صفحات العالم

النص الكامل لخطاب أوباما، اضافة الى بعض المقالات التي تناولت الخطاب

النص الرسمي لخطاب أوباما: مد جسور الثقة مع العالم الاسلامي.. الانسحاب من العراق.. الالتزام بحل الدولتين
أكد أن أمريكا والإسلام كدين ليسا في حالة عداء. واستشهد بآيات قرآنية. تحدث عن عالم لا يمتلك فيه أحد سلاحا نوويا

فيما يلي نص الترجمة الرسمية المعدة سلفا لخطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما في العاصمة المصرية الخميس.
‘إنه لمن دواعي شرفي أن أزور مدينة القاهرة الأزلية حيث تستضيفني فيها مؤسستان مرموقتان للغاية احدهما الأزهر الذي بقي لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية بينما كانت جامعة القاهرة على مدى أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم في مصر. ومعا تمثلان حسن الاتساق والانسجام ما بين التقاليد والتقدم. وإنني ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر. كما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأمريكي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتعات المحلية المسلمة في بلدي: ‘السلام عليكم’.

مصادر التوتر بين الغرب والعالم الاسلامي

إننا نلتقي في وقت يشوبه التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص كما ساهم في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات في قطاع صغير من العالم الإسلامي بشكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 واستمر هؤلاء المتطرفون في مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين الأمر الذي حدا بالبعض في بلدي إلى اعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية وإنما أيضا لحقوق الإنسان. ونتج عن ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.
هذا وما لم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الاختلاف فيما بيننا فإننا سنساهم في تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذي من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيق الازدهار. هذه هي دائرة الارتياب والشقاق التي يجب علينا إنهاءها.

دعوة المسلمين لمرحلة جديدة

لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لا تعارضان بعضها البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
إنني أقوم بذلك إدراكا مني بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة كما لا يمكنني أن أقدم الإجابة على كافة المسائل المعقدة التي أدت بنا إلى هذه النقطة. غير أنني على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضي قدما أن نعبر بصراحة عما هو في قلوبنا وعما هو لا يقال إلا وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا البعض وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة. وينص القرآن الكريم على ما يلي: (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). وهذا ما سوف أحاول بما في وسعي أن أفعله وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التي نحن بصددها اعتقادا مني كل الاعتقاد أن المصالح المشتركة بيننا كبشر هي أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا.
يعود جزء من اعتقادي هذا إلى تجربتي الشخصية. إنني مسيحي بينما كان والدي من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين. ولما كنت صبيا قضيت عدة سنوات في إندونيسيا واستمعت إلى الآذان ساعات الفجر والمغرب. ولما كنت شابا عملت في المجتمعات المحلية بمدينة شيكاغو حيث وجد الكثير من المسلمين في عقيدتهم روح الكرامة والسلام.
إنني أدرك بحكم دارستي للتاريخ أن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل جامعة الأزهر نور العلم عبر قرون عدة الأمر الذي مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير. ونجد روح الابتكار الذي ساد المجتمعات الإسلامية وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة بالإضافة إلى فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها. حصلنا بفضل الثقافة الإسلامية على أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الارتفاع وكذلك على أشعار وموسيقى خالدة الذكر وفن الخط الراقي وأماكن التأمل السلمي. وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلبا وقالبا الفرص الكامنة في التسامح الديني والمساواة ما بين الأعراق.

العرب والاسلام جزء من ماضي ومستقبل أمريكا

أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لا يتجزأ من قصة أمريكا حيث كان المغرب هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية. وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس فقد كتب ذلك الرئيس أن ‘الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم’.
منذ عصر تأسيس بلدنا ساهم المسلمون الأمريكان في إثراء الولايات المتحدة. لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأولمبية. وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكي إلى الكونغرس فقام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين توماس جيفرسون في مكتبته الخاصة.
إنني إذن تعرفت على الإسلام في قارات ثلاث قبل مجيئي إلى المنطقة التي نشأ فيها الإسلام. ومن منطلق تجربتي الشخصية استمد اعتقادي بأن الشراكة بين أمريكا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ما هو غير إسلامي وأرى في ذلك جزءا من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت.
لكن نفس المبدأ يجب أن ينطبق على صورة أمريكا لدى الآخرين ومثلما لا تنطبق على المسلمين الصورة النمطية البدائية فإن الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها لا تنطبق على أمريكا. وكانت الولايات المتحدة أحد أكبر المناهل للتقدم عبر تاريخ العالم. وقمنا من ثورة ضد إحدى الإمبراطوريات وأسست دولتنا على أساس مثال مفاده أن جميع البشر قد خلقوا سواسية كما سالت دماؤنا في الصراعات عبر القرون لإضفاء المعنى على هذه الكلمات بداخل حدودنا وفي مختلف أرجاء العالم. وقد ساهمت كافة الثقافات من كل أنحاء الكرة الأرضية في تكويننا تكريسا لمفهوم بالغ البساطة باللغة اللاتينية: من الكثير واحد.
لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكانية انتخاب شخص من أصل أمريكي إفريقي يدعى باراك حسين أوباما إلى منصب الرئيس. ولكن قصتي الشخصية ليست فريدة إلى هذا الحد. ولم يتحقق حلم الفرص المتاحة للجميع بالنسبة لكل فرد في أمريكا ولكن الوعد هو قائم بالنسبة لجميع من يصل إلى شواطئنا ويشمل ذلك ما يضاهي سبعة ملايين من المسلمين الأمريكان في بلدنا اليوم. ويحظى المسلمون الأمريكان بدخل ومستوى للتعليم يعتبران أعلى مما يحظى به معدل السكان.
علاوة على ذلك لا يمكن فصل الحرية في أمريكا عن حرية إقامة الشعائر الدينية. كما أن ذلك السبب وراء وجود مسجد في كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من 1200 مسجد داخل حدودنا. وأيضا السبب وراء خوض الحكومة الأمريكية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات في ارتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق.
ليس هناك أي شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا. وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية: ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء.

التعاون المشترك لسد حاجات شعوبنا

يمثل إدراك أوجه الإنسانية المشتركة فيما بيننا بطبيعة الحال مجرد البداية لمهمتنا. إن الكلمات لوحدها لا تستطيع سد احتياجات شعوبنا ولن نسد هذه الاحتياجات إلا إذا عملنا بشجاعة على مدى السنين القادمة وإذا أدركنا حقيقة أن التحديات التي نواجهها هي تحديات مشتركة وإذا أخفقنا في التصدي لها سوف يلحق ذلك الأذى بنا جميعا.
لقد تعلمنا من تجاربنا الأخيرة ما يحدث من إلحاق الضرر بالرفاهية في كل مكان إذا ضعف النظام المالي في بلد واحد. وإذا أصيب شخص واحد بالإنفلونزا فيعرض ذلك الجميع للخطر. وإذا سعى بلد واحد وراء امتلاك السلاح النووي فيزداد خطر وقوع هجوم نووي بالنسبة لكل الدول. وعندما يمارس المتطرفون العنف في منطقة جبلية واحدة يعرض ذلك الناس من وراء البحار للخطر. وعندما يتم ذبح الأبرياء في دارفور والبوسنة يسبب ذلك وصمة في ضميرنا المشترك. هذا هو معنى التشارك في هذا العالم بالقرن الحادي والعشرين وهذه هي المسؤولية التي يتحملها كل منا تجاه الآخر كأبناء البشرية.
إنها مسؤولية تصعب مباشرتها، وكان تاريخ البشرية في كثير من الأحيان بمثابة سجل من الشعوب والقبائل التي قمعت بعضها البعض لخدمة تحقيق مصلحتها الخاصة. ولكن في عصرنا الحديث تؤدي مثل هذه التوجهات إلى إلحاق الهزيمة بالنفس ونظرا إلى الاعتماد الدولي المتبادل فأي نظام عالمي يعلي شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة. وبغض النظر عن أفكارنا حول أحداث الماضي فلا يجب أن نصبح أبدا سجناء لأحداث قد مضت. إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة.
لا يعني ذلك بالنسبة لنا أن نفضل التغاضي عن مصادر التوتر وفي الحقيقة فإن العكس هو الأرجح: يجب علينا مجابهة هذه التوترات بصفة مفتوحة. واسمحوا لي انطلاقا من هذه الروح أن أتطرق بمنتهى الصراحة وأكبر قدر ممكن من البساطة إلى بعض الأمور المحددة التي أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها في نهاية المطاف بجهد مشترك.

المحور الاول: مجابهة التطرف والتعاون في قضية افغانستان

إن المسألة الأولى التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله.
وقد صرحت بمدينة أنقرة بكل وضوح أن أمريكا ليست ولن تكون أبدا في حالة حرب مع الإسلام. وعلى أية حال سوف نتصدى لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا. والسبب هو أننا نرفض ما يرفضه أهل كافة المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. ومن واجباتي كرئيس أن أتولى حماية الشعب الأمريكي.
يبين الوضع في أفغانستان أهداف أمريكا وحاجتنا إلى العمل المشترك. وقبل أكثر من سبع سنوات قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم القاعدة ونظام طالبان بدعم دولي واسع النطاق. لم نذهب إلى هناك باختيارنا وإنما بسبب الضرورة. إنني على وعي بالتساؤلات التي يطرحها البعض بالنسبة لأحداث 11 سبتمبر أو حتى تبريرهم لتلك الأحداث. ولكن دعونا أن نكون صريحين: قام تنظيم القاعدة بقتل ما يضاهي 3000 شخص في ذلك اليوم. وكان الضحايا من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. ورغم ذلك اختارت القاعدة بلا ضمير قتل هؤلاء الأبرياء وتباهت بالهجوم وأكدت إلى الآن عزمها على ارتكاب القتل مجددا وبأعداد ضخمة. إن هناك للقاعدة من ينتسبون لها في عدة بلدان وممن يسعون إلى توسعة نطاق أنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش وإنما هي حقائق يجب معالجتها.
ولا بد أن تكونوا على علم بأننا لا نريد من جيشنا أن يبقى في أفغانستان ولا نسعى لإقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأمريكا بالغ الأذى. كما يسبب استمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة. ونريد بكل سرور أن نرحب بكافة جنودنا وهم عائدون إلى الوطن إذا استطعنا أن نكون واثقين من عدم وجود متطرفي العنف في كل من أفغانستان وباكستان والذين يحرصون على قتل أكبر عدد ممكن من الأمريكيين.
ورغم ذلك كله لن تشهد أمريكا أي حالة من الضعف لإرادتها. ولاينبغي على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل في كثير من البلدان. لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد ومعظم ضحاياهم من المسلمين. إن أعمالهم غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام. وينص القرآن الكريم على أن ‘من قتل نفسا بغير حق أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا’ ولا شك أن العقيدة التي يتحلى بها أكثر من مليار مسلم تفوق عظمتها بشكل كبير الكراهية الضيقة التي يكنها البعض. إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة المتلخصة في مكافحة التطرف العنيف وإنما يجب أن يكون الإسلام جزءا من حل هذه المشكلة.
علاوة على ذلك نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لحل المشاكل في كل من أفغانستان وباكستان. ولذلك وضعنا خطة لاستثمار 1.5 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين. وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص ما يربو على 2.8 مليار دولار لمساعدة الأفغان على تنمية اقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.

المحور الثاني: مسألة العراق والانسحاب الامريكي

اسمحوا لي أيضا أن أتطرق إلى موضوع العراق. لقد اختلف الوضع هناك عن الوضع في أفغانستان حيث وقع القرار بحرب العراق بصفة اختيارية مما أثار خلافات شديدة سواء في بلدي أو في الخارج. ورغم اعتقادي بأن الشعب العراقي في نهاية المطاف هو الطرف الكاسب في معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين إلا أنني أعتقد أيضا أن أحداث العراق قد ذكرت أمريكا بضرورة استخدام الدبلوماسية لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكنا. وفي الحقيقة فإننا نستذكر كلمات أحد كبار رؤسائنا توماس جيفرسون الذي قال ‘إنني أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا وأن تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها’.
تتحمل أمريكا اليوم مسؤولية مزدوجة تتلخص في مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل وترك العراق للعراقيين. إنني أوضحت للشعب العراقي أننا لا نسعى لإقامة أية قواعد في العراق أو لمطالبة العراق بأي من أراضيه أو موارده. يتمتع العراق بسيادته الخاصة به بمفرده. لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر أغسطس القادم ولذا سوف نحترم الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديمقراطي والذي يقتضي سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012. سوف نساعد العراق على تدريب قواته الأمنية وتنمية اقتصاده. ولكننا سنقدم الدعم للعراق الآمن والموحد بصفتنا شريكا له وليس بصفة الراعي.

أحداث 11 سبتمبر اخرجت أمريكا عن طورها

وأخيرا مثلما لا يمكن لأمريكا أن تتسامح مع عنف المتطرفين فلا يجب علينا أن نقوم بتغيير مبادئنا أبدا. قد ألحقت أحداث 11 سبتمبر إصابة ضخمة ببلدنا حيث يمكن تفهم مدى الخوف والغضب الذي خلفته تلك الأحداث ولكن في بعض الحالات أدى ذلك إلى القيام بأعمال تخالف مبادئنا. إننا نتخذ إجراءات محددة لتغيير الاتجاه. وقد قمت بمنع استخدام أساليب التعذيب من قبل الولايات المتحدة منعا باتا كما أصدرت الأوامر بإغلاق السجن في خليج غوانتانامو مع حلول مطلع العام القادم.
نحن في أمريكا سوف ندافع عن أنفسنا محترمين في ذلك سيادة الدول وحكم القانون. وسوف نقوم بذلك في إطار الشراكة بيننا وبين المجتمعات الإسلامية التي يحدق بها الخطر أيضا لأننا سنحقق مستوى أعلى من الأمن في وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة في عزل المتطرفين مع عدم التسامح لهم داخل المجتمعات الإسلامية.

الصراع الفلسطيني / العربي الاسرائيلي:
حق اليهود بوطن وحق الفلسطينيين بدولة

أما المصدر الرئيسي الثاني للتوتر الذي أود مناقشته هو الوضع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي.
إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه.
لقد تعرض اليهود على مر القرون للاضطهاد وتفاقمت أحوال معاداة السامية في وقوع المحرقة التي لم يسبق لها عبر التاريخ أي مثيل. وإنني سوف أقوم غدا بزيارة معسكر بوخنفالد الذي كان جزءا من شبكة معسكرات الموت التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رميا بالأسلحة النارية وتسميما بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود يعني أكثر من إجمالي عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم. إن نفي هذه الحقيقة هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية. كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحدث الأكثر إيذاءا إلى أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذي يستحقه سكان هذه المنطقة.
أما من ناحية أخرى فلا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين قد عانوا أيضا في سعيهم إلى إقامة وطن خاص لهم. وقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من 60 سنة حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية صغيرة كانت أم كبيرة والتي هي ناتجة عن الاحتلال. وليس هناك أي شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.
لقد استمرت حالة الجمود لعشرات السنوات: شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضي أمرا صعب المنال. إن توجيه اللوم أمر سهل إذ يشير الفلسطينيون إلى تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين ويشير الإسرائيليون إلى العداء المستمر والاعتداءات التي يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود على مدى التاريخ. ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر فإننا لن نتمكن من رؤية الحقيقة: لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.
إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا ولذلك سوف أسعى شخصياً للوصول إلى هذه النتيجة متحليا بالقدر اللازم من الصبر الذي تقتضيه هذه المهمة. إن الالتزامات التي وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هي التزامات واضحة. لقد آن الأوان من أجل إحلال السلام لكي يتحمل الجانبان مسؤولياتهما، ولكي نتحمل جميعنا مسؤولياتنا كذلك.

مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن العنف

يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح. لقد عانى السود في أمريكا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود ولكن العنف لم يكن السبيل الذي مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمي على الالتزام بالمثل التي كانت بمثابة الركيزة التي اعتمد عليها مؤسسو أمريكا وهذا هو ذات التاريخ الذي شاهدته شعوب كثيرة تشمل شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا الشرقية وأندونيسيا.
وينطوي هذا التاريخ على حقيقة بسيطة ألا وهي أن طريق العنف طريق مسدود وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عن طريق مثل هذه الأعمال إذ يؤدي هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة.
والآن على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التي يستطيعون إنجازها ويجب على السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبي احتياجاته إن تنظيم حماس يحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين ولكنه يتحمل مسؤوليات كذلك ويتعين على تنظيم حماس حتى يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني أن يضع حداً للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء.

على الاسرائيليين الاقرار بحق الفلسطينيين ووقف الاستيطان

وفي نفس الوقت يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن إنكاره مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل في البقاء. إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر كما أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات.
كما يجب على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها لتأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم. لأن أمن إسرائيل لا يتوفر عن طريق الأزمة الإنسانية في غزة التي تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك أو عن طريق انعدام الفرص في الضفة الغربية. إن التقدم في الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني يجب أن يكون جزءا من الطريق المؤدي للسلام ويجب على إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيرا يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية هامة وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة كما ينبغي عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطيني على تطوير مؤسساته التي سوف تعمل على مساندة الدولة الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي.
سوف تنسق أمريكا سياساتنا مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلام وسوف تكون تصريحاتنا التي تصدر علنا هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب إننا لا نستطيع أن نفرض السلام ويدرك كثيرون من المسلمين في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي وبالمثل يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضروري. لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التي يدركها الجميع.
لقد تدفقت دموع الكثيرين وسالت دماء الكثيرين وعلينا جميعا تقع مسؤولية العمل من أجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون في حياتهم دون خوف وعندما تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذي أراده الله لها، وعندما تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا في سلام تماما كما ورد في قصة الإسراء عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا.

المحور الثالث: المشروع النووي الايراني

إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية.
لقد كان هذا الموضوع مصدرا للتوتر الذي طرأ مؤخرا على العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية التي ظلت لسنوات كثيرة تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لبلدي والتاريخ بين بلدينا تاريخ عاصف بالفعل إذ لعبت الولايات المتحدة في إبان فترة الحرب الباردة دورا في الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديمقراطي. أما إيران فإنها لعبت دورا منذ قيام الثورة الإسلامية في أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأمريكيين. هذا التاريخ تاريخ معروف. لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدي بدلا من أن يتقيد بالماضي يقف مستعدا للمضي قدما. والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه.
إن التغلب على فقدان الثقة الذي استمر لعشرات السنوات سوف يكون صعبا ولكننا سوف نمضي قدما مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم سيكون هناك الكثير من القضايا التي سيناقشها البلدان ونحن مستعدون للمضي قدما دون شروط مسبقة على أساس الاحترام المتبادل. إن الأمر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الأسلحة النووية أننا قد وصلنا إلى نقطة تتطلب الحسم وهي ببساطة لا ترتبط بمصالح أمريكا ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووي قد يدفع بالمنطقة إلى طريق محفوف بالمخاطر ويدمر النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية.
إنني مدرك أن البعض يعترض على حيازة بعض الدول لأسلحة لا توجد مثلها لدى دول أخرى ولا ينبغي على أية دولة أن تختار الدول التي تملك أسلحة نووية وهذا هو سبب قيامي بالتأكيد مجددا وبشدة على التزام أمريكا بالسعي من أجل عدم امتلاك أي من الدول للأسلحة النووية وينبغي على أية دولة بما في ذلك إيران أن يكون لها حق الوصول إلى الطاقة النووية السلمية إذا امتثلت لمسؤولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وهذا الالتزام هو التزام جوهري في المعاهدة ويجب الحفاظ عليه من أجل جميع الملتزمين به.

المحور الرابع: تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان

إن الموضوع الرابع الذي أريد أن أتطرق إليه هو الديمقراطية.
إن نظام الحكم الذي يسمع صوت الشعب ويحترم حكم القانون وحقوق جميع البشر هو النظام الذي أؤمن به وأعلم أن جدلا حول تعزيز الديمقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب في العراق. إسمحوا لي أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلي: لا يمكن لأية دولة ولا ينبغي على أية دولة أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى.
ومع ذلك لن يقلل ذلك من التزامي تجاه الحكومات التي تعبر عن إرادة الشعب حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ في كل دولة وفقا لتقاليد شعبها. إن أمريكا لا تفترض أنها تعلم ما هو أفضل شيء بالنسبة للجميع كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هي النتائج التي نختارها ومع ذلك يلازمني اعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم ويتطلعون للشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه، ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة. إن هذه الأفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب بل هي حقوق إنسانية وهي لذلك الحقوق التي سوف ندعمها في كل مكان.
لا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد ولكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن الحكومات التي تحمي هذه الحقوق هي في نهاية المطاف الحكومات التي تتمتع بقدر أكبر من الاستقرار والنجاح والأمن. إن قمع الأفكار لا ينجح أبدا في القضاء عليها. إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم.
هذه النقطة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديمقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة ولا يرحمون الغير في ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم إلى السلطة. إن الحكومة التي تتكون من أفراد الشعب وتدار بواسطة الشعب هي المعيار الوحيد لجميع من يشغلون مراكز السلطة بغض النظر عن المكان الذي تتولى فيه مثل هذه الحكومة ممارسة مهامها: إذ يجب على الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال الاتفاق في الرأي وليس عن طريق الإكراه ويجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن يعطوا مصالح الشعب الأولوية على مصالح الحزب الذي ينتمون إليه.

المحور الخامس: الحرية الدينية

أما الموضوع الخامس الذي يجب علينا الوقوف أمامه معا فهو موضوع الحرية الدينية.
إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام. لقد شاهدت بنفسي هذا التسامح عندما كنت طفلا في أندونيسيا إذ كان المسيحيون في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية. إن روح التسامح التي شاهدتها هناك هي ما نحتاجه اليوم إذ يجب أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة.
ثمة توجه في بعض أماكن العالم الإسلامي ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر. إن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر ويجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنيين والشيعيين قد أدى إلى عنف مأساوي ولا سيما في العراق.
إن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش ويجب علينا دائما أن نفحص الأساليب التي نتبعها لحماية هذه الحرية فالقواعد التي تنظم التبرعات الخيرية في الولايات المتحدة على سبيل المثال أدت إلى تصعيب تأدية فريضة الزكاة بالنسبة للمسلمين وهذا هو سبب التزامي بالعمل مع الأمريكيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وبالمثل من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذي يعتبرونه مناسبا فعلى سبيل المثال عن طريق فرض الثياب التي ينبغي على المرأة المسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التظاهر بالليبرالية عن طريق التستر على معاداة أي دين.
ينبغي أن يكون الإيمان عاملا للتقارب فيما بيننا ولذلك نعمل الآن على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود. إننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة جلالة الملك عبد الله المتمثلة في حوار الأديان كما نرحب بالموقف الريادي الذي اتخذته تركيا في تحالف الحضارات. إننا نستطيع أن نقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الأديان إلى خدمات تقدمها الأديان يكون من شأنها بناء الجسور التي تربط بين الشعوب وتؤدي بهم إلى تأدية أعمال تدفع إلى الأمام عجلة التقدم لجهودنا الإنسانية المشتركة سواء كان ذلك في مجال مكافحة الملاريا في أفريقيا أو توفير الإغاثة في أعقاب كارثة طبيعية.

المحور السادس: حقوق المرأة

إن الموضوع السادس الذي أريد التطرق إليه هو موضوع حقوق المرأة.
أعلم أن الجدل يدور حول هذا الموضوع وأرفض الرأي الذي يعبر عنه البعض في الغرب ويعتبر المرأة التي تختار غطاء لشعرها أقل شأنا من غيرها ولكنني أعتقد أن المرأة التي تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة. إن البلدان التي تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هي غالبا بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية وهذا ليس من باب الصدفة.
اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح: إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للإسلام وحده لقد شاهدنا بلدانا غالبية سكانها من المسلمين مثل تركيا وباكستان وبنجلادش وإندونيسيا تنتخب المرأة لتولي قيادة البلد. وفي نفس الوقت يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة في بعض جوانب الحياة الأمريكية وفي بلدان العالم ولذلك سوف تعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعي في سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذي يساعد الناس على تحقيق أحلامهم.
باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلى مجتمعاتنا تتساوى مع ما يقدمه لها أبناؤنا وسوف يتم تحقيق التقدم في رفاهيتنا المشتركة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الرجال والنساء لتحقيق كل ما يستطيعون تحقيقه من إنجازات. أنا لا أعتقد أن على المرأة أن تسلك ذات الطريق الذي يختاره الرجل لكي تحقق المساواة معه كما أحترم كل إمرأة تختار ممارسة دورا تقليديا في حياتها ولكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها.

المحور الاخير: التنمية والتعاون الاقتصادي

وأخيرا أريد أن أتحدث عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص.
أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقضات في مظاهر العولمة لأن شبكة الإنترنت وقنوات التليفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنف غير عقلاني وباستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة ولكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة وتأتي مشاعر الخوف في جميع البلدان حتى في بلدي مع هذه التغييرات وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدي الحداثة إلى فقدان السيطرة على خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا والأهم من ذلك على هوياتنا وهي الأشياء التي نعتز بها في مجتمعاتنا وفي أسرنا وفي تقاليدنا وفي عقيدتنا.
ولكني أعلم أيضا أن التقدم البشري لا يمكن إنكاره، فالتناقض بين التطور والتقاليد ليس أمرا ضروريا إذ تمكنت بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية من تنمية أنظمتها الاقتصادية والحفاظ على ثقافتها المتميزة في ذات الوقت. وينطبق ذلك على التقدم الباهر الذي شاهده العالم الإسلامي من كوالالمبور إلى دبي لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفي عصرنا الحالي أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة في الابتكار والتعليم.
وهذا أمر هام إذ لا يمكن أن تعتمد أية إستراتيجية للتنمية على الثروات المستخرجة من تحت الأرض ولا يمكن إدامة التنمية مع وجود البطالة في أوساط الشباب، لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط وتبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز على قدر أعرض من التنمية ولكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاحا للثروة في القرن الواحد والعشرين إنني أؤكد على ذلك في بلدي كانت أمريكا في الماضي تركز اهتمامها على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم ولكننا نسعى الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك.
فيما يتعلق بالتعليم سوف نتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية مثل تلك التي أتت بوالدي إلى أمريكا وسوف نقوم في نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأمريكيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أمريكا وسوف نستثمر في سبل التعليم الإفتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني وسوف نستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين المراهقين والمراهقات في ولاية كنساس من الاتصال المباشر مع نظرائهم في القاهرة.
وفيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم في البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان وسوف أستضيف مؤتمر قمة لأصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقات بين الشخصيات القيادية في مجال العمل التجاري والمهني والمؤسسات وأصحاب المشاريع الابتكارية الاجتماعية في الولايات المتحدة وفي المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان وللمساهمة في نقل الأفكار إلى السوق حتي تستطيع هذه البلدان استحداث فرص للعمل وسوف نفتتح مراكز للتفوق العلمي في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وسوف نعين موفدين علميين للتعاون في برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة واستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات وتنظيف المياه وزراعة محاصيل جديدة.

التعاون مع منظمة المؤتمر الاسلامي

واليوم أعلن عن جهود عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامي للقضاء على مرض شلل الأطفال وسوف نسعى من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات.
يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة إن الأمريكيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا في مساعيهم الرامية لتحقيق حياة أفضل.
إن معالجة الأمور التي وصفتها لن تكون سهلة ولكننا نتحمل معا مسؤولية ضم صفوفنا والعمل معا نيابة عن العالم الذي نسعى من أجله وهو عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلى ديارها عالم ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائليون بالأمان في دولة لكل منهم وعالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية وعالم تعمل فيه الحكومات على خدمة المواطنين وعالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالاحترام. هذه هي مصالحنا المشتركة وهذا هو العالم الذي نسعى من أجله والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معا.
أعلم أن هناك الكثيرون من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا على استهلال هذه البداية وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والانقسام والوقوف في وجه تحقيق التقدم ويقترح البعض أن الجهود المبذولة في هذا الصدد غير مجدية ويقولون أن الاختلاف فيما بيننا أمر محتم وأن الحضارات سوف تصطدم حتما وهناك الكثيرون كذلك الذين يتشككون ببساطة في إمكانية تحقيق التغيير الحقيقي فالمخاوف كثيرة وانعدام الثقة كبير ولكننا لن نتقدم أبدا إلى الأمام إذا اخترنا التقيد بالماضي.
إن الفترة الزمنية التي نعيش فيها جميعا مع بعضنا البعض في هذا العالم هي فترة قصيرة والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز اهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية على الأمور التي تفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلى موقف مشترك وتركيز اهتمامنا على المستقبل الذي نسعى إليه من أجل أبنائنا واحترام كرامة جميع البشر.
هذه الأمور ليست أمورا سهلة. إن خوض الحروب أسهل من إنهائها كما أن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور في أعماقنا كما أن ملاحظة الجوانب التي نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور على الجوانب المشتركة بيننا ولكل دين من الأديان قاعدة جوهرية تدعونا لأن نعامل الناس مثلما نريد منهم أن يعاملونا وتعلو هذه الحقيقة على البلدان والشعوب وهي عقيدة ليست بجديدة وهي ليست عقيدة السود أو البيض أو السمر وليست هذه العقيدة مسيحية أو مسلمة أو يهودية هي عقيدة الإيمان الذي بدأت نبضاتها في مهد الحضارة والتي لا زالت تنبض اليوم في قلوب آلاف الملايين من البشر هي الإيمان بالآخرين: الإيمان الذي أتى بي إلى هنا اليوم.
إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة، آخذين بعين الاعتبار ما كتب في القرآن الكريم: ‘يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا’.
ونقرأ في التلمود ما يلي: ‘إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام’.
ويقول لنا الكتاب المقدس: ‘هنيئا لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعونَ’.
باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معا في سلام. إننا نعلم أن هذه رؤية الرب وعلينا الآن أن نعمل على الأرض لتحقيق هذه الرؤية. شكرا لكم والسلام عليكم.

تحدث بلهجة مغايرة عن معاناة الفلسطينيين و«حماس» واعتبر المبادرة العربية من الماضي
أوباما يخاطـب العالم الإسـلامي بكلام معـسول: لليهود حق بوطن وأواصرنا مع إسرائيل لا تقطع
«كاريزماه» الطاغية، عباراته المنمقة، فصاحته اللغوية والتعبيرية، اقتباساته من الكتب السماوية، امتزجت على مدة ساعة تاريخية في قلوب مستمعيه ومشاهديه، من دون أن تجد طريقها…إلى العقول.
5645 كلمة رسخت محاولة القطيعة مع سياسات جورج بوش، لكنها لم تكن اكثر من حملة «علاقات عامة»، تسوق بشكل افضل لسياسات الادارة الاميركية الجديدة؛ اما «التغيير» الذي انتظره الكثيرون ممن تسمروا امام الشاشات، من القاهرة الى كل العالمين الاسلامي والعربي، فقد قدمه الرئيس الاميركي باراك اوباما شكلا بلا مضمون، وكلاما معسولا، بلا جوهر.
أمام آلاف الحاضرين في قاعة الاجتماعات الكبرى في جامعة القاهرة، من رجال دين ومسؤولين ومثقفين وفنانين وطلاب، وبغياب مضيفه الرئيس المصري حسني مبارك، عرض اوباما «بداية جديدة» مع العالم الاسلامي، تتجاوز «الأضرار» التي ألحقتها ادارة بوش بالعلاقات مع المسلمين طوال ثمانية اعوام. فلسطين هي المحرك الاساسي. لكن الرئيس الاميركي اختار ان يبدأ بإسرائيل التي «لا يمكن قطع اواصر العلاقة الاميركية» معها. المحرقة النازية حضرت وجدانا وسياسة؛ لتبرر لليهود حقهم في «وطن». أما محرقة غزة فلم تجد لها مكانا في القاعة. لكن الرئيس الاميركي «تكرم» وأشار الى المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وضرورة قيام دولة لهم، ووقف الاستيطان في اراضيهم. اما «مقاومتهم» التي ذكرها بالاسم، فلا حاجة لهم بها.
بدا كلام اوباما مثيرا للارتباك في الوعي العربي، وهو يخاطب المسلمين خصوصا، والعرب بشكل عابر، في ذكرى العدوان الاسرائيلي العام 1967. فقد بدا الرئيس الاميركي «متقدما» بشكل ما على مواقف العديد من الزعماء العرب، في موقفهم خصوصا من فلسطين ومن الصراع مع اسرائيل.
سبع نقاط «خلافية» حددها اوباما للنقاش، قبل إعادة إطلاق العلاقات الاميركية مع العالم الاسلامي، على أساس «الاحترام المتبادل» و«المصالح المشتركة»: التطرف، الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ الاسلحة النووية؛ الديموقراطية؛ التحيز الديني؛ حقوق المرأة؛ الاقتصاد. عبارة «السلام عليكم» افتتحت رحلة «المصارحة» السباعية. تلتها آيات من القرآن الكريم، من دون ان ينسى تذكير العالم بروابطه الاسلامية، وإطلاعه على «تاريخ وحضارة» الإسلام.
من رفضه للصورة «النمطية البدائية» عن المسلمين، وانتقاده في المقابل تصوير بلاده على انها «إمبراطورية لا تهتم إلا بمصالح نفسها»، وبعد العراق الذي «لا أطماع» للولايات المتحدة فيه، قدم اوباما الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على انه حجر الزاوية في علاقة ادارته السياسية والأخلاقية مع العالم الاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط.
في البداية، حضرت العلاقة المميزة مع اسرائيل. فاليهود الذين «تعذبوا» على مدار عشرات السنين، وخاصة في ظل المحرقة، لا بد ان يكون لهم «وطن يهودي». هي «رغبة متأصلة» في «تاريخ مأساوي» لا يمكن لأحد «نفيه». الفلسطينيون ايضا «عانوا». باختصار، قضوا 60 عاما يواجهون التهجير و«إهانات» الاحتلال. لم يتوجه اوباما الى اسرائيل بالاتهام.
وفيما ان الولايات المتحدة «لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر»، فإنها لا تقبل «مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية». على العرب مسؤولية موازية. وتحدث عن المبادرة العربية للسلام على انها خطوة من الماضي تستوجب خطوات مستقبلية للتطبيع، معتبرا انها «كانت بداية مهمة، لكن المسؤوليات العربية لا تنتهي بها.. فهناك الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي». على حماس التي «تحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين»، كذلك «تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني ووضع حد للعنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة وبحق إسرائيل في البقاء».
أمام إيران، فالولايات المتحدة «إبان فترة الحرب الباردة، أدت دورا في إطاحة الحكومة المنتخبة بأسلوب ديموقراطي فيها (حكومة مصدق)، بينما أدت ايران منذ الثورة في أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأميركيين». من هذا المنطلق، اوباما يرغب بالمضي «متسلحا بالشجاعة واستقامة النوايا لمناقشة الكثير من القضايا» مع طهران، التي لها الحق في الوصول الى «الطاقة النووية السلمية». اما التسلح الايراني النووي فهو ما لن يقبله اوباما فيما هو يؤكد مجددا إخلاء العالم من الاسلحة النووية.
ردود الفعل العربية والإسلامية حيال خطاب اوباما، تباينت بين من وصفه بـ«التاريخي» واعتبره مقدمة لإصلاح العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي، وبين من انتقده حيث انه لم يكن عادلا خلال مقاربته للقضية الفلسطينية، معتبرا انه ما زال أمامه الكثير من العمل، خصوصا حيال الصراع العربي الاسرائيلي.
انقسم الفلسطينيون ايضا في قراءة الخطاب. اعتبرت فصائل المقاومة ان الكلمة لم تقدم أي تغيير جوهري في السياسة الاميركية، بينما رأت السلطة ان الكلمة تمثل «بداية جديدة». أما إسرائيلياً، فلم تكن حكومة بنيامين نتنياهو بحاجة للاستماع الى الخطاب، لتحدد موقفها منه على أنه خطاب غير جيد، اذ ان الخطاب، بحد ذاته، يشكل بداية جديدة، ترى إسرائيل فيها نهاية لـ«مصادقة» أميركية على كل ما يتقرر في تل أبيب بشأن مصالح أميركا و«العالم الحر» في المنطقة. (تفاصيل صفحة 18 ـ19).
وعلى مستوى التحليل الكمي للمصطلحات والعبارات التي جاءت في خطاب اوباما، الذي سبقه لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك وزيارة الى مسجد السلطان حسن، وتلته زيارة «مطولة» الى منطقة الأهرامات، أشار الرئيس الاميركي إلى «الفلسطينيين» حوالى تسع عشرة مرة، وتحدث بإيجابية عن إسرائيل في ستة مواضع، وفي خمسة مواضيع أخرى للتأكيد على ضرورة التعايش المشترك بين الطرفين. وأشار إلى الالتزامات المفروضة على إسرائيل في ثلاثة مواضع. ولفت مرتين إلى قضية المستوطنات بشكل سلبي. ولم يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية سوى في موضع واحد فقط.
وبالنسبة لقضية الديموقراطية، فلم ترد في سياقه سوى خمس مرات، بينما لم يشر الخطاب إلى النظم السلطوية أو الدكتاتورية بأي شكل. وتطرق اوباما مرة واحدة الى لبنان حيث كان يتحدث حول التعددية الدينية التي هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب ان يشمل ذلك الموارنة في لبنان او الاقباط في مصر».
كما أشار الى الوجود الأميركي الحالي في العراق بصفته «احتلالاً» مرة واحدة، بينما تحدث بكثافة عن «الانسحاب»، حيث ورد ذلك المصطلح حوالى خمس مرات في سياق حديثه. وذكر الخطاب بكثافة كلمة «مسلم» أو «إسلامي»، حيث وردت حوالى ثلاث وأربعين مرة، منها أكثر من خمس عشرة مرة بمعنى إيجابي.
(«السفير»)

فيسك: مصر المسرح الخطأ لأوباما
فيسك يرى أن مصر ليست المكان المناسب لخطاب أوباما لأنها دولة بوليسية
الضفة أو غزة هي المكان الأنسب
أعرب مراسل صحيفة ذي إندبندنت في الشرق الأوسط عن أسفه لاختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما مصر مسرحا لإلقاء خطابه الموجه للعالم الإسلامي، مشيرا إلى أنها دولة بوليسية ومنتهكة لحقوق الإنسان.
واستهل مقاله بالقول إن أوباما ربما اختار مصر لتوصيل “رسالة عظيمة” للمسلمين غدا لأنها تضم ربع السكان العرب، ولكنه أيضا يأتي إلى أكثر المناطق قمعا وافتقارا للديمقراطية.
وتابع أن جماعات حقوق الإنسان المصرية التي تعرضت نفسها للمضايقة والملاحقة من قبل السلطات سجلت قائمة لعمليات التعذيب تحبس الأنفاس وقعت في مراكز الشرطة، فضلا عن العديد من حالات القتل والسجن السياسي واعتداءات بدعم حكومي على أشخاص في المعارضة.
واعتبر أن الضفة الغربية -أو حتى قطاع غزة- هي المسرح الذي كان ينبغي على أوباما أن يختاره لتوصيل رسالته بهدف تغيير مشاعر الاستياء والسخط التي تنامت في أوساط المسلمين على مدى السنوات الثماني الماضية.
وسرد فيسك العديد من الانتهاكات الإنسانية التي سجلتها الجماعات الحقوقية المصرية، وعلى رأسها سجن المعارض أيمن نور الذي أطلق سراحه قبل فترة وجيزة.
وكان نور قد أعرب عن انزعاجه من اختيار أوباما لمصر، وقال “يبدو أن الزيارة تهدف إلى دعم سلطة النظام لا الشعب” مضيفا “نحن مستاؤون جدا من تجاهل مجتمعنا السياسي والمدني”.
وأشار نور إلى أن “هذه الزيارة توحي بأن المصالح الأميركية أكثر أهمية من المبادئ الأميركية”.
وكان معهد القاهرة لحقوق الإنسان سجل 29 حالة من التعذيب وإساءة معاملة في مراكز الشرطة المصرية في ستة أشهر، واكتشفت أيضا المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تسعة من أصل 29 حالة وفاة بالتعذيب.
وقال فيسك إن النقابة المصرية للصحفيين أشارت إلى أن أكثر من ألف صحفي خضعوا للاستجواب من قبل مسؤولين في التحقيق عام 2007 فقط.
وتساءل فيسك أخيرا: لماذا يسمح للرئيس حسني مبارك بالاستمرار في هذه الانتهاكات؟ هل يصدق حقا أرقام النتائج الانتخابية من قبيل فاز بنسبة 93.79% عام 1999، وبنسبة 96.3% عام 1993.
الجزيرة نت

أوباما يصالح العرب والمسلمين بخطاب “دراماتيكي” من جامعة القاهرة: لفلسطين الحق في الوجود وينبغي الحفاظ على الموارنة والاقباط
خفف الخطاب “الدراماتيكي” المفعم بروح التصالح الذي وجهه امس الرئيس الاميركي باراك اوباما الى العرب والمسلمين من جامعة القاهرة من وطأة اجراءات امنية استثنائية لم تر العاصمة المصرية مثيلا لها من قبل. وطوال 55 دقيقة تخللتها خمسة استشهادات بآيات من القرآن الكريم عرض الرئيس الاميركي كل عناوين اسباب التوتر والاحتقان والشكوك التي سممت العلاقات بين الولايات المتحدة  والامتين العربية والاسلامية، وعرج على قضايا تنوعت ما بين افغانستان والعراق والصراع العربي- الاسرائيلي والملف النووي الايراني والديموقراطية وحقوق المرأة، ألى مشكلة الاقليات الدينية في الدول العربية متوقفا خصوصا عند  المسيحيين الموارنة في لبنان والاقباط في مصر، عابرا على ظاهرة الصراع المذهبي المستجدة بين
المسلمين السنة والشيعة.
وبعدما استهل اوباما الخطاب الذي القاه امام نحو 2500 مدعو غصت بهم قاعة الاحتفالات الكبرى في الجامعة التي احتفلت بمئويتها العام الماضي، بالقاء التحية على مستمعيه بالعربية قائلا: “السلام عليكم”، وبعدما اسهب في مديح الاسلام ومساهمات الحضارة الاسلامية في تقدم البشرية، تناول سبع قضايا رتبها ترتيبا بدا كأنه يعكس سلم اولويات ادارته. فهو بدأها بالتطرف الديني مذكرا بأحداث 11 ايلول والحملة الاميركية التي اعقبتها على افغانستان مؤكدا ان الولايات المتحدة “لا تريد من جيشها ان يبقى في افغانستان ولا نسعى الى اقامة قواعد عسكرية هناك”.   ثم انتقل الى العراق قائلا ان “الوضع مختلف” فيه، واعترف  ضمنيا بانه بينما لم يكن ممكنا تجنب الحملة على افغانستان، فان الحرب على العراق أثارت خلافات وكرر تعهده سحباً كاملاً القوات الاميركية من العراق بحلول 2012.
ووضع الرئيس الاميركي الصراع العربي – الاسرائيلي في المرتبة الثالثة. وعلى رغم انه ظل في ما يتعلق البرنامج العملي لحل هذا الصراع متمسكا بثوابت السياسة الاميركية القديمة وسلة شعارات التسوية المعروفة مثل اعتماد “خريطة الطريق” اساسا لتسوية تقوم على”حل الدولتين”، الا  انه أطلق صياغات غير معهودة في الخطاب الاميركي التقليدي، منها ان على الشعب الفلسطيني “ان يعترف بحق اسرائيل في البقاء”، كما ان “على الاسرائيليين الاقرار بان حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن انكاره”.
وبذل الرئيس الاميركي مجهودا كبيرا لمراعاة التوازن بين الارث التاريخي الاميركي في التعامل مع اسرائيل بصفة كونها حليفا دائما ومحاولة استرضاء قطاعات واسعة من العرب والفلسطينيين. واسترعى الانتباه تجنبه طوال خطابه  استخدام تعبير”الارهاب” في نعت اي جماعة مسلحة في العالمين العربي والأسلامي ، بل أنه حينما تحدث عن حركة “حماس” اعترف بانها تنظيم “يحظى بالدعم من بعض الفلسطينيين” ولكن “يتعين على تنظيم حماس حتى يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني ان يضع حدا للعنف وان يعترف بالاتفاقات السابقة وان يعترف بحق اسرائيل في البقاء”.
كذلك استرعى الانتباه امتناع ان الرئيس الاميركي عن اي اشارة الى ان القدس “عاصمة اسرائيل”، بل تحدث عن “مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين”.
وجدد دعوته الى وقف الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، قائلا: “أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الاسرائيلية (…) لقد آن الاوان لكي تتوقف هذه المستوطنات”.
وفي ما يتعلق بالملف الايراني،  شدد على “أن الامر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الاسلحة النووية اننا قد وصلنا الى نقطة تتطلب الحسم”. لكنه اضاف انه “ينبغي لاية دولة بما في ذلك إيران ان يكون لها حق الوصول الى الطاقة النووية السلمية اذا امتثلت لمسؤولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية”. واكد استعداد واشنطن لحوار مع طهران “دون شروط مسبقة على اساس الاحترام المتبادل”.
وتناول ملف الحرية الدينية، فقال “ان التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب ان يشمل ذلك الموارنة في لبنان والاقباط في مصر. ويجب اصلاح خطوط الانفصال في اوساط المسلمين كذلك لان الانقسام بين السنيين والشيعيين قد ادى الى عقد مأسوي ولا سيما في العراق”.
وختم الرئيس الاميركي خطابه، بقضايا الديموقراطية وحقوق المرأة والتنمية الاقتصادية.
وكان الرئيس الاميركي بدأ الساعات التسع التي امضاها في القاهرة بجلستي محادثات منفردة وموسعة تخللهما افطار عمل مع نظيره المصري حسني مبارك، ثم قام بزيارة لاحد الاثار الاسلامية المملوكية في القاهرة وهو مسجد السلطان حسن الذي انطلق منه موكبه الى جامعة القاهرة حيث القى خطابه، والتقى بعده سبع شخصيات اعلامية وصحافية من دول مختلفة في المنطقة والعالم الاسلامي كان بينهم الصحافي والكاتب المصري الاسلامي فهمي هويدي الذي انسحب من اللقاء احتجاجا على وجود احد الصحافيين الاسرائيليين.
وغادر اوباما القاهرة بعد زيارة طويلة (75 دقيقة) لمنطقة اهرامات الجيزة  الاثرية التي وصل اليها على متن مروحية اقلعت من نادي الجزيرة الرياضي في قلب العاصمة المصرية الذي كان ضمن المناطق والاحياء التي فرض الامن المصري على سكانها قيود صارمة وما يشبه منع التجول التام وصل الى حد الزام سكان بعض المناطق ليس فقط عدم مغادرة بيوتهم بل عدم فتح الشرفات والنوافذ أو الاقتراب منها لدى مرور موكب الرئيس الأمبركي.

القاهرة – من جمال فهمي

أوباما: هناك مشكلة عمرها 60 سنة هل تريدون أن أحلها في أشهر؟
بعد انتهاء الرئيس الاميركي باراك اوباما من إلقاء خطابه في جامعة القاهرة الذي لقي استحسانا واسعا من الحاضرين ترجموه بالتصفيق مراراً، اتجه الى قاعة جانبية حيث عقد مؤتمرا صحافيا مع سبعة صحافيين من سبع دول هي “اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية” ومصر والمملكة العربية السعودية واسرائيل واندونيسيا وماليزيا ولبنان. أعدت للمؤتمر بعناية السفارة الاميركية في القاهرة، واستمر نحو 40 دقيقة استمع فيها الرئيس أوباما الى سؤال او اكثر احيانا قليلة من الصحافيين المدعوين، وأجاب عنها كلها بكثير من العفوية والبساطة والالتزام التام، ليس فقط لمضمون الخطاب، الذي ألقاه، بل ايضا للحرص على الوصول الى العالم الاسلامي وعلى اقامة تواصل معه والتمسك بالعمل لايجاد حلول للمشاكل التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط، ومنها العنف والتطرف، والعراق والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي والعربي – الاسرائيلي، وايران والاسلحة النووية عموماً، وحقوق المرأة والتنمية والاقتصاد، ولكن من دون اي وعود نهائية او جداول زمنية محددة ومع اعتراف بالصعوبات والتعقيدات، ورافق ذلك كله امران: الاول التساؤل الآتي: “اذا كانت هناك مشكلة لم تحل منذ 60 سنة فهل تريدون أن أحلها في الاشهر الخمسة التي مضت على تسلمي السلطة؟ اعطوني بضعة أشهر”.
والآخر روح النكتة لدى جوابه عن سؤال: “لماذا حرصت على توجيه رسالتك الى العالم الاسلامي من مصر، وليس من اي دولة اسلامية اخرى؟”. اذ قال ضاحكا: “هل تريدني ان اوجهها من كوالالمبور؟”.
ماذا سئل الرئيس اوباما وبماذا أجاب؟
عبر معظم الصحافيين السبعة قبل توجيه اسئلتهم عن تهنئتهم القلبية بخطابه الممتاز الذي انطوى على لغة جديدة واقعية في رؤية المشاكل والازمات والصعوبات واستعداداً صادقا وجديا للعمل على حلها، ومعرفة ذلك قدتستغرق ولايتيه الرئاسيتين المسموح له بهما دستورياً اذا جدد له شعبه الاميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة اواخر 2012. ثم كانت الاسئلة والاجوبة الآتية:
1 – “سؤال فلسطيني” تأكيد غير مسبوق لرئيس اميركي لعدم شرعية الاستيطان وسعي الى معرفة ما اذا كانت ثمة مهلة زمنية وضعها لانجاز كل المشاكل التي تحدث عنها وفي مقدمها الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. اجاب: “من السابق لاوانه ان اذهب الآن الى ابعد مما ذكرت في الخطاب الذي ألقيته قبل قليل. فرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو له في السلطة شهر ونصف شهر وربما شهران. وقد التقيته اكثر من مرة، ومنذ اسبوعين اجتمعت مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وانا على اتصال وتشاور مستمرين مع قادة المنطقة وزعمائها. يجب الاصغاء الى كل الناس والقيادات التي تعاني مشاكل ومسؤولة عن كل المشاكل، والاستماع اليهم والبحث معهم قبل ان اقرر في اي اتجاه اسير او قبل ان اصدر حكما أو بالأحرى احكاما مسبقة. ارسلت السناتور السابق جورج ميتشل وغيره الى المنطقة وتحدثت معه ومع آخرين عن الطريقة التي سنقارب فيها موضوع البحث سواء كان الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي او صراع اسرائيل مع العرب او اي صراع آخر. على كل حال ستكون هناك صعوبات. ان اسرائيل تعرف والفلسطينيون يعرفون ان الحل في مصلحتهم جميعا. نحن لن نفرض حلا لاننا لسنا، وعلى رغم كل اهتمامنا، من صميم حميمية الموضوعات والعواطف المتأججة عند كل الاطراف. اما عن المهلة الزمنية “Time frame” لانجاز حل وخصوصاً على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، فانني لم احدد ولن احددها. انا لست مع التوقيت الاصطناعي. لدينا حس من تجاربنا السابقة ان الامور في هذه المنطقة تتقدم ثم تتعقد فتتوقف. ومنذ مدة طويلة هناك حكي، ولكن ليس هناك عمل. اريد عملاً واحساسا بالتقدم. اعتقد ان ذلك قد يكون ممكناً”.
2 – “سؤال مصري” عن الطريقة التي ستتعامل بها حكومة بنيامين نتنياهو مع حركة “حماس” وعن رؤية اوباما وادارته للتعامل معها.
اجاب: “لحماس، دعم ما عند الفلسطينيين لا يمكن انكاره وقد ظهر ذلك في الانتخابات التشريعية قبل سنوات. لكن “حماس” عليها مسؤوليات تجاه من تمثل. عليها ان تساعد لقيام دولة فلسطينية. اذا كانت مقاربتها ان اسرائيل ستتوقف عن الوجود، اي ان وجودها سينتهي، فان ذلك وهم في رأيي. حتى الذين فيها مستعدون للحكي وليس للنتائج عليهم ان يكونوا جديين. والجدية في السلام تكون بنبذ العنف والتزام الاتفاقات الموقعة سابقا مع اسرائيل والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود. ويترك لهم موقف كهذا مجالاً للبحث في امور عدة. اذا لم يعترف هؤلاء بالواقع فانهم لا يخدمون من يمثلون. انه قرار “حماس”. اما بالنسبة الى حكومة اسرائيل فقد عقدت انا ثلاثة اجتماعات مع نتنياهو. اثنان يوم كنت “سناتورا”  (عضوا في مجلس الشيوخ) وثالث انعقد اخيرا في البيت الابيض. وجدته محاورا ويتواصل على نحو جيد ولديه حس. كانت انتخابات اسرائيل متقاربة جدا. والسياسات دوماً معقدة وخصوصا الداخلية منها. وهناك فلسطينيون كثيرون في اسرائيل فقدوا الثقة بامكان حصولهم على السلام. واسرائيليون كثيرون ايضا فقدوا الامل في ان هناك سلاما لهم وامنا واعترافا عربيا بهم وبوجودهم. اؤمن بان نتنياهو سيعترف بالحاجة الاستراتيجية الى التعامل مع هذا الموضوع. قد يكون عنده توجه غير موجود عند غيره. الرئيس الاميركي سابقاً “الانتي شيوعية” اي المعادي للشيوعية ريتشارد نيكسون ذهب اليها وفتح الباب الذي كان مغلقا معها. نتنياهو قد يقوم بالدور نفسه، جزء من المشكلة او التعقيدات السياسية المحلية التي ينبغي تجاوزها احياناً. اريد ان اعمل مع كل من يريد”.
3 – “سؤال اسرائيلي” عن ايران وعن خياراتها النووية وخيارات المواجهة الاميركية الدولية لها في حال عدم انسجامها مع مطالب المجتمع الدولي واستمرارها في تخصيب الاورانيوم واستطرادا لسؤال عن  التطبيع بين اسرائيل والعرب وما اثاره.
أجاب: “تحدثت بوضوح عن هذا الامر في الماضي. وانا اتابع ذلك. وجود سلاح نووي لدى ايران يزعزع المنطقة كلها. من مصلحة اميركا منع هذا السيناريو وكذلك من مصلحة المنطقة وايضا من مصلحة ايران. سيكون الثمن كبيرا اذا امتلكت كل دولة سلاحا نوويا ليس فقط للعالم وليس فقط لاسرائيل وايران بل للمنطقة كلها، فهي مليئة بالنزاعات. يجب “الوصول” الى ايران، وأنا اقترح محادثات من دون شروط وتتناول مجموعة من القضايا والموضوعات وليس فقط الموضوع النووي. طبعا يجب ان نحقق تقدما في الموضوع النووي ويجب ان نعطيه اولوية لانه الاكثر اهمية. اريد ان اضع ذلك في اطار اوسع. ان القلق فيه ليس اسرائيليا فقط بل هو دولي. طبعا انا ملتزم الديبلوماسية كما قلت في البيت الابيض إذا لم أرَ تقدما في المحادثات وسأطبقها لان غياب التقدم يعني لي ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ليست جدية. اما على صعيد التطبيع فلم يتغير شيء. لذلك اضفت جملة او بالاحرى مقطعا يتحدث عن وجود مسؤوليات عربية وليس فقط مسؤوليات اسرائيلية. المنطقة ككل يجب ان تتحمل مسؤولياتها بالنسبة الى هذا الموضوع. من جهة اسرائيل، ان التسوية على اساس حل الدولتين لا تؤمن فقط السلام وما هو عادل للفلسطينيين بل تمكنها من مواجهة حاجاتها الامنية بحرية. ذلك أن التحديات لهذه الحاجات قد تأتي من ابعد من غزة والضفة الغربية، غير ان المنطقة ستزدهر اكثر.  تصور التجارة والتبادل التجاري في الشرق الاوسط تصور علاقات طبيعية بين اسرائيل ودول عربية في الخليج وعلاقات تجارية واقتصادية متنوعة بينها وبين دولة فلسطين. استثمارات ورجال اعمال يتنقلون ومنافع او مكاسب اقتصادية وامنية ضخمة. لا نزال بعيدين من ذلك. الخطوة الاولى هي الاهم”.
4 – سؤال اندونيسي” + ماليزي بدأ بمتى تزور اندونيسيا وانت الذي امضيت فيها سنوات من طفولتك وعن امور اخرى اهمها كتابه Audacity and the poor.
أجاب: “احتاج الى ان ازورها قريبا. انوي الذهاب الى آسيا في وقت ما السنة المقبلة. سأتوقف في … (وذكر اسم ضيعتين عرفهما او عاش فيهما). كمسيحي مؤمن بالديموقراطية وحقوق الانسان والدستور، وعندما كنت استاذا للقانون فكرت في كيفية نجاح مجتمع متعدد يعيش ابناؤه معا. ما اردت نقله في الخطاب هو انه في عالم متداخل يجب ان يكون لنا ايمان ناضج. وهو أيضاً ان نحترم معتقدات الغير او الآخر ومعتقداته وايمانه. الطريقة الوحيدة لنعيش معا، او لنعمل في نظام سياسي ملائم للجميع هي ان تكون لنا بعض القواعد: مثل لا أفرض ديني عليك. ومثل ان لا تفرض الغالبية التي هي من دين معين دينها عليك لانك من أقلية دينية مختلفة. انا مسيحي واستطيع ان اتكلم عن الاسلام، هناك الشريعة التي تخضع لتفسيرات كثيرة، احياناً متباينة ومنها متشددة جدا. لا ازعم انني سأتخذ قرارا حيال اي دولة تفعل ذلك. لكنني اذا وضعت قوانين تضمن اصحاب الايمانات الأخرى أو أمر اصحاب اللاايمان لفرض المعتقدات عليهم، فانك تكون فعلت جيدا. واذا لم تفعل ذلك تكون انتهكت الديموقراطية. وسيؤدي ذلك الى صراعات وعدم استقرار المجتمع”.
اما عن سبب اختيار اوباما القاهرة لتوجيه رسالته وخطابه الى العالم الاسلامي، فقال: “كان مهما المجيء الى القاهرة. ذلك ان التوتر الكبير بين العالم الاسلامي  في السنوات الأخيرة تركز في الشرق الاوسط وذهابي الى اندونيسيا لالقاء الخطاب لا بد سيكون خداعاً. فالمشاكل هنا وليست هناك على رغم انها دولة اسلامية كبرى، انا لا احاول تلافي المشاكل انا اواجهها. وهذه المشاكل لها علاقة بالشرق الاوسط. والمهم وربما من الاسلم في امور كهذه هو تشخيص المشكلة اولا ثم حلها او العمل لحلها. علماً أن حلها أو حل بعضها يستغرق وقتا طويلا.
5 – “سؤال لبناني”: بعد اسابيع من تسلمك مهماتك دستوريا اجتمعت بقادة نواب حزبك الديموقراطي في الكونغرس او بقيادتهم واطلعتهم على المقاربة التي تعتزم انتهاجها للسلام في الشرق الاوسط، وخصوصا بين اسرائيل والفلسطينيين. نشر هذا الكلام في واشنطن التي كنت فيها والتي أزورها بانتظام ونشرت معلومات ان اوباما حصل على تأييد نواب حزبه وشيوخه وهم الغالبية في مجلسي الكونغرس. شعر العرب وبعض الأميركيين بالراحة. ومن فترة نشرت رسالة وقعها 400 عضو كونغرس بمجلسيه تشير الى نوع من التراجع عن هذا التأييد. فهل عادت “ايباك” تمارس نفوذها داخل الكونغرس وهل تتحمل ادارتك ولاسباب محلية داخلية ضغطا منك على نتنياهو وخصوصاً بعدما نقض حل الدولتين الذي تتمسك به وموقفك من الاستيطان؟ وهل يتحمل نتنياهو تبعات  تأزيم العلاقة التاريخية التحالفية بين اسرائيل واميركا؟
اجاب: “تحدثت في خطابي عن العلاقة التي لا تكسر بين اميركا واسرائيل، انا مؤمن بذلك. وهو مستمر سواء كان الرئيس جمهوريا او ديموقراطيا وسواء كان الكونغرس جمهوريا او ديموقراطيا. كما قلت في الخطاب سابقا، انهم قريبون جداً منا في اسرائيل. هناك كثيرون ولدوا في اميركا وصاروا اسرائيليين. كسر العلاقة مع اسرائيل يجب عدم توقعه. لي خمسة اشهر في الرئاسة. ولنتنياهو شهران في رئاسة الحكومة. انتظرنا 60 سنة ولم تنحل المشكلة. لننتظر بضعة اشهر اخرى. سيأخذ ذلك وقتا، وعلى الفلسطينيين ان يوحدوا مواقفهم. و”عباس” و”فتح” و”حماس”. هناك مشاكل كثيرة بينهم، تكون ساذجا اذا توقعت حل كل هذه المشاكل بين ليلة وضحاها. وحتى هناك مشاكل داخل “حماس”. هناك من لا يقبل الاعتراف باسرائيل. ويستمر في ممارسة دوره ويأتيهم التمويل من المصادر المعروفة ويعيشون في دمشق ويعززون فكرتهم او يعملون على ذلك. عليهم اتخاذ قرارات صعبة. وعند اسرائيل سياسات وحسابات صعبة ايضا. على كل عندنا مشكلة مع الجميع. البعض يقول تدخلوا وإذا تدخلنا يسألون بانزعاج لماذا تدخلتم؟ واذا لم نتدخل يتساءل هؤلاء ويسألوننا بانزعاج أيضاً لماذا لم تتدخلوا. يقولون أين أميركا التي ستحل قضية فلسطين لماذا لم تفعل ذلك ويجب أن يبذل المجتمع جهوده”.
“سؤال لبناني” ثان استطرادي: هل طلبت من حلفاء اميركا العرب وفي مقدمهم العربية السعودية ومصر مساعدتك  مع الفلسطينيين ودافعي إلى السؤال ما قيل من أنه عرض سابقاً أيام كلينتون على الراحل ياسر عرفات وايهود باراك مشروع اولي لتسوية، لا يعتقد اميركي فقط يعمل بالشأن العام ان احداً سيقدم افضل منه للفلسطينيين. رفض عرفات التصور او المشروع. طلبت اميركا من حلفائها العرب المساعدة فأحجموا. طبعا يقول بعض العرب والأميركيين ان ذلك خاطئ، لكن غالبية الأميركيين تؤكده.
اجاب: “تعلمت منذ ان صرت رئيسا ان لا اعلق على اشياء حصلت في غيابي. فكيف أعلق على امور حصلت منذ نحو عقد؟ المهم كيف تتقدم الآن. وسيتطلب ذلك جهدا. على القادة ان يكون لهم مناصرون ومؤيدون من الجمهور. فمن شأن توافر ذلك دعم جهود الدول العربية لحل المشكلة مع اسرائيل. ومن مصلحة شعب اسرائيل ان يفسح في المجال لحكومته لتعمل سلاماً وعلى الشعب الفلسطيني ان يساعد السياسيين الذين يقودونه”.
“سؤال سعودي”. أتيت سيادة الرئيس من السعودية. وتم البحث في حلول للعراق وافغانستان كما يقال. هل بحثت مع الملك عبدالله بن عبد العزيز في خطط معينة؟
اجاب: “ناقشت ذلك مع جلالته، وأحاول ان لا افصح عن مضمون ما دار بيني وبينه. كانت محادثات صريحة. للسعودية دور مهم ومتعب وحرج يسبب كثرة المشاكل في المنطقة. انها زعيم اقتصادي وزعيم سياسي وزعيم ديني بسبب مكة والمدينة والحرمين الشريفين. اذاً تحدثنا عن تطبيع بين السعودية والعراق فان ذلك سيساعد العراق واستقراره. في شأن أناس هُجروا يجب توفير إمكانات كي لا يعاني المهجرون ويجب العمل لمنع استغلال “القاعدة” ذلك لتثوير أو  لزيادة الراديكالية المتشددة في تلك المناطق.
“سؤال سعودي” ثان استطرادي: هناك “القاعدة” في السعودية ولها نفوذ. ماذا تفعلون حيال ذلك مع الملك عبدالله؟
اجاب: “القاعدة سنهزمها. لأنها قتلت أناساً أبرياء. آمل ان اكون اوضحت ذلك. انا اؤمن بقوة الحوار. ولكن لا اؤمن بان يحل اي إنسان أو أي أمر او مشكلة بقتل رجال ونساء؟ لا يصلح أساساً لاي بلد. هذه الفلسفة افلست. سننتهي منهم. ان ذلك ليس سهلا لانهم “شاطرون” في استغلال التوترات. خذ مثلاً شاباً عمره 20 سنة في منطقة فقيرة في القاهرة او في غزة او في دمشق أو في طرابلس لا يزال يبحث عن طريقه. رسالتي له ان لك معتقداتك يمكن ان تتمسك بها. واذا رأيت انه لا بد من تحقيقها، ولكن لا يكون بالعنف بل بالاقناع. اذا وصلت الى هؤلاء والى اهلهم وحاورتهم او جعلت اهلهم يحاورونهم فان ذلك يحدث فرقا”.

القاهرة – من سركيس نعوم

اوباما يدافع عن ارتداء الحجاب في انتقاد ضمني لفرنسا
القاهرة ـ ا ف ب: دافع الرئيس الامريكي باراك اوباما الخميس في القاهرة عن ارتداء المسلمات للحجاب في الغرب، في انتقاد ضمني لفرنسا.
فقد دافع اوباما ثلاث مرات في خطابه الذي القاه في جامعة القاهرة عن ارتداء الحجاب، منتقدا ان تقوم دولة غربية بـ’فرض الثياب’ التي على مسلمة ‘ارتداؤها’.
وتحت شعار العلمنة، عمدت فرنسا العام 2004 الى منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس في قانون اعتبر انه يستهدف خصوصا الحجاب. ولا يزال الجدل حول هذا الموضوع مستمرا في كندا والمانيا، فيما منع الحجاب في تسعين في المئة من مدارس بلجيكا واعتبر مجلس الدولة في قرار انه ‘يعبر عن تمييز’.
وقال اوباما ‘من المهم بالنسبة الى الدول الغربية ان تتفادى منع المواطنين المسلمين من ممارسة ديانتهم كما يشاؤون، مثلا عبر فرض الثياب التي على المرأة ارتداؤها’.
ومن دون ان يسمي فرنسا او دولا اخرى، اكد انه ‘ينبغي عدم اخفاء العداء حيال ديانة معينة تحت ستار ادعاء الليبرالية’.
واضاف اوباما ‘اعلم ان ثمة جدلا حول هذا الموضوع’، وذلك قبل ان يتخذ موقفا حاسما من هذه القضية التي لا تزال تثير جدلا في الغرب على مسمع من العديد من النساء المحجبات.
وقال ايضا ‘ارفض اراء البعض في الغرب’ التي تعتبر ان ‘اختيار امرأة ستر شعرها ينطوي على شيء من عدم المساواة’.
وشدد على ان ‘الحكومة الامريكية لجأت الى القضاء’ لحماية حق ‘النساء والفتيات في ارتداء الحجاب’ و’معاقبة من يريدون ان ينكروا عليهن’ هذا الحق.
وللمرة الاولى، دخلت امريكية مسلمة ترتدي الحجاب هي داليا مجاهد المتحدرة من اصل مصري، البيت الابيض كمستشارة لباراك اوباما. لكن قضية ارتداء الحجاب، وخصوصا في المدرسة، تشكل اختبارا للحكومات والرأي العام في دول مسلمة.
فشيخ الازهر محمد سيد طنطاوي ايد القانون الفرنسي العام 2003.
وفي رأيه انه اذا كان الحجاب ‘واجبا دينيا’ بالنسبة الى امرأة مسلمة تقيم في بلد مسلم، فعليها ان تمتنع عن ارتدائه اذا قرر بلد غير مسلم هذا الامر.
واكد طنطاوي امام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم كان لا يزال وزيرا للداخلية، ان هذا الامر هو من حق الدولة المعنية ولا يستطيع ان يعترض عليه. وسيحل اوباما في نهاية الاسبوع ضيفا على ساركوزي في الذكرى الخامسة والستين لانزال الحلفاء في النورماندي ابان الحرب العالمية الثانية.
واذا كان ارتداء الحجاب الزاميا في عدد من الدول المسلمة مثل ايران والمملكة العربية السعودية، فان العديد من الدول العربية تواجه هذه الاشكالية مع تصاعد الحركات المتطرفة.
فالمحكمة الدستورية التركية الغت قبل عام قرارا كانت اصدرته حكومة الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان وقضى بالسماح بارتداء الحجاب في الجامعات.
اما في مصر، فثمانون في المئة من النساء محجبات، علما ان التمثال الكبير قبالة جامعة القاهرة والذي يرمز الى ‘النهضة المصرية’ في بداية القرن العشرين، يمثل امرأة تخلع حجابها.

الصحف الأميركية تشيد بخطاب أوباما بالقاهرة
قلما تجمع الصحف الأميركية على رأي واحد تجاه حدث بعينه, خاصة إذا كان ذلك الحدث يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة ومواقفها من القضايا الدولية الساخنة، وعلى رأسها علاقة الدين بالسياسة.
إلا أن تلك الصحف أجمعت في افتتاحياتها اليوم على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان بليغا وهو يخاطب العالم الإسلامي أمس الخميس من جامعة القاهرة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه بعد ثمانية أعوام من انتهاج سياسة العجرفة والترهيب التي قلبت حتى الأصدقاء المقربين ضد الولايات المتحدة, اقتضى الأمر رئيسا قويا ليعترف بأخطاء الماضي, ورئيسا قويا ليحث نفسه وبقية العالم للقيام بما هو أفضل.
ووصفت كلمات الرئيس الأميركي أمس بأنها مهمة “لكنها ليست كافية, فأوباما -الذي لم يمض على اعتلائه سدة الحكم سوى أقل من ستة أشهر- أمامه الكثير لكي يوفي هذه الرؤية حقها. وعلى الآخرين يقع نفس العبء”.
وانتهزت الصحيفة –المعروفة بمواقفها المؤيدة لأوباما حتى عندما كان مرشحا للرئاسة- المناسبة لتعقد مقارنة بين الرئيس الحالي وسلفه جورج بوش.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن بوش عندما كان يتحدث في الأشهر والسنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 “كنا نشعر بقشعريرة وكأننا لا نعرف الولايات المتحدة. فرؤيته كانت عن بلد يستبد به الخوف وينعطف نحو الثأر, بلد فرض على العالم وعلى نفسه خيارات تثير البغض”.
وأضافت “لكننا عندما استمعنا للرئيس أوباما وهو يتحدث من القاهرة… تعرفنا على الولايات المتحدة”.
ورأت صحيفة واشنطن بوست أن الخطاب قدّم مرافعة مقنعة وبليغة عن القيم الأميركية والغايات الدولية, وأنه بدا كما لو كان توظيفا بارعا للدبلوماسية الشعبية في منطقة اتسمت فيها مساعي الولايات المتحدة لشرح مواقفها بالضعف في أغلب الأحوال.
وقالت “لكن خطاب أوباما –الذي بثته قناة الجزيرة والقنوات الفضائية الجماهيرية الأخرى على الهواء مباشرة- انطوى على دفاع مستميت عن جوهر المصالح الأميركية، بينما أفلح في أن يبدو مختلفا تماما عن مواقف ما بعد 11/سبتمبر إبان إدارة بوش”.
وأضافت أنه “على الرغم من أن أوباما لم يعرض خطة مفصلة أو جدولا زمنيا فيما يتعلق بالصراع العربي/الإسرائيلي, فإنه ألزم نفسه بالعمل على تبني حل الدولتين”.
غير أن الصحيفة ترى أن “التحدي الماثل أمام أوباما يكمن في قدرته على منع الزعماء العرب من الانحراف بهذا الالتزام الذي اقترحه إلى زقاق عملية سلام الشرق الأوسط الضيق”.
على درب بوش
وول ستريت جورنال
أما الصحف المعروفة بنزعتها اليمينية أو الموالية لإسرائيل مثل وول ستريت جورنال وواشنطن تايمز فقد رحبت بحذر بالخطاب.
بل إن كلتا الصحيفتين خلصتا إلى نتيجة واحدة مفادها أن الرؤى التي سردها أوباما في خطابه لم تختلف كثيرا عما ظل بوش يردده طوال سنوات حكمه.
فقد استهلت وول ستريت جورنال افتتاحيتها بالقول “إن كانت ثمة فائدة من رئاسة أوباما فهي في مصادقتها على خطط جورج بوش الأمنية وسياسته الخارجية في معظمها من خلال إضفاء طابع السيرة الذاتية عليها فحسب”.
وقالت إن ذلك بدا واضحا من خلال إعلانه “بداية جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والمسلمين في كافة أرجاء العالم”.
لكنها استدركت قائلة إن جل ما عرضه أوباما هو أنه أعاد بمهارة صياغة أفكار الرئيس بوش في قالب جديد حتى بدت وكأنها برنامجه هو للحرية.
وفي ذات المنحى, رأت صحيفة واشنطن تايمز أن أوباما بدا في خطابه كما لو كان يسير على خطى بوش, “فأغلب ما ورد في جوهر خطابه كان أشبه بالحكاية القديمة نفسها”.
ولإثبات ما خلصت إليه من نتيجة أوردت الصحيفة –التي عادة ما تتبنى مواقف معادية للقضايا العربية والإسلامية- نماذج لتصريحات سابقة أدلى بها بوش في مناسبات مختلفة إبان فترتيْ ولايته تتطابق في رؤيتها إلى حد كبير مع ما ذكره أوباما في خطابه بالقاهرة أمس.
لذلك لم يكن غريبا أن اختارت لافتتاحيتها عنوانا يفضي لتلك النتيجة ألا وهو “أوباما يدلي بخطاب بوشي الطابع”.

الغارديان: أوباما هو بوش بجلد حمل
وأخيرا جاء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الموجه إلى الأمة الإسلامية, فتراوحت ردة الفعل عليه بين مشيد بحذر بالنبرة الجديدة وبين مستاء من خطاب أكد استمرار السياسات الأميركية الخرقاء نفسها وإن بعبارات ناعمة, هذا ما يلخص قراءة الصحف البريطانية الصادرة اليوم الجمعة لهذا الخطاب.
خطاب استثنائي
ففي افتتاحيتها, قالت صحيفة تايمز إن هذا الخطاب, من جامعة القاهرة بمصر, تميز بنبرة ملؤها الاحترام والود.
وأشادت بجمعه بين العناية باختيار الألفاظ وحسن الأداء وشمولية الأهداف, مشيرة إلى أنه رسم بداية جديدة للتعايش المبني على الاحترام والتفاهم بين حضارتين ينخرهما منذ عقود التوجس والريبة المتبادلان.
فايننشال تايمز
لكن ليس هذا هو خطاب أوباما الكبير الأول, غير أنه يتقاطع مع خطاباته السابقة في كون الرئيس الأميركي يرى الفرص السانحة حيث لا يرى غالبية السياسيين إلا المجازفة, تعلق صحيفة غارديان.
لقد كان خطابا رائعا يمهد لحوار جديد بين العالمين الغربي والإسلامي، تقول صحيفة فايننشال تايمز في افتتاحيتها, بل كان مرافعة أراد منها الرئيس الأميركي الترويج لتقارب تاريخي بين الغرب والمسلمين، كما جاء بعنوان افتتاحية صحيفة ذي إندبندنت.
إنه يضاهي في أهميته خطابي الرئيسين جون كندي ورونالد ريغان في برلين حول الحرب الباردة, حسب ما نقلته صحيفة ديلي تلغراف عن بعض المحللين.
لكن بعد تفكيك رموز هذا الخطاب، ما الذي قاله أوباما بالفعل؟ يتساءل باتريك كاكبرن في ذي إندبندنت.
تفكيك الرموز
وردا على هذا السؤال أورد كاكبرن ما قاله أوباما عن بعض القضايا الكبيرة في العالم الإسلامي, فأكد أن ما قاله عن أفغانستان وباكستان ينم عن تخبط, فهو يقول إنه يريد سحب قوات بلاده من هناك وفي الوقت ذاته يضاعف عديدها.
أما العراق, فكان واضحا بشأنه حين أكد أن أميركا ستنسحب منه نهائيا ولن تترك لها قواعد هناك, وهو ما يتناقض مع ما دأب الجنرالات الأميركيون على قوله من أن بلادهم ستترك بعض قواتها بالعراق حتى بعد العام 2012.
تايمز
أما حديثه عن فلسطين فكان أقوى من حديث أي رئيس أميركي قبله, ولا شك أن ما ذهب إليه بشأن الاستيطان سيضعه في صدام مباشر مع الحكومة الإسرائيلية الحالية, على حد تعبير كاكبرن.
والواقع, حسب افتتاحية غارديان, أن أوباما خصص الجزء الأكبر من هذا الخطاب لمناقشة سبع قضايا أساسية لم يكن جمهوره بالضرورة يريد سماعها تمثلت في التطرف العنيف وإسرائيل, والسلاح النووي وإيران, والديمقراطية، والحرية الدينية، وحقوق المرأة، والفرص الاقتصادية, إضافة إلى ما أسماه “الخوف من الحداثة”.
وفي الوقت ذاته, تضيف الصحيفة, لم يحرم جمهوره من سماع أشياء أخرى كثيرة يرغب في سماعها مثل رفضه الانتقادات التي توجه أحيانا للإسلام وتكراره الدعوة إلى البحث عن أرضية مشتركة مع المسلمين.
غير أن المشرف على موقع “الانتفاضة الإلكترونية” علي أبو نعمة ينفي في مقال له في غارديان تحت عنوان “أبوما: بوش في جلد حمل” أن يكون هذا الخطاب عكس تغييرا يذكر في السياسة الأميركية.
ويقول أبو نعمة “لو تركنا جانبا ما احتواه هذا الخطاب من مجاملات لأدركنا أن لا تغيير يذكر في السياسة الأميركية في ظل الإدارة الحالية, ولسنا مطالبين هنا بتخمين نوايا أوباما, فقد تكون صادقة وهو ما أعتقده شخصيا, لكن تحليلاته ووصفاته كانت في غالبيتها تجسيدا لاستمرار السياسات الأميركية الخرقاء دونما تغيير”.
لكن الكاتب رزا أسلان بنفس الصحيفة لا يوافق تماما على هذا القول، فهو يرى أن أوباما أقدم على فعل ما تجنبه الرؤساء الأميركيون من قبله حين قال الحقيقة.
غير أنه تدارك, متسائلا “لكن هل سيترجمها إلى “البداية الجديدة” التي يتوق إليها المسلمون؟
وأقل ما يمكن قوله هو إن الرئيس الأميركي تمكن من خلال خطابه هذا من  تدمير أسطورة صراع الحضارات، وهذه هي اللبنة الأولى لرأب الصدع في علاقة الغرب والمسلمين، حسب تايمز.

الزائر المُربِك
غسان شربل
كان التعامل مع جورج بوش أسهل. غداة هجمات 11 ايلول (سبتمبر) اقتدى بأسامة بن لادن وقسّم العالم الى فسطاطين. كان يكفي ان تختار احدهما وتتغطى بلغة القطيعة والعداء. اختار بوش اقتلاع نظام صدام حسين بذرائع مختلقة فكرهناه على رغم افتقار النظام الذي استهدفه الى ما يثير مشاعر التعاطف. وأيد محاصرة ياسر عرفات فتراكمت لدى العرب والمسلمين مشاعر العداء لأميركا والغرب. واجتمعت مشاعر عدة: الشعور بالظلم امام الغطرسة الإسرائيلية المتمادية. والشعور بالظلم امام الانحياز الأميركي. والشعور بالهزيمة امام الآلة العسكرية الأكثر تطوراً والنموذج المنتصر. وأمام التقدم العلمي المذهل والعولمة. شعور الظلم انتج شعوراً عميقاً بالخوف على الحقوق والحضور والهوية والمعتقد. جاء باراك أوباما من مكان آخر. من الدروس المستخلصة من حربين مفتوحتين على أرض العالم الإسلامي. ومن تدهور صورة اميركا في العالم واشتباكها مع مشاعر الناس وتحول العلاقة معها مصدر إحراج للحكومات. وجاء ايضاً من الدروس المستخلصة من الأزمة المالية العميقة وعواقب التفرد بإدارة العالم وتقدم القوة على الحكمة والارتطام العنيف بمعتقدات أو تفسيرات وبمخاوف وتقاليد.
جاء باراك أوباما من لقاء أديان وثقافات وجذور. واختاره الأميركيون في لحظة حرجة بالنسبة الى علاقات اميركا بنفسها وقيمها، وبالعالم والمسلمين وبدورها وقدرتها على تصحيح مسارها وتحسين صورتها. وبدا ان الأميركيين اقترعوا لتغيير أميركا في اميركا، وتغيير اميركا في العالم وتغيير العالم.
لم يكن أمامنا البارحة غير خيار وحيد. الجلوس امام الشاشة. ولا داعي للتذكير بأهمية المتحدث وبلاده، اتفقنا معها أو اختلفنا، ولا بأهمية المكان الذي اختاره، واللحظة التي يوجه فيها رسالته، والجمهور المستهدف بهذه الرسالة. وبدا واضحاً ان اميركا لا تستطيع الاستقالة من مصير العالم الإسلامي، وأنه لا يستطيع الاستقالة من مصيرها. تحتاج الى أسواقه وموارده ويحتاج الى تقدمها. والخيار الوحيد هو التعايش على قاعدة الاعتراف المتبادل والشراكة والبحث المشترك عن الأمن والاستقرار والازدهار.
يحتاج الخطاب الذي صيغ بعناية وبراعة ومسؤولية وشجاعة الى قراءة تفصيلية لالتقاط ما تضمنه من مواقف ورسائل وإشارات. يحتاج لأن المتحدث ليس أستاذاً جامعياً أو شاباً حالماً. إنه رجل أراد القول إن القوة العظمى الوحيدة أجرت مراجعة للسنوات الماضية ولا تخشى الاعتراف بارتكاب أخطاء، وأنها قررت الذهاب الى العالم بيد ممدودة لا بقبضة متوترة. وأنها تبحث عن شركاء تشجعهم ولا تملي عليهم. وأن على الشركاء ايضاً ان يجروا المراجعات التي لا بد منها وعلى قاعدة الاحترام المتبادل والقيم المشتركة والمصالح التي يمكن ان تؤسس لشراكة على طريق المستقبل.
رسائل صريحة وواضحة حملت تطمينات وتحديات. لا مكان للإرهاب مهما كانت الذرائع. لا بد من دولة فلسطينية، لكن قيامها يفرض، كما قال أوباما، الاعتراف بحق الدولة الأخرى في الوجود. الدولة الفلسطينية مصلحة فلسطينية وإسرائيلية وأميركية ولا قبول بتوسيع المستوطنات. لإيران الحق في الطاقة النووية السلمية لكن القنبلة الإيرانية غير مقبولة. احترام المعتقدات والأقليات وحقوق المرأة وحق التعبير، مطلوب في الاتجاهين.
أغلب الظن ان الخطاب ليس مجرد «علاقات عامة». انه حصيلة قراءة لمصالح اميركا الفعلية في عالم متشابك المصالح والأزمات، أثبتت دروس السنوات الأخيرة استحالة فرض زي موحد على دوله وشعوبه التي تنتمي الى حقب مختلفة في تطورها الاقتصادي والثقافي وتقرأ في كتب مختلفة. ان الاحترام العميق الذي أبداه أوباما للعالم الإسلامي يضع هذا العالم ايضاً امام امتحان توفير شروط الشراكة لدى دوله ومجتمعاته.
لا بد من الانتظار لمعرفة ما اذا كان اوباما يمتلك القدرة بعدما أكد امتلاك الرغبة، ولمعرفة ما اذا كان العالم الإسلامي يمتلك الرغبة والقدرة على الانخراط في شراكة مصالح وحوار وتسويات.
غلبني الفضول الصحافي لدى انتهاء الخطاب. واضح ان أسامة بن لادن سيعتبره رداً عنيفاً واسعاً على «غزوتي نيويورك وواشنطن». لكن بماذا شعر بنيامين نتانياهو وهو يستمع الى أوباما يتحدث عن الدولة والاستيطان والقدس؟ وماذا استنتج احمدي نجاد؟ وبماذا شعر خالد مشعل. وماذا قرأ حسن نصرالله، وبماذا شعرت الحكومات والأحزاب؟ كان الزائر مربكاً لمشاهديه خصوصاً انه أكد جاذبية «الشيطان الأكبر».
الحياة

خطاب أوباما
وليد شقير
لا تحصى العناوين الجديدة التي تضمنها خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة أمس. ومعظم هذه العناوين، مثير للجدل والتحليل والاستشراف على رغم أن بعضه معروف مسبقاً، مثل النظرة الى الإسلام و “مناهضة الصورة النمطية” عنه، و “التصرف المخالف لمثلنا” والعراق وبؤر التوتر في الشرق الأوسط وحل الدولتين الفلسطينية واليهودية… الخ.
إلا أن أوباما قدّم موقفاً بصياغات جديدة للعناوين المعروفة، وتطرق حكماً الى عناوين جديدة لم يسبق للرئيس الأميركي الشاب أن تناولها، منها على سبيل المثال لا الحصر، إشارته الى “العنف المأسوي” الذي تولده “الانقسامات بين السنّة والشيعة خصوصاً في العراق”، وحديثه عن احترام حقوق الموارنة في لبنان والأقباط في مصر في سياق تناوله مسألة الحريات الدينية… فضلاً عن نيته السعي الى عالم لا تمتلك فيه أي دولة أسلحة نووية، ما يوحي بأن هذا يشمل نظرياً، إسرائيل، ولا يقتصر على إيران… إضافة الى التزامه بأن يسعى “شخصياً” الى هدف الدولتين.
ومع أنه يمكن للكثيرين أن يتناولوا خطاب أوباما هذا كحدث عالمي بامتياز، وليس على أنه مجرد كلام دعائي، فإن على الذين يثير فيهم ما قاله الإعجاب المبرر والمفهوم، أو أولئك الذين يمكن أن يتوجسوا منه، لأنهم في موقع العداء للسياسة الأميركية نظراً الى ما سببته من مآس في الشرق الأوسط، ألا يتسرعوا (الفريقان معاً) في رد الفعل (سواء السلبي أم الإيجابي) عليه ويتأنوا في استخراج الاستنتاجات المهمة منه لأنه خطاب فائق الدقة وكثير الأهداف والأغراض وفيه الكثير من التواضع والواقعية، والكثير من الحزم، ويرتب على الرئيس الشاب التزامات تاريخية قد تحتاج منه أن يعيش أكثر من مئة سنة إذا أراد تحقيقها نظراً الى أنها تنطلق من مُثُلٍ عليا، قد تؤسس لمرحلة جديدة في تعاطي الولايات المتحدة مع سائر العالم والشرق الأوسط لعقود مقبلة.
وفي انتظار ردود الفعل الجدية على رؤية أوباما فإن الملاحظات المتفرقة التي تطرح أسئلة أو تسجل انطباعات حيال الخطاب، يمكن ذكر بعضها كالآتي:
1 – إنه أول نص سياسي على مستوى القيادة الدولية، فضلاً عن الأميركية، يتضمن مراجعة نقدية لسياسة الولايات المتحدة، حيال الإسلام ودول الشرق الأوسط، حتى لو كانت هذه المراجعة ناقصة أو تتوخى “التوازن” في التطرق الى العلاقة العدائية وحال اللاثقة بين واشنطن وبين هذا الجزء من العالم. وأبرز نقاط المراجعة هي الإشارة الى خطأ دعم واشنطن الانقلاب على محمد مصدق في إيران في الخمسينات، وإلى دور الاستعمار في التوترات مع المسلمين وإلى تسبب الصدمة المأسوية لهجمات 11 ايلول (سبتمبر) “بتصرف مخالف لمثلنا…” إلا أن هذه المراجعة على أهميتها وإيجابيتها، بقيت ناقصة في ما يخص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فبنية الخطاب تساوي بين الإسرائيليين والفلسطينيين وما تعرض له الشعبان من ظلم. ونَفَسُ الكلام يدل على أن أوباما، على رغم لهجته شبه الحازمة إزاء إمعان إسرائيل في بناء المستوطنات وتجاهل حل الدولتين، لا يُخضِعُ موروث العلاقة الأميركية – الإسرائيلية للمراجعة الحقيقية. فالمشكلة العربية – الفلسطينية مع واشنطن أنها كانت في كل مرة تسعى فيها الى حلول للقضية تنطلق من أمر واقع كرّسه انحيازها الكامل من أجل التفاوض عليه… متجاهلة أن الاستناد الإسرائيلي التاريخي الى دعمها الأعمى هو الذي ولّد العقبات أمام هذه الحلول، فتبدأ التفاوض مما حققه الجانب الإسرائيلي على الأرض بالقهر والعنف. وغياب المراجعة النقدية التاريخية يقود الى مطالبة العرب بالتنازل تلو التنازل…
2 – ان التغييرات التي كرّسها وأطلقها أوباما، في سياسات بلاده وفي هذا الخطاب بالذات، تحدث تعديلات حيال مقاربة هذه السياسات من قبل الدول العربية والإسلامية وتثبت المقولة التي واجه فيها العالم أداء إدارة سلفه جورج بوش، بأن تحسين صورة أميركا في العالمين العربي والإسلامي يتوقف على تحسين السياسات وليس على الحملات الدعائية الفاشلة التي قامت بها إدارة بوش وكلفت بلايين الدولارات من دون أي نتيجة.
3 – ان أوباما في مقارباته الجديدة يسعى الى “ترميم” قيادة أميركا في العالم انطلاقاً من الشرق الأوسط بعدما أفرطت سياسات الإدارات السابقة وإدارة بوش في وضع هذه القيادة في مواجهة مع العالم. وهذا الترميم الذي يحتاج الى التعددية القطبية، بدلاً من الأحاديث الفاشلة، بات يحتاج أيضاً الى انفتاح على الإسلام واعتماد خيارات مختلفة تجاه المسلمين…
الحياة

من نداء أوباما إلى نداء عبد الناصر
سمير كرم
قبل 39 عاما، قبل رحيله الأخير بخمسة أشهر، اختار جمال عبد الناصر موقع مصانع أبو زعبل بالقرب من القنطرة لإلقاء خطاب عيد العمال (1/5/1970). وكانت طائرات الفانتوم الإسرائيلية الأميركية الصنع قد أغارت على المنطقة وقتلت وأصابت وحرقت ودمرت.
أراد عبد الناصر يومها أن يوجه نداء الى الولايات المتحدة، بعدما اطمأن الى أن مصر بدأت تستعيد زمام المبادرة العسكرية من إسرائيل بحرب الاستنزاف. وكان هذا نص ما قاله عبد الناصر في ندائه:
«إنني أتوجه الى الرئيس نيكسون وأقول له إن الولايات المتحدة على وشك أن تقوم بخطوة بالغة الخطورة ضد الامة العربية. إن الولايات المتحدة بخطوة الآن على طريق تأكيد التفوق العسكري لمصلحة اسرائيل سوف تفرض على الامة العربية موقفا لا رجعة فيه. موقف يتعين فيه علينا أن نستنتج منه ما هو ضروري. وذلك سوف يؤثر على كل علاقات الولايات المتحدة الأميركية بالأمة العربية ولعشرات السنين وربما لمئات السنين.
«إنني أقول له ـ وهو يعرف أنني أعني ما أقول ـ إن الأمة العربية لن تستسلم ولن تفرط. وهي تريد سلاما حقيقيا ولكنها تؤمن بأن السلام لا يقوم على غير العدل. أريد أن أقول اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تريد السلام فعليها أن تأمر إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. إن ذلك في طاقة الولايات المتحدة التي تأتمر اسرائيل بأمرها لأنها تعيش على حسابها، وأي شيء غير ذلك لا يجوز علينا ولن يجوز علينا.
«هذا حل، والحل الثاني اذا لم يكن في طاقة أميركا أن تأمر إسرائيل، فنحن على استعداد لتصديقها اذا قالت ذلك، مهما كانت آراؤنا فيه. ولكننا في هذه الحالة نطلب طلبا واحدا هو بالتأكيد في طاقة أميركا. ذلك الطلب أن تكف عن أي دعم جديد لإسرائيل ما دامت تحتل أراضينا. أي دعم سياسي أو دعم عسكري أو دعم اقتصادي. اذا لم يتحقق الحل الأول واذا لم يتحقق الحل الثاني فإن على العرب أن يخرجوا بحقيقة لا يمكن المكابرة فيها بعد الآن، وهي أن الولايات المتحدة الأميركية تريد لإسرائيل أن تواصل احتلال أراضينا حتى تتمكن من فرض شروطها علينا بالاستسلام.
«… إنني أقول للرئيس نيكسون ان هناك لحظة فاصلة قادمة في العلاقات العربية الأميركية. إما أن نكرس القطيعة وإما أن تكون بداية اخرى جادة ومحددة».
وأمس، اليوم الذي استمعت فيه الامة العربية والعالم الاسلامي الى الرئيس الاميركي باراك أوباما يوجه نداءه … فإن الموقف لا ينطوي على أي تغيير أو اختلاف عما كان عليه عندما قرر عبد الناصر توجيه ندائه ذاك الى الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة لم تستجب على مدى العقود الأربعة الماضية لهذا النداء العربي المنطقي والشجاع، وبقيت الحال على ما هي عليه، وها هو رئيس أميركي جديد يرى أن ثمة فرصة لتوجيه نداء الى الأمة العربية والعالم الإسلامي من القاهرة. ومن الواضح انه لم يستوعب درس التاريخ في نداء عبد الناصر الى بلاده، حينما كان هو ـ أوباما ـ لا يزال في السادسة من عمره (…)
ولو أن التاريخ سار في مسار مختلف واستمعت الولايات المتحدة الى نداء قائد الأمة العربية، لما كان الرئيس الأميركي الحالي بحاجة لان يوجه نداء من أجل صورة أفضل لأميركا لدى الأمة العربية والعالم الإسلامي. لكن لماذا نقول هذا لأوباما والأجدر أن نقول ان الأمة العربية نفسها لم تستمع الى نداء جمال عبد الناصر وسارت في طريق من لم يفهم معناه وما انطوى عليه … فإذا بها بأغلبية مخيفة من حكامها تحالف الولايات المتحدة التي لم تتنازل عن ركن واحد صغير من تحالفها مع إسرائيل.
ولم يكن نداء جمال عبد الناصر يوم عيد العمال عام 1970 هو النداء الوحيد الذي وجه الى أميركا منذ ذلك الوقت. يكاد كل مؤتمر قمة عربي وكل قمة إسلامية عقدت منذ ذلك الوقت يحتوي على نداء الى الولايات المتحدة بأن تنتبه الى مصالحها التي تعميها عنها علاقاتها الخاصة الاستراتيجية مع اسرائيل. تكاد كل زيارة قام بها رئيس أو ملك أو أمير أو حاكم عربي أو إسلامي الى الولايات المتحدة أن تكون قد احتوت على نداء في صورة رجاء وجه في واشنطن من أجل أن تدرك الولايات المتحدة مدى الظلم الواقع على الفلسطينيين والعرب والمسلمين بفعل قوة إسرائيل المستمدة مباشرة من أميركا. تكاد كل صلاة جمعة في كل مسجد في بلاد العرب والمسلمين أن تتضمن نداء أو رجاء أو دعاء بأن تتنبه الولايات المتحدة الى خطيئتها السياسية الاولى والمستمرة تحالفا مع اسرائيل ضدهم.
غير أن المعايير اضطربت وتشوشت الى حد أصبح فيه نداء واحد من رئيس أميركي يسافر من اجله الى القاهرة، الحليفة الثانية للولايات المتحدة في المنطقة بعد إسرائيل، يساوي من حيث القيمة والتأثير المطلوب له ألف نداء من العرب والمسلمين. ولهذا يلقى كل هذا الاهتمام السياسي والثقافي …والأمني، وكأن العالم كله مقبل على لحظة فاصلة في تاريخه. فهل يمكن تصور تغيير فاصل حاسم في السياسة الأميركية بعد هذا النداء الأميركي ونتيجة له؟
وهل أحدث النداء الذي وجهه الرئيس أوباما من أنقرة قبل ذلك جزءا ولو ضئيلا من هذا التأثير؟
ام ان الولايات المتحدة الاميركية ـ حتى تحت رئاسة باراك حسين أوباما ـ تريد أن تحسن صورتها بالمجان .. دون ثمن سياسي و استراتيجي يتعلق بإسرائيل أو بحروب أميركية بدأت مع بداية هذا القرن ولا يبدو أنها قابلة للانتهاء في مستقبل منظور؟
لا يكفي للولايات المتحدة لكي تحقق هدف تحسين صورتها في العقل أو الوجدان العربي والإسلامي أن ينتقل الرئيس أوباما بكل هيلمانه الى العاصمة الدينية والثقافية لكل مسلمي العالم ليتحدث عن احترامه للإسلام دينا وحضارة وثقافة وتاريخا وقيما، فليس الإسلام بحاجة الى شهادة أميركية المنشأ، ولا الثقافة الإسلامية بحاجة الى تذكير بما يحتاج العقل الأميركي الى تذكره …
لقد أجاد الأميركيون دائما إقامة الديكورات الموحية في مثل هذه المناسبات. ويمكننا أن نجزم بأن الجدية البادية في لهجة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بشأن ضرورة وقف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية هي بمثابة الديكور اللازم لمرافقة أوباما الى القاهرة. لكن يبقى أن يتضح اذا كان الثبات بوجه العناد الإسرائيلي بشأن المستوطنات سيكون تغييرا حقيقيا في السياسة الأميركية تجاه المسألة الفلسطينية، أم أن واشنطن ستكتفي بما تحدده إسرائيل كاستجابة منها لطلب وقف النشاط الاستيطاني.
سيحاول الرئيس الأميركي في ندائه من القاهرة ان يتجنب ذكر إسرائيل .. أي انه سيحاول الفصل بين المشكلات القائمة بين أميركا والعالم الإسلامي والعلاقات القائمة بين أميركا وإسرائيل وسيجد في ذلك سندا قويا في سياسة الاعتدال العربية تجاه إسرائيل وفي سياسة إحلال ايران محل اسرائيل في موقع العدو الرئيسي. وهو ان قام بهذه المحاولة يقع في خطأ أساسي يودي بكل ما يمكن أن يتوقعه من نتائج هذا النداء. فإن الاعتقاد السائد في أميركا الرسمية تنفيذية وتشريعية بأن اسرائيل ليست في جذور المشكلات القائمة بين أميركا والعالم الإسلامي خطأ خطير في التقدير، والاعتقاد بأن مشكلات أميركا مع العالم الاسلامي تلخصها كلمة «إرهاب» ينطوي على قصر نظر أخطر.
واذا ما خلط أوباما بين فهم أهمية القاهرة في العالم الإسلامي والاعتقاد بأن القاهرة الرسمية تمثل العالم الإسلامي واتجاهات الرأي العام فيه بل فكره السياسي، واذا ما اعتقد أن زيارته والنداء يضعان خاتما أميركيا على القناعات المصرية الرسمية بشأن أميركا واسرائيل والقضية الفلسطينية والمقاومة .. فإنه يزيد الوضع خطورة والصرة الأميركية سوادا.
ان نداء أوباما الى الامة العربية والعالم الاسلامي من القاهرة سيلحق بغيره من علامات التغيير التي لوح بها أوباما ولم يبرهن ـ حتى الآن على الاقل ـ على انه قادر على الوفاء به. ولن يكون هذا النداء ذا أثر فعال ما لم تواكبه قرارات بوقف الحرب على المسلمين في العراق وأفغانستان وباكستان، ووقف الحرب السياسية على المسلمين في مصر وفلسطين واندونيسيا والفيلبين …وأوروبا وأميركا (…) ومثل هذه القرارات ليست في إطار المتوقع، لا من الأميركيين ولا من المسلمين ولا من غيرهم.
وبعد … فإن المطلوب ردا على نداء أوباما من القاهرة ان يعاد توجيه نداء جمال عبد الناصر الى الولايات المتحدة الاميركية قبل أربعة عقود …على ان يسمعه ويعيه جيدا الأميركيون والمسلمون معا في وقت واحد.
فمهما كان ما قاله أمس أوباما من القاهرة الى الوطن العربي والعالم الاسلامي، فإن الخيار أمام الولايات المتحدة بعد انقضاء أربعة عقود لا يخرج عن حل من اثنين: الاول اتخاذ موقف حاسم حازم ضد الاحتلال الاسرائيلي يجبر إسرائيل على إنهائه بلا شروط، والحل الثاني التوقف من جانب الولايات المتحدة تماما عن دعم اسرائيل عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا طالما بقي الاحتلال الاسرائيلي لأي أرض عربية. ولسنا بهذا نقول ان مشكلات أميركا مع العالم الاسلامي تزول تلقائيا … لكن من المؤكد أن النظرة الى أميركا في العالم الاسلامي تتجه نحو صورة ايجابية وهذه بداية النهاية لمشكلات الولايات المتحدة التي ظنت انها تستطيع ان تحلها بالقوة العسكرية.
السفير

نصف اعتذار لا يكفي
عبد الباري عطوان
اثبت باراك اوباما بخطابه الذي القاه من القاعة الكبرى في جامعة القاهرة انه يفهم العرب والمسلمين بشكل جيد، ويعرف كيف يخاطبهم، ولذلك جاء هذا الخطاب مليئا بالمواعظ والآيات القرآنية، والعبارات العاطفية، ومتطرقا لجميع القضايا (سبعة محاور اساسية) ودون ان يقدم اي جديد لا نعرفه، او لا يعرفه رجل الشارع العادي البسيط.
تحدث عن الديمقراطية دون ان يقول كيف سيعمل على نشرها، وركز على ضرورة وقف الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة دون ان يقدم اي آليات عملية، وشدد على التمسك باقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع دولة اسرائيلية، دون ان يشرح تصوراته حول كيفية الوصول الى هذا الهدف.
اوباما، بذكائه المعهود، وقدرته الخطابية البليغة، اراد ان يرضي جميع الاطراف: العراقيون بالتأكيد على التزامه بسحب جميع القوات من ارضهم، وبما يتيح لهم حكم انفسهم بأنفسهم، والافغان عندما قال لهم انه لا يريد البقاء في بلادهم واقامة قواعد عسكرية دائمة، والديمقراطيون عندما قال انه سيساعدهم، والدكتاتوريون عندما تجنب اي حديث عن تغييرهم او فرض عقوبات عليهم، واليهود عندما بكى على معاناتهم ومحارقهم، والفلسطينيون عندما تعاطف مع مأساتهم. ولم ينس الشباب عندما وعدهم بمنح دراسية في امريكا، ومشاريع تنمية توفر لهم بعض الوظائف وعرّج على المرأة في العالم الاسلامي وطالب لها بالمساواة في مختلف اوجه الحياة.
هذه الكلمات تدغدغ عواطف البسطاء المتعاطفين مع الرئيس الامريكي الاسمر في الاساس، ولكنها بعد غربلتها من خلال تمحيصها، ينطبق عليها المثل العربي الذي يقول ‘اسمع جعجعة ولا ارى طحنا’
العمود الفقري في خطاب الرئيس الامريكي الذي انتظرناه طويلا، يتمثل في محاولته اقناع العرب والمسلمين بضرورة الانضمام الى حكومته في حربه ضد ‘الارهاب’، او الجماعات الاسلامية المتطرفة التي قال انها تهددهم قبل ان تهدد الولايات المتحدة، ولكنه لم يتحدث مطلقا، تصريحا او تلميحا، الى ارهاب الدولة الذي مارسته وتمارسه اسرائيل بصفة مستمرة ضد العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان، وربما قريبا في ايران.

الرئيس اوباما الذي حرص على تذكيرنا بان الولايات المتحدة في صورتها الحالية كدولة عظمى انبثقت من رحم المقاومة ضد الامبراطوريات الاستعمارية (بريطانيا) ادان مبدأ المقاومة، وشدد على عدم فاعليته، وطالب الشعب الفلسطيني بالتخلي عن انواع العنف (المقاومة) كافة، لانها لن توصله الى اي شيء.
هذا ‘التسطيح’ لسلاح المقاومة، والتأكيد في اكثر من موقع في الخطاب على ‘عبثيته’ اسلوب غريب بل ومفاجئ من رئيس امريكي من اصول افريقية، يتباهى بانتمائه الى اسرة اسلامية كبيرة تعيش على الساحل الشرقي لافريقيا (كينيا)، فلولا المقاومة المسلحة هذه لما تحررت بلده الحالي (امريكا)، ولما تحررت بلد والده واجداده (كينيا)، ومعهما كل القارة الافريقية ومعظم القارة الآسيوية.
انتقاد صواريخ المقاومة الاسلامية في قطاع غزة التي تسقط على رؤوس الابرياء النيام في المستوطنات الاسرائيلية الجنوبية ربما يكون امرا مفهوما، لو انه جاء بعد انتقاد القنابل الفسفورية الحارقة والصواريخ من مختلف الانواع والاحجام والأوزان التي اطلقتها الدبابات والطائرات والزوارق الاسرائيلية على مليون ونصف مليون فلسطيني عزل يعيشون خلف قضبان الحصار.
الرئيس اوباما قال في تصريح صحافي له ادلى به قبل ايام معدودة من تسلمه لمهام منصبه انه سيفعل ما يفعله الاسرائيليون (قصف القطاع) اذا تعرض اطفاله لصواريخ وهم نيام، وكنا نتمنى لو انه عمل على تصحيح تصريحاته هذه، ووضع اطفاله موضع اطفال غزة الذين حصدت الصواريخ والقنابل الاسرائيلية ارواح اربعمئة منهم اثناء العدوان الاخير على قطاع غزة.
تكرار الحديث في الخطاب نفسه على ضرورة نسيان التاريخ، ومطالبة المسلمين بان لا يكونوا اسرى الماضي، امر جميل، ولكن نحن لا نتحدث هنا عن وقائع تاريخية وقعت قبل سبعة آلاف عام، او حتى مئة عام، وانما عن بضعة اعوام فقط، فقبل شهر تقريبا مرت الذكرى السادسة على احتلال العراق واستشهاد مليونين من ابنائه، نصفهم بسبب حصار ظالم، والنصف الباقي في حرب غير قانونية وغير اخلاقية، وبعد بضعة اشهر ‘سنحتفل’بالذكرى الثامنة على غزو افغانستان واحتلالها وتحويلها الى دولة فاشلة.
ربما يريد الرئيس اوباما ان يضرب لنا مثلا بقدرته واقرانه الامريكيين من الاصول الافريقية على نسيان سياسات التمييز العنصري وقوانين العبودية التي عاشوا في ظلها قبل اربعين او خمسين عاما، وهي قدرات تسامحية تستحق الاحترام دون شك، ولكن المقارنة في غير مكانها عندما يتعلق الامر بشعب كامل جرى سرق ارضه، وتشريده في دول الجوار، ومطاردته بالقتل والقصف والحصار حتى في منافيه سواء في مخيمات اللجوء في الضفة والقطاع (جنين وغزة) او في دول الجوار (جنوب لبنان وسورية).
خطاب اوباما مكتوب بعناية دون شك، ويبهر المستمع منذ الوهلة الاولى، لكن قراءة ثانية متأملة له، يخرج المرء بعدها بانطباع مفاده ان الرجل لم يطرح اي تغييرات جوهرية في سياسة بلاده الخارجية في العالم الاسلامي، وما حدث هو اعادة صياغة هذه السياسة بأسلوب جديد خال من التعبيرات الاستفزازية مثل الحرب على الارهاب وغيرها.
الرئيس اوباما يريد فتح صفحة جديدة مع العالم الاسلامي، ويمد غصن زيتون يانعا للمسلمين، وهذا امر ممكن، ومرحب به، شريطة ان يكون مرفوقا باعتذار واضح عن جرائم امريكا في حق المسلمين، وحروبها المستمرة حتى الآن ضدهم، والتعويض الكامل عما لحق بهم من اضرار مادية وبشرية.
الحكومة الامريكية السابقة شنت حربا غير قانونية وغير اخلاقية على العراق، والرئيس اوباما اعترف بشجاعة تقدر له، بأنها كانت حرباً بالاختيار لا بالضرورة مثل نظيرتها في افغانستان مقدما نصف اعتذار، ولذلك فان عليه ان يفعل ما فعله الالمان لليهود، والعراقيون للكويت، اي الاعتذار الكامل والتعويض علناً ودون مواربة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن الثمن الذي قد يدفعه العرب للرئيس الامريكي مقابل مطالبته اسرائيل بتجميد الاستيطان، فقد قال صراحة ‘ان مبادرة السلام العربية ليست نهاية مسؤوليات العرب ويجب عليهم ان يفعلوا المزيد’. ترى هل يريد اوباما تطبيعاً مقابل هذا الكلام عن الاستيطان، وتعديلاً لهذه المبادرة يُسقط حق العودة منها؟
مرة أخرى نطالب اوباما، وبعد ان استمعنا وصفقنا لأقواله الجميلة التي اراد من خلالها تحسين وجه بلاده وصورتها في العالم الاسلامي، بان يترجم اقواله الى أفعال، وبأسرع وقت ممكن، مثلما نطالب الزعماء العرب الذي انتشوا بهذا الخطاب ان لا يقدموا تنازلات مجانية.
لا شك ان نوايا اوباما حسنة، ورغبته في المصالحة جدية، ولكن النوايا وحدها لا تكفي، والتعاطف الذي حصل عليه سواء بسبب لونه، او قصة نجاحه، او خطابه القوي في القاهرة قد يتبخر بأسرع مما يتصور اذا لم يترجمه الى خطوات عملية وبسرعة.

تحليل مضمون خطاب أوباما
محمد مورو
مع كل التقدير والاعتراف بقدرات أوباما الخطابية، وخلفيته الثقافية الجيدة، فإن خطابه الذي ألقاه من جامعة القاهرة، جاء مخيباً لآمال الكثيرين على أكثر من مستوى.
ومن وجهة نظري، فإن الخطاب ليس به أي جديد، سوى تخليه الواضح والصريح عن الليبراليين المصريين خصوصاً، والعرب عموماً وهو ما شكل صدمة كبيرة لهؤلاء، فضلاً عن التأكيد من جديد على السمة الرئيسية لشخصية أوباما، ومن ثم سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وهي سمة البراغماتية حتى النخاع وليس شيئاً آخر.
الخطاب بالطبع اشتمل على قضايا أخرى، ولكنها كانت كلها في نفس الإطار الذي تم الإعلان عنه من قبل. وقد ركز أوباما في خطابه على سبع قضايا هي العنف والتطرف، والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، والمسؤولية المشتركة حيال السلاح النووي، والديمقراطية، وحرية الأديان، وحقوق المرأة، والتطور والفرص الاقتصادية.
بخصوص الديمقراطية وهي مسألة اعتمد فيها الليبراليون المصريون والعرب على دعم أميركي قوي وواضح، فإن آمال هؤلاء قد تبددت تماماً، وقد استبان لهم الآن أن المراهنة على الخارج في تلك القضية هو رهان خاسر، وأن من الممكن للقوى الكبرى أن تبيع هؤلاء أو غيرهم في أول منعطف، وقد حدث هذا بالفعل بالنسبة للرئيس أوباما، الذي جاء ليلقي خطاباً من مصر، رغم وجود مزاعم حول الاستبداد والفساد، بل أشاد بالرئيس المصري حسني مبارك قبل مجيئه مباشرة قائلاً “إن الرئيس مبارك قوة استقرار في المنطقة” وأشاد بأسلوبه في التعامل مع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية برغم صعوبة هذا الأمر، وأن مبارك لم يلجأ إلى الغوغائية وحافظ على السلام مع إسرائيل.
وفي خطابه أنهى الرجل أوهام الليبراليين المصريين والعرب تماماً، حين اعتبر أنه لا يمكن فرض نظام حكم على شعب من الشعوب وأنه ليس بصندوق الانتخابات فقط تتحدد الحرية، وأن لكل مكان خصوصياته الثقافية والسياسية، وهو كلام كان يقول به أطراف معروفة بعدائها لليبراليين والليبرالية، فمنهم من يرى أن الحصول على الحرية لا يتم إلا بجهد داخلي خالص، وأن التدخل الأجنبي في هذا الصدد يفسد القضية ويضعف طلابها، وهؤلاء كانوا يريدون الحرية ولكن عن طريق العمل الداخلي البحت والجهد الوطني الخالص, ومنهم من كان يردد هذا الكلام تبريراً للاستبداد ودعماً له، وطريقة لحشد الشعوب مع الحكومات المستبدة لمواجهة التدخل الأجنبي.
وفي كل الأحوال وأياً كانت النوايا، فإن تبني أوباما لهذا المنطق، عن حق أو باطل، هو في المحصلة النهائية نوع من التخلي عن الليبراليين العرب والمصريين وهو أمر ربما يساهم في إنهاء هؤلاء الناس حيث أنهم لم يكونوا يتمتعون أصلاً بأي عمق جماهيري، ولم تكن قوتهم إلا استناداً على الدعم الخارجي عموماً والأميركي خصوصاً.
لماذا تخلى أوباما عن الليبراليين العرب وخذلهم، ولماذا فضل التعاون مع حكومات موصوفة بالاستبداد على المراهنة على المبادئ والقيم الأميركية المزعومة حول الحرية والديمقراطية وهو يعرف بالضرورة أن تلك الحكومات تقتل معارضيها وتعذب منتقديها وتفرض الطوارئ لعشرات السنين وتزور الانتخابات, المسألة أن أوباما له مهمة أكبر من ذلك كلفته بها المؤسسة الأميركية، وهي تحقيق حل الدولتين في فلسطين على أساس أن ذلك ضروري لأمن الولايات المتحدة، وضروري لمصلحة إسرائيل لأن سياسات اليمين الإسرائيلي سوف تقود إلى انهيار دولة إسرائيل وربما زوالها.
وهناك الكثير من الصهاينة في أميركا وإسرائيل وأوروبا، بل وحكماء وسياسيون من الولايات المتحدة وأوروبا يرون أن حل الدولتين هو الطريقة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، وقد قال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير نفس الكلام باللفظ عندما قال إنه يجب إنقاذ إسرائيل من نفسها، لأنه لو لم يكن هناك حل الدولتين فإن البديل هو حل الدولة الواحدة متعددة القوميات، وهذا يشكل خطراً ديموغرافياً على إسرائيل، وإن لم يكن هناك حل فهي دعوة لسيادة منطق المقاومة وهو بدوره خطر على إسرائيل.
أما حل الدولتين الذي دعا إليه الرئيس أوباما في خطابه بصراحة، فهو يحقق تهدئة للأوضاع الفلسطينية ويسحب القضية من المنظور العربي والإسلامي، ومن ثم يضعف حركات التمرد العربي والإسلامي عموماً ويعزلها عن القضية الفلسطينية، وهذه الدولة أو الدويلة الفلسطينية ستكون مرتبطة اقتصادياً بإسرائيل، ومرتبطة أمنياً ومحاصرة من البر والبحر والجو، وعن طريق الطرق الالتفافية وغيرها بالقوة الإسرائيلية، ومن ثم فهي مجرد كانتونات ومعازل للفلسطينيين.
أكثر من هذا فإن دعوة أوباما إلى ذلك مع معارضة حكومة إسرائيل، ستعطي الفرصة لغسل وجه أميركا في المنطقة، باعتبارها لا توافق إسرائيل على كل شيء، بل تختلف معها لصالح العرب والفلسطينيين، ومن ثم فإن على العرب والفلسطينيين دعم أوباما المسكين بتغيير المبادرة العربية في اتجاه المزيد من التنازلات وإلغاء حق العودة، والضغط بكل الوسائل على حركات المقاومة الفلسطينية.
والغريب أن أوباما الذي دعا إلى حل الدولتين وتحدث عن معاناة اليهود التاريخية لعدة قرون، وحدد الرايخ الثالث وهتلر والنازية كأحد مضطهدي اليهود، وتبنى الرؤية اليهودية حول ستة ملايين يهودي تم إحراقهم في أفران النازي، تحدث فقط عن معاناة الفلسطينيين دون أن يقول لنا كم عدد ضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، وكم عدد الجرحى والأسرى وكم عدد المشردين وما هي حقوق هؤلاء تجاه الجاني، وهل من العدل ترك الجاني طليقاً، بل عدم الإشارة إلى الإسرائيليين كجناة في هذا الصدد، وكأن شياطين الجن وليس الإسرائيليين هم من قتل وجرح وشرد الفلسطينيين، وهو ازدواج معايير مروع مارسه أوباما علناً في خطابه، وكأنه يخاطب جهلاء.
على مستوى القضايا الأخرى، فإنه لا جديد قاله أوباما، فالحديث عن احترام الإسلام المتسامح، وضرورة تعاون الحضارات والاستشهاد بآيات من القرآن فعله أوباما من قبل بخطابه الأول في واشنطن عقب تسلمه مقاليد الرئاسة يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2009 ثم في أنقرة من خلال البرلمان التركي. ولكن من المفيد هنا أن نذكر أوباما وغير أوباما، أن شعوب هذه المنطقة، رغم تخلفها الظاهر تمتلك حساً ثقافياً وحضارياً عميقاً جداً، وأنها لا تكترث بالأقوال بل تريد أفعالا، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تم حل مؤسسة خيرية إسلامية (الأرض المقدسة) وتم إصدار أحكام على رؤسائها بمدد تزيد على خمسين عاما لبعضهم أو قتل لبعضهم الآخر، وقد ثبت أنها كانت توزع أموالاً على الأرامل والأيتام والعجزة, كذا ما يحدث مع الدكتور سامي العريان الذي لا يزال محتجزاً ومتهماً في عهد أوباما بعد عهد بوش.
ولماذا لا ينشر أوباما صور التعذيب في سجن أبي غريب، بل لماذا لم يدع مثلاً إلى إنهاء الحصار على غزة، أو تعويض مئات الآلاف من ضحايا حربه في أفغانستان والعراق وباكستان، بل لماذا دفع الحكومة الباكستانية إلى إشعال حرب أهلية ضحاياها من الباكستانيين في وادي سوات وهي الحرب التي توصف بأنها حرب أوباما الأولى، وإذا كان أوباما يريد إطفاء نار الحرب في العراق، فلماذا يزيدها اشتعالاً في أفغانستان.
والأكثر إثارة للاستفزاز هنا أن أوباما يريد دعما عربيا وإسلاميا في أفغانستان وباكستان مقابل تعهده بحل الدولتين، بل ويريد تطبيعاً عربياً إسرائيلياً مقابل هذا التعهد.
وكما قلنا فإن أوباما لم يأت بجديد، فما قاله بخصوص العراق وأفغانستان هو نفس كلامه في حملته الانتخابية: الانسحاب من العراق وإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وكأن أفغانستان وباكستان ليست جزءاً من العالم الإسلامي. أما كلامه حول حقوق المرأة وقضايا التسلح النووي والتنمية الاقتصادية، فهو كلام جميل مرسل لا يسمن ولا يغني من جوع ويدخل في إطار العبارات الإنشائية يتمتع بها السامع دون أن يكون لها أي مردود عملي .
جاء أوباما إلى القاهرة وألقى خطابه منها وأشاد بالأزهر كجامعة لها ألف عام من الوجود، ولكنه فضل إلقاء خطابه من جامعة القاهرة ذات المائة عام لأنه ينحاز إلى العلمانية، ولا يريد أن يوصف بالانحياز إلى الأصولية الدينية لو ألقى خطابه من الأزهر، وهذا أمر مفهوم وبديهي ولا يحتاج إلى تعليق أو نقد.
أما أخطر ما في الموضوع فهو أن البعض بشرنا بأن أوباما هو المهدي المنتظر وليس مجرد مسيخ دجال، وأنه صادق وواضح، وأنه يريد بالفعل نزع فتيل الحرب والعنف في العالم، وكأننا نحن من نمارس العنف فقط وليس الجيش الأميركي مثلاً في العراق وأفغانستان، وكأننا فقط منا المتطرفون وليس في إسرائيل متطرفون بدرجة وزراء خارجية بل ورؤساء وزارات، بل إن البعض تورط في القول إنه يثق في أوباما ويشكك في قدرته، على أساس أنه غير قادر على تحقيق وعوده لأنه سيواجه من هم أقوى منه من لوبي صهيوني ومجمع صناعي عسكري وجماعات ضغط أميركية.
وهذا تبسيط مخل للموضوع، لأن أوباما يمثل مؤسسة هي التي رسمت له هذه السياسة لغسل وجه أميركا القبيح وإنقاذ إسرائيل من نفسها، وخطورة المنطق السابق أنه يدفعنا إلى محاولة مساعدة أوباما بكل الطرق الممكنة ولا نتركه مسكيناً أمام تلك القوى الجبارة، ومن هذه الطرق الممكنة المزيد من التنازلات حتى لا نحرج الرجل أمام القوى المتربصة به.
ــــــــ
كاتب مصري
الجزيرة نت

خطاب أوباما: نقاط حاضرة، نقاط غائبة
بقلم جهاد الزين
يجب ان يكون المستمع العربي او المسلم حذرا جدا قبل الانطلاق في الاطراء على اي خطاب للرئيس باراك اوباما يتعلق بقضايا العالم المسلم وتحديدا بالصراع العربي – الاسرائيلي حتى لو ان هذا الرئيس الاميركي قد اثبت في معظم خطبه الداخلية والخارجية كفاءته الاستثنائية في طرح مفاهيم وافكار سياسية مؤثرة وذات دقة بلاغية وسياسية عالية المستوى.
الحذر مصدره الاول – ولربما الوحيد – اننا بتنا نستمع لرئيس اميركي جديد بعد طول استماع لخطيب عادي، بل اقل من عادي، هو الرئيس جورج دبليو بوش حتى في الفترة التي طرحت فيها ادارته مشروعا تغييريا للانظمة الديكتاتورية في الشرق الاوسط استحصل – اي هذا المشروع – على تأييد عدد واسع من النخب العربية الثقافية عندما طرح عامي 2002 و2003. ثم سرعان ما تلاشى هذا التأييد بعدما تبين ان الرئيس بوش لا يريد ان يلتزم بحل عادل للمسألة الفلسطينية بل اهمل طويلا – الى ما قبل السنتين الاخيرتين من ولايته الثانية – موضوع الصراع العربي – الاسرائيلي تحت وهم اعتقاده – مع اليمين الاسرائيلي – بامكان تقدم المشروع الاميركي في المنطقة بدون حل المسألة الفلسطينية رغم رفعه النظري لشعار قيام دولة فلسطينية.
لكن هذا الحذر من ان يكون القارئ تحت تأثير مقارنة اوباما ببوش الابن سرعان ما يتلاشى عندما ندقق في مستوى الخطاب البلاغي (وليس الانشائي) كما في مضمونه.
لا شك ان عددا من الصياغات التي قام بها هذا الرئيس المثقف والذكي حيال الموضوع الاشمل لخطابه في جامعة القاهرة وهو الاسلام والعلاقات الاميركية – الاسلامية تنم عن مقاربة متفهمة  وفاهمة لكل حرف ورد على لسانه على الرغم من الموقع الرسمي الرفيع للرجل الذي يستلزم ما يبدو احيانا انه مواقف بروتوكولية. غير ان احد عناصر قوة خطب اوباما، حتى في المسائل الداخلية وابان حملته الانتخابية، هو هذا السعي الى تحديد مواقف ذات معنى بصياغات بروتوكولية.
من الامثلة المهمة على ذلك في خطاب القاهرة اشارته النقدية دون ان يسمي الى “المدرسة” العلمانية الفرنسية (كما التركية) التي تمنع الحجاب على رأس المرأة، وهذه نقطة تميز اصيلة، ليس لباراك اوباما الشخص فحسب، بل للثقافة الاميركية التي تنتمي الى “مدرسة” علمانية مختلفة عن العلمانية الفرنسية والتي تعتبر – منذ التأسيس – ان الحريات الدينية عنصر تكويني في الديموقراطية السياسية.
من الامثلة الاخرى التي بعثت باشارة مفاجئة في خطاب اوباما تسميته لـ”الموارنة” اللبنانيين الى جانب الاقباط المصريين خلال تأكيده على اهمية الحفاظ على التعددية الدينية، وهذه اشارة لها معناها في ادبيات الشرق الاوسط غابت طويلا عن هذا النوع من الخطب الاميركية، دون ان يعني ذلك المبالغة في التعويل السياسي عليها. لكن ثمة “رسالة” ما من ورائها جديرة بالاهتمام ولن تكون عابرة. كذلك بطريقة ما، في السياق نفسه دعوته حكام الشرق الاوسط – دون تسمية محددة لهم – الى ان “يحترموا حقوق الاقليات” لينتقل بعدها الى موضوع الحرية الدينية، بصفتها تسامح الاسلام الاكثري مع الاقلية المسيحية ومن ثم الى الدعوة لمعالجة “خطوط الانفصال” بين المسلمين، قاصدا السنة والشيعة ومحددا العراق بما يجعلنا نستنتج انه البلد الاساسي للمشكلة السنية – الشيعية حين يقول: “لا سيما العراق”.
وقبل ان انتقل الى التفاصيل الاهم المتعلقة بمقطعه الطويل داخل الخطاب حول الصراع العربي – الاسرائيلي، تنبغي الاشارة في احد المجالات الابرز لـ”بلاغة” الخطاب المضمونية ان باراك اوباما لم يستعمل في كل الخطاب تعبير “الارهاب” في مجال وصف المتطرفين، بل استعاض عن هذا التعبير بمصطلح: “التطرف العنفي”… وهذا فارق لغوي – سياسي كامل بين عهدي بوش واوباما… اراد الرئيس الجديد ان يضع حدا معه لمرحلة سابقة… حتى ان معلقا اسرائيليا هو آكيفا إلدار اعتبر يوم خطاب القاهرة من هذه الزاوية “اليوم الاخير لحقبة 11 ايلول”!

• • •
هنا نصل الى قراءة الخطاب في الموضوع الذي سيتوقف عليه فشل او نجاح ادارة اوباما، ليس فقط مع العالم العربي بل مع كل مسلمي العالم وهو الصراع العربي – الاسرائيلي.
لعل افضل تعليق اسرائيلي قرأته امس على خطاب القاهرة هو قول احد كتاب “الجيروزاليم بوست” هيرب كينون ان اسرائيل “تصفق بقلق” للخطاب!
سأقسم هذا الجزء من التعليق على خطاب اوباما الى قسمين:
• أهم ما قاله حول الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني والاسرائيلي – العربي.
• اهم ما لم يقله! بما يسمح لنا بتحديد حدود ما التزمه وما لم يلتزمه الرئيس اوباما.
أهم ما قاله:
1 – هناك موقفه الابرز طبعا الذي يعلن فيه ان “الولايات المتحدة الاميركية لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الاسرائيلية”، اي رفض استمرار الاستيطان كليا.
2 – في سياق مخاطبته لايران (واستخدامه تعبيرا دقيقا حين قال ان ايران تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لاميركا اي ربط رفض اميركا بهوية النظام الايراني نفسها)…
في هذا السياق “الايراني” كان من المثير – وقد اتى هذا الطرح مباشرة بعد المقطع الفلسطيني – الاسرائيلي – ان يؤيد اوباما “نزع التسلح النووي” لكل دول المنطقة. وهذه رسالة لاسرائيل، حتى لو لم يسمّها مباشرة وكان يتحدث عن ايران ويدعوها الى “حسم” خيارها… والمقصود النووي مؤكدا على حقها بالاستخدام السلمي النووي.
3 – اشارته الايجابية الواضحة لحركة “حماس” كتنظيم يحظى بالدعم من قبل جزء من الفلسطينيين ودعوته الى تحمل مسؤولياته وليؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني”.
4 – ذكر وضع الفلسطينيين ضمن سياق يذكّر بالتجارب النضالية السلمية التي نجح فيها السود في اميركا في الخروج من نظام العبودية، كذلك تجربة انهاء نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا… وهذا في ذاته ما لن تكون النخبة الاسرائيلية الحاكمة مرتاحة الى وروده بهذه الطريقة، اي باعتبار الاحتلال الاسرائيلي شكلا من اشكال التمييز العنصري.
5 – دعوة الدول العربية الى اعتبار مبادرتها للسلام (اي قمة بيروت) “بداية هامة”. وهذا يعني دعوة العرب الى جعل المبادرة منطلقا للحوار مع اسرائيل لا سقفا له. وهذه نقطة “تفاوضية” لصالح اسرائيل بدون شك.
6 – اشارته الغامضة – او العامة – الى مدينة القدس “عندما ستصبح وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين”.

• • •
ننتقل مباشرة هنا الى ما لم يقله الرئيس اوباما ويجب تسجيله او تسجيل غيابه كطرح:
1 – لم يقل ان “القدس عاصمة للدولتين” في سياق تأكيده على حل الدولتين. وبهذا المعيار ما زال موقفه سياسيا دون موقف الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي الذي دعا بوضوح وعلى منبر الكنيست الاسرائيلي الى جعل المدينة عاصمة للدولتين: اسرائيل وفلسطين.
2 – لم يستخدم الرئيس اوباما مطلقا في خطابه تعبير “الدولة اليهودية” في وصف اسرائيل، وإن كان استخدم تعبير “وطن خاص” لليهود كرغبة “متأصّلة في تاريخ مأساوي”.
اذن، كان خطابه اعلان خلاف عميق مع الحكومة الاسرائيلية الحالية، وما هو حسب تعبير مدير “معهد الشرق الادنى للسياسات” المؤيد لاسرائيل روبرت ساتلوف، ربما اكبر خلاف في تاريخ العلاقات الاميركية – الاسرائيلية.
لكن نقاط الخطاب لم ترقَ لتصبح برنامجا سياسيا محددا لحل النزاع. فكيف اذا اضفنا الصمت المطبق حول المسار السوري – الاسرائيلي؟
جهاد الزين
alkadaya@hotmail.com
النهار

ليبدأ بفلسطين
بقلم سميح صعب
لا شك في ان خطاب المصالحة مع العالم الاسلامي الذي القاه الرئيس الاميركي باراك اوباما من جامعة القاهرة الخميس، يعتبر محاولة لاصلاح الاخطاء التي ارتكبها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش وفريقه من المحافظين الجدد خلال الاعوام الثمانية الاخيرة. وفي جزء آخر من الخطاب حاول اوباما ان يقترب بحذر من الصراع العربي – الاسرائيلي الذي هو أحد الاسباب الرئيسية للخلاف بين اميركا والعالمين العربي والاسلامي.
صحيح ان اوباما قسم محاور الخلاف مع العالم الاسلامي نقاطاً عدة، من التطرف العنيف، الى الصراع العربي – الاسرائيلي، الى الديموقراطية، والسلاح النووي والمرأة، والحرية الدينية، الى التنمية الاقتصادية، لكن الموضوع الفلسطيني هو من أقدم مواضيع الخلاف بين الجانبين، في حين ان افغانستان والعراق والتطرف الاسلامي والديموقراطية هي مواضيع كلها نشأت في عهد بوش.
لقد لامس اوباما بعضاً من جوهر المشكلة الفلسطينية، وتحدث عن معاناة الفلسطينيين منذ 60 عاماً، وأقر بحق فلسطين في الوجود، ولم يصف “حماس” بالارهاب. هذا كله كلام لم يقله من قبل رئيس اميركي وهو في سدة الحكم. لكن العبرة تبقى في الطريقة التي سيتصرف بها الرئيس الاميركي لإنهاء معاناة الفلسطينيين، وتحقيق تطلعهم الى اقامة دولتهم في ظل التصلب الاسرائيلي، وبدء بروز أصوات في الولايات المتحدة من الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء ترفض ان يمارس اوباما ضغوطاً على اسرائيل من أجل حملها على القبول بتجميد كامل للاستيطان او للقبول بحل الدولتين.
والى القضية الفلسطينية، خاض اوباما في موضوع حساس آخر نشأ في عهد رئاسة بوش وأضفى تعقيداً على علاقات اميركا بالعالم هو مسألة “بناء الامم”. ولقد كان اوباما واضحاً في انتقاد مبادرة الادارة الاميركية السابقة الى الحرب في العراق. وكان واضحاً في انتقاد التدخل الاميركي في ايران عام 1953 عندما لعبت دوراً محورياً في اطاحة حكومة مصدق “المنتخبة ديموقراطياً”.
ولعل تجربتي افغانستان والعراق والاستياء الذي تركته هاتات التجربتان، قد دفعتا اوباما الى القول جازماً بأنه لا ينبغي على أية دولة ان تفرض نظاماً للحكم على أية دولة اخرى. والتجربتان المريرتان في العراق وافغانستان، دفعتاه الى القول ان اميركا ستقلل في المستقبل من التدخلات العسكرية في العالم.
من المؤكد ان الكثير مما ورد في خطاب اوباما مبني على العبر المستخلصة من الضرر الذي لحق بالولايات المتحدة في حقبة المحافظين الجدد وإدارة جورج بوش المؤدلجة التي قسمت العالم تحت شعار: من ليس معنا فهو ضدنا.
وبعيداً من اللغة المعتدلة التي صاغ بها اوباما كلامه، وبعيداً عن رسائل التطمين التي بعث بها ولا سيما تلك التي يؤكد فيها ان اميركا ليست ولن تكون في حال حرب مع المسلمين فإن المحك في اختبار الخطاب الاميركي الجديد تبقى في مدى جديته لناحية القضية الفلسطينية. وتبقى النيات الاميركية المعلنة في حاجة الى ترجمة فعلية.
إذن الخطاب شيء، والفعل شيء آخر. والتبدل الحقيقي في السياسة يبداً من فلسطين، لأنها سابقة لغيرها من المشاكل بين اميركا والعالم العربي. وإيجاد دولة فلسطينية سيساعد حكماً في مكافحة التطرف الاسلامي الذي تشكو منه اميركا والغرب ودول عربية على حد سواء.
وايجاد تحول في السياسة هو التحدي الحقيقي لأوباما بعد التحول في الخطاب. ولأن فلسطين هي كبرى ضحايا السياسة الاميركية على مر العقود، فإن بداية المصالحة يجب ان تنطلق من هناك. ولا يكفي هنا ابداء النيات الحسنة، بل ان إقران القول بالفعل سيظهر مدى الجدية التي يتمتع بها اوباما.
النهار

الملاك أوباما
نصري الصايغ
لا تستطيع إلا أن تحترم وتقدر وتحبّ باراك أوباما، لو لم يكن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. الصورة التي قدمها عن نفسه، أظهرته مبشراً بالسلام والإسلام، بالحرية والديموقراطية، بالتسامح والنبل. أما الصورة التي رسمها لبلاده، فتكاد تخلو من أي شائبة. بدت وكأنها من جنس الملائكة.
اعتماداً على أقواله، العالم سيكون بألف خير حيث الكلام، يصطف في خطابه، بسياق بالغ الذكاء واللطف والأناقة، للتدليل على المشكلات والقضايا، ولوصفها بحيادية راقية، وبعصمة باذخة، استحقت أن تنال تصفيقاً من الحاضرين في القاعة، وإعجاباً من المستمعين إليه، في شعاب الأرض الواسعة.
لا تستطيع إلا أن تحترمه وتحبّه، لو لم يرتكب ما يلي، وما ارتكبه فادح وصارخ وقاتل:
أ ـ لم يتألف نص الخطاب من خمسة آلاف كلمة ونيف. لم يستعمل فيها، سوى مرة واحدة، لفظة عرب. العرب بالنسبة إليه ليسوا وجوداً. إنهم عدم سياسي. انعدام جغرافي. هم ينتمون إلى الإسلام، وعليه، فقد بشرهم بإسلام نقيّ من أي قوة. هو إسلام منتقى.
ب ـ اختصر المشكلة الأولى، في العنف، وتحديداً، في انتشار الإرهاب. وهو إذ برأ الإسلام منه، لم يشر إلى التوظيف الذي ارتكبته بلاده، على مدار عقود، فالإسلام عندما تأمرك سياسياً واقتصادياً، بات منقسماً إلى تابع خانع، ورافض عنيف. وعندما أدخل في معادلة القطبية الثنائية، انقسم، إلى «قاعدة» مرعيّة، و«طالبان» محميّة، وعشائر سلطوية، وملوك وأمراء، غبّ الطلب العسكري والأمني والمالي.
التبشير بالإسلام، من قبل أوباما بليغ. نال إعجاباً. ترى لماذا تجاهل المسلمين؟ وهم على تعدد من الود بينهم أحيانا، وعلى تعدد في الضد أحيانا، لخدمتهم.
ج ـ حظيت جرائم «الطالبان» و«القاعدة» بالإدانة، لما ارتكبوه من عنف. حدث ذلك، فيما العالم لم يتمكّن بعد من إحصاء عدد القتلى والنازحين في إقليم سوات. هناك، وبأمر من أوباما، تدار العمليات العسكرية ميدانياً، ويتولى الأميركيون الإشراف على القصف. والضحايا مدنيون. ثلاثة آلاف أميركي قتلوا في اعتداء القاعدة على برجي التجارة. وهو أمر مدان. ولا إحصاء عن مئات آلاف القتلى الذين سفكتهم أميركا… إنها تقصف وتدمّر بلا حساب.
د ـ كاد يُبكي المستمعين إلى ما حلّ باليهود، وبناء على ذلك، فهم يستحقون وطناً لا نقاش فيه. وطن لليهود. ولكنه لم يشر إلى المجرم الحقيقي في حملات الإبادة ضد اليهود. لم يكن العرب ولا المسلمون في حقل الدم. الغرب بثقافته العنصرية، سبب هذا الإثم الإنساني الكبير.
هـ ـ فلسطين، يجب ان تعيش جنباً إلى جنب مع اسرائيل. دولة بجانب دولة. قصة قديمة هذه القصة. لم يقل متى؟ كيف؟ فوق أي بقعة؟ والأنكى، أنه لم يحد قيد أنملة عما قاله جورج بوش: اعترفوا بإسرائيل، وبأمنها. ثم… لم يقل لنا أوباما، متى تتحرر أميركا من إسرائيل، لترى بعينيها، جريمة العصر الكبرى: المأساة الفلسطينية، التي حوّلها الضمير الغربي، إلى سطر في قاموس اللاسامية.
و ـ نال إعجابا مضاعفا، عندما تحدث عن الديموقراطية، والانتخابات. انما لم يقل، لماذا تقف أميركا إلى جانب الدكتاتوريات العربية والإسلامية. ولماذا يقف ضد «حماس» ويطالبها بالاعتراف بإسرائيل.
ح ـ ط ـ ي… كلمن صعفص قرشت من قضايا، لم يلتزم فيها بكلمة. باستثناء النووي الايراني، أما النووي الإسرائيلي فمسامح. العرب أعجبوا به كثيراً. بهروا به أكثر. ماذا لو راجعوا سيرة كلينتون، وسيرة جيمي كارتر، وسيرة عظماء أميركا… إنهم يتساوون في الارتكاب… بأناقة.
الأخبار

أوباما يطوي صفحة صدام الحضارات
سعد محيو
الكثيرون سيقاربون خطاب الرئيس الأمريكي بوش من موقع التحليل السياسي، أو الاستراتيجي، أو الأبعاد الخفية وغير الخفية للإدارة الأمريكية الجديدة .ونحن أيضاً سنفعل ذلك بعد قليل .
لكن، لا بد من منح هذا الخطاب ما يستحق من ترحيب وتأهيل من زاوية واحدة على الأقل: إنه جاء في عكس تيار اجتاح الشرق الأوسط والعالم منذ انهيار جدار برلين العام 1989 وحتى الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي بوش، والذي تركّز على المحاور الآتية:
الإسلام هو العدو الرئيس الجديد للغرب الذي سيحل مكان العدو الشيوعي على الصعد كافة الإيديولوجية والاستراتيجية والعسكرية . وهذا المبدأ تمت بلورته في أوائل التسعينات على يد المحافظين الجدد الأمريكيين في ظل الزعامة النظرية لبرنارد لويس والقيادة العملانية لبيرل وفيث وبقية سرب اليهود الأمريكيين المتطرفين .
حرب الحضارات باتت بعد نهاية الحرب الباردة قدراً لا مفر منه، خاصة بين الحضارتين الإسلامية والغربية ثم بين الغربية والكونفوشيوسية . صموئيل هانتينغتون، هو الذي قاد هذه “البشارة”، لكن المحرّك الحقيقي كان (مرة أخرى) المؤرخ اليهودي المخضرم برنارد لويس استاذ هانتينغتون وعصبة المحافظين الجدد .
أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، ثم حروب أفغانستان والعراق ولبنان وغزة، جاءت لتؤكد أن الإسلام والحضارة الإسلامية، وليس حفنة المتطرفين الأصوليين، ما الهدف الذي يجب أن تصوّب على صدره كل بنادق الغرب بهدف بناء هوية غربية موحّدة جديدة .
خطاب القاهرة الأوبامي جاء ليغلق هذه الصفحة السوداء المروعة، وليعرض السلام والتعاون بدل الحرب والمجابهات بين أمريكا والغرب في ستة مجالات:
شن حرب أمريكية  إسلامية مشتركة على “كل أشكال التطرف العنيف، انطلاقاً من أن الولايات المتحدة ليست ولن تكون أبداً في حرب مع الإسلام”، كما قال أوباما . وهذا العمل المشترك يمكن أن يتحقق في أفغانستان ضد القاعدة وطالبان، ضد المتطرفين في باكستان، جنباً إلى جنب مع الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق .
تسوية الصراع العربي  “الإسرائيلي” عبر حل الدولتين، استناداً إلى تعهد أوباما الشخصي بالعمل على تحقيق ذلك بالأناة والصبر اللازمين . وهذا كان ملفتاً أن يعتبر أوباما أن “لدى حركة حماس دعماً بين بعض الفلسطينيين، وهذا ما يرتّب عليها مسؤوليات تتعلق بتوحيد الشعب الفلسطيني ولعب دور في تحقيق تطلعات الفلسطينيين” عبر الشروط الأمريكية المعروفة .
الاعتراف بأن أمريكا أطاحت بحكومة محمد مصدق الإيرانية المنتخبة ديمقراطياً، والدعوة إلى إنهاء عقود من الشكوك واللاثقة بين طهران وواشنطن عبر الحوار والتفاهم .
الالتزام بالديمقراطية في الشرق الأوسط، مع التعهد بعدم فرض أي نظام على أي دولة من جانب دولة أخرى .
تعهدات أوبامية جميلة؟ بالتأكيد . لكن، هل هي قابلة للتطبيق؟
هذا يعيدنا إلى سؤالنا الأول: ما الابعاد والأهداف السياسية والاستراتيجية للانفتاح الأمريكي الإيجابي هذا على العالم الإسلامي؟
الخليج

فيسك: خطاب أوباما يمكن أن يشفي جروح قرون
في مقاله بصحيفة إندبندنت علق روبرت فيسك على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما للعالم الإسلامي بأنه “كلمات يمكن أن تشفي جروح قرون”.
وتعقيبا على خطابه المسهب وصف فيسك أوباما بأنه واعظ ومؤرخ واقتصادي وأستاذ في علم الأخلاق ومدرس وناقد وإمام وإمبراطور، حتى كدنا -أحيانا- ننسى باراك أوباما باعتباره رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
وتساءل هل محاضرته تلك التي اختير جمهورها بعناية في جامعة القاهرة المصرية ستعيد تخيل العالم وتشفي جروح قرون بين المسلمين والمسيحيين؟ وهل ستحل مأساة الصراع العربي الإسرائيلي بعد أكثر من 60 عاما؟
وأضاف فيسك أن الخطاب كان ذكيا، حيث جمع بين الرقة والقسوة كما يمكن أن يتمنى أي جمهور وكلنا كنا معنيين بالخطاب. وأشار إلى مدحه الإسلام وأن عدد المسلمين في أميركا يقارب سبعة ملايين والمساجد منتشرة في كل ولايات الاتحاد، وأن المغرب كان أول دولة تعترف بالولايات المتحدة، وأن من واجبنا مكافحة أصحاب الصور النمطية عن المسلمين في أميركا، كما يجب على المسلمين مقاومة أصحاب الصور النمطية عن أميركا بينهم.
وأشار فيسك إلى أن خطاب أوباما اشتمل على كم هائل من الحقيقة عندما تحدث عن معاناة الفلسطينيين الذين لا وطن لهم وأن الموقف غير محتمل وأن أميركا لن تتراجع عن أمل الفلسطينيين المشروع في دولة لهم، وأن على إسرائيل أن تتخذ خطوات قوية لكي يتقدم الفلسطينيون في حياتهم اليومية كجزء من الطريق المؤدي للسلام، وأن عليها أن تقر بمعاناتهم وحقهم في الوجود.
وعقب بأن إسرائيل لم تضطر منذ قرن لتحمل مثل هذا النوع من النقد من رئيس أميركي وأن الأمر بدا كما لو أنه “نهاية الحلم الصهيوني”.
وألمح الكاتب إلى أن أوباما كان حصيفا في حديثه عن إيران بأنها كدولة يجب أن تعامل بكرامة، وذكرنا بتآمر أميركا عليها في الماضي للإطاحة بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيا في الخمسينيات وأنه كان من الصعب التغلب على عقود من عدم الثقة.
وفي معرض حديثه عن كون بعض الحكومات “بمجرد وصولها للسلطة تصبح قاسية في قمع حقوق الآخرين”، أشار فيسك إلى التصفيق الحاد من الجمهور المفترض أنه سريع الانقياد. وأنه لو كان بيد الحكومة المصرية لاختارت من كلام أوباما ما يناسب الشعب المصري. وعقب بأنه بات واضحا جدا مدى استياء النظام البوليسي المصري، ونوه بعدم ذكر أوباما اسم مبارك ولا مرة.
وتابع فيسك تعليقه على الخطاب بأنه رغم انبهار الكثيرين بكلام أوباما فإنه أغفل بعض الأشياء. فهو لم يذكر، أثناء انتقاده الشديد لإيران، الرؤوس النووية الإسرائيلية البالغة 264. وعاتب الفلسطينيين على عنفهم لـ”إطلاق صواريخ على الأطفال النيام أو تفجير النساء المسنات في حافلة”، لكنه لم ينبس ببنت شفة عن عنف إسرائيل في غزة، إلا الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة. كذلك لم يأت على ذكر قصف إسرائيل للمدنيين في لبنان ولا عن غزوها المتكرر للبنان (17500 قتيل في غزو عام 1982 فقط).
وأردف أن أوباما طالب المسلمين بألا يعيشوا في الماضي، لكنه استثنى الإسرائيليين من هذا الماضي. ومع ذلك لاحت المحرقة اليهودية في ثنيات خطابه، وذكرنا بأنه ذاهب إلى معسكر اعتقال بوخينفالد في ألمانيا.
وأشار إلى ما أسماه إغفال رحيم، حيث خلا الخطاب الذي قارب ستة آلاف كلمة من الكلمة القاتلة “الإرهاب”. فقد صار “الإرهاب” نقاطا فاصلة لكل حكومة إسرائيلية وأصبح جزءا من علم النحو القذر في حقبة بوش.
وختم فيسك مقاله بأن أوباما رجل ذكي ورغم أن خطابه لم يكن كخطاب إبراهام لينكولن في غيتيسبرغ أو خطاب تشرشل، لكنه لا بأس به. وعلق بما جاء في ملاحظات تشرشل من أن “الكلمات سهلة وكثيرة، بينما المآثر صعبة ونادرة”.

أوباما: المشروع والقناع
سليمان تقي الدين
كأنما طبيعة المكان هي التي حدّدت العناوين والموضوعات التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما من على منبر جامعة القاهرة. بدا الرئيس وكأنه يطرح أفكاراً في قضايا ثقافية أكثر منه زعيماً لإمبراطورية صنعت وما تزال تصنع الكثير من المآسي البشرية نتيجة سياسة القوة والحروب ومشاريع السيطرة وإعادة تشكيل العالم.
في النقاط السبع التي تناولها، ظهر صاحب رؤية لا صاحب قرار. منذ توليه زعامة الدولة الأعظم توجه بخطاب جديد يحمل عناوين الحوار والمصالحة مع العالم الإسلامي الذي أثخنه سلفه بالجراح والإهانات.
توجه إلى إيران في عيد النيروز معترفاً بعمقها الحضاري داعياً إلى تعاون إيجابي. زار تركيا إحدى الدول التي تقوم بدور إيجابي بين الشرق والغرب. حطّ في المملكة العربية السعودية بوصفها «مهد الإسلام». حرص على تبرئة الإسلام كدين مما اتهمه به سلفه من «الإرهاب» إلى «الفاشية».
وفي خطاب القاهرة تعهّد بسحب قواته من العراق في الموعد المحدد، مبدئياً، وأفغانستان بعد أن ينجز مهمة القضاء على الإرهاب. أفرج عن حق إيران بالتكنولوجيا النووية ولكن ليس بالسلاح. أشار إلى ضرورة نزع سلاح الدمار الشامل في العالم. أكد وجوب وقف الاستيطان وحل الدولتين ومرجعية القدس لجميع الأديان. لكنه وضع معاناة الشعب اليهودي و«محرقته» في المقدمة مشيراً ـ في ما بعد ـ إلى مأساة الشعب الفلسطيني وكأنها نتيجة زلزال أو كارثة طبيعية، مؤكداً حقه في الحياة والاستقرار. جعل من ضمان أمن إسرائيل ثابتة أميركية. عرّج على الديموقراطية وتجاربها المتعددة محذراً من استخدامها للحؤول دون تداول السلطة. تحدث عن الحريات الدينية وتسامح الإسلام ولفت إلى حماية حقوق الأقليات مخصصاً الأقباط والموارنة. تناول حقوق المرأة في التعليم والمساواة وختم في مسألة التنمية الاقتصادية ومشكلات العولمة والحداثة وما تفرضه من تحديات على خيارات الشعوب وهوياتها.
تواضع الرئيس الأميركي وهو يتحدث عن سوء الفهم المتبادل. لكنه اعتبر أحداث 11 أيلول جرحاً بليغاً وصدمة قوية في العلاقات. لم يتذكر بالمناسبة القطيعة النفسية التي بدأت منذ نشوء دولة إسرائيل ودور أميركا في رعايتها على مدى ستين سنة. لم يتوقف عند المواجهة التاريخية مع مشروع التحرر الوطني العربي والحروب الإسرائيلية الأميركية. أخذ الأمور أكثر نحو اختلاف الثقافات موحياً أن جذوره الإسلامية تسمح له بتفهم الآخر. لكن الخطاب الأميركي الجديد لم ينشأ عن وعي ثقافي مستجد، بل هو نشأ عن أزمة المشروع الإمبراطوري في الداخل والخارج. أوباما نفسه كان حاجة أميركية قبل أن يكون حاجة للحوار مع العالم والعرب والمسلمين. الخطاب الثقافي لن يغيّر موروثات تاريخية ومشكلات ما زالت نازفة. يريد أن يطوي صفحة العراق لكنه يفتح صفحة جديدة في باكستان من ثمارها الراهنة تهجير مليون ونصف مليون بشري وحبل العنف هناك على الجرار. تكراره مقولة الإرهاب اختلطت في مواضع كثيرة مع نظرته إلى المقاومة الفلسطينية وتهديدها لأمن سكان إسرائيل. أشار إلى مبادرة السلام العربية بوصفها فكرة قابلة للنقاش وليس بصفتها مشروع تسوية تاريخية ليس عند العرب ما يقدمونه أكثر منها. كأنما الخطاب جاء ترجمة لاستراتيجية «القوة الناعمة» التي نصح بها تقرير بيكر ـ هاملتون ووزراء خارجية أميركا السابقون. هذا التحوّل في السلوك الأميركي هو نتيجة وقائع ومعطيات عنوانها إحباط المشروع الأميركي وفشله وانكشاف حلفائه في المنطقة وصمود خصومه وتحقيقهم لإنجازات باتت تفرض التفاوض معهم.
الإسلام الذي احتل مخيلة باراك أوباما وهو يتحدث في القاهرة محاولاً التصالح معه هو المستعد للاندماج في النظام العالمي الذي تهيمن فيه أميركا ومصالحها الاقتصادية. هو الإسلام المستعد لمصالحة إسرائيل لأنه متسامح ويقلق من وجود قوى إقليمية تفرض وجودها بتقدمها الاقتصادي والعسكري على الخارطة. هو الإسلام الذي لا يؤمن بالعنف وكأن العنف عقيدة لا وسيلة يحسن البعض استخدامها ويسيء البعض الآخر شأنه شأن كل الوسائل والخيارات.
في مطلق الأحوال لقي خطاب الرئيس الأميركي ترحيباً وارتياحاً في أوساط العرب والمسلمين. لكن المصداقية تكمن في الأفعال لا الأقوال. لم تكن إسرائيل يوماً قادرة على استباحة الحقوق العربية لولا فائض القوة العسكرية والمادية والمعنوية المستمدة من الغرب ومن أميركا بوجه خاص. هناك تناقض خطير بين ضمان أمن إسرائيل في وجه مقاومة شعب شبه أعزل وبين هذا الحصار المستمر على هذا الشعب وعدم الاعتراف بشرعية مقاومته.
شعار حل الدولتين عمره أكثر من ربع قرن والتفاوض حوله بدأ منذ عقدين لكن الوقائع تسير في الاتجاه المعاكس: تهويد القدس، تفكيك الضفة، التهويل بيهودية الدولة والوطن البديل. يحتفظ أوباما بحقه في ممارسة العقوبات على إيران ويجدّد قانون العقوبات على سوريا ويدين عنف المقاومة لكنه عندما يقارب الموقف الإسرائيلي يطلق الوعود والتمنيات ويدعو إلى مفاوضات غير متكافئة مع أصحاب القضية رفضها قادة إسرائيل سلفاً. الاعتراف بإسرائيل والمزيد من الاعتراف بإسرائيل شرط كل تفاوض، لكن الأميركيين حتى الآن لا يعلنون أنهم جادون في تطبيق القرارات الدولية وإلزام إسرائيل بها كمدخل للتفاوض وللحل.
لبس جورج دبليو بوش قناع نشر الحرية والديموقراطية ومكافحة الدكتاتورية، ومكافحة الإرهاب، ويلبس باراك أوباما قناع الحوار والمصالحة والتفاوض وثقافة التسامح، ولكل مشروع سياسي الخطاب الملائم والقناع. أميركا لم تغيّر مصالحها وأهدافها، لقد غيّرت الوسائل والأساليب والأقنعة حتى إشعار آخر. العالم تغيّر وكذلك مصادر القوة الأميركية. بديهي أن تحاول أميركا احتواء التناقضات التي هبّت عليها في العديد من المواقع. إذا أرادت أميركا أن تتصالح مع العالم عليها أن تحترم مصالح شعوبه وإرادتها لا أن تخاطبه برسالة ثقافية تجاوزتها عندما انخرطت في مشروعها الإمبريالي.

أميركا المتحوّلة والمسلمون الثابتون
هوشنك بروكا
لا شك أن “الخطاب الرمز” الذي توجه به الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس الأول، من على منبر جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي، كان خطاباً تاريخياً بكل المقاييس.
وتاريخية هذا الخطاب، تكمن بالدرجة الأساس في أنه أسس لتاريخٍ جديدٍ في الحوار بين الغرب المسيحي والشرق المسلم.
الرئيس أوباما لم يخطب، في السياسة فقط، وإنما خطب في الفكر والثقافة والدين وفي ما حواليه أيضاً. عليه، فأنه لم يقرأ في خطابه الذي حمل رموزاً وإشاراتٍ ورسائل كثيرة، الفاتحة على سياسات سلفه جورج بوش فحسب، الذي طالما وصف “الشرق المسلم” بإعتباره نقيضاً للغرب المسيحي، والذي كان سبّاقاً في صك مصطلحات من قبيل “الفاشية الإسلامية” و”الحروب الصليبية الجديدة”، وسواها، وإنما قرأ الفاتحة، في ذات الخطاب، أيضاً، على روح أفكار صاموئيل هنتنغتون(1927ـ2008)، المتمثلة في نظريته المعروفة “صدام الحضارات”، والتي ألهمت المحافظين الجدد، وأضحت الركيزة الأساسية لسياسةأميركا الخارجية مع الآخر(المسلم)، على مدى أكثر من عقدٍ ونيفٍ من الزمان، وذلك لإيمانهم بحتمية الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لأنه صدام بين “ندين متناقضين”.
ففي الوقت الذي حددّ فيه هنتينغتون “مشكلة الغرب الأساسية في الإسلام نفسه(كل الإسلام) بمختلف حضارته، وبأتباعه الذين يعتقدون بتفوق حضارتهم في نفس الوقت الذي نراهم مهووسين بتخلفهم”، حدد أوباما أمس، في خطابه، مشكلة الغرب والعالم كله في “المتشددين والمتطرفين من كل الأديان”، مؤكداً “أنّ للحضارة الإسلامية فضلٌ كبير على الإنسانية جمعاء، لأن الإسلام هو دين التسامح، وهو الدين الذي حرّم قتل النفس البريئة، كما جاء في القرآن: من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
الرئيس الأميركي، ومنذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، كرئيس جديد ل”أمريكا العهد الجديد”، بدا على عكس سلفه، مرناً في خطابه، ومتسامحاً مع الآخر، ولبقاً في إسلوبه، وذكياً في اختيار مفرداته، خصوصاً عند مخاطبته للعالم الإسلامي.
فهو منذ اللحظات الأولى من دخوله البيت الأبيض، وإلقائه لخطاب القسم، بدا متغيّراً ومنفتحاً في رؤيته إلى الإسلام والمسلمين، بعكس الكثير من الساسة والمفكرين الغربيين النمطيين الذي قسموا العالم إلى فسطاطين: “فسطاط الأصدقاء” و”فسطاط الأعداء”؛ “فسطاط معنا” و”فسطاط ضدنا”؛ “فسطاط”(نا) و”فسطاط”(هم).
هو منذ الأول من عهد  أميركا(ه) الجديد، فصّل بين المسلمين والإسلام كدين، وبين المتطرفين والمتشددين الإرهابيين “الذين لا دين لهم”. وهو، علاوة على ذلك، خاطب الإسلام، بإعتباره “داخلاً” لأمريكا، وليس “خارجاً” عنها أو عليها، وذلك حين قال: “إننا أمة تتألف من مسيحيين ومسلمين، من يهود وهندوس، ومن غير المؤمنين بأي دين، إننا مزيج من كل اللغات والثقافات، ونابعون من كل طرف من أطراف الأرض”(خطاب القسم).
في بعضٍ من خطابه أمس، أكد أوباما مجدداً، على الإسلام بإعتباره “جزءاً داخلاً” فيأميركا ومنها، وذلك في سياق حديثه عن جذور أبيه الإسلامية، وتصالحه مع الإسلام وثقافته.
الخطاب، كما قال أوباما نفسه، جاء خطاباً لتغيير الرؤية الغربية التقليدية، التي تمّ الربط المباشر فيها بين الإسلام والإرهاب، وبالتالي لقطع دابر الفتنة وسد الطريق أمام المتطرفين والمتشددين، الذين خلقوا أجواءً من الشك واللاثقة بين العالمين الغربي والإسلامي، بغرض التأسيس تالياً، لبداية جديدة، وعهد جديد من العلاقات القائمة على الإحترام المتبادل بين الطرفين.
هو، قال كلمته الفصل، ك”رئيس لأمريكا المتغيّرة”، منفتحاً على الإسلام والمسلمين: “جئتكم إلى عقر داركم، كي أقول لكم، أنأميركا ليست عدوة الإسلام والمسلمين، بل ما يربط بيننا هو أكثر”.
على مستوى علاقةأميركا مع العالم الإسلامي، هناك الكثير ممن تحدث وبحث وكتب في “تغيّر أوباما”، الواقع منه والمتوقع، الممكن منه والمستحيل، القريب منه والبعيد، ولكن ماذا عن تغيّر “الآخر” المسلم، الثابت في معظمه، منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان؟
أوباما أميركا المتغيّرة، قال: “أنّ الإسلام جزء منأميركا، وما يربط بينهما هو أكثر بكثير مما يفرقهما”، وأشار إلى “أنّ للإسلام تاريخاً يدعو للإفتخار”، ولكن هل سيتغيّر المسلمون و شيوخ الفتاوى الثابتون، ويكفّون عن وصف أميركا ب”عدوة الله”، و”الخارجة على شرعه”، وعن الإفتاء ب”قتل” الأميركيين، ورش واشنطن وأخواتها بمادة الأنثراكس، حسب فتوى الباحث السياسي والأكاديمي الكويتي د. عبدالله النفيسي، التي بثتها أشهر فضائية عربية في 02.02.09؟
هل سيكفّ دعاة التاريخ الثابت، والإسلام الثابت، عن نصوصهم الثابتة، الذين يقسّمون تاريخ العالم إلى تاريخين متصادمين عدوّين: “تاريخنا الهالك” و”تاريخهم المهلك”؛ “تاريخ الأنا” و”تاريخ الهو”؛ “تاريخ الله” و”تاريخ الشيطان”؛ “التاريخ الكامل” و”التاريخ الناقص”؛ “التاريخ الخيّر” و”التاريخ الشرير”…إلخ؟
أوباماأميركا المتحوّلة، قال ل”إيران النووية”، أنأميركا ليست بعدوتكِ، وهي ليست بالضد من “نوويتك السلمية”، ولكن هل سيكفّ الملالي الثابتون، من أمثال أحمدي نجاد، عن وصفأميركا الدائم ب”الشيطان الأكبر”، وعن تهديدهم ل”شيطانها الأصغر” إسرائيل، بمحوها من على الخريطة، ومن أيّ وجود؟
أوباما الذي يصرّ في كل مناسبة على “ضرورة التغيير”، قال: المستقبل هو لقيم الديمقراطية، التي هي “ليست مجرد قيم أمريكية فحسب، وإنما هي قيم إنسانية عامة، لا يختلف عليها أي شعب أو أمة”، فهل ستتغيّر جماعات الإسلام السياسي الثابت، وتكفّ عن وصف الديمقراطية، بأنها “بدعة غربية”، و”ثقافة غريبة لا تمت إلى الإسلام بصلة”، وعن زج الدين في السياسة، وعن “شعار الإسلام هو الحل”، و”ولاية الفقيه”، و”دولة الخلافة”، و”الإمامة”، وما شابه ذلك؟
أوباما الباحث عن التغييّر، قال أن العراق هو للعراقيين، فهل سيتغيّر الطائفيون الثابتون، ويدعون طوائفهم الثابتة جانباً، ليصبح الدين لله والعراق للجميع، وليكون عراقهم “وطناً نهائياً”، لكل أبنائه، عرباً وأكراداً وتركماناً وآشوريين وكلدانيين وأرمنيين، سنةً وشيعةً ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وشبك وكاكائيين وفيليين وبهائيين…إلخ؟
أوباما، خاطب الفلسطينيين واليهود، بضرورة قبول حقيقة التعايش المشترك، بين الشعبين، في دولتين جارتين: واحدة للفلسطيين، الذين “يجب عليهم التخلي عن العنف”، وآخرى لليهود الذين “عليهم وقف بناء المستوطنات”، فهل ستتغير حماس وتتخلى عن سياساتها العنترية، وويلها وثبورها ل”الشعب اليهودي”، وتقبل بإسرائيل كدولة جارة، وتكف عن وصفها الثابت والسقيم لها، ب”الكيان الصهيوني”، و”دولة العدو”، و”دولة الفصل العنصري”، و”الدولة المارقة”، و”الدولة الخنجر في خاصرة العرب”…إلخ؟
وهل ستتغيّر إسرائيل، عن تطرفها تجاه الشعب الفلسطيني، وتكفّ عن سياسة التعامل معه ب”عقدة المحرقة”؟
أوباما الذي يريد للتغيير فيأميركا أن يكون، قال أن “أمريكا تحترم كافة القوى السياسية بما فيها تلك التي تختلف معها، وأنّ احترام إرادة الشعوب أمر لا يقبل التعامل بمعايير مزدوجة”، فهل ستتغير سلوكيات الأنظمة التوتاليتارية والأوليغارشية الثابتة، في الشرق المسلم مثلاً، ويكفّ القائمون عليها عن قمع إرادة الشعوب، وإقصاء وإلغاء الآخر، ودوس الحقوق والحريات والكرامات؟
أوباما، الماشي إلى تغييرأميركا وتحريرها من “السلوكيات النمطية”، دعا إلى الحرية الدينية، مستشهداً ب”إسلام الأندلس” كخير مثالٍ على التعايش السلمي، الذي شهدته تلك الحقبة من الحكم الإسلامي، بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ولكن هل سيكفّ إسلاميو مصر مثلاً، عن وصف أقباطهم ب”أولاد القردة والخنازير”، وب”الطارئين على مصر”، وب”أهل الذمة”؟
هل سيكف السني عن الإفتاء بقتل الشيعي وبالعكس.. وهل ستغيّر الشوارع الإسلامية، في أرجاء بلاد الإسلام من نظرتها إلى غير المسلمين، بإعتبارهم “ذميين”، أو “خارجين على مملكة الله”، أو مواطنين من الدرجة الدنيا؟
أوباما، الداعي لفتح عهد أمريكي متغيّر وجديد، دعا إلى إخراج نصف البشر(المرأة) من تعطيله، فهل سيعدل السلفيون والنصوصيون عن فتاواهم، التي لا ترى في المرأة إلا نصفها أو أقل، والتي كثيراً ما يُفتى فيها، على أنها “ناقصة عقلٍ ودينٍ ودنيا”؟
أمريكا منذ نشأتها، واستقلالها من المملكة المتحدة سنة 1776، هي في تغيّر دائم ومستمر.
مع أوباما، المختلف كثيراً عن سابقيه، جاء تغييرأميركا، هذه المرة(على مستوى الخطاب السياسي في الأقل)، كفرصة تاريخية كبيرة، لصالح العلاقة مع العالم الإسلامي، التي طالما شهدت الكثير من التوترات والعداوات والكراهيات، والتي أوصلت المسلمين، على امتداد بلاد الإسلام، إلى قناعةٍ تامة، ب”أنّأميركا هي عدوة الإسلام اللدودة”.
هذا التحوّل أو النية في تحقيقه، كما يريد أوباما له أن يكون، يبقى، على أيّ حال، “نصف تغيير”، في نصف الطريق، لا بد من استكماله بنصف التغيير الآخر، الذي تقع مسؤولية نصف نجاحه على عاتق العالم الإسلامي، والذي بدون استعداده لهذا التغيير ودون تمكينه لشروطه، سيستحيل تحقيق أي تغيير، مهما بلغت درجة صدقيته وضرورته أمريكياً.
الرئيس أوباما، تحدث في الكثير من الثوابت، التي آن أوان تغييرها.
ولكن ما لم يقله أوباما، أو سكت عنه، ربما ليقوله في القادم المتغيّر من خطاباته، هو : “ان الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بانفسهم”(الرعد: 11).
في خطوة سياسية غير مسبوقة أمريكياً، غيّر أوباما ما بنفسه وبنفسأميركا وخطابها السياسي تجاه الإسلام والمسلمين، ليسجّل بذلك موقفاً تاريخياً يُحسب له ولأمريكا(ه)، فهل سيغيّر المسلمون ما بأنفسهم تجاهأميركا، ويلتحقون بركب التغيير، أم أنّ القائمون على شئون الثابت من الدين والسياسة والثقافة منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان الثابت، سيجهلون أوباما ويتجاهلون خطابه، وكأنها “ضرطة في سوق الصفافير”، على حد قول المثل العراقي؟
هوشنك بروكا
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى