ما يحدث في لبنان

لبنان: نحو مرحلة انتقالية

null

عبدالله اسكندر

ما يحصل حالياً في لبنان ليس مجرد مشكلة سياسية بين حكومة ومعارضة انزلقت، في لحظة ما، إلى الحسم العسكري في بيروت وسعي إلى خطوة مماثلة في المناطق الأخرى. كما انها ليست تعبيرا عن إشكال نتج عن قرار حكومي معين في لحظة ملتهبة،
فحصل صدام مع قوى حكومية يمكن تداركه باجراءات تقنية. انه حصيلة لمسيرة تصاعدية بدأت ملامحها بالظهور منذ اغتيال الحريري، لكن دعائمها بدأت توضع وتترسخ منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، مع الغزو الاسرائيلي وخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من الجنوب وبيروت ومن ثم البقاع والشمال. اي بالتوازي مع تصليب عود «المقاومة الاسلامية»، اي القوة العسكرية لـ «حزب الله»، على حساب المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية وأيديولوجيتهما اولاً، وعلى حساب قوة الدولة اللبنانية.

واليوم، يُلاحظ ان حكومة السنيورة تبحر على النظر لأنها مضطرة الى معالجة الأمور الأكثر إلحاحا، بعدما جُردت من أدوات الحكم، في ظل سلسلة لا تنتهي من المشكلات والعقبات. كما ان قوى «14 آذار» التي تشكلت بدفع من ديناميكية الردّ على اغتيال الحريري والخروج العسكري السوري، لم تتمكن من استثمار هذه الديناميكية، لتعود قواها الى الوقوع في الادارة اليومية للتحديات التي تواجهها. فعجزت، كما الحكومة، عن الانتقال من رد الفعل الى الفعل، ومن الإبحار على النظر الى التفكير العميق في الخطوات المقبلة.

في المقابل، ظهر ان «حزب الله» الذي بات عمليا على رأس تحالف من القوى التي تضررت من الانسحاب السوري يسير وفق «خريطة طريق» تتوضح معالمها مع تصاعد الأحداث او افتعالها. هذه «الخريطة» أحيطت بالغموض والالتباس لأنها منذ البداية ارتبطت بشعار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وحصره بقيادة «حزب الله»، أي ان كل عمل مقاوم من طرف لبناني ما ينبغي ان يخضع لحسابات قيادة هذا الحزب، فانحصر شرف المقاومة بمن كان داخل هذه «الخريطة». أما من هو خارجها فمشتبه به حتى يثبت العكس. ولذلك اتخذ العمل الامني اهمية استثنائية، الى حد انتزاع هذا الحق الحصري، والمطالبة بوضع كل الامكانات في تصرفه. وجرى التعامل مع القوى المسلحة اللبنانية، وفي كل مرحلة من المراحل، على انها من المفترض ان تكون في خدمة هذا «الأمن المقاوم» حصراً، بغض النظر عن الوظيفة الفعلية لهذه القوى وضرورة تبعيتها الى السلطة التنفيذية.

وكان الأمر كذلك حتى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أنتجت حكومة السنيورة، ومذاك تُخضع القوى الامنية لاختبارات متتالية وصولاً الى الاشكال الذي حصل قبل فترة في منطقة مار مخايل على بعد امتار من الضاحية الجنوبية وسقط قتلى برصاص الجيش الذي أجبر من حينها على مراجعة استراتيجية حفظه للأمن، القائمة على الإجماع على حياده السياسي. وارتضت الحكومة وقوى الموالاة هذه المراجعة بحجة الحفاظ على وحدة الجيش، بعدما راحت تعبيرات النزاع تأخذ طابعا طائفيا ومذهبيا متزايدا.

ولولا مراجعة هذه الاستراتيجية، بعد حادث دموي هدد نصرالله بعده بعظائم الأمور، لما أمكن لمسلحين ان يسيطروا على الشطر الغربي في بيروت، في ظل انتشار كثيف لهذا الجيش. ولما أمكن لمسلحين آخرين ان ينقلوا المواجهات العنيفة الى مناطق أخرى. وهذه المراجعة التي أدّت عمليا إلى غلبة طرف، بقوة السلاح، يقوده «حزب الله» على قوى السلطة اتاحت في الوقت نفسه لتنظيمات واحزاب مسلحة ان تستفيد من الوضع القائم من اجل تصفية حسابات مع الآخرين، مع ما رافق ذلك من انتهاكات.

وقبل تحييد الجيش، جرى تحييد المؤسسات الشرعية، بمنهجية مماثلة، عبر تعطيل الحكومة وإغلاق مجلس النواب وفرض الفراغ في رئاسة الجمهورية، فضاعت المعالم الاساسية والمركزية للدولة.

والمحطة المهمة الثانية من «خريطة الطريق» هي استهداف الصوت الآخر، وإحدى الميزات الاساسية للوضع اللبناني. فإلى الحصار المادي لقادة منتخبين ولمقر الحكومة، والتهديد المتواصل لهم، فرض المسلحون في الشارع على الجيش ان يتولى اقفال محطات تلفزيونية واذاعية وصحافية بذريعة ان عدم الاقفال سيعرضها للهجوم المسلح وقتل من فيها. أي السعي الى خنق صوت أي طرف لا يتوافق مع «حزب الله»، سواء تولى الحزب مباشرة المهمة او قامت به جماعة تدور في فلكه. وهذا السعي ظهر منذ بدايات الحزب، وفي اطار الطائفة الشيعية اولاً، بتصفية مفكرين ومناضلين ومن ثم بمواجهة دموية مع حركة «امل» التي باتت حاليا شبه ملحقة بقيادة نصرالله.

اي ان «خريطة الطريق» تتضمن الحصول على عوامل القوة العسكرية وفرض الأمر الواقع على الخصم وخنق صوته. وهذا ما يحصل حالياً في لبنان، لتتأسس مرحلة انتقالية، من اكثرية حاكمة مناهضة للحزب ولمشروعه الى ترتيب وضع تكون فيه القيادة للحزب على مستوى البلد والسلطة.

الحياة – 11/05/08


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى