ما يحدث في لبنان

هل المخرج “انقلاب دستوري”؟

null

غسان تويني

ربما صار من المبتذل ان نكرر مقولة ميشال شيحا إن الحوار السياسي، كلما غاب عن مجلس النواب، نزل الى الشارع وحل العنف محل الكلمة!

ومع ذلك نرى ضرورة للتذكير بذلك، ولو بقليل – بقليل فقط! – من الامل في ان تكرار المقولة سيقنع متوسّلي العنف بالخروج من الشارع، و”المخيمات”، ونقل “حوارهم” الى مجلس النواب.

نقولها ونكررها فقط للاثبات… ولشيء من الشماتة، بالذين لم يستجيبوا للدعوات الى الحوار، من الرئيس بري وسواه (ونحن سنكرر ولا خجل، اننا كنا من اوائل المستجيبين… وما نزال).

ما نزال، على قلة أملنا في ان الدعوات قد تستجاب الآن، ايا يكن المنادي.

إنما لا نرى بديلاً من المناداة من جديد، ومن دعوة الرئيس البري الى عدم الوقوع في فخ حنينه الى قيادة المعارضة والاقلاع بدوره عن الحوار.

***

سذاجة؟ ربما، ولكن ليس من بديل!

التهديد بأبواب الجحيم ليس حتما بديلاً.

ولا هو البديل أن نتوقف الى أن تستقيل الحكومة… وإذذاك ندخل معها في مسألة دستورية قد تكون مضحكة إلى حد المهزلة. المسألة: الى من تقدّم الحكومة استقالتها؟ ومن يقبلها، ومن يرفضها؟ ثم من يجري الاستشارات الدستورية، وأين، والمجلس مقفل أو “نصف مقفل”؟

هل تقدّم استقالتها إلى نفسها، باعتبارها تمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية الشاغرة، أو بالاحرى “المشغّرة” ربما عمداً كي تقع في هذا المأزق الدستوري بالذات: تعميم الفراغ، فلا رئيس ولا مجلس يجتمع ولا حكومة، ولا من يقبل استقالتها ويفتي بمشروعية الاستقالة أو “شرعية” البقاء!!!

***

ثم، ثم… يبقى السؤال الأهم والتحرّك الثوري الذي حذّرنا منه لا “تنجيماً مغربياً” بل فقط بفعل قراءة منطق تزحلق الأحداث وتطوّرها

هذا التحرّك الثوري الذي كان محتواه والهدف هو الحلول الاقتصادية – الاجتماعية – المالية… فهل السلاح والعنف، والعنف الأمني – المضاد الذي سيأتي ولا بدّ

هل السلاح والعنف أو “العصيان المدني” ولو سلمياً و”مخيّماً” هو الطريق بل الوسيلة لحلّ الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية – المالية التي ستتفاقم ولا بد؟

***

ربما كان المطلوب خطوات قد تعتبر غير ديمقراطية، إنما تبرّرها الحاجة إلى إنقاذ الديمقراطية ولو بشيء من الخروج عليها:

مثلاً ان يستمع أخيراً قائد الجيش – بصفته المرشح الوفاقي الذي جرى “تتويجه” بإجماع عربي ودولي لا سابق له – أن يستمع إلى ندائنا من أسابيع ويتوجّه، من دون جيشه وباللباس المدني، إلى قصر بعبدا ويعلن من هناك انه قبل الترشيح الاجماعي الوفاقي وهو يدعو رئيس المجلس إلى جمع النواب، من كل الأحزاب، وانتخابه والاستماع الى خطبته الرئاسية والشهادة على القسم الذي سيؤديه باحترام الدستور والقوانين و”حفظ الاستقلال” (المادة 50).

نعم، “حفظ الاستقلال”… حمايته من المستطيبين استشهاده، فقد كفانا شهداء وشرب دماء وتنشّق عبير البارود

وللذين سيقولون غداً ان هذا انقلاب، نقول ان الانقلاب هو “أن تقلب شيئاً موجوداً قائماً!”…

أما وان رئاسة الجمهورية غير موجودة الآن، وغير معترف بشرعية ممارسة الحكومة لها، فالانقلاب السلمي الذي ندعو العماد سليمان الى القيام به هو نقيض الانقلاب… إنه البناء بالذات، بل المحاولة “الشرعية” الدستورية الأخيرة للمحافظة على الجمهورية ورئاستها في وجه الذين يسيرون بنا، ومن أكثر من منطلق، سريعاً وتسرّعاً الى الفوضى، فالتقسيم، فحرب مذهبية به وأهلية يهددوننا بها، تتقاسم الأرض والسلطات!!

ذلك هو المخرج الوحيد، ولا نرى سواه.

وفي وسع الجيش الذي يحرس الآن الأمن، لا أكثر، أن يحرس (لا أكثر) الدستور الذي يجري إنقاذه بالرغم منه!
النهار البيروتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى