قراءة سورية لنتائج الانتخابات اللبنانية
مازن درويش
جرت العادة في سورية أننا كمواطنين سوريين نبدي حماسة و اهتماما بالانتخابات التي تجري من حولنا بشكل لافت فمن الانتخابات الفرنسية إلى الانتخابات الأمريكية وصولا إلى الانتخابات اللبنانية , متابعة و توقعات و اصطفاف و رهانات . . . حتى يخيل إليك أن الانتخابات الفرنسية و الأمريكية و اللبنانية تجري على الأراضي السورية . وبنفس المقدار يخيل إليك أن الانتخابات السورية تجري في أراضي جزر القمر الشقيقة ,إذا ما قارنت الاهتمام و الحماسة التي نبديها تجاهها , ربما لأنه – لا مجال للتوقعات أو للرهانات فيها – .
و بهذا السياق أريد أن أسجل أمامكم لأحد أصدقائي الأعزاء قبولي و إقراري التام بالهزيمة التي منيت بها على يده , حيث أخطأت توقعاتي بفارق ثلاث مقاعد لصالح المعارضة اللبنانية و تحديدا في دائرتي بيروت الأولى و زحلة حيث راهنته بإصرار على أنه رغم اتفاقنا على خسارة المعارضة للانتخابات النيابية فان كتلة التغيير و الإصلاح التي يقودها الجنرال ميشيل عون ستضم ثلاثين نائبا . و بعد صدور النتائج يكون صديقي قد أصاب حين أخطأت و استحق عزيمة الغداء بكل جدارة – و إن كان هذا لا يعني انه لن يقوم هو بدفع الفاتورة كما جرت العادة التوافقية بيننا – .
الأهم من خسارتي عزيمة الغداء التوافقية بفارق المقاعد الثلاثة هو أن نتائج الانتخابات اللبنانية تصب في مصلحتي كمواطن سوري- و بغض النظر عن كل ما يقال حولها – لأسباب ثلاثة :
– أولها أن فوز تحالف المعارضة بقيادة حزب الله كان سيؤدي إلى فرض نوع من العزلة السياسية و الاقتصادية على الحكومة التي سيشكلها حزب الله و حلفاؤه من قبل الإدارة الأمريكية, و كلام مسؤول الملف اللبناني في الخارجية الأمريكية السيد جفري فيلتمان عشية الانتخابات اللبنانية بهذا الخصوص كان أكثر من كلام عابر و أكثر من كلام واضح. هذا الموقف الأمريكي كان سيجر معه موقف أوروبي مشابه بالضرورة. وموقف أكثر حدة من قبل المملكة العربية السعودية خصوصا في ضوء الإصرار الجدي للنائب سعد الحريري الزعيم السني في لبنان على عدم المشاركة في الحكومة في حال فوز المعارضة و موقف المملكة العربية السعودية هذا سيجر معه مواقف مشابهة من قبل معظم دول الخليج و باقي الدول العربية بالضرورة. ناهيك عن أن هذه الحكومة ذاتها ستعمل على تقوية إنتاج هذه العزلة بسبب وقوع حزب الله في المأزق الذي كانت قد سبقته إليه حركة حماس عندما فازت في الانتخابات النيابية و شكلت منفردة الحكومة في فلسطين , فمن جهة هذه الحكومة بحاجة لغطاء إقليمي و دولي للحياة و الاستمرار و بنفس الوقت لا تمتلك المقدرة الأيديولوجية و الذاتية على قبول القرارات و الاتفاقيات الدولية و بشكل خاص القرار 1559و مسار التسوية الشامل. و أمام عدم إمكانية تحويل نقطة حدود المصنع إلى معبر رفح آخر- أخلاقيا و موضوعيا – و عدم إمكانية تنصل الحكومة السورية من المسؤولية تجاه حلفائها اللبنانيين و الإيرانيين و طموحاتهم المحلية و الإقليمية و الأيديولوجية في المنطقة والحال كذلك كنا سنجد أنفسنا في سورية في موقع الشريك و المساند لهذه الحكومة ناقصة التمثيل الطائفي و الغير ميثاقية و المغضوب عليها عربيا و دوليا , لنعود مرة أخرى إلى دائرة العزل و الحصار السياسي و الاقتصادي و إلى مسار الفرز و الانقسام الحاد العربي بين دول الاعتدال و الممانعة و لكن بشكل أشد و أكثر عدائية هذه المرة , لندفع وحدنا ثمن إيقاظ الدب الذي كان قد بدأ ينام .
– ثاني الأسباب يتعلق بكون فوز المعارضة بقيادة حزب الله كان سيشكل طوق النجاة الوحيد الممكن للحكومة اليمينية في إسرائيل من جميع مشاكلها مع الإدارة الأمريكية الجديدة و التي تتم بهدوء وصمت ولكن بتباين عميق و دفعة واحدة و على كافة الأصعدة فمن جهة كان سيعطيها فوز المعارضة المبرر الكافي لعدم وضع باقي الأراضي اللبنانية المحتلة تحت وصاية الأمم المتحدة – الأمر الذي سيجري تسريعه لاحقا بعد تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة – بالإضافة إلى كون فوز المعارضة اللبنانية سيشكل نقطة ارتكاز أساسية للحكومة اليمينية الإسرائيلية من اجل إعادة إنتاج مقولة السلام الاقتصادي و محاولة التنصل من الضغط الأمريكي المتعلق بمسار التسوية الشامل في المنطقة و الذي بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة تتلمس طريقه بشكل هادئ و عميق . وأيضا فوز المعارضة اللبنانية بالانتخابات كان سينعكس سلبا على مسار التسوية السوري الإسرائيلي الذي بدأ يستعيد حيويته على اعتبار أن الحكومة الإسرائيلية ستحشد جميع المبررات المنطقية التي تجعلها تشترط قيام سورية بنزع سلاح حزب الله كجزء من متطلبات التسوية مع سورية و هو ما تصر الحكومة السورية على عدم إدراجه في صلب المفاوضات معها . هذا كله بالإضافة إلى تصليب الموقف الإسرائيلي تجاه المشروع النووي الإيراني . و لتضيع من يدنا في سورية مرة أخرى إمكانية جر الإسرائيليين لمواجهة متطلبات السلام من إعادة الأراضي السورية المحتلة في ضوء مناخ دولي مساعد . و بذلك تكون الحكومة اليمينية الإسرائيلية – برأيي – هي الخاسر الأكبر من فوز فريق 14 آذار بالانتخابات اللبنانية.
– ثالث الأسباب و ربما أهمها بالنسبة لي كمواطن سوري يتعلق بكون نتائج الانتخابات اللبنانية و قبول جميع الأطراف بها و حالة العقلانية و الوفاق الوطني التي بدأت تسود الساحة السياسية اللبنانية – و التي تبشر بالخير – يثبت أن الديمقراطية – و بغض النظر عن أنواعها و أشكالها – و الاحتكام لإرادة الشعب بشكل سلمي و حضاري هو الحل الأمثل و الأكثر أمانا لجميع البلدان التي تعاني من مشاكل و أزمات داخلية خصوصا عندما يوجد أشخاص مستقلين متسلحين بقيم و مفاهيم و أدوات المجتمع المدني في موقع المسؤولية الوطنية من أمثال الوزير زياد بارود .
و الآن بعد إقراري بالهزيمة لصديقي العزيز و شعوري بالراحة لنتائج الانتخابات اللبنانية على الأقل لجهة عدم وصول المنطقة إلى حافة التفجير من جديد . نستطيع أنا وصديقي التوجه إلى سوق ساروجة لتناول الغداء بسلام , و لنبدأ من جديد جولة مناكفة و رهان أخرى تتعلق بالانتخابات الإيرانية و التي سأراهن فيها بإصرار على فوز أحمدي نجاد هذه المرة بفارق ثلاثة بالمائة و في حال خسارتي للرهان أيضا ستصب النتيجة في مصلحتي كمواطن سوري لأسباب ثلاثة .