ما يحدث في لبنان

بلا مجاملة

null


حسام عيتاني

السيد حسن نصر الله لا يجامل. ممتاز. يتيح هذا الموقف قول بضع كلمات تخلو من المجاملة. مستويان يستحقان البحث في هذه الساعات الكالحة السواد. مستوى ما أصيبت به بيروت، كرمز لوحدة اللبنانيين، والمستوى السياسي المتعلق بما جرى.

بالنسبة الى المستوى الاول، فليُسمح لنا بالقول إن شوارع بيروت ليست امتدادا، إلا بالمعنى الوطني، لعيتا الشعب وعيناتا وأطراف بنت جبيل، والمعارك التي شهدتها هذه الأحياء تختلف، في المعنى والمبنى، عن تلك التي شهدها الجنوب، هذا اذا حسُن الظن.

وليس يُدافع السلاح عن السلاح بحرق المتاجر المؤسسات الإعلامية وإرغام بعضها على الصمت، وبزج مئات المسلحين في أحياء بيروت وتسيير العراضات المسلحة وكأن انتصارا جديدا قد تحقق، فيما يعلم كل ذي نظر أن الطرف المقابل لم يكن سوى شرذمة غير مدربة من المراهقين الذين صورهم البعض وكأن قوتهم تفوق قوة الجيش الأحمر في أيام سطوته، هذا الى جانب مداهمات المنازل وتسجيل أسماء قاطني أحياء بأسرها للأسباب الأمنية المعروفة. فهل أصبح ضبط أسماء سكان الأحياء البيروتية بنقلها من الهواتف الداخلية في مداخل المباني، من ضرورات المقاومة؟ وهل صار إبراز أهالي العاصمة لبطاقات الهوية بناء على أوامر مسلحين ملثمين ومقنعين أو سافري الوجوه من علامات الحرص على العاصمة وأهلها وشرف السلاح؟

دعونا نبقَ في منأى عن التفجع الوجداني على بكاء النساء والأطفال الذين ذاقوا الرعب في عتمة منازلهم. ودعونا لا نتحدث عن هذا الدخول الى بيروت على غرار ما دخل إليها مسلحو المعارضة. فالمسألة ليست بهذه البساطة.

لكن يبدو أننا لم نتعلم مما جرى في النصف الثاني من الثمانينيات. السؤال البديهي هنا: هل من يضمن ألا تكون الممارسات التي شهدنا عينة منها امس مقدمة لتعميم منطقٍ يعيد أمور المواطنين الى مرجعيات أهلية (مسلحة أو معارضة أو ما غير ذلك من التسميات)؟ الأرجح أن الرد سيكون بأن هذه التصرفات تسأل عنها الأجهزة الأمنية الرسمية المناط بها الحفاظ على السلامة العامة. هذا كلام لا سند له. إن من كسر الاستقرار الأمني، يتحمل مسؤولية الانزلاق نحو الفوضى مهما كانت وجاهة الذرائع، وأبرزها القرار الحكومي بتوقيته واستهدافاته.

يقود هذا الى المستوى الثاني من الحديث. مخطئ خطأ فادحا من يعتقد انه قد ضمن أمنه بالهجوم على قوى الموالاة. ومخطئ أكثر من سيرفع صوته مبررا أن مؤامرة أميركية إسرائيلية قد أحبطت بالسيطرة على بيروت على النحو الذي رأينا. ومخطئ أكثر وأكثر من يرى في نفسه القدرة على ضبط الأمن في مدينة لم تنجح أعتى الجيوش في لجم غضبها، أو حتى في لملمة وضعها، بأبسط المعاني، من دون توافق سياسي. وكذلك مخطئ من يظن أن الفتنة وئدت.

ولعل هناك من يتحلى بقدر من الصراحة، ليبدي احتراما لذكاء اللبنانيين والإعلان أن قرارات مجلس الوزراء الأخيرة لم تكن وحدها السبب في اقتحام بيروت أمس. فشبكة اتصالات «حزب الله» كانت أبعد من أن تطالها الأدوات التنفيذية لحكومة يخشى أعضاؤها مغادرة السرايا الحكومية. وموضوع قائد جهاز أمن المطار كان قابلاً للمعالجة بعشرات الطرق.

لكن اذا أردنا الابتعاد عن المجاملة لقلنا إن الدفاع عن لبنان، قد بات مكلفا جدا للبنان. فما هي الجدوى من المغامرة بافتتاح حرب أهلية مديدة إذا كان الهدف هو حماية المقاومة؟ ان سؤال الجدوى ليس تفصيلا في هذه المقاربة. فمن يسعى الى الحفاظ على لبنان عليه إيجاد السبل الكفيلة بالحفاظ عليه بكل مكوناته وليس على مقاومته فحسب. ولن يسأل أحد هنا لا عن الطعنات التي قيل ان ظهر المقاومة يتلقاها، ولا عن الضمانات السابقة بعدم استخدام سلاح المقاومة في الداخل. لأن أي مبتدئ في قراءة تاريخ لبنان وطوائفه يعلم علم اليقين هشاشة الضمانات وعدد الطعنات المتبادلة بين فرقاء المشهد اللبناني.

من زاوية مختلفة للنظر، وبعد أن تخفت نشوة الانتصار الذي تحقق في شهر الانتصارات (بحسب إعلام المقاومة)، هل من يستطيع أن يقرأ ما جرى باعتباره قد يكون انزلاقا خطيرا لـ«حزب الله» الى الاقتتال الداخلي، لعله قد تقرر قبل صدور القرارات الغبية لمجلس الوزراء؟

تختفي النشوة شيئا فشيئا وتطفو أشباح الأخطاء فجأة، لكن بعد فوات الأوان، كالعادة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى