ما بعد الكارثة

بلال خبيز

إن الحديث عن حرب في المنطقة لم يعد حديث منجمين، وإن الدبلوماسيات الإقليمية والعالمية لم تعد تستطيع الحيلولة دون نشوبها، وإن كانت تستطيع أن تؤخرها قليلاً.
لذا، ربما يجدر بنا أن نقلع عن التفكير والتحليل في مجال منع نشوب الحرب واحتمالات حصولها، وأن نباشر التفكير في كتابة ما يمكن أن يكتب بعد حلول الكارثة.

لم يكن شاؤول موفاز يطلق مواقف سياسية تكتيكية في احتفالات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بذكرى تأسيس دولة إسرائيل، حين أعلن أن إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، بل إن قادة إسرائيل، بيمينها ويسارها، يجمعون على ضرورة منع إيران من الحصول على هذه التكنولوجيا ولو بالقوة العارية وحدها، حتى لو اضطرت إسرائيل إلى خوض حرب منفردة ضد إيران وحلفائها في المنطقة.

على الضفة الثانية، ثمة إجماع إيراني ندر مثيله في ما يخص حق إيران بامتلاك التكنولوجيا النووية. وهذا يفترض بداهة أن إيران وإسرائيل تسيران في خطين متقابلين، وأن الاصطدام لابد سيحصل في لحظة ما، وهذه اللحظة، أو ساعة الصفر، تقررها إيران عملياً، بحسب النشاط والتقدم الحاصلين في برنامجها النووي.

طبعاً حين تكون دولة بحجم إسرائيل النوعي في العالم ومكانتها ترفض بصورة مطلقة أي مساومة في ملف إيران النووي، فذلك يعني بداهة أيضاً، أن إسرائيل لن تخوض حربها هذه وحيدة، على الأقل لجهة الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من دول متعددة، في مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية، ولن تُعدم أن تلقى مثل هذه الحرب نوعاً من التعاطف من دول إقليمية لا مصلحة لها في تحول إيران قوة نووية في مناطق نفوذها ومصالحها الحيوية.

هذا كله يعني أن الحديث عن حرب في المنطقة لم يعد حديث منجمين، وأن الدبلوماسيات الإقليمية والعالمية لم تعد تستطيع الحيلولة دون نشوبها، وإن كانت تستطيع أن تؤخرها قليلاً. لذا، ربما يجدر بنا أن نقلع عن التفكير والتحليل في مجال منع نشوب الحرب واحتمالات حصولها، وأن نباشر التفكير في كتابة ما يمكن أن يكتب بعد حلول الكارثة. طبعاً ليس ثمة رغبة عند أي كان في تعداد وإحصاء وتقدير حجم الخراب الذي قد يحصل نتيجة اندلاع حرب من هذا النوع على امتداد رقعة واسعة من قارة آسيا، وعلى أبواب إفريقيا وأوروبا، فهذا لعمري، أمر يشق على القارئ والكاتب أن يستقبل صباحه بالتفكر فيه وتخيل مآلاته. لكن التفكر في ما بعد الكارثة يفترض أن هذه الحرب التي باتت واقعة حكماً ستفتح المجال متسعاً لحروب أخرى أطول وأعقد وأكثر خطورة. ذلك ان إسرائيل المنتصرة في مثل هذه الحرب، لن تكتفي بانتصار واحد، والأرجح أنها ستمد بعض سلطانها على مناطق النفوذ الإيرانية السابقة. مما يعني اقتطاع شطر واسع من بلاد العرب وضمها إلى مناطق النفوذ الإسرائيلي، الأمر الذي سيفتح باباً متجدداً لصراعات مريرة ودامية، كذلك فإن انتصار إيران يعني حكماً أن منطقة نفوذها العسكري والأمني ومدى حقول سياستها الابتزازية سيتوسع ليشمل المنطقة العربية بأكملها وجزءاً من آسيا الوسطى. وبالتالي فإن دخول الطرفين في مثل هذه المعركة الفاصلة، سيجعل المنتصر فيها حاكماً فعلياً ومتحكماً بأكثر مناطق العالم حيوية. وبصرف النظر عن الحظوظ القليلة للانتصار الإيراني، والاحتمالات المرجحة للانتصار الإسرائيلي، فإن استعدادات الدولتين للدخول في مثل هذه المواجهة سيجعل المنطقة بأكملها خاضعة لسيف الابتزاز الذي يشهر عليها من الجانبين.

وقوع المنطقة بين فكي هذه الكماشة المحكمة قد يكون أحد أكثر الأسباب جوهرية للشروع في هذه الحرب، فالحروب تنشأ وتخاض حين تكون جائزة المنتصر قيّمة إلى الحد الذي يدفعه للخوض فيها وتحمل خسائرها الهائلة، ولا شك أن مثل هذه الحرب والاستعداد لها يجدد حلم إسرائيل الكبرى، ويعطيها ذريعة متجددة لتوسيع نطاق نفوذها، أما في الجانب الإيراني فإن الجائزة الكبرى التي تلوح في نهاية هذه الحرب ستجعلها أكثر إصراراً على الاستعداد لها وبذل ما في وسعها للفوز فيها.