اللبنانيون يعيدون انتخاب أزمتهم
عصام نعمان
قادة الموالاة (14 آذار) يقولون إنها انتخابات مصيرية .قادة المعارضة يقولون إنها ليست مصيرية بل مفصلية .سواء كانت، أو ستكون، مصيرية أو مفصلية، فإنها كذلك بالنسبة للبنان وحده . هذا ما يعنيه قادة الموالاة والمعارضة .
ل”إسرائيل”، على ما يبدو، رأي مخالف . نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم قال عقب لقائه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “أعتقد أنه إذا فاز حزب الله في لبنان، فإنه سيكون أمراً خطيراً للغاية على استقرار منطقة الشرق الأوسط واستقرار العالم” .
لماذا العالم في خطر إذا فاز حزب الله؟
الجواب جاهز عند شالوم: “لأنه إذا سقط لبنان في أيدي الشيعة المتطرفين، فإن هذا سيشكّل خطراً على استقرار الشرق الأوسط . وإذا أضفنا إلى ذلك “حماس” في غزة، فسنجد أنهم سنّة، لكنهم يتلقون تعليماتهم وتمويلهم وكل شيء من إيران” .
لم يسأل أحد شالوم: من تراه يموّل بعض الأطراف الأخرى في الانتخابات؟
لو سئل لامتنع عن الجواب بطبيعة الحال . لكن من الثابت أن الأموال تتدفق على الجميع من كل حدب وصوب . أحد كبار رجال المصارف همس في أذن أحد رجالات المعارضة بأن مصرفه تلقى خلال شهر مايو/أيار الماضي فقط، ما لا يقل عن 800 مليون دولار لا علاقة لها بأي عملية تجارية أو عقارية أو اقتصادية . بعبارة أخرى، هي مال سياسي من أجل أغراض انتخابية .
ومع ذلك، فإن المال السياسي لن يكون له تأثير حاسم في الانتخابات . التأثير الأول والأفعل هو للمذهبية والعصبيات الفئوية على اختلافها . فالمال له دور مساعد ومؤثر في المترددين وحسب، أي أولئك الذين ما زالوا يمانعون في الخروج من منازلهم للتصويت .
نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن دعا قادة الموالاة عندما قابلهم في منزل الوزيرة السابقة نائلة معوض إلى التركيز على المترددين، وهم غالباً من أهل القعود، لإقناعهم بضرورة التصويت .
كيف يمكن حمل هؤلاء على مغادرة قعودهم والتصويت؟ وهل إذا فعلوا سيصوتون لمرشحي قوى 14 آذار؟
الجواب: المال هو المحفّز والمنشّط . أما وجهة التصويت فهي معروفة، إذ سبق لحملة التحريض المذهبي أن فعلت فعلها وحققت الاصطفاف المطلوب وراء شعارات سياسية معينة .
غير أن نتيجة الانتخابات معروفة حتى قبل إجرائها . فاللبنانيون سينتخبون، مرة أخرى، أزمتهم أو سبب أزمتهم . سينتخبون متزعمي الطوائف وأطراف الشبكة الحاكمة، أو الشركة القابضة، التي تمسك بمقاليد النظام السياسي منذ نحو ستين عاماً .
لا تغيير محسوساً في لبنان في ظل النظام الطائفي القائم . والنظام سيبقى قائماً طالما هو قادر على إعادة إنتاج نفسه من خلال قانون لا ديمقراطي للانتخابات يعتمد نظام التمثيل الأكثري على قاعدة التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية .
لن يتفاجأ اللبنانيون عندما تبدأ نتائج الانتخابات بالظهور ظهر يوم الاثنين المقبل . ذلك أنهم سيلاحظون أن متزعمي الطوائف وأطراف الشبكة الحاكمة قد عادوا مجدداً مع تغيير طفيف في عدد المقاعد .
حتى لو تمكّنت قوى المعارضة من أن تفوز بفارق بعدد المقاعد لمصلحتها، فإنها لن تستطيع إدخال تعديلات على الدستور، جذرية أو حتى بسيطة .
الأمر نفسه ينطبق على قوى الموالاة .
أكثر من ذلك، سيجد الفريق الفائز نفسه غير قادر على حكم البلد بمفرده . لذلك يحرص كلا الفريقين على التأكيد على أنه مصرّ على إشراك الفريق الآخر في الحكومة الائتلافية المراد تأليفها .
الأمر سيزداد تعقيداً إذا جاء توزيع المقاعد النيابية متقارباً . فقد يحمل ذلك رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على المطالبة بأن يكون له ثلث عدد مقاعد الحكومة الجديدة كي يتمكن من الإمساك بزمام الحكم والدفع باتجاه فرض ما يسميه “توازنات وطنية صحيحة” .
قد تمضي بضعة أشهر قبل أن تقتنع قوى الموالاة والمعارضة بصيغة المثالثة مع رئيس الجمهورية . وحتى لو اقتنعت فإن الصراع سوف يبقى قائماً حول القضايا أو الإصلاحات المراد اعتمادها، ثم حول طريقة تنفيذها .
في ضوء هذا الواقع، يتضح أن الانتخابات “مصيرية” أو “مفصلية” أو “خطيرة على استقرار المنطقة”، ليس من حيث نتائجها بالضرورة، بل من حيث إجراؤها . ذلك أن الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة، ناهيك عن الأطراف المحلية نفسها، تقوم باستغلالها، وبالتالي بالتدخل فيها على نحوٍ واسع وفظ ومثير قد يفضي إلى نتائج ومفاعيل وتداعيات خطيرة .
حتى لو افترضنا أن الولايات المتحدة والسعودية وسوريا وإيران تحاذر التدخل في انتخابات لبنان لأنها تتهيأ لإجراء اتصالات ومحادثات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لبعض أو معظم قضايا المنطقة، فإن هذا الأمر لا ينطبق البتة على “إسرائيل” . فحكومة نتنياهو جادة في تخريب مساعي التسوية بين أمريكا والعرب والفلسطينيين بدعوى أن الخطر الأول والأكبر الذي يواجه المنطقة هو إيران وبرنامجها النووي . من هنا فإن “إسرائيل”، على الأقل، ستبقى مثابرة على استغلال الانتخابات اللبنانية من أجل اختلاق فتنة مذهبية بين أهل السنّة وأهل الشيعة بغية مشاغلة الرئيس أوباما وأصدقائه العرب والحؤول دون أي بحث في تسوية للصراع الفلسطيني- “الإسرائيلي” .
ثمة فرص ووسائل وأدوات كثيرة يمكن أن تستعملها “إسرائيل” في هذا المجال، وقد تنجح في بعضها وتفشل في بعضها الآخر . من هنا فإن المهمة الأولى للبنانيين، في هذه الآونة، هي تفويت الفرصة على “إسرائيل”، فلا يتصرفون من خلال تجمعاتهم وأحزابهم ولوائحهم الانتخابية على نحو يساعد العدو على النيل منهم ومن العرب والفلسطينيين . أما كيف يتجنب اللبنانيون إعادة انتخاب الأزمة وإعادة إنتاجها، فيحتاج إلى حديث آخر يبدأ بضرورة التخلي عن نظام التمثيل الأكثري وصوابية اعتماد نظام التمثيل النسبي، ولا ينتهي عند هذا الحد . ذلك أن هناك حاجة ماسة إلى إرادة وطنية حاسمة، ونهج للعمل الوطني الديمقراطي طويل النَفَس وهادف، والى تصميم على الإسهام في صنع ميزان قوى جديد على مستوى المنطقة .
ثمة أدوار بحاجة إلى أبطال، وقد آن الأوان .