خلاف حول “ثمن التقارب” بين الاسد وأوباما: تياران في دمشق: ما جدوى الانفتاح على واشنطن؟
عبد الكريم أبو النصر
“العقبة الكبرى التي تعرقل التقارب بين واشنطن ودمشق، وتنعكس سلباً على مسار الاوضاع في لبنان وفلسطين والعراق، هي ان توقعات نظام الرئيس بشار الاسد من الحوار مع الولايات المتحدة وحساباته في ما يتعلق بمضمون هذا الحوار واهدافه ونتائجه، مختلفة بشكل اساسي وجوهري عن توقعات ادارة الرئيس باراك أوباما وحساباتها. فادارة اوباما تريد ان تحقق مكاسب لسياستها في الشرق الاوسط عبر الحوار مع النظام السوري بحيث يدفع هذا النظام ثمن التقارب مع الاميركيين فيجري تغييرات جذرية حقيقية وملموسة في سياساته وتوجهاته الاقليمية تتلاءم مع ما تريده واشنطن وتجعله يبتعد عن الخيار الايراني الثوري ويتلاقى مع الدول والقوى العربية المعتدلة مما يضعف المتشددين في المنطقة. وفي المقابل يريد نظام الأسد ان تدفع ادراة اوباما ثمن التقارب معه فتطوي نهائياً وبقرار احادي منها صفحة الخلافات مع سوريا وما يرافقها من اجراءات وعقوبات مفروضة على هذا البلد وعلى عدد من المسؤولين فيه، ويتوقع الاسد ايضاً من ادارة اوباما ان تقبل العلاقة الوثيقة السورية – الايرانية كأمر واقع، وان تتفهم السياسات السورية حيال لبنان وفلسطين والعراق والنزاع مع اسرائيل وقضايا اخرى، وان تتكيف معها وان تكن تتعارض حالياً في جوانب مهمة منها مع سياسات اميركا والدول العربية المعتدلة ومع مصالحها”.
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية غربية في باريس وثيقة الاطلاع على حقائق ما يجري بين واشنطن ودمشق. واوضحت، استناداً الى معلومات خاصة حصلت عليها من مسؤولين وديبلوماسيين سوريين، ان هذه التوقعات والحسابات السورية في التعامل مع الادارة الاميركية ناتجة من عاملين اساسيين هما:
• العامل الأول، ان الاسد يريد التقارب مع ادارة اوباما، وهو طلب ذلك مراراً قبل تسلم الرئيس الاميركي الجديد مهماته وبعده، لكنه يرغب في ان يتحقق هذا التقارب استناداً الى الأسس والركائز الآتية:
1 – يريد الأسد التقارب مع ادارة اوباما من موقع قوة لا من موقع ضعف، لذلك فهو ليس راغباً في الموافقة بسهولة وبسرعة على المطالب الاميركية المتعلقة بلبنان و”حزب الله” و”حماس” وفلسطين والعراق والسلام مع اسرائيل والعلاقة مع ايران وغيرها من القضايا.
2 – يريد الأسد، عبر الحوار مع ادارة اوباما، تعزيز موقعه ونفوذه في المنطقة وليس تقديم التنازلات الملموسة الواضحة للاميركيين مما ينعكس سلباً على الدور السوري الاقليمي.
3 – يريد الاسد الاحتفاظ بعلاقاته الوثيقة مع ايران ومع حلفائه الاقليميين في الوقت الذي يسعى الى اقامة علاقات جديدة وجيدة مع الولايات المتحدة وهو ما يتناقض مع ما تطلبه منه ادارة اوباما.
• العامل الثاني، الذي اعتمد عليه نظام الاسد لتحديد توقعاته من الحوار المتجدد مع الاميركيين هو مجموعة النصائح والآراء والاقتراحات التي تلقاها من فريقه الاستشاري المعني بملف السياسة الخارجية السورية وخصوصاً بملف العلاقات مع الولايات المتحدة. وفي هذا المجال كشفت المصادر الغربية المطلعة، استناداً الى معلومات حصلت عليها من دمشق، ان ثمة نقاشاً جدياً داخل القيادة السورية في ما يتعلق بجدوى الانفتاح على الولايات المتحدة والتعاون معها، وان هذا النقاش ادى الى بروز تيارين: الاول متشدد ويمثله خصوصاً فاروق الشرع نائب الرئيس وآخرون في القيادة السورية ويرى انه يجب عدم تعليق آمال كبيرة على الحوار مع الادارة الاميركية الجديدة وعلى نتائجه لأن هذه الادارة “تريد ان تأخذ من سوريا اكثر بكثير مما تريد ان تقدمه اليها”. ويرى هذا التيار المتشدد ايضاً ان اوباما يتبنى فعلاً مطالب ادارة الرئيس السابق جورج بوش في ما يتعلق بلبنان وفلسطين والعراق وايران وقضايا المنطقة عموماً، وان ما تبدل هو اسلوب التعامل الاميركي مع النظام السوري، اذ ان الادارة الاميركية الحالية تعتمد لتحقيق اهدافها الحوار والديبلوماسية الناعمة بدلاً من اعتماد سياسة الاملاءات والتهديدات العلنية المستمرة، لكنها تتمسك بضرورة تغيير السياسات والتوجهات السورية الحالية بما يتلاءم ومطالب واشنطن. اما التيار الثاني فواقعي ومرن ويمثله خصوصاً وليد المعلم وزير الخارجية وآخرون في القيادة ويؤيد بقوة الانفتاح على ادارة اوباما والتعامل معها على نحو ايجابي ويدعو هذا التيار الى اعطاء فرصة كاملة للحوار مع واشنطن لكي يحقق هذا الحوار النتائج الملموسة والمكاسب السياسية لسوريا. واوضحت المصادر الغربية المطلعة ان المعلومات والاقتراحات والتوجيهات التي قدمها انصار التيار الثاني الى القيادة السورية في شأن الحوار مع واشنطن تضمنت تقويماً متفائلاً لنتائج هذا الحوار، واعطت انطباعاً بان ادارة اوباما “متلهفة” للتلاقي مع سوريا والتوصل الى تفاهمات معها تتلاءم ومصالحها ولتجاوز ارث ادارة بوش. ووفقاً لهذه المصادر “فان حسابات هذا التيار كانت غير دقيقة ولم تكن مبنية على معلومات صحيحة واكيدة مستقاة من داخل ادارة اوباما ومن صانعي القرار فيها”.
خيبة أمل الأسد
وأكد المصادر الغربية المطلعة ان هذه المعلومات “المتفائلة وغير الدقيقة” التي تلقاها نظام الاسد من مستشارية جعلته يصاب بخيبة امل مما حققه الحوار الاميركي – السوري حتى الآن بل جعلته ينزعج ويبدي استياءه من عدد من المطالب والمواقف الاميركية.
وتوقفت المصادر الغربية في هذا المجال عند الأمور والمسائل الاساسية الآتية:
اولاً، فوجئ النظام السوري بان ادارة اوباما اختارت لفتح حوار جديد حصة ديبلوماسيين هم من ابرز خصوم السياسات السورية حيال لبنان والمنطقة هما جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط، ودانيال شابيرو المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. ذلك ان فيلتمان معروف بدعمه القوي للاستقلاليين ولفريق 14 آذار منذ كان سفيراً في بيروت، اما شابيرو فقد قام بدور اساسي في عهد بوش في اعداد “قانون محاسبة سوريا” الذي فرض عقوبات عدة على هذا البلد. وقد امتنع الاسد عن استقبال هذين المبعوثين، وهو أمر نادر، خلال زيارتيهما لدمشق في آذار وأيار من العام الجاري، واكتفى الاثنان باجراء محادثات مع وزير الخارجية وليد المعلم. وقد توقعت دمشق ان تختار واشنطن ديبلوماسيين “محايدين” للتحاور معها، لكن ادارة اوباما ارادت من خلال خيارها هذا التأكيد للسوريين انها لن تقدم “هدايا” او تنازلات لهم” وان الانفتاح عليهم مشروط بتنفيذ مجموعة مطالب اميركية مدعومة دولياً وعربياً.
ثانياً، توقع نظام الاسد، في ضوء المعلومات التي تلقاها، ان تأخذ ادارة اوباما المبادرة فتبدأ عملية الالغاء التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد بوش مما يعكس حينذاك الرغبة الاميركية الواضحة في التقارب مع دمشق. لكن ما حدث هو العكس اذ ان الادارة الاميركية جددت كل العقوبات المفروضة على سوريا، بل ذهب اوباما الى حد التأكيد في رسالة الى الكونغرس ان “سوريا تشكل تهديداً استثنائياً” للولايات المتحدة ومصالحها. وقد ارادت واشنطن ان تبلغ الى دمشق انه لن تحدث تغييرات ملموسة في السياسة الاميركية حيالها ما لم يبدل نظام الاسد، بالافعال وليس بالأقوال، سياساته تجاه لبنان وفلسطين والعراق وايران وقضايا اخرى.
ثالثاً، توقع النظام السوري ان تعين ادارة اوباما و”بسرعة” سفيراً جديداً لها في دمشق بعدما تم سحب السفيرة الاميركية اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في شباط 2005، لكن ادارة اوباما رفضت حتى الآن اتخاذ اي قرار رسمي في هذا الشأن لأنها تريد ان ينفذ السوريون اولاً مطالب معينة تتعلق خصوصاً بلبنان والعراق قبل ان يتم تعيين السفير الاميركي الجديد.
“حزب الله” و”حماس”
رابعاً، توقع النظام السوري ان تبدأ ادارة اوباما حواراً غير مشروط معه انطلاقاً من اقتناعه بان هذه الادارة “تحتاج اليه” لمعالجة قضاياالمنطقة المختلفة على اساس ان “من هو قادر على زرع الفوضى والخراب وعدم الاستقرار في المنطقة، قادر ايضاً على تحقيق الأمن والاستقرار فيها اذا ما تم التعاون معه بطريقة تضمن له مصالحه وتحقق له المكاسب والانجازات التي يريدها”. لكن ادارة اوباما رفضت هذا التوجه السوري وبدأت حوارها مع نظام الاسد انطلاقاً من رفضها سياساته وتوجهاته الحالية وبهدف دفعه الى تغييرها.
خامساً، ابدى المسؤولون السوريون انزعاجهم من اصرار المبعوثين الاميركيين على ان تكون القضية اللبنانية بجوانبها المختلفة، حاضرة بشكل مفصل ومحدد في المحادثات الاميركية – السورية من منطلق انه ليس وارداً لدى ادارة اوباما عقد اي نوع من الصفقات مع نظام الأسد على حساب لبنان المستقل، وعلى حساب المحكمة الدولية، ومن منطلق انه ليس ممكناً تحسين العلاقات مع سوريا وتجاهل الاعمال السلبية الخطرة التي يمكن ان يقوم بها السوريون وحلفاؤهم في الساحة اللبنانية.
سادساً، ابدى المسؤولون السوريون انزعاجاً من ان المبعوثين الاميركيين فيلتمان وشابيرو طرحا خلال محادثاتهما مع وليد المعلم “مطالب محددة” تتعلق بلبنان وامنه واستقراره وبالعراق وفلسطين واسرائيل والعلاقة مع ايران ومكافحة الارهاب، ولم يكتفيا بالحديث “بشكل عام” عن الملفات الاقليمية لأن ادارة اوباما تريد “تغييرات ملموسة ومحددة” من النظام السوري تتعلق بهذه القضايا وليس الاكتفاء بالتحاور والتشاور معه والموافقة ضمناً على احتفاظه بمواقفه الحالية المرفوضة من واشنطن وعواصم اخرى عدة.
سابعاً، رفضت ادارة اوباما بشكل حازم خلال حوار مبعوثيها مع المسؤولين السوريين موقفهم من “حزب الله” و”حماس” مما اثار خيبة أملهم. فقد حاول نظام الأسد اقناع الاميركيين بضرورة فتح حوار مباشر او عبر دمشق مع “حزب الله” و”حماس” على اساس ان هذين التنظيمين “جزء من الحل وليسا جزءاً من المشكلة في المنطقة”، وعلى اساس ان من الضروري “تفهم مواقفهما ومطالبهما في ما يتعلق بالاوضاع في لبنان وفلسطين”، ولذلك يجب اشراكهما في المساعي الجارية لتسوية النزاع مع اسرائيل “لتحسن” الاوضاع في لبنان. لكن ادارة اوباما اكدت للسوريين ان حزب الله وحماس “جزء من المشكلة وليس من الحل” وان هذين التنظيمين المسلحين يشكلان تهديداً جدياً وخطراً سواء في تعاطيهما مع اسرائيل او مع الاوضاع الداخلية في الساحتين اللبنانية والفلسطينية.
ثامناً، اصيب النظام السوري بخيبة امل لأن المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل لم يقم بزيارة دمشق منذ جولته الاولى في المنطقة اثر حرب غزة، اذ كان السوريون يتوقعون ان تحرص ادارة اوباما على “التنسيق والتشاور معهم” وليس فقط مع المصريين والسعوديين والاردنيين والمعتدلين العرب في شأن طريقة حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي. والواقع ان ادارة اوباما ترفض التعامل مع نظام الأسد على اساس انه “شريك” في حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي بسبب مواقفه الحالية المتصلبة الداعمة لحماس وللتوجهات الايرانية. وسيزور ميتشل دمشق لاحقاً لدرس امكانات تحريك المسار التفاوضي السوري – الاسرائيلي ولمعرفة مدى استعداد النظام السوري للتراجع عن مواقفه المتشددة ولدعم جهود مصر والمعتدلين العرب والفلسطينيين لتحقيق التهدئة والمصالحة في الساحة الفلسطينية وللمساعدة على حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي.
تاسعاً، يشعر النظام السوري بخيبة امل لأن ادارة اوباما لم تظهر حتى الآن اهتماماً حقيقياً بالمسار التفاوضي السوري – الاسرائيلي كما كان يتوقع بل تركز كل جهودها على اعادة تحريك المسار التفاوضي الفلسطيني – الاسرائيلي. الواقع ان ادارة اوباما لن تعمل بقوة على اطلاق المفاوضات السورية – الاسرائيلية ما لم تكن الفرصة ملائمة لذلك، وما لم يظهر نظام الاسد استعداداً حقيقياً للمساعدة على تحقيق الامن والاستقرار والسلام في المنطقة.
عاشراً، يشعر النظام السوري بخيبة امل لان اوباما امتنع حتى الآن عن اجراء اي اتصال مباشر بالرئيس الاسد كما فعل اكثر من مرة مع عدد من الزعماء العرب المعتدلين، كما انه لم يبعث الى الرئيس السوري باي رسالة خطية يشرح له فيها آراءه وتصوراته لمعالجة قضايا المنطقة كما فعل مع زعماء عرب آخرين، والسبب ان النظام السوري لا يزال خصماً بل عدواً للولايات المتحدة بسبب سياساته المتشددة والخطرة.
وأكد ديبلوماسي اوروبي مطلع انه “لن يحدث اي اختراق او تقدم كبير في العلاقات الاميركية – السورية قبل ان يدفع نظام الأسد ثمن هذا التقدم”.
النهار