يولا خليفة: أضع قلبي على راحتي ليغني شغف سنين
يولا في اسطوانة “آه”
حاورتها: سحر طه
هو وليدها الثالث بعد رامي وبشار، كما وصفت يولا كرياكوس خليفة اسطوانتها التي منحتها عنوان “آه”. لأن الآه كما تقول، تختزل الكثير من تفاصيل الحياة، سواء من فرح، دهشة، اعجاب، وجع، ألم، وغيره. اسطوانة ربما طال انتظار يولا لتقديمها، او الاقدام عليها، لكنها فعلتها أخيراً بعد فترة جهد وقلق وسهر وسعادة معاً لتقول إن لديها شيئاً ما هو امتداد لسنوات خبرتها، حيث ما تزال رفيقة درب الموسيقي مرسال خليفة، والجندي المجهول، في معركة الحياة والفن. منذ أن انضمت الى فرقة “الميادين” ثم زواجهما، وشاءت بإرادتها عيش الامومة بكل تفاصيلها، لتسلم رامي وبشار مفاتيح النجاح.
وبعد أن امضت سنوات تعيش افراحهم وآلامهم ونجاحهم، ها هو حلم التحليق بأجنحتها، حرة، في هذا العالم، وبمفردها، ذلك الحلم الجميل، الذي طالما دغدغ مشاعرها، بات تحقيقه اليوم واقعاً، اذ تعيش نشوة تجربتها الخاصة في البوم “آه”، الذي يظهر الى العلن خلال ايام، ، وهي تترقب بفارغ الصبر نتائج عملها الاول.
تؤمن يولا بأن لكل أمر أوانا، ولا وقت محدد، او عمر، لعطاء الانسان والانفتاح والتجريب، لان الحياة منحة، علينا ان نستفيد من كل لحظة فيها ونعيشها حتى الثمالة.
نتوقف مع يولا لنتعرف لتحدثنا حول البوم “آه” عن قرب وظروف تسجيله والهدف من اصداره الان، ودور آل خليفة “مرسال ورامي وبشار” في الاسطوانة.
[ ما هي محتويات الاسطوانة، اغنيات كتابات والحان وغيرها؟ أين سجلت الاسطوانة؟
– هي إن شئت تحمل بعض الموروث العربي واللبناني بصوتي وبطريقة اداء مختلفة وتوزيع موسيقي يعتمد البساطة والعمق في آن. واغنيات متعددة المصادر والمعاني وبعض من اعمال مرسال ومما غنيته معه وفرقة “الميادين” في الحفلات.
كل الاعمال ما عدا قطعتين سجلتهما في بيروت، لكني وضعت صوتي عليهما الى جانب تسجيل الاعمال الاخرى في استديو في منطقة “ماسيدونيا” وهي قريبة من بلغاريا. مدتها ساعة وقسمتها الى مواضيع أكثر منها “قطع” رغم انه مقسم طبعاً الى “تراكات” تتمحورضمن خمس “ثيمات” او موضوعات حيث يبدأ بالشجن تقريباً ويتطور رويداً الى الاداء الفرح جداً. لأني اشعر ان الغلبة للحياة وللفرح دائماً. فأنا مثل كثيرين عشت الحرب، الدمار، المرض، والوجع والموت، والفرح، لذلك اختصرت كل هذه الحالات في اعمال الاسطوانة. لكني بدأتها بالشجن كحالة، ثم الحب، ثم الولد، ثم الوحدة، ذلك الشعور الملازم للإنسان، واخيراً الى ذكريات الطفولة التي تعني البهجة والفرح والحنين.
*هل تتضمن “تعاليم حورية” القصيدة الأخيرة التي كتبها الراحل محمود درويش لوالدته حورية، حيث أنك غنيتها مع مرسال في عدة حفلات؟
– “تعاليم حورية”، وكما قلت غينتها مع مرسال ثنائياً في امسيات عديدة، سوف تكون ضمن اسطوانة مخصصة تحية للشاعر محمود درويش لاحقاً. لذا فهي ليست ضمن اسطوانة “آه”.
[ لكن لماذا “ماسيدونيا” دون غيرها؟
– هي مسألة صدفة محض. حيث معنا في “فرقة الميادين” عازف ايقاع من “ماسيدونيا”، وهو صديق اولادي وهو عاشق لموسيقانا. سافرت الى هناك في زيارة وتعرفت الى اهل البلد واكتشفت انهم ما يزالون أنقياء، ولديهم الحس الموسيقي الريفي و”الميلوديا” التي تتمع بها موسيقانا ايضاً، اي هناك شبه ما بين موسيقانا وحياتنا وموسيقاهم وحياتهم. شعرت كأنني ولدت هناك احسست بذلك الانسان الذي يمنح من قلبه بممنونية، من دون منيّة، كما كنا زمان، قبل أن يصيبنا التلوث والعولمة والامور التي شوهت طبيعة مجتمعاتنا. هناك ما تزال الامور فطرية نوعاً ما او لم يصبها التلوث كما اصابنا، وكنت بالفعل بحاجة الى هذا الصفاء والعودة الى الجذور والطبيعة والنقاء بشكل من الاشكال، فوجدت الكثير من هذا هناك. احساسي قادني الى هناك، كما قادني في حياتي دائماً، لم أسع ولم أفتش وكأن الامور سارت بشكل عفوي وسلس وكأنني حين انفتحت او فتحت قلبي وقبلت الاشياء التي أتتني او نادتني هكذا، بكل عفوية انقدت اليها وذهبت الى “ماسيدونيا” وسجلت الاسطوانة وفي خاطري حتى لو لم يصدر الالبوم، فأنا مسرورة بالتجربة لأني عشت فيها مرحلة مختلفة، مليئة بالصفاء والرضى، اناس لا أعرف لغتهم وهم لا يعرفون لغتي، لكن من خلال الموسيقى تفاهمنا وكان التناغم والانسجام في لحظات فريدة جداً.
[ ما هي الالات التي عزفت معك في اغاني الاسطوانة؟
– آلة الكمان، وايقاعات من بلدهم واحياناً استخدمنا الطبلة، والدف والاكورديون، والقانون لكن كلهم من ماسيدونيا لذلك أخذت الاسطوانة طابعاً غريباً بعض الشيء لكن قريب الى القلب وبجمالية مختلفة، واحسست ان صوتي تلاءم مع هذه المجموعة وهذه الموسيقى كأنها خاصة بهذا النوع من الأداء والصوت، فأنا اقول بأنني غنيت في هذا الالبوم، رغم انني لا ادعي بأن لي صوت تطريبي.
[ الآن سمعنا معاً بعض هذه الأعمال، أجد أن سحراً ما في بساطة أدائك، وفي صوتك الكثير من الشجن والتعبير حيث يلائم عصرنا الذي بات بعيداً من الطريقة الكلثومية في الاداء، فلماذا تصرين وبخجل في بعض تصريحاتك بأنك لست مغنية؟ هل هو تواضع ام خوف من الانطلاق بمفردك أم ماذا؟
– هو كل ما قلتيه معاً. أنا أؤدي حسب إحساسي، شعرت بشيء يدفعني بقوة للقيام بهذه الخطوة، وفكرت ملياً، اذا اردت أن أفعل شيئاً فليكن جديداً او مقبولاً الى حد ما وخاصاً بي وبتوجهي وان لا أقلد او اعيد شيئاً يسبب الملل. هكذا جاءت الامور طبيعياً وبحسب الحدس. لذا فالجمهور له الحق بالحكم كما يشاء على تجربتي وصوتي، لكني شخصياً سعيدة ومرتاحة بلا ادعاء.
[ هل وجدت شركة انتاج للاسطوانة ومتى موعد نزولها الى الاسواق؟
– قد لا تصدقين انني عندما لمعت الفكرة في بالي لتسجيل اغنيات، لم يدر في ذهني أنني سأسجل اسطوانة وسوف تطبع وتوزع الخ، وقتها كان لدي هاجس، او ذروة فكرة بان أضع صوتي على موسيقى، لكي ألمس التجربة لمس اليد، أجسدها، واسمعها، وحين بدأت بها، وقتها فقط احسست اني من الممكن ان أذهب بالتجربة الى أبعد، اي الى تسجيل اسطوانة وهكذا كان.
و من خلال شركة “نغم” التي تصدر أعمال مرسال في هيوستن في أميركا، تعرفت على شركة “Cross Roads” ومن خلالهما سوف يتم طبع الاسطوانة ونشرها في العالم لانه لا يصنف كعمل عربي فحسب بل ممكن لكل الثقافات تذوقه.
[ الى اي مدى كانت مشاركة مرسال في هذا الالبوم، وما هو رأيه كموسيقي في العمل ككل؟
– هذا الألبوم مبادرة شخصية مني. وضعت لمستي أنا عليه، لأنه عمل يخصني أنا. وبرأيي أن اي شخص يملك أداة للتعبير يحق له ان يعبر من خلالها من دون ان يكون هناك تأثير من شخص على آخر. كل التجارب الانسانية لها قيمتها ولها طعم، لأنها تخص إنسان، بغض النظر عن التقنيات والاحتراف وغيره. ومن هذا المنطلق اعتبر هذا الالبوم حاجة جد شخصية، واكثر من هذا أحببت أن أتصرف فيه بنفسي كما يحلو لي، واتبعت أحاسيسي في عمله لذا اشتغلته بنفسي.
صحيح انني منذ ثلاثين سنة اعيش في اسرة موسيقية. فأولادي دخلوا أطفالاً الى الكونسرفتوار واكملوا دراساتهم العليا في الخارج، وكنت وما زلت أتابعهم خطوة بخطوة، اعيش احاسيسهم، وأتفاعل معهم، حيث بدأ كل منهم مسيرته الموسيقية الخاصة سواء رامي او بشار الى جانب والدهم، الذي ساندنه من قبلهم في سفره وحفلاته وتحضيراته، يعني جو البيت فيه موسيقى أكثر من الطعام والشراب وأحياناً ليس هناك حتى كلام بيننا لكن الموسيقى هي وسيلتنا للتفاعل، لذا فكما أعطيت، ولو بشكل غير مباشر، ايضاً تأثرت، وأخذت من روحيته الكثير، وكأنني طوال حياتي أتحضر الى هذه اللحظة التي تخصني بالذات من خلال ألبومي الخاص.
[لكن كموسيقي مخضرم وبخبرته ألا يهمك رأيه في نقاط معينة؟ ألم يعطك رأيه؟
– بالطبع حدثته عن العمل ورغبتي بخوض التجربة. وهو كموسيقي محترف الى درجة عالية ولا يمكن أن يقبل أي خطأ فبصراحة كانت لديه مخاوف جدية، وشعر برهبة، لانه بالتأكيد طرح تساؤلات عديدة مثل لماذا وكيف و..الخ. وأنا أتفهم الأمر بالطبع نظراً لتاريخه وموقعه الموسيقي. ولكني بصراحة كنت أعرف تماماً ما أفعله، واشتغلت عليه بكل جوارحي وكنت ارى المشروع في مخيلتي وأعلم الى اين سيصل، لكن مرسال بالطبع، لا يعرف تماماً ما هو مطبوع في خيالي طوال سنوات، من هنا كان لديه بعض التخوف في فترة التحضير، لكن فيما بعد حين نفذته وانتهيت من تسجيله ومونتاجه، وسمعه قال لي كلمتين: أنا انبسطت.
[ لماذا هذه الاسطوانة الآن بالذات، ألم تفكري بالخطوة من قبل؟ ابان سنوات الاداء مع “الميادين” ومرسال خليفة؟
– طوال الفترة الماضية بقي هذا التساؤل او السؤال نفسه في داخلي: لماذا اقدمت على اصدار هذه الاسطوانة؟ في هذا الوقت بالذات، وهو تساؤل ربما يدور في خلد الكثيرين. والحقيقة لا أدري لكن كأنني الان حملت قلبي على راحة يدي ليحكي قصتي عبر هذه الموسيقى.
لا أدعي بأنني موسيقية أو أنني أنجزت عملاً فريداً او غيره، أبداً هو عمل خاص جداً، وجداني، يشبهني أنا، حين شعرت في هذه اللحظة من حياتي أن الأوان قد آن كي أُفلت من القفص الذي وضعت نفسي فيه وأغلقته بنفسي، ومن ثم سمحت لنفسي للانطلاق، والتعبير، فكان هذا الألبوم الذي هو نتيجة، ولم اخطط للأمر.
[ولماذا أغلقت الباب على نفسك، وكيف كنت تعبرين؟
– أغلقتها للتفرغ للعائلة كما ذكرت، والامومة هي طريقة أخرى للتعبير، وكل فترة من حياتي كانت لدي وسيلة او لغة للتعبير، لكن الموسيقى والغناء كلغة كانت دفينة وموجودة منذ الطفولة، كنت اعشق الغناء، والموسيقى تلامس روحي، واكثر وسيلة تمكنني من الصفاء مع ذاتي، وترفعني الى حالة تأمل رفيعة.
[ هل هي محاولة للخروج من عباءة مرسال خليفة؟
– لا، أبداً لأن ما عشته مع مرسال اعتبره تجربة غنية ومدرسة علمتني الكثير واستوحيت منها في اسطوانتي.
[ لكنها تجربة طالت اكثر من اللزوم؟ اليس كذلك؟
– هي طويلة بالفعل. لاسباب عدة، لكن غير الحرب والتفرغ للامومة، فأنا من الناس الذين يعيشون بإيقاع بطئ جداً. أحتاج دائماً أن أشعر بأنني ثابتة على الأرض، رغم أنني قد أطير في أي لحظة من لحظات حياتي، لكن من الهام بالنسبة لي أن أشعر بأن جذوري ملامسة بل ثابتة في الأرض. وآخذ وقتي في كل شيء.
[ ألا تشعرين بأنك تأخرت، فبض القرارات في الحياة لا يحتمل الايقاع البطيء؟
– ربما، لكن لو كنت أسعى الى دخول عالم الغناء والشهرة والمنافسة لاتخذت القرار منذ سنوات طويلة، لكن ليس هذا هو هاجسي او هدفي. وربما في الفترة السابقة لم يكن لدي القدرة والنضج لاصدار هذا الألبوم، لكني اليوم اشعر بأنني نضجت من شتى النواحي وبخاصة الفنية وبتّ الآن أقوى (مع ذاتي) لأني اعود الى ذاتي دائماً لأسألها ماذا تريدين؟ والآن بعد هذا العمر الذي اختبرت فيه الكثير من الامور من اقصى الفرح الى اقصى الحزن، وصلت الى مكان أحسست أنه الوقت الملائم لكي أقول ما لدي.
[ ألم تكن لديك محاولات سابقة؟ ألم يشجعك مرسال على القيام بهذه الخطوة من قبل؟ لأننا احياناً نحتاج الى كلمة تشجيع من أحد ما، فكيف اذا كان مرسال خليفة زوجك وانتما شريكان في الحياة والفن؟
– لا يتعلق الأمر بتشجيع مرسال ام لا، المسألة اكثر تتعلق بي، لأنني حين أشعر بعدم نضجي وجهوزيتي لا ينفع التشجيع. الإنسان هو المسؤول عن مصيره وقراراته بالدرجة الاولى، ويحدد متى وكيف يحل وقت الاشياء. لكن بالتأكيد الظروف تلعب دوراً وهناك تفاعل كبير بيننا موسيقياً في الاسرة. لذا حين اختمرت الحالة الان، لم يعد من حاجز أمامي لاتخاذ الخطوة.
[ هل شعرت بندم، وأنك ضحيت بالكثير والآن بعد الامومة والعائلة بات لزاماً أن تثبتي وجودك على الصعيد الفني؟
– أبداً لم أشعر في أي لحظة بالندم. بل إنني عشت كل لحظة حتى اخرها. لم أكن اصطنع أو أفتعل دور الأمومة، أنا بداخلي أشعر بفرح حين ينجح إنسان أو يفرح فكيف باقرب الناس لي. لا اعتبر بأنني ضحيت من أجل أولادي. بل ما فعلته كان جزءً اساسياً من حياتي، أغرف منهم حين تشح طاقتي، لاكتسب الحب والحنان والتوازن وفي الوقت نفسه لدي جوانب عدة في شخصيتي، فالجانب العميق فيّ يناديني دائماً، طوال عمري كنت أفتش عن لون معين، عن ذات، عن شيء ما في داخلي، وبعد البحث وجدت ما كنت ابحث عنه.
[ ألست خائفة من أحكام الناس وتوقعاتهم وآرائهم، كونك زوجة مرسال خليفة واولادك موسيقيين وبالتالي انت محسودة كونك محاطة بثلاثة محترفين ويتوقعون منك اسطوانة (غير شكل) في أعلى درجات الاتقان والاحتراف؟
– صحيح كما قلتِ انا محاطة بثلاثة محترفين لذلك وضعي غير سهل بالفعل، وكانت لدي رغبة بالتحدّي، لست أتحداهم بالطبع، لكن التحدي اني قمت بالعمل كله لوحدي، لأنني أحببت أن ينظر إلي كل منهم بعين أخرى، او من زاوية أخرى، غير نظرتهم لي كزوجة او كأم. وبعد كل هذه السنوات، بقي الفن يعتمل في داخلي ويسري سريان الدم، والان استطيع ان اقوم بدور المغنية بقناعة وبشغف وعشق للغناء.
أقول لك بصراحة متناهية، لا أدعي أنني فعلت الصواب وغيري على خطأ، بل أنا دائمة التساؤل والتشكيك في الكثير من قراراتي، لا اسلم أمري، أو أسالم نفسي، ولست متأكدة تماماً مما أفعل ولا أدعي الانجازات، بل أنا “خوّافة”، وأقع في أقل حفرة، وأتعب حتى أخرج منها وأتنفس، وأناقش نفسي وأشجعها على الاستقواء، عرفت حالات اليأس والخروج منه، ويأتي عملي هذا في سياق شخصيتي وهواجسي وأحاسيسي كأي أمرأة.
[ ما هو طموحك؟ وهل تعيدين التجربة في حال فشلها او نجاحها؟
– كل ما اتمناه ان تنجح الاسطوانة وتنال القبول من كل الاجيال لانها بالفعل للجميع، ولكل الناس اينما كانوا، وفي حال نجحت سوف أكرر التجربة بالتأكيد. يكفي أنني حققت شيئاً من حلمي وعشت التجربة ولمستها وسعدت بها.