صفحات العالمما يحدث في لبنان

انقلاب ابيض

ساطع نور الدين
هي حصيلة للسنوات الاربع الماضية اكثر مما هي ركيزة للسنوات الاربع المقبلة التي لا يملك احد تصورا واضحا عما يمكن ان تحمله من مفآجات تستكمل عملية فرز اصوات الناخبين او ربما تحاول ان تعوض بعض نتائجها.
انها هزيمة ساحقة لفريق الثامن من آذار ولكل ما صدر في ذلك اليوم البائس من العام 2005، ولكل ما تلاه من مغامرات سياسية وامنية بلغت ذروتها في السابع من ايار العام 2008 عندما وضع ذلك الفريق لبنان واللبنانيين على حافة فتنة مذهبية شيعية سنية، تجلت في المعركة الانتخابية الاخيرة ونتائجها التي ليس لها اي مغزى سياسي آخر.
رفضت غالبية الشعب اللبناني خطاب الثامن من آذار بكل محتوياته الخاصة بالمقاومة وسلاحها والعلاقة مع سوريا والتباساتها والصلة مع ايران ومحرماتها، ووجهت ضربة قاسية لذلك المشروع الذي كان يبدو قبل فتح مراكز الاقتراع زاحفا نحو انتصار جديد، يتوج انتصارات مفترضة على اميركا واسرائيل كادت تعلن زوال الدولة العبرية من الوجود، وتنهي الحملة الامبراطورية الاميركية على العالمين العربي والاسلامي.
الحساب الداخلي سيكون عسيرا. والكلام صحيح عن ان فريق الرابع عشر من آذار لن يكون قادرا على حمل عبء هذا النصر الانتخابي الذي لا يعدل بأي حال من الاحوال الغلبة الامنية الحاسمة للفريق الاخر وحلفائه الذين يرجح الا يتقبلوا نتيجة الانتخابات برحابة صدر ويسلموا بانها هزيمة لهم اكثر مما هي هزيمة للشيعة اللبنانيين الذين سعوا الى توسيع دورهم السياسي بالاستناد الى البيئة المسيحية، من دون نجاح باهر.
وكما كانت اللحظات الاولى التي تلت اعلان النتائج حرجة يسودها الترقب لرد الفعل الشيعي الاول، السياسي والميداني، ستظل الاسابيع والاشهر الاولى من عمر المجلس النيابي الجديد محكومة بهذا الانتظار: كيف ستتصرف الطائفة الكبرى ازاء هذا الاعتراض الشعبي من بقية الطوائف على سلاحها وسلوكها وعلى جدول اعمالها القائم على اعتبار سوريا بنهجها الحالي «عمقا استراتيجيا» للبنان، وعلى تصنيف ايران بمشروعها الحالي «ذخرا استراتيجيا» يبرر نبذ العرب وتحقيرهم جميعا.
الخيار الشيعي لن يكون سهلا. المؤكد انه لن يشمل خيار إلقاء السلاح والانخراط في مشروع الدولة الذي لا يزال خياليا. لكن المضي قدما في تحدي بقية الطوائف صار مكلفا، ربما اقل بكثير من التوجه الى الخيار الحتمي لدى الطائفة في المرحلة المقبلة وهو تعميق التحالف مع سوريا وايران، اللتين لم تعودا جاهزتين لمثل هذا التحالف كما من ذي قبل، ولاسباب تتصل بجدول اعمال الدولتين اللتين تطمحان الى محاورة اميركا ومصالحتها، واللتين خسرتا ورقة لبنانية مؤثرة في تحقيق تلك المصالحة او على الاقل في تحديد شروطها.
انقلاب انتخابي ابيض على السنوات الاربع الماضية، لكن ترجمته الى انقلاب سياسي ابيض ما زالت دونه استحالات داخلية عديدة وصعوبات خارجية لا حصر لها.. ولا يمكن احتواؤها الا بالديموقراطية اللبنانية العرجاء التي خاضت بالامس تجربة ناجحة فعلا، وبكل المعايير.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى