مشروع قانون الاحوال الشخصية …….التقدم إلى الخلف
نزار صباغ
وأخيراً، صدر مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، تفاءلنا خيراً بمجرد سماعنا الخبر، رغم تحفظنا لتجارب سابقة لنا من اجتهادات وقرارات ومشروعات وزاراتنا العتيدة ومخططينا الأكارم، والكثير من المسؤولين لدينا المركزيين والمحليين والعديد من اللجان التي يشكلونها.
صدق حدسنا، لأن هذا المشروع الذي تداولته الأوساط المهتمة، تقدم بنا وبمجتمعنا بالحقيقة وبالفعل، بخطى واثقة ثابتة حازمة دؤوبة … إلى الخلف، كما هو رأي العديد من المهتمين.
المشروع بحد ذاته يحمل بعض الايجابيات التي ذكرها مشكوراً السيد “عبد الله سليمان” في مقاله المعنون باسم “التطييف وسيف الحسبة” الذي نشر في موقع” كلنا شركاء في الوطن عدد تاريخ 26/ 05/ 2009″، إنما يحمل كذلك الكثير من الأخطار ذكر السيد “عبد الله سليمان” بعضها ، وكذلك الزملاء الأفاضل السادة “بسام القاضي” والمحامي “ميشيل شماس” فشكراً لهم ، وشكراً وهنيئاً لأعضاء اللجنة “السرية” الموقرين الذين اجتهدوا وتعبوا وأعطوا من وقتهم ومن جهدهم وعرق جبينهم لمصلحة الدولة الوطنية الواحدة وتطبيق المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي العلماني، ولروحية الدستور، ولوقوفهم سداً منيعاً في وجه مخططات التآمر والتفرقة..
بالنسبة لي، فقد توقفت طويلاً عند الكثير من بنود القانون المذكور، ولأني لست ضليعاً في القوانين وفي الاجتهادات القانونية ومآلها وانعكاساتها على المجتمع والوطن، فقد حاولت التفهم والتبصر وفقاً لمعلوماتي الضحلة، إنما وجدت أنه من الأفضل لي، ولما يحمله مشروع القانون من نصوص قانونية وشرعية وقواعد في اللغة العريبة ، ولما يحمله البعض من آراء حول كتاباتي السابقة، أن أشارك معي بعضاً من المتمكنين في الثقافة العامة والمجتمعية والوطنية ومن الضليعين.
أما خلاصة الآراء فكانت ما يلي:
أولاً : إن الأساس في هكذا مشروع قانون هو التأكيد على دولة المواطنة بناءً للدستور، وأن جميع المواطنين متساوون، فلا يجوز والحالة هذا تقسيم أبناء الوطن إلى طوائف، مما قد يستوجب لاحقاً التقسيم إلى مذاهب، وكأن الجمهورية العربية السورية كالجمهورية اللبنانية قامت على أسس طائفية ثم توافقية طائفية، وهذا الأمر ما يستدعي الاستغراب عن ماهية اللجنة التي قامت بالصياغة وعن قرار تسمية أعضائها.
ثانياً : إنه من غير القبول أن يكون النص القانوني قابلاً للاجتهاد والتأويل، وبخاصة في قانون للأحوال الشخصية، وأنه إن كان هناك من احتمالات نادرة فيتوجب ذكرها حتى لا يكون الموضوع عرضة للتأويل واجتهاد المفسرين والمجتهدين وأهوائهم وثقافتهم … كما انه من الواجب أن يأتي المشروع مستكملاً لا أن يصدر بعده مجلدات في التفسيرات والتطبيقات والاجتهادات.
ثالثاً: إنه من المتوجب في هكذا مشروع قانون يمس بعموم المواطنين ومستقبل البلاد، أن يأخذ بآراء الشريحة المثقفة الوطنية التي يهمها مستقبل الوطن والأجيال القادمة، بحيث يقدم تصوراً متكاملاً يتناسب تماماً مع دولة الوطن الواحد والانتماء الحقيقي، ويترك الحرية لمن أراد اللجوء إلى ما يسمى “المرجعيات الدينية”.
رابعاً: إن المشروع أعطى الحق ضمناً للسوريين الذين يدينون بالمسيحية وأتباع المذهب الدرزي، بالزواج المتعدد، نظراً للغموض الذي وردت فيه أحكام المواد المتعلقة بهم، وكأن أعضاء اللجنة لا يفقهون بآداب وقواعد اللغة العربية، أو أن ما اجتهدوا به كان بغرض خلق البلبلة والفوضى، وهذا ما يتنافى تماماً مع ما يشكله مثل هكذا مشروع قانون من رؤى مستقبلية ومن أهمية.
هذا عدا عما أغفلوه من الإمكانية البسيطة حتى، لإنهاء حالة الخطوبة، وأسباب أخرى للطلاق، هذا عن كانوا فعلاً يريدون الاجتهاد بنصوص تتعلق بالطائفية.
ثم ماذا حول تسمية العدّة ؟؟ هذه التسمية المتخلفة التي تصر “اللجنة السرية” على اعتمادها وتحددها بسنة كاملة ؟ وماذا عن الطب والتحاليل الطبية؟ أم أن أعضاء اللجان المذكورة لا يزالون بتفكير جاهلي؟؟
خامساً : كما أن المشروع لم يتمكن حتى من الخوض في التفصيلات الكثيرة التي تنجم عن المذاهب الفقهية الدينية المختلفة، وأعاد كل ما هو مغمض في النصوص وكل ما لم يستطع تحديده في نص قاطع إلى المرجعيات الفقهية، وهو كأنه بذلك يكرس دولة الطوائف لا الدولة الوطنية الواحدة الجامعة لكل السوريين.
سادساً : إن المشروع يعطي رجال الدين والأوصياء عليه والناطقين باسم غيرة الدين وحماته، قدراً كبيراً ومتزايداً من التحكم والتأثير في المجتمع، بعكس ما هو مفترض أن يكون الحال عليه.
وهو يقدم بشكل غير مباشر حالة من سيطرة أكيدة لجميع التيارات الدينية المتعصبة، بكل ما يخلفه ذلك من أفعال وردود أفعال.
سابعاً : لم يأت المشروع بأي جديد متطور حول المرأة، وبقيت نظرة “المشرعين” إليها كنظرة المالك للعبد استناداً إلى المفاهيم الفقهية البشرية والنظرة الدونية للمرأة، دون الأخذ بعين الاعتبار وجود وزيرات في حكوماتنا العتيدة، ووجود “عضوات” في مجلس الشعب بل ووجود نائبة للسيد رئيس الجمهورية، ودون إلي اعتبار لحتمية تطور المجتمع والأفكار في القرن الواحد والعشرين .
ثامناً : كان من المأمول أن يأتي المشروع متوافقاً مع مسيرة الحضارة والنهضة المجتمعية والوطنية وتطور الحياة في القرن الواحد والعشرين، لا أن يعود إلى عهود وعصور الدول الدينية، والخط الهمايوني، وتعبير “الذمة” وما يتبعه ذلك من إلغاء للمواطنة واحتمالات متعددة مفتوحة وفقاً لاجتهادات مثل هكذا لجان.
وأبدى الجميع استغرابهم من أعضاء اللجنة “السرية” التي صاغت هذا المشروع، مبدين قلقهم من أن يكون أعضائها أو غالبيتهم من عملاء الصهيونة العالمية التي تحاول جاهدة أن تنال من صمودنا ومقاومتنا من خلال محاولاتها الرامية إلى التفريق بين أبناء الوطن الواحد ونقض مسيرة التطوير والتحديث وإعادتنا عقوداً إلى الوراء، انطلاقاً مما يعلموه عن “الماسونية العالمية” ونظرية المؤامرة وضرورة دحضها ومقاومة ومحاربة العولمة الشريرة ومشروع الفوضى الخلاقة – كما تقول لنا ندوات ومحاضرات وكتابات المثقفين الثوريين الذين يضحون من وقتهم في سبيل إفهامنا ماهية المؤامرات على أمتنا وكيفية مقاومتها ودحرها – .
كما أبدوا استغرابهم بل وقلقهم، من أن تكون “جماعة الأخوان المسلمين” المحظورة قد تمكنت بطريقة ما من التأثير على أعضاء اللجنة “السرية” ، وتمادوا بالقول أن “حزب التحرير” أو “جند الشام” أو “فتح الإسلام” أو “طالبان” قد تمكن من أعضاء اللجنة التي تقدمت بالمشروع المذكور … أو أن أحد مفسري الأحلام قد أعطى رأيه “الجازم” في موضوع تشريعي له علاقة مباشرة وأكيدة بمفهوم الوطن والانتماء والمقاومة .. أو أن أعضاء اللجنة تأثروا بشكل أو بآخر بما تحمله العولمة الشريرة في فضائياتها الدينية التعبوية الظلامية التي تبث السم في العسل.
وقد كان أكثر ما أقلقهم هو الاحتمالات الكثيرة المفتوحة التي يثيرها موضوع “النيابة الشرعية” وحق تدخلها في كل ما يمس “النظام العام” ذاك التعبير المطاط كما كان عليه تعبير”مقاومة النظام الاشتراكي”، وحق كل من كان تقديم ما يرغب من استدعاءات إليها بما يشكل حالة متزايدة من الخطورة على المجتمع.
وطلبوا مني ألا أذكر أي اسم منهم احتياطاً من اتهامهم أو أحدهم بمحاولة بث النعرة الدينية والطائفية بين أبناء الوطن لأنهم ليسوا على استعداد لتحمل عقوبة مفروضة أو قد تفرض عليهم تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات، مبدين استغرابهم ألا يتقدم أحد من القانونيين أو المواقع الوطنية ببلاغ إلى من يهمه الأمر ضد أعضاء “اللجنة السرية” بثبوت عملية بث التفرقة المذهبية والطائفية بوثيقة مكتوبة منها بين أبناء الوطن.
وأخيراً، أبدوا دهشتهم من أن تتحول بلادنا، التي كانت مركزاً للتنوير برجالاتها ومثقفيها وحقوقييها، إلى مجرد ناقل لأحكام قانونية سببت ولا تزال تسبب الكثير الكثير من المشاكل في جمهورية مصر العربية، ضاربين أخماس بأسداس مصدقين وغير مصدقين، مرددين بالاجماع مقولة الشاعر الكبير نزار قباني :
لبسنا ثوب الحضارة
والروح جاهلية
وختاماً، أقول أننا كمعشر مواطنين في وطننا سوريا، لا ولن نقبل أن نتقدم … إلى الخلف.
كلنا شركاء
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc