صفحات العالمما يحدث في لبنان

الانتخابات في جمهورية الخوف

مصطفى زين
بانتهاء الانتخابات اللبنانية انتهت مرحلة من الصراع الدولي لتبدأ مرحلة جديدة. قانون 1960 الذي فتّت لبنان إلى دوائر صغيرة على قياس الطوائف والمذاهب، حوّل كل مختار إلى زعيم عالمي تحسب له الدولة العظمى الوحيدة في العالم ألف حساب. يخطب ودّه نائب وزيرة خارجيتها جيفري فيلتمان. ويحذر من إغضابه الرئيس باراك أوباما شخصياً. ويشد أزره الرئيس أحمدي نجاد. ويغضب من أجله بنيامين نتانياهو. كل هؤلاء يهددون اللبنانيين، جميع اللبنانيين بالانتقام، إذا لم تأت النتائج على ما يرغبون.
كانت الطائفية حاضرة، بأحقادها، لإضفاء شرعية على كل تدخل دولي أو إقليمي. على كل رشوة أو مخالفة للقانون. على كل تحريض قد يؤدي إلى فتنة وسفك دماء. لم يترك المرشحون مخالفة إلا ارتكبوها. فتحوا قبور الشهداء والقتلى صناديق اقتراع. كان الناخب يدلي بصوته لأصحاب القبور. يؤكد ولاءه للميت. أما الحياة والبرامج الاجتماعية والسياسية فمؤجلة. الغريزة وحدها ساقت الناخبين إلى القبور – الصناديق.
الخوف أيضاً كان حاضراً بقوة. الجميع خائف من الجميع. الموارنة، على ما قال بطريركهم، خائفون على ضياع الكيان و «عروبته». بمعنى آخر هم خائفون من الذوبان في محيط إسلامي. ومن إيران و «حكم ولاية الفقيه». السنّة خائفون من ضياع امتيازاتهم. ومن سورية، بتركيبة حكمها الحالية، أو بتركيبتها السابقة، واللاحقة أيضاً. ومن إمكان تحولهم إلى أقلية في بلد شكلوا أكثريته إلى الأمس القريب.
الشيعة الأقوياء بسلاحهم ومقاومتهم خائفون من إسرائيل، ومن إعادة تهميشهم بتحالف سني – ماروني، ما يجعلهم يتشبثون أكثر بسلاحهم، معتقدين أن السلطات المتعاقبة أهملت مناطقهم وتركتها للاحتلال إلى أن طردوه بهذا السلاح وحرروا قراهم ومدنهم في الجنوب. ووحده سيجبر الدولة على احترام حقوقهم.
أما الدروز الذين يقودهم زعيم يقال إنه أذكى السياسيين اللبنانيين، وأكثرهم قدرة على قراءة التحولات الدولية والإقليمية. الدروز خائفون من «الجنس العاطل»، على ما قال الزعيم نفسه. وخائفون من حلفائهم السنّة. ومن المصالحة السورية – الأميركية. ومن سلاح الشيعة وتكاثرهم، وشرائهم الأراضي في مناطقهم.
استحضر كل هذا الخوف في الدعاية الانتخابية وقيل للبناني «الديموقراطي الحر» الذي مارس الديموقراطية لأكثر من ستين سنة، اذهب إلى هذا القبر – الصندوق واقترع بكامل حريتك. أتت النتائج على مقدار الخوف. الأكثر قدرة على إرهاب ناخبيه حصل على مقاعد أكثر.
لكن اللعبة الديموقراطية لم تنته عند هذا الحد. الآن أتى وقت انتخاب رئيس البرلمان، واختيار رئيس الوزراء وصوغ البيان الوزاري، والبحث في مصير سلاح المقاومة. وهذا كله، كما نعلم، موضع تجاذب وصراع، أبعاده الإقليمية والدولية أكثر قدرة على الحسم. لم تفوت إسرائيل الفرصة. اقترحت صيغة للبيان الحكومي. أكد شمعون بيريز أن الانتخابات لم تغير شيئاً. كرر ما يقوله بعض اللبنانيين. قال إن «حزب الله» ما زال «دولة داخل الدولة، وجيشاً ضمن الجيش، يعيق عملية التقدم الاقتصادي في لبنان». أما وزارة الخارجية فطالبت الحكومة المقبلة بمنع الحزب من شن هجمات على المستوطنات. وإذا كانت إسرائيل سبقت الجميع إلى وضع مطالبها من الحكومة اللبنانية العتيدة، فلن يتأخر الباقون كثيراً عن وضع شروطهم لتسهيل المشاورات لاختيار رئيس الوزراء. وسيكون تخويف اللبنانيين بعضهم من بعض أنجع وسيلة لتنفيذ الشروط.
عمقت الانتخابات الحرة غير النزيهة الطائفية. جذّرت الخوف. شرّعت التدخلات الخارجية. انتصر الخوف والفساد وهزمت الديموقراطية في عقر دارها الوحيدة في دنيا العرب
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى