قرار الحرب واحتلال بيروت خطوة أولى
إنتهاك لبنان دفاعًا عن سلاح الطائفة
بلال خبيز من بيروت: نريد أن نسلم أن السبب الوجيه الذي دفع بحزب الله إلى احتلال بيروت وجيه حقًا. وانه يريد ان يحمي سلاحه المقاوم من مؤامرات حكومة فؤاد السنيورة العميلة للأميركيين وإسرائيل على حد سواء.
نريد ان نصدق السيد حسن نصرالله في ما ذهب إليه، وان كان المرء يستطيع ان يتساءل بسذاجة مفرطة، والأسئلة الساذجة لا تحضر إلا في خضم الازمات: إذا كانت حكومة السنيورة، التي يرأسها فعليًا النائب وليد جنبلاط، عميلة لأميركا واسرائيل، فلماذا تتركها اسرائيل تحت رحمة بنادق مقاتلي حزب الله المرفوعة في وجوه قادتها والشعب اللبناني؟ على اي حال، لم تعد الأسئلة من هذا القبيل مجدية، وليس ثمة من سبب يدفعنا إلى تكرارها كل مرة، بهدف تهفيت حجج حزب الله وحلفائه في لبنان. لكن هذه الأسئلة الساذجة ليست هي الأسئلة الوحيدة التي تلح على اي متابع لما يجري في لبنان اليوم. ثمة اسئلة اخرى اكثر فجاجة من السؤال السالف ذكره. وهذه عينة منها:
إذا كان حزب الله يقاتل بالسلاح دفاعًا عن سلاحه، فما علاقة حركة امل المسلحة والمقاتلة بسلاح المقاومة؟ ومتى كانت آخر مرة كانت فيها حركة “أمل” مقاومة؟ وهي الحركة التي خاضت مع حزب الله حربًا اهلية دامية في العام 1989، تحت شعار لا للعودة إلى ما قبل 1982، أي لا للعودة إلى استئناف الصراع غير المتكافئ ضد اسرئيل من لبنان عمومًا وجنوبه خصوصًا. ولنسلم جدلاً بحق حزب الله في تصنيف اسلحة الحركات الأهلية في لبنان ونسبة المقاومة إلى بعضها والعمالة إلى بعضها الآخر، فهل يمكننا ان نصدق ان اسلحة العمالة كليلة إلى هذا الحد؟ ولماذا لم تلجأ إلى التسلح والتدرب ما دامت تملك امكانات محلية وخارجية اوسع بما لا يقاس من امكانات حزب الله وموارده؟ خصوصًا ان آخر عهد بعض القوى التي يشار إليها بأصابع حزب الله المتهمة بالحروب الداخلية والخارجية تعود إلى زمن بعيد تكفل بجعل المقاتلين الذين كانوا شباناً يومذاك كهولاً اليوم لا يستطيعون ان يحملوا رشاشاً او يصعدوا درجاً للاستحكام على سطح مبنى بهدف قنص المقاومين.
هذا في الوقائع الميدانية، اما في الوقائع السياسية فكيف يستطيع طرف سياسي يحمل وجهة نظر وافكارًا في ما يخص مستقبل البلد وحاضره وماضيه، ان يدعي ان طوائف بأكملها تنجر خلف قادتها العملاء؟ وكيف يمكن ان يكون الشعب عميلاً؟ والحق، ان هذا تخريف في السياسة ليس بعده تخريف، وان الحجج التي يسوقها بعض حلفاء حزب الله وقادة حزب الله انفسهم التي حملتهم على الدخول في هذا النفق الأهلي الذي لا رجعة فيه، ليست واهية فحسب بل انها لا تصمد في لسان قائلها اكثر من ثوان معدودة.
لكننا نعرف، وكنا دومًا نغطي معرفتنا ونكذب ظنوننا، ان حزب الله وحلفائه لا يقيمون وزنًا لمستقبل البلد او حاضره او ماضيه، وان الحزب الذي جهد منذ نشوئه على الإقامة في منطق الحرب الأهلية وعدم مغادرتها، اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا، لا يعرف طريقًا غير الحروب الأهلية لإثبات وجهة نظره.
يعرف القاصي والداني في لبنان ان اهل الشيعة في لبنان يرددون من دون كلل انهم مهددون بالذوبان في لبنان، وان الخطر يتهددهم من كل الجهات. ولهذه الأسباب تم اتخاذ قرار الحرب على اعلى مستويات الطائفة، بعد اجتماع ضم السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، فضلاً عن العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذي عاد ونفى مشاركته في هذا الاجتماع. وان القادة الشيعة في هذا الإجتماع قرروا اعلان الحرب والشروع في احتلال بيروت، كخطوة اولى تعقبها خطوات لاحقة قد تكون امر وادهى. لكن الطائفة التي تشعر انها مهددة من جانب الطوائف الأخرى المشكلة للنسيج اللبناني استطاعت ان تهيمن على بيروت في غضون ساعات قليلة، ولم تواجه مقاومة من اي نوع في اي منطقة من مناطق بيروت، وكان ان سهل الجيش اللبناني مهمات مقاتليها باعتبار ان ما يجري هو مواجهة بين طوائف لا يمكنه ردعها، وتاليًا تم احتلال بيروت واخضاع الطرف الآخر تحت شعار ان الطرف الآخر كان يُخضع حزب الله ويقتل جمهوره ويضطهد مقاوميه. وحتى الآن، ورغم ان اهل بيروت باتوا لا يستطيعون ان يستمعوا إلى نشرة اخبار متلفزة او قراءة صحيفة يومية من دون اذن مقاتلي حزب الله، ما زال حزب الله ومقاتليه يعتبرون انفسهم ضحايا، وليس جلادوهم إلا هؤلاء الذين سُجنوا في بيوتهم ومنعوا عن ممارسة اعمالهم، وكُمت افواههم.