على هامش شبكات التجسس في لبنان ماذا عن سورية؟
زين الشامي
كان لافتاً حجم شبكات التجسس الإسرائيلية المنتشرة في لبنان وكان لافتاً أكثر تلك القدرات التي أثبتتها المؤسسات الأمنية اللبنانية، بالتعاون مع بعض الأحزاب اللبنانية، في كشف هذه الشبكات. ويبدو أن قرار السلطات اللبنانية في نشر المعلومات التي تتعلق بعملها وإنجازاتها في الفترة الأخيرة في وسائل الإعلام، أظهر أن المعركة بينها وبين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد باتت معركة علنية، لا بل لا يخلو التصرف اللبناني المتعلق بالسماح بنشر التفاصيل وأسماء العملاء كلها، لا يخلو من اعتزاز وثقة بالنفس.
في هذا السياق، كان لافتاً، أيضاً، اعتراف أحد المتعاملين ممن تم الكشف عنهم، وهو ضابط سابق، بأن إحدى المهمات التي تم تكليفه بها، هي نشر إعلانات لتوظيف لبنانيين وسوريين، على أن يرسل السير الذاتية الخاصة بالمتقدمين لتلك الوظائف من السوريين إلى إسرائيل ويتجاهل بقية السير الذاتية وطلبات المتقدمين الآخرين اللبنانيين، أيضاً فإن هذا الضابط السابق قال إنه سافر مرات عدة إلى سورية وقام هناك بالتقاط صور عدة لمواقع معينة، كما أنه قام بالتقاط صور لبعض المواقع التي كانت تنتشر بها القوات السورية في لبنان قبل انسحابها منه. وليس هذا الضابط وحده من أدلى بمعلومات عن تكليفه بالذهاب إلى سورية والتقاط صور لبعض الإحداثيات والمواقع، بل هناك عميل آخر أدلى بمعلومات مشابهة وتحدث عن مواقع زارها في دمشق وبعض المدن السورية. هذه التفاصيل تقود إلى الاستنتاجات التالية، أولها أن شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان كانت منتشرة وبكثافة خلال فترة وجود القوات السورية وتمركزها في لبنان، أما ثاني هذه الاستنتاجات فهو أن إسرائيل استمرت في اعتبارها سورية هدفاً للتجسس بعد انسحاب قواتها منه، ومؤشرات ذلك تكليفها بعض العملاء بتصوير ورصد بعض المواقع والأبنية داخل سورية وسعيها إلى تجنيد سوريين عن طريق بعض الشبكات اللبنانية.
إن هذه المعلومات بغاية الخطورة وتكشف أن احتمالات تورط سوريين في هذه الشبكات تبقى احتمالات كبيرة ومتوقعة. أيضاً ليس مستبعداً أن تكون الأجهزة الإسرائيلية قد حققت اختراقات داخل القوات السورية عندما كانت منتشرة في لبنان.
لكن ورغم أن أسلوب تعاطي الأجهزة الأمنية السورية يبقى مختلفاً عن طريقة تعاطي الأجهزة الأمنية اللبنانية، إذ تفضل الأجهزة السورية دائما التكتم، وتتعامل بسرية وحذر بالغين مع مثل هذه الوقائع، ورغم ذلك يبدو مهماً أن ترسل الدولة السورية إشارات ورسائل توضح وتفسر كيفية تعاملها مع هذا الملف الذي لا يبدو أنه ملف لبناني خاص، أيضاً يبدو مهماً أن توضح المؤسسات الأمنية السورية فيما لو كانت قد تعرضت إلى خرق استخباراتي معين عن طريق الشبكات اللبنانية خصوصاً بعد أن أفاد أكثر من عميل في تلك الشبكات عن اهتمام إسرائيل بالساحة السورية والقوات السورية التي كانت منتشرة في لبنان. نقول ذلك لأنه لا يمكن أن يكون أمر الجواسيس والتجسس مقتصراً على لبنان فقط، خصوصاً أن هناك حالات تجسس كبيرة قامت بها إسرائيل في سورية مازالت طرية في الذاكرة مثل الطيار السوري بسام العدل الذي هبط بطائرة الميغ 21 في إسرائيل في الثمانينات، إذ أثبتت التحقيقات أنه كان يتجسس لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية منذ أعوام طوال داخل الجيش السوري، أيضاً مازالت قصة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين عالقة في ذاكرة غالبية كبيرة من السوريين، وهي قصة طويلة وقديمة تثبت كم هو الصراع الاستخباراتي قديم ومستمر بين إسرائيل وجيرانها العرب.
وبعيداً عن الماضي، وكمؤشر إضافي على استمرار إسرائيل في تحقيق اختراقات أمنية في الداخل السوري، كلنا يتذكر حين تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية العام الماضي عن قصة الصحافي لإسرائيلي الذي دخل إلى عمق سورية وذهب إلى دير الزور والتقط صوراً هناك وخرج ولم يعرف به أحـــد، أيضــــاً هــــناك العديد من حالات الاغتيال التي استهدفت مسؤولين وقــــياديين في حركة «حماس» وآخرين في «حزب الله» داخل الأراضي السورية، ولم نسمع من السلطات الأمنية والسياسية سوى أن إسرائيل تقف وراءها من دون أن تشرح وتقدم معلومات وحقائق توضح الأسباب التي بنت بموجبها اتهاماتها تلك.
من ناحية أخرى لابد من القـــول إنه وفي ظل الثورة التقنية الهائلة في عالم الاتصالات، وتالياً انتشار هذه التقـــنية بيـــن مخـتلف الفــــئات والــــشرائح الاجــــتـــمـــاعية فــــمن الطبيعي أن تكون احتمالات انتشار عمــلاء وجواسيس لإسرائيل في سورية، هو احتمال قائم ومرجح بقوة.
لكن رغم ذلك كله، نقصد رغم ما يجري في لبنان، جارنا الأقرب، والذي يقع ضمن النطاق الحيوي للمصالح والأمن السوريين، كـــــما هي ســــورية بالنـــسبة إلى لبنــــان، لــم نســـمع ولو تقريراً مقتضباً من قبل وزارة الداخلية السورية، أو من خلال تسريبة أمنية في وسائل الإعلام، يقول ويعلن عن آخر ما رصدته المؤسسات الأمنية على هذا الصعيد داخل الأراضي السورية وفيما إذا كان بلدنا خالياً من هذه الشبكات أم لا، أيضا فيما لو كان هناك تنسيق أمني على هذا الصعيد مع الأجهزة اللبنانية أم لا.
في حرب الاستخبارات والتجسس بين سورية وإسرائيل وللأسف فإن كل ما تسجله ذاكرتنا في هذا المضمار، هو اختراقات للمؤسسات الأمنية الإسرائيلية داخل أجهزة الدولة السورية وليس العكس، إذ لم نسمع ولو قصة قديمة تعود إلى الخمسينات عن اختراق أمني سوري داخل إسرائيل.
للأسف مرة أخرى، فإن غالبية إنجازات أجهزة الأمن السورية سجلتها على حساب المواطنين السوريين والمعارضة السورية، إذ وصلت هذه الأجهزة الى درجة متقدمة من الكفاءة، فهي المؤسسات الأمنية الأولى في العالم التي استطاعت أن تصل إلى نوايا الناس ورصدت ما يعتمل دواخلهم من أحلام عن الإصلاح والديموقراطية والتغيير والحريات، فقررت إلقاء القبض عليهم بالجرم المشهود وأودعتهم السجون.
الرأي العام