صفحات مختارة

الفكر الشمولي “حمّالي الحطب”

عبد اللطيف المنير
لو كان الفيلسوف الفرنسي الشهير رنيه ديكارت بيننا اليوم لإعاد صياغة مقولته الشهيرة “انا افكر اذاً انا موجود” ولرفع صوته قائلا: انا ليبرالي اذاً انا موجود. اذ لم يكن للفكر عند ديكارت ان يبلغ مرحلة الاستنتاج بعد التحليل الا ضمن حرية العقل. وقتها كان ديكارت والمبدعين من الفلاسفة معه يحلقون في فضاء من الحرية الفكرية لا نهاية له.
في هذا السياق لم يكن من الصعب ان نفرق بين اصحاب الفكر الليبرالي من جهة، وبين منظري العقيدة او “العقائد” الشمولية من “حمالي الحطب” الفكر الايديولوجي المنخور. اذ ان الليبرالي يتجه في قبلته نحو المستقبل في حركيته الاطرادية والمتحولة، وكذا في عقلنته للحاضر وتقويم علاقته بالماضي، وينشد الاعلى في الغاية مستفيدا من تجارب الامم كافة.
اما اصحاب الفكر الجهوزي فانهم ماضويون، ما زالوا يغنّون الاطلال متجاهلين سقوط نظم وانهيار امبراطوريات قامت وتأسست على الفكر المنغلق الذي يفتقر الى الاتساق الفكري بمكوناته الابداعية.
لذا نجد مثلا ان الرؤية الماركسية بتطبيقاتها الستالينية، وكذا الاحزاب القومجية، قد نجحت في صياغاتها النظرية التي بهرت الملايين، وسقطت في التطبيق. حتى ان ثلة من “الكتبة” ما زالوا يروجون لهذه النظريات ويستدعون الماضي لطمس المستقبل! في حين نأى الفكر الليبرالي بنفسه عن اطر النظريات المحنطة والتعبوية، ونجح في اختراق حجاب العقائدي المكتوم، مشكلا القاعدة اللوجستية لامتداده في الحرية، وحبل الانسانية السري في علاقته بالآخر.
في عالمنا العربي الذي يحمل ارثا ايديولوجيا – وتاريخيا باهظا بعيدا عن الدين، والذي ما زال اسيرا للعديد من المعتقدات والمفاهيم المغالطة، التي قيدت بشكل لم يعد قادرا على الانتاج الفكري واستقراء المجريات، حتى اصبح بمنأى عن القصر. جاءت الليبرالية لتكون اداة ووسيلة لفك الطلاسم الذهنية واطلاق الفكر في مقاربات شاملة لحياة الفرد العربي.
مجددا: أنا ليبرالي اذاً انا موجود، الوجود الذي يعادل الحضور في الزمان والمعنى – حضور مكافئ لمساحة الحريات الذي هو مداد الحراك الجمعي في اتجاه صناعة المستقبل وخدمة الانسانية.

(كاتب سوري مقيم بأميركا mounaier@gmail.com )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى