الرواية وليدة الإلهام أم البحث الأكاديمي؟
القاهرة – أسمهان أبو الإسعاد
إضافة إلى إلهامه يستعين بعض الروائيين عند شروعه بكتابة رواية ببحوث أكاديمية، زيارات ميدانية لأماكن تقع فيها الأحداث، فريق عمل يجمع المادة العلمية من هذه الأماكن ومن الإنترنت، إضافة إلى فريق يساعد الروائي في إعداد «البروفات» وفصول الرواية وهوامشها، وهذا ما يُطلق عليه «ورش العمل الإبداعي».
ورش عمل البحث الروائي هذه معروفة في الصين واليابان وأوروبا وأميركا، أما في عالمنا العربي فما زال الجدال مستمراً حول هذا المفهوم، ومدى أهميته لكتابة رواية ذات قيمة أدبية.
في هذا السياق أنكر الروائي خيري شلبي ما يسمى بالبحث الروائي، موضحاً أن من يكتب رواية تاريخية لا بد أن يكون قارئاً للفترة التي تدور فيها الأحداث كي يعرف نمط الحياة ومشاكل الناس ومعتقداتهم الرائدة آنذاك.
وأضاف شلبي أن قانون الكتابة يقضي بأن يكتب الروائي عن مجتمع يعرف أحواله النفسية والاجتماعية والاقتصادية، مؤكداً أن من يكتب عن المريض النفسي لا بد أن يتمتع بمعرفة حول علم النفس، أمّا أن يذهب إلى طبيب نفسي كي يشرح له ما يطرأ على حالة المريض، فذلك «تهريج»، لأن وظيفة الكاتب البحث في دواخل الشخصية وتحيللها، حتى إنه يمكن للطبيب النفسي أن يستفيد من رؤية الكاتب.
وأكد شلبي أنه استعان بتجاربه وثقافته وقراءاته في كتابة الروايات، نافياً فكرة قيام الأخيرة على البحث وجمع المعلومات، فذلك «شغل تلامذة». وأضاف أن الكاتب الذي يستعين بفريق عمل، لا بد أنه يفتقد إلى المعرفة والتجربة الاجتماعية.
بدوره، علّق الروائي إبراهيم أصلان أن ضرورة البحث الروائي تتعلّق بموضوع الرواية والنهج الذي يتخذه الكاتب لصياغتها، موضحاً أن الكاتب الغربي تتوافر لديه التكنولوجيا العصرية والمعلومات، أمّا نحن فليست لدينا مؤسسات بحثية لتوثيق المعلومات عبر مراحل زمنية معينة. مثلاً الصحف والمجلات التي كانت تصدر في مصر خلال الأربعينات ليست معروضة على الشبكة العنكبوتية وربما ذهبت أدراج الرياح.
وذكر أصلان أن كاتب رواية «الجذور» أليكس هالي جمع المعلومات عن «العبيد» المخطوفين ووجد قوائم بأسمائهم، بل عثر على اسم جده من ضمنهم. وعرف المكان الذي جُلب منه هؤلاء، وذهب للبحث فيه عن جذوره.
وأكد أصلان أنه لا يستخدم البحث الروائي في كتابته، لأن المعاناة اليومية تكفيه لصياغة رواية، لا سيما أن الكتابة في بلادنا بحاجة إلى مجهود عضلي، مشيراً إلى أنه يؤدي دور «المهرج» كي يحصل على المعلومات.
في سياق متصل، شجع الكاتب يوسف القعيد البحث الروائي، ورأى أنه اتجاه مهم، فهو عندما زار اليابان عام 1995 اكتشف أن الروائي هناك يستعين بورشة عمل لجمع المعلومات وفريق عمل يساعده، وعندما كتب عن هذا الموضوع يثني عليه هاجمه كثر، «لأن المثقفين هنا (في العالم العربي) «فاهمين» الكتابة الروائية مبادرة فردية، فيما أن «اسم الوردة» لألبرتو إيكو بمثابة بحث طويل في تاريخ الفلسفة، و{شفرة دافنشي» أيضاً بحث تاريخي – ديني من الدرجة الأولي.
وأضاف القعيد أنه استعان بالبحث الروائي في كتابة «شكاوى المصري الفصيح», وهي دراسة ميدانية لسكان القبور، وأنه ذهب إلى «المركز القومي للمعلومات» ومحافظة القاهرة للتأكد من معلوماته.
وذكر القعيد أن روايته «لبن العصفور» دراسة ميدانية حول طباع سكان العشوائيات وأخلاقهم، مؤكداً أن البحث الروائي يخرجنا من فكرة الرواية التقليدية، ويفتح آفاقاً أرحب للكتابة.
أما الكاتب منتصر القفاش فيرى أن البحث الروائي لا يمثل مشكلة إذا كان العمل الفني قائماً على قيمة البحث نفسه، وليس على الاستنساخ منه ونقل الواقع بسطحية. وقال: «الكاتب يكشف عالماً جديداً وقيماً متنوعة من خلال البحث الذي يشكل قيمة فنية داخل العمل، لأن الرواية تقوم على البحث في إشكاليات الوجود وإمكاناته غير المكشوفة للقراء».
لكن القفاش حذّر من أن يصبح البحث مجرد إثبات أو تأكيد على معلومات معروفة مصرّحاً: «يجب أن يكون البحث قائماً على مناطق غير معروفة، مثلاً عندما طرح ميلان كونديرا أفكاراً فلسفية في رواياته، لم يتقصّد أن يشرح فلسفة موجودة، بل حاول أن يعيد النظر في قيمة فلسفية من خلال الأحداث الروائية».
ويرى الناقد عزت القمحاوي أن البحث الروائي لون روائي يقوم الكاتب فيه بدور الباحث، مضيفاً أن عيوب رواية البحث استخدام الكاتب شخصياته كنماذج لحمل أفكاره: «مثلاً روايات ميلان كونديرا مليئة بالمعرفة، لكنها لا تضفي على الشخصية بعداً إنسانياً تجده في «أنا كارنينا» و{مدام بوفاري»، وغيرها من روايات تعتمد على الإلهام والإحساس، وتصل إلى قلب القارئ.
وشجع القمحاوي أن يتعرّف الكاتب إلى تفاصيل مكان الرواية وزمنها، لاستخدامها في السياق المناسب، مشيراً إلى أن مجتمعنا لا يقدر قيمة العلم لذلك لا تلقى روايات البحث نجاحاً لافتاً.
وذكر الناقد حسام عقل أن العمل الروائي تغيّر دون الأجناس الأدبية الأخرى، وبات يستوجب نوعاً خاصاً من التقصي والتحقيق والإعداد الفني المحكم, ما أدّى إلى ظهور نوع خاص من منجزات يطلق عليها الرواية البحثية أو التوثيقية، وفيها يلجأ البعض إلى حشد مراجع وتواريخ وأحداث وهوامش توضيحية، مؤكداً أن هذا النوع من الرواية أضحى ظاهرة أدبية في المشهد الثقافي لا يمكن إنكارها.