صفحات العالمما يحدث في لبنان

جنبلاط: «هيدا لبنان»

نصري الصايغ
كشف وليد جنبلاط المسكوت عنه، لدى الطائفة الدرزية، فانكشفت الطوائف الأخرى، التي تسكتُ عما لديها من قلق و… عدوانية، إذا اقتضى الأمر، و… عنصرية، إذا قرئت بلغة العصر.
قالت الوثيقة المصورة، بلغة جنبلاط وبعض مشايخ الطائفة، «هذا نحن». قد تكون الطوائف الأخرى مشتاقة لمثل هذا الإفصاح، ولكنها لم تفعل ذلك علناً بعد، علماً أنها ترتكبه سراً، قولا وفعلا، وتظهره، بدبلوماسية «العيش المشترك».
قبل أسابيع، عرضت المخرجة اللبنانية إليان الراهب شريطها الواقعي الجديد: «هيدا لبنان». وكان قد عرض قبل ذلك في باريس، وحضرت المناقشة وكان لي حظ تقديم العرض، هنا وهناك.
ايضا، تكشف إليان الراهب، بالصوت والصورة، وعلناً، الأزمة التي تجتاح الثقافة «المارونية» والمسيحية عموماً. وتبرز في الفيلم، صورة الماروني المأزوم، المحتاج إلى رعاية دولية، إلى «أم حنون» جديدة، لتحميه من «المد الإسلامي»، لأن «لبنان المسيحي» يكاد يضيع، ولتعش كل طائفة في جغرافيتها وأماكن إقامتها.
أثناء النقاش، لفت مسيحيون النظر إلى أن هذا الشريط منحاز. يبرز فقط ما لدى المسيحيين. (من خوف وعنصرية وإجرام). وكان جوابي وجواب إيليان: «كما هنا هناك». أي أنكم تشبهون بعضكم بعضا. فهذه عينة مسيحية، لها شقيقاتها في النسيج اللبناني المهلهل.
قيمة ما نشر عن تلك الجلسة (الخلوة) وعن تلك المكاشفة، بين جنبلاط ومشايخ الطائفة، أنها تدل على الورم الطائفي المتفاقم: الدروز في محنة، أقلية بدون جذور وامتدادات إقليمية. أقلية تتناقص، إزاء أقليتين تتزايدان: السنة والشيعة. أقلية تخشى أن تبتلع أرضها وأماكن إقامتها. أقلية لا حول ولا قوة لها… لذا، عليها أن تلجأ إلى منطق قوة الطائفة في خوفها ومسالمتها، بعد تجربة قوة الطائفة في تحالفاتها الداخلية والإقليمية.
ما كشفه الشريط المسرّب، أبعد بكثير من السياسة، ونضوج الوعي، وضرورة المراجعة، لتدبير الأحوال بعد الانتخابات، ولحسابات الربح الطائفي والخسائر الكارثية إذا حصل صدام أهلي. ما كشفه دل على ثقافة سائدة، مخبأة، متربصة، ظهرت في خطاب بشير الجميل السياسي، قبيل انتخابه رئيساً. يومها، رفعت الطائفة المارونية عقيرتها العنصرية، عبر «حرية قرع الأجراس»، «نحن حضارة وهم بلا حضارة».
كشف وليد جنبلاط عن النزعة الانتحارية التي تنتاب الأقلية، إذا حوصرت أو خسرت أو «كبر رأسها»، وشربت حليب السباع الإقليمي والدولي. ولعل ما يستفاد منه، أن الطوائف الاخرى، المستقوية جداً، بحاجة إلى أن تتواضع، خوفاً من أن يفرض عليها الاتضاع، بالقوة أو بالفتنة.
وكشفت الجلسة أن لبنان السني مأزوم، ولبنان الشيعي مأزوم، ولبنان عون مأزوم، ولبنان الأرمن مأزوم. ولبنان الدروز مأزوم. ولا جديد فيه غير الإعلان المبرم، وبالفم الملآن، عن اقتراب الانهيار.
الأرض اللبنانية لا تجمع. لا شراكة في الأرض. سنة عكار وشبعا، أقرب الى بعضهم بعضا من حلبا. شيعة الهرمل وجبيل أقرب الى بنت جبيل من رأس بعلبك وعمشيت، وهكذا دواليك.
من المسؤول عن الرعاية الفائقة التي أعطيت للطوائف، وعن الإمعان المتزايد تخريباً للدولة والمجتمع؟ أليست القيادات «الروحية» و«السياسية» والمدعمة بالمال من كل حدب وصوب؟ أليسوا رعاة ثقافة القطعان؟
هوذا لبنانكم يترك لكم خراباً، بعدما أمعنتم فيه طائفياً، فاختبئوا في ركام «غيتواته».
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى