حوار الطرشان
المحامي ناصر
عندما طالبت الأرانب بحقها في سماع رأيها في مجلس إدارة الغابة سألتها الأسود والنمور والفهود أين مخالبك؟
وقال أحد الحكماء الأغريق يوصي ابنه: يا بني إذا أردت السلام فاستعد للحرب.
إذن أي مطالبة بأي حق مهما كان واضحا لا تكون مجدية مالم تستند إلى القوة.
وحتى الحوار الغير مدعوم بقوة تضمن “إقماع” الطرف الآخر هو أشبه ما يكون بأي حوار لمسلسل عربي أو تركي أو مكسيكي أو بفلم من أفلام الأكشن الأمريكية، بمعنى أنه علك بعلك وإضاعة للوقت.
فحينما يحاور الشمال الجنوب يعني ذلك أن الشمال يريد أن يقنع الجنوب بضرورة الخضوع والاستسلام والصبر على النهب والاستعمار وما ينتج عنه من فقر وأمراض وويلات وكوارث وحروب أهلية.
وعندما يتحاور الغرب مع الشرق يكون الهدف هو أن يقتنع الشرق والعالم بأسره بتبني القيم الغربية من الحرية بمعنى التحلل من كل القيم والتقاليد وتبني سياسات اقتصادية متوحشة وجشعة ولا إنسانية.
وعندما نتحدث عن حوار الحضارات يكون الهدف هو إقناع العالم بأن الحضارة الأمريكية هي الحضارة الوحيدة الصالحة لهذه المرحلة وإلغاء كل الحضارات الأخرى المعروفة تاريخيا وإنكار دورها وإظهارها على أنها قد صارت خارج العصر كما أنها السبب الكامن خلف كل الكوارث التي تعاني منها الإنسانية اليوم من حروب وإرهاب وتخلف وجهل وأوبئة وأمراض.
وعندما نتحدث عن حوار الأديان، تكون غاية رجال الدين المسيحي فيها شيء من التبشير بهدف تنصير المسلمين بينما هدف رجال الدين الإسلامي هو أن يدرك المسيحيون بأن من الأفضل لهم أن يسلموا. أما هدف رجال الدين اليهودي فغالبا ما يكون إقناع المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس وكل العالم بأنهم شعب الله المختار وأن ربهم هو إله مختلف عن رب العالمين الآخرين من الدرجة الثانية.
حوار الإسرائيليين والفلسطينيين – أيام كان الفلسطينيون طرفا واحدا – هدفه الطلب من الفلسطينيين قبول الأمر الواقع والتسليم بأن الاحتلال والاستيطان والحصار والغارات اليومية والتوسع ومصادرة الأراضي والقتل والاعتقال والتشرد والعدوان هو قدرهم.
وعندما يتحاور أرباب العمل والعمال تكون الغاية منها ضرب آخر المكتسبات العمالية التي تحققت على مدى العقود الماضية.
وعندما يتحاور الرجال والنساء يكون الهدف أن يقنع الرجل المرأة بأن تؤمن بحقه في أن يعاملها كدمية يتسلى ويستمتع بها وكخادمة لتلبية طلباته.
حوار الحكومات العربية في مؤتمرات القمة غايتها هي محاولة العرب الأمريكيين استيعاب العرب الغير أمريكيين وجرهم لخندقهم للانبطاح به وإقناعهم بأن أوهى رابط يجمع بين الدول العربية هو رابط العروبة، وما هو أقوى منه بكثير هو المصالح الخاصة بكل حكومة، وبالتالي فإن النوم على الذراع الأمريكي يعني الازدهار والتقدم والحرية والديموقراطية والاستقرار والتجارة الحرة والمساعدات السخية وإغلاق ملف الأزمات الفتعلة وإظهار.
وحوار الفرقاء اللبنانيين مع بعضهم هو محاولة يائسة لتحجيم كل صوت وطني وقومي حقيقي في لبنان سواء كان مسلما أم مسيحيا وإلحاق الهزيمة النهائية بآخر نفس وطني وقومي في العالم العربي
حوار المعارضة و”المنافقة” على مساحة العالم العربي المدعوم بآلاف الأمتار المربعة من الأقبية والزنازين هو محاولة إقناع المعارضين بأن هذه الأوضاع العربية المزرية والمؤسفة هي أحسن ما يمكن أن يحلم به المواطن العربي من أمن وأمان وراحة بال وأن أي كلمة نقد من أي نوع للأوضاع العربية سوف تصب بكل تأكيد في خانة الاستعمار والامبريالية.
حوار العين والمخرز هو دعوة لاستسلام العيون الجميلة ليتم فقؤها بكل برودة أعصاب من قبل آلة حادة جامدة لا تفهم معنى الجمال ولا وظيفة العيون.
وبرغم كل ذلك، لا بد من الحوار. ولا بد من من أن نتعارف وننفتح على بعضنا ونقبل بعضنا كما نحن وعلى ما نحن عليه بغض النظر عن الدين أو الحزب أو القبيلة أو العشيرة.
ولا بد من أن يدرك الجميع من متحاورين ومستمعين أنهم يضيعون وقتهم مالم يؤمنوا بكل الأنبياء والرسل أو على الأقل يعترفوا بحق الآخرين بالاعتراف بمن يشاؤون من الأنبياء والرسل، وبذلك يكون مبدؤهم هو التسامح والمحبة وأن الناس سواسوية كأسنان المشط، وأن الله قد خلق كل من على هذا الكوكب عبارة عن شعوب وقبائل لتتعارف وتتكامل فيما بينها ولافضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
كل هذا هو مستقى من الأديان والأفكار التي وجدت أول ما وجدت في منطقتنا ونشرناها للعالم وتشربت منها ثقافتنا وتراثنا وترسخت مع التقدم والتطور في مختلف بلدان المعمورة ومن المفترض أنها قد صارت من بديهيات المجتمعات البشرية ومتأصلة فيها لنكف عن إنكار بعضنا البعض.
ومع ذلك، وللأسف الشديد، فإن الحوار الوحيد السائد في العالم اليوم هو حوار الطرشان.
كلنا شركاء