى تركيا, لوجدنا أن الزيارات الرسمية تتجاوز في خلال السنوات الست الأخيرة خمسة زيارات, وأصبح طريق الزيارات المفتوح هذا والذي يعد نقطة تحول راديكالية في علاقات البلدين ملفتاً للأنظار.
حارَ السوريون في ما يمكنهم فعله أثناء زيارة غول لدمشق وحلب, فخلافاً للزيارات الروتينية أولى الرئيس السوري وعقيلته أهمية قصوى لعدم ترك الوفد التركي وحده في أيما مكان قصده. فالثنائي غول تناولا طيلة فترة وجودهم في سورية طعام العشاء مع الثنائي الأسد, وعلى مأدبة الغداء في اليوم الأخير من الزيارة كانوا معاً مجدداً. فالرئيس الأسد انصرف عن أعماله الكثيرة منذ ظهيرة يوم الجمعة وحتى ظهيرة يوم الأحد, وانشغل فقط بالوفد التركي. حتى أنه خروجاً على البروتوكول المعمول به في سورية قرر أن يوصل الثنائي غول إلى المطار بسيارته الخاصة.
بصريح القول, لم يك ممكناً للطرف السوري أن يعبر عن محبته لتركيا بأكثر من ذلك, وإذا ما وضعنا قسماً من التعبيرات المغالية عن المحبة التي تبديها دول الشرق جانباً, فإن هذه الزيارة بتفاصيلها المتنوعة أظهرت كم هي عالية الانتظارات السورية من تركيا.
أولى الانتظارات السورية من تركيا هي في المجال الاقتصادي, فاتفاقية التجارة الحرة وُقِعَتْ بين الدولتين قبل سنتين, وشهدت العلاقات الاقتصادية فيما بينهما انفجاراً, وتصاعدَ حجمُ الاستيراد والتصدير بينهما أضعافاً مضاعفة, وحجم التبادل التجاري يشهد التطور يومياً وبخاصة بين الولايات التركية : عنتاب, مرسين, مرعش, أضنة ومناطق الشمال السوري وفي مقدمتها حلب, ويمكنُ لذلك أنْ يتطورَ أكثر, ولكن البنية التحتية غير كافية, كذلك فإن الإجراءات البيروقراطية لدى الطرفين تعيقُ نمواً أسرع, والأصلُ أن العقبة الأساس تتجلى في البيروقراطية السورية, حتى إذا وقعت الاتفاقات, فإن لم تتغير الذهنية, سيبقى كل تغييرٍ محتمل مجرَّد حبرٍ على ورق.
يقولُ رجلُ أعمالٍ سوري : ” إذا ما رحلتم سيعود كل شيء إلى سابق عهده, عليكم تنفيذ الاتفاقات وتأسيس آلية مراقبة للمساعدات التي تقدمونها “. بتعبير آخر فإنه يقولُ ما مفاده ” لا تثقوا بنا, بل اختبرونا “. فليسَ بشار الأسد وحده الذي يحكمُ, بل هنالكَ رجالٌ صغارٌ يستمدونَ نفوذهم من كبار رجالات الدولة. رغم ذلك, فإن المسافة الطويلة التي قُطِعَتْ خلالَ فترة قصيرة كافيةٌ كأملٍ في المستقبل.
حجمُ الاتجار الذي تحقق بين تركيا وسورية خلال 2008 وصل إلى 1,8 مليار دولار, والهدفُ في 2009 هو الوصول إلى 2,5 مليار دولار, فيما الهدف في 2012 هو الوصول إلى 5 مليار دولار, وإذا ما تذكرنا أنَّ حجم الاتجار بين البلدين في 2000 كان 724 مليون دولار, يمكننا تفهم استيعاب حجم التغيير الحاصل.
الانتظار السوري الثاني من تركيا مطابقٌ تماماً للانتظار الذي في الميدان الاقتصادي, وينحصرُ في الميدان السياسي, فسورية تنتظرُ من تركيا أن تكون معيناً لها للتخلص من العزلة الدولية, ومؤازرتها في موضوعي فلسطين وهضبة الجولان, ويبدو أن القلوب ربحتْ في هذا الصدد. كذلكَ فإن المسؤولين السوريين دائمي التكرار بأنهم لن يستمروا في المفاوضات مع إسرائيل إذا ما غابت تركيا عن الوساطة, فتركيا كسبتْ ثقة سورية كما ثقة إسرائيل. كم سليمةٌ هذه الثقة, فلا يبدو السوريون منزعجين من التقارب التركي – الأمريكي – الإسرائيلي. بالعكس, فإنهم يرونَ تلكم العلاقات مفيدة, وهمْ ينتظرونَ من تركيا الاستمرارَ في أنشطتها.
والموقفُ الذي خرجَ بهِ رئيس الوزراء أردوغان في دافوس بخاصة قد حرر تركيا من الدين الذي عليها, الكلُّ يعلم بما جرى في دافوس, وليسَ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فقط, والرجلُ العادي في الشارع أيضاً على بينة من هذا, ففي صبيحة اليوم التالي لما جرى في منتدى دافوس انهمرت التهاني والورود على السفارات والقنصليات التركية, إذ أن بعض العرب المندفعين والذين لم يتمالكوا أنفسهم بدأوا بقراءة أشعار مديح لأردوغان وتركيا في الممثليات التركية, كان هنالك ما يشبه الانفجار العاطفي, سيما وأن الرئيس الأسد قد قال في إحدى خطبه : ” تركيا فعلت ما لم يفعله العرب وباقي الدول الإسلامية “, واعتراف الأسد بهذه الدرجة أمام الحشود, كان تعبيراً عن تقديره لموقف أردوغان.
منح الرئيس غول سورية كامل تأييده في موضوعتي فلسطين وهضبة الجولان, فهو اعتمد تعبير فلسطين مستقلة ومتحدة, وهو قال بالأرض مقابل السلام, ودعى الفلسطينيين والعرب إلى التوحد حول هذا, وحين قال ذلك وكأنه كان يقول ” اتحدوا, فما الذي بقي لتخسروه غير سلاسل الخوف والضياع “, وقد قال غول في معرض تذكره الشبهات المثارة حول اهتمام تركيا عن قرب بسورية وبعض المناطق الأخرى : ” لم نقل في تركيا لندخل هذه المواضيع, ولتكن لدينا أذرع هنا, ولنستثمر هذا. نحن وسط محاولات شفافة ومنفتحة انطلاقاً من فرضية أنه قد نكون مفيدين “. وقد لخص رئيس الجمهورية هذا الانقلاب في السياسة الخارجية التركية في المنطقة بتصفير المشاكل مع دول الجوار, الشفافية, الوضوح, التأسيس, التعاون, والفهم المستند إلى النية الحسنة.
هل ذلك بديل للاتحاد الأوربي ؟.
حين طرح رئيس الجمهورية غول الهدف من العلاقات مع سورية على الملأ بالقول ” يمكننا إجراء تعاون بلا حدود فيما بيننا ” فُهِمَ ذلك على وجهين. وبخاصة فإن قوله ” بعد تحقيق التجوال الحر للأموال بيننا, علينا تحقيق التجوال الحر للخدمات والناس أيضاً ” فُهِمَ من قبل بعض المُعلقين على أنه طلبٌ لتحقيق كيانٍ مشابه للاتحاد الأوربي في الشرق الأوسط, حتى أن أحد الصحفيين في الوفد مضى إلى حد التعليق بأن الدولتين تتجهان إلى التوحد, ولكن الرئيس غول تنبه إلى هذه التعليقات غير المكبوحة واضطر إلى التلميح بأن ” علاقاتنا الجيدة مع جوارنا ومنطقتنا ليست بديلاً عن الاتحاد الأوربي, تركيا أوضحت وجهتها, ولكن هذا لا يعني إدارتها ظهرها لمناطق أخرى “.
الحقيقةُ أن رؤية كيان مشابه للاتحاد الأوربي في الشرق الأوسط, والقوقاز, وفي المحيط الدولي الآخر أمرٌ سيسعدنا كثيراً, ولكن ينبغي أيضاً أن يأتي وطء الأقدام في مكانه, فهنالك الكثيرُ من الفوائد مما يمكن لسورية والدول الأخرى أخذها من تركيا, ولكن هنالكَ حدودٌ لما يمكن لتركيا أخذه من هذه المنطقة, فالديمقراطية التركية, وقيم الدولة, وأخلاقيات العمل, ومعايير المعيشة, والحقوق, وقوة الرقابة لا يمكنها الارتقاء بالعلاقات مع هذه الدول فقط, فإذا كنت الأفضل في المنطقة, سيكون عسيراً صعودك, لأنه ليسَ لديك ما تأخذه, لهذا فإن تركيا تحتاجُ إلى الاتحاد الأوربي, فإذا لم يكن هنالك دفعٌ وضغوط أوربية لتركيا, لما كانت تركيا – ربما – وسورية حظيتا بهذه الثقة المفرطة ببعضهما.
تحذيرنا الهام الثاني يتعلق بسرعة تطور العلاقات, إذ يُخشى على كل علاقةٍ من محاولات الابتلاع, وينبغي عدم دخول دولة ما بعد إعطائها انطباعاً بالاستيلاءِ عليها, فمهما كانَ رئيس الدولة الأسد مُبتهجاً, إلا أنه وبمجرد أن تبدأ الأعلام التركية بالرفرفة في كل مكان من سورية, فإن ذلك سيرفعُ من أعداد السعاة لإيقاع الفتن بين الدولتين, خاصةً وأنَّ ذلك حدثَ مع إيران, فالدخولُ التركي الذي كان بلا حدودٍ إلى إيران أخافَ الكثيرين. فأعلامُ شركة تركسيل رفرفتْ في العديد من أماكن العاصمة طهران, ولم تك الشركة قد نالت بعد ضمانات لعملها, وكان يقالُ أن إيران ذهبت وعادت تركسيل, إذ كان يجب أن تستخدم الشركة أسماء تحتوي كلمات إيرانية, وكان الرأي العام الإيراني سيولي أهمية لأعمال الشركة. ينبغي أن يكون الدرس الإيراني مفيداً لنا, وعلى رجال الأعمال الأتراك عدم دخول سورية وفي أيديهم أعلام تركية وبأسماء تركية, بل يجب عليهم الاستعاضة عنها بأعلام سورية وأسماء سورية لشركاتهم وأعمالهم.
تغييراتٌ في حجم مُجمل التبادل التجاري بين تركيا وسورية…
1990 : 279 مليون دولار.
2000 : 724 مليون دولار.
2008 : مليار و800 مليون دولار.
2012 : 5 مليار دولار ( كهدف ).
ملاحظة : من أجل آرائكم وتعليقاتكم واقتراحاتكم
: mbismail2@hotmail.com
موقع اعلان دمشق