ماذا سيكون موقف سورية فيما لو ضربت إيران؟
زين الشامي
زادت التكهنات في الآونة الأخيرة من احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف منشآت إيران النووية، والذي عزز من هذه التكهنات وصول اليمين الإسرائيلي الى الحكم في فبراير الماضي، وهو اليمين الذي يعتبر أن خطر امتلاك إيران للسلاح النووي، هو خطر وجودي، وفي الوقت ذاته، يرى هذا اليمين أنه ومن خلال التركيز على هذا الخطر يمكنه الهروب من استحقاق السلام في الشرق الأوسط ومن المفاوضات مع الفلسطينيين ومن فكرة حل الدولتين التي أصبحت تحكم الرؤية الأميركية للحل في الشرق الأوسط، سواء كان «الجمهوريون» أو «الديموقراطيون» في الحكم.
من ناحية أخرى، فإن الفشل والمراوحة في المكان الذي غالباً ما تمنى به المفاوضات التي يجريها الاتحاد الأوروبي مع طهران على مشروعها النووي، إضافة إلى الإصرار الإيراني على الاستمرار حتى النهاية في التخصيب، ذلك كله يلعب دوراً أساسياً في زيادة احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري وضرب البنية الصناعية الإيرانية في مهدها.
لكن رغم ذلك فإن خيار الضربة العسكرية، بغض النظر عمن سيقوم بها، إسرائيل أم الولايات المتحدة، يبقى مجرد احتمال قائم، وليس حقيقة مؤكدة، وذلك نظراً إلى العقبات والصعوبات التي تواجه كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل.
إحدى أهم هذه العقبات تتمثل في أن الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما وضعت أولويات أخرى على مقدمة جدول أعمالها ليس من بينها الخيار العسكري في التعامل مع الملف الإيراني، كذلك لأن هذه الإدارة ورثت أوضاعاً اقتصادية كارثية حين تسلمها الحكم من الإدارة «الجمهورية» السابقة، وهي الآن منهمكة في الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الداخلية والعالمية في آن.
وفي هذا الصدد يعول الاقتصاد الأميركي على الخروج من أزمته الراهنة على أسعار منخفضة للنفط، وقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً حثيثة مع الدول المنتجة للنفط في منظمة «أوبك» وخارجها من أجل ذلك، لذا فإن الخيار العسكري، من شأنه أن يساهم في ارتفاع أسعار النفط، وهذا سيشكل نكسة جديدة للاقتصاد الأميركي خصوصاً والعالمي عموماً، لأن مثل هذه الضربة العسكرية قد تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز في الخليج كما أن لا أحد يمنع تأثر أو ربما انخراط الدول العربية الخليجية المجاورة في هذه الحرب بشكل أو بآخر، إذ إنه من المرجح كثيراً أن تلجأ إيران إلى الرد على قواعد أميركية عسكرية في الخليج، وهذا يرجح أن يرفع أسعار النفط إلى أكثر من مئتي دولار للبرميل الواحد، حسب محللين اقتصاديين.
العقبة الأخرى التي تعترض احتمال توجيه ضربة عسكرية تتعلق بأن الإدارة الأميركية برئاسة أوباما تسعى ومنذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة إلى لملمة جراح حروبها في أفغانستان والعراق، كما أن عينها مفتوحة على الأخطار المحدقة في باكستان، لا بل إن سياسيين أميركيين، وفي مقدمهم نائب الرئيس الأميركي جوزيف بادين، يعتبرون أن الخطر الأول والاستراتيجي الذي يهدد المصالح الأميركية والسلام العالمي يتمثل في الأوضاع الأمنية المضطربة في باكستان وليس أي مكان آخر، أيضاً روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، ومعظم رجال وزارة الدفاع «البنتاغون» يعارضون بشدة هجوماً عسكرياً على إيران، وهم يعملون على إيجاد حلول للمآزق في أفغانستان والعراق، والمخاطر المتنامية في كل من باكستان والصومال والسودان، وهم لا يريدون أن يندلع حريقاً كبيراً في الشرق الأوسط.
ولطالما لا يوجد حماس أميركي للقيام بمثل هذه الضربة، فِإن الاحتمال المتبقي هو أن تقوم إسرائيل «اليمينية» بها لوحدها، لكن أيضاً هنا ثمة عقبة كبيرة تتمثل في محدودية القوة الإسرائيلية نفسها، وعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على القيام بمثل هذه الخطوة من دون ضوء أخضر وتنسيق مع الولايات المتحدة.
لكن ماذا لو فعلتها إسرائيل من دون الرجوع إلى واشنطن، وهذا احتمال ممكن خصوصاً بعد أن سمعنا عن مبعوثين أميركيين عديدين أتوا إلى إسرائيل يحذرون قادتها من عدم مباغتة الولايات المتحدة أو إبلاغها في «الربع ساعة الأخيرة» في حال قررت ضرب إيران؟
وهذا يجرنا إلى سؤال أساسي يتعلق برد فعل حلفاء إيران المجاورين لإسرائيل وفي مقدمهم سورية و«حزب الله» وحركة «حماس».
إن «حزب الله» وحده ضمن أطراف هذا المثلث، هو ما يمكن للمراقب أن يتهكن برد فعله، لأنه من غير المتوقع أن يبقى الحزب الذي يتلقى أمواله وعتاده العسكري من إيران، والذي يخضع عناصره لدورات تدريبية فيها، والذي تربط قيادته نفسها كطائفة وحزب واتجاه سياسي، بطهران، نقول من غير المتوقع أن يبقى الحزب متفرجاً في حال قامت إسرائيل يمثل هذه الضربة. إن الصواريخ الإيرانية الصنع التي يملكها الحزب، سيكون وقتها قد حان وأزفّ. إن تلك اللحظة أصلاً هي غاية وجود هذه الصواريخ بين أيدي مقاتلي هذا الحزب الشرس.
أما حركة «حماس» فيبقى احتمال مشاركتها أو اتخاذها ردود أفعال عسكرية يبقى ضئيلاً نظراً إلى عدم قدرتها على اللعب بالنار مع إسرائيل في تلك اللحظة، لأن إسرائيل ستعرف جيداً كيف ترد بشكل موجع على منظمة فلسطينية لن تحظى بغطاء عربي أو دعم عالمي فيما لو قررت مساندة طهران، ويعتقد الكثيرون أن «حماس» وقادتها يمتلكون من الذكاء والبراغماتية ما يجعلهم يبتعدون عن حرق أنفسهم وإنهاء وجودهم السياسي والتنظيمي إلى الأبد.
لكن ماذا عن سورية، ماذا ستفعل فيما لو قامت إسرائيل عدوتها التي تحتل أراضيها بتوجيه ضربة إلى حليفتها الاستراتيجية إيران؟
المؤشرات والتحليلات كلها عن طبيعة النظام السوري تقول إن دمشق سوف تنأى بنفسها عن التورط في مثل هذه المواجهة، وذلك لأسباب عدة يأتي في مقدمها أن علاقتها مع طهران لم تقم أساساً لغاية الدفاع عن إيران في حال تعرضها إلى هجوم عسكري، بل، على العكس، إن علاقة دمشق بطهران كانت نفعية ومرهونة بالعامل المصلحي وستبقى مرهونة بمدى النفع الاقتصادي والمادي والسياسي والعسكري من طهران، وفي خدمة موقفها وتعزيز أوراقها الشرق أوسطية، من ناحية ثانية تدرك القيادة السورية أنها في حال لو قررت الوقوف مع طهران، فإن ذلك سيجعلها الجبهة الأساسية في حرب لا تريدها ولم تقررها هي، وهذا سيجعلها تدفع ضريبة كبيرة عن طهران، أي بمعنى، سيحصل تحول في جبهة الحرب، فبدلاً من أن يكون طرفاها إيران وإسرائيل، سيصبح طرفاها إسرائيل وسورية.
من ناحية أخرى، فإن قرار دمشق وخيارها السلمي والتفاوضي مع إسرائيل، الذي اعتبرته، ومازالت، هدفاً استراتيجياً، سيمنعها ويلجمها من التورط في مثل هذه الحرب، وعليه فإن أكثر ما يمكن أن تقدمه دمشق في مثل هذه الحالة، هو الدعم السياسي واللفظي. هنا يخطئ من يعتقد أن دمشق يمكنها أن تقدم دعماً لوجستياً إلى «حزب الله» في لبنان، لأن ذلك سيعني بالنسبة إلى إسرائيل والغرب، مشاركة جوهرية ودخولاً سورية مباشراً في الحرب.
وأخيراً، فإن سورية أضعف من أن تشارك في مثل هذه الحرب الخطيرة، لأن ذلك من شأنه أن يكشف ضعف اقتصادها ومن الممكن أن يتسبب بمخاطر وجودية للنظام السياسي ذاته، وهو الأمر الذي يدركه النظام ويعرف جيداً مدى مخاطره.
أيضاً فإن خارطة الحرب، وفي حال توسعها عربياً، سوف تمنع دمشق من الوقوف إلى جانب طهران، لأنه من غير المتوقع أن تقف في جبهة ضد دول عربية تعرضت إلى هجوم إيراني بالصواريخ أو ما شابه، ومن يعقد مقاربات خاطئة عن موقف سورية المناصر لطهران خلال الحرب العراقية – الإيرانية أوائل الثمانينات من القرن الماضي، أو حرب يوليو في لبنان عام 2006، سيكون مغفلاً كثيراً.
الراي