رصيف الانتظار
اسكندر حبش
عما قريب تنتهي العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرين. والسؤال الذي أجدني منساقاً إليه: هل نستطيع بعد ونحن قد دخلناه ، منذ سنوات أن نواجه كل هذه التحديات الجديدة التي يطرحها العالم المعاصر علينا؟ ثورات عديدة مرّت بنا، ولا أقصد بالتأكيد ثورات التحرر والاستقلال التي عرفها العالم، بل أشير أيضا إلى تلك، الأخرى، التي عرفتها الإنسانية على مرّ تاريخها الحافل، أي الثورات العلمية والتكنولوجية والرقمية وما شابه من تطور وتقدم جعلانا نقف على مشارف عوالم أخرى، متنوعة ومتشعبة المسالك، حتى لتبدو لنا أشبه بمتاهات لا خروج منها.
أين تقف مجتمعاتنا اليوم من كل ذلك حقاً؟ في هذا العدم الكبير الذي يلفنا. لأننا بالتأكيد، نحن اليوم نشاهد الممثلين فوق خشبة المسرح وهم يلعبون أدوارهم، بإتقان وحرفة عالية، بينما لا يُسمح لنا بالتواجد إلاّ في مقاعد الصالة الخلفية. لقد خرجنا من دائرة الفعل، وعلينا أن نعترف ولو لمرّة بهذه الحقيقة، كي لا نستمر في هذا الضلال الذي نعيش فيه، معتقدين أننا نشارك الإنسانية همومها وتطلعاتها، كما نواكبها في طموحاتها التي لا تتوقف. لم يعد من المجدي بتاتاً أن نستعيد النغمات القائلة بأن تاريخنا القديم كان مجيداً وأننا فعلنا كذا وكذا. إذ لكثرة ما رددنا هذه الشعارات أصبحت فارغة من معناها الحقيقي، كما جعلتنا ننسى الحاضر الذي نعيش فيه فعلاً. يكفينا هذا العيش المستمر في الماضي. علينا أن نتقبل الحاضر حتى وإن لم يكن ملائماً أو مناسباً لنا. ومن هذا القبول، من مواجهة هذه الحقيقة، علينا أن نعيد التفكير مجددا بكل شيء، إذ ربما نستطيع عندها أن ندخل الراهن قليلاً.
مرت سنون على عصر النهضة، ولا زلنا نطرح المشكلات عينها والموضوعات ذاتها. لم نستطع بعد أن نعيد صوغ خطاب جديد يتيح لنا أن نكون في العصر فعلا. لم نستطع بعد أن نشكل جذريا هذه النخب السياسية المختلفة، التي لا تملك عقولا تشبه تلك العقول الواقعة في جهلها وعصبيتها وتعصبها. أقصى ما نستطيعه اليوم الاستمرار في لعبة التخلف والقتل وملء السيارات بالعبوات الناسفة. تخيلوا أن يكون ذلك أقصى ما استطاعت تبدعه حضارتنا التي نتغنى بها من دون كلل أو تعب.
لنتوقف قليلا عن رمي أسباب ما توصلنا إليه على «الآخرين»، أما من دور لنا ولو صغيرا في وصولنا إلى هذه الهاوية؟
«ثابتون في عالم متغيّر». كل ما يحدث اليوم في عالمنا العربي يحيلنا إلى هذا التوصيف، الذي لا نزال نقبع داخله منذ قرون. نعم تغيّر العالم كثيراً، ونحن ما زلنا نستعيد الشعارات عينها، ونمطية التفكير نفسه. أما حان الوقت أن نتبدل ولو قليلا؟ حتى لا ننقرض فعلاً.
السفير