النصر المدني يهزم ادعاءات النصر الإلهي: هزيمة التحالف الشمولي :الايرانو-سوري الحزب اللاتي
عبد الرزاق عيد
لعل هذا العنوان المجازي يشكل المدخل المناسب الذي يتيح لنا الولوج إلى مكمن الدلالة الحقيقية لمعنى انتصار حركة 14 آذار وأهميته في هزيمة حركة 8آذار.
حيث أن تداول خطاب حزب الله الذي يقود حركة 8آذاار لصياغة (النصرالإلهي) تشكل (الجذر الإبستامي / الأس المعرفي) لمنظومة الخطاب الفكري – السياسي والسوسيولوجي لهذه الحركة بتنوع فصائلها بما فيها، الفصائل اللادينية كالشيوعيين والقوميين السوريين أو العرب كالناصريين والبعثيين بل وبما فيهم تيار عون المسيحي…الخ ، وربما وحدة هذا (الأس المعرفي)، هي التي تفسر لنا قبول كل هذه الفصائل لقيادة حزب الله الدينية : بل والثيوقراطية ، حيث حزب الله يحكم باسم الله من خلال الولي الفقيه الذي يتمتع بصلاحية غير محدودة أو محددة أو مقننة لمشيئته في قيادة الأمة وإدارة أمورها، فهو أعلى مرتبة من الأنبياء لأنه استمرار للإمام الغائب الذي يحمل قبسا من الروح الإلهي …وهذا الأمر يتعيّن بشكل ملموس من خلال ما تمثله إيران من مرجعية فكرية وسياسية وروحية يقول نصر الله : (أن هدف الحزب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران….إننا أبناء حزب الله الذي نصر الله طليعته في إيران، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه)، لن نطيل في أثبات هذه الفكرة ، فهي مما لا ينكره حزب الله ، بل ويتباهى به مفاخرا بثقة واعتداد…!
بغض النظر عن التنديد الدائم لحزب الله بالتدخلات الخارجية…دون أن يرى في إيران خارجا لأنها مرجعه الإلهي ، حيث لا يوجد في الإلهي لا داخل ولا خارج …إنه الامتداد السديمي حيث العماه ، تماما مثلما يندد حزب الله بـ(الطائفية) بوصفه خارجها …في حين أنه يتماهى بها تعريفا وحدا، بل ربما يكون هو الحزب الطائفي الوحيد في لبنان- من حيث كونه يقتصر على طائفة واحدة –ومع ذلك يبرر اليوم هزيمته الانتخابية بالشحن الطائفي ضده من قبل الآخرين …إذن هو غير طائفي
لأنه –ببساطة- (الهي) …رب كل الطوائف ..!؟
كيف يندرج الحليف السوري –كسلطة طغمة وعصابة مسلحة- في وحدة (الجذر المعرفي ) مع الحزب الإلهي هذا رغم إدعاءاته الإيديولوجية القومية والتي يفترض أنها توميء بالعلمانية واللادينية ، بل وهو يضمر هذه اللادينية على مستوى المكون الثقافي للمنظور المذهبي (الباطني) الذي يستند له مخزون الوعي الجمعي للقوى الفاعلة المشكلة للسلطة (الرئاسة- الأمن- الجيش) …
إن البعد الميثي (السحري) في الثقافة الدينية العصبوية الطائفية لعصبة السلطة المتحكمة في سوريا أتاح لها ويتيح هذا البعد اللاهوتي في العلاقة مع العالم، والذي يتخطى المنظور الإلهي (الفقهي) لحزب الله باتجاه المنظور (الميثي) الذي يخلط بين الإلهي والبشري من خلال حالة الشخصنة التوثينية التي أنتجتها في صورة المؤسس الطاغية (حافظ الأسد) : عبر هتاف “يا ألله حلّك …حلّك… حتى الأسد يقعد محلك ! ” ، ومن هنا فإن سوريا تحضر بوصفها “عمقا استراتيجيا لحزب الله ، وتحضر إيران بمثابتها: “ذخرا استراتيجيا ” للحزب الإلهي، لتكتمل عناصر المصفوفة التسلطية باسم المقدس الذي يبدأ دينيا –وكل مقدس فيه دين- فيغدو قوميا ومن ثم وطنيا .
هذه الوطنية-التيار الوطني الحر- المغلفة بالبعد الإلهي(العظيم)، ستشمل بعنايتها الجنرال (عون) بوصفه الزعيم المرغوب بذاته ولذاته بغض النظر عن صفاته: برامجه وسياسياته وانتتقالاتها وانعطافاتها من العدو الأول : ( هبل رب الأرباب الأسدي ) إلى الحليف الأول -(الصنم الأسدي الصغير الذي يستمد قيمته وأهميته من اشتقاقه الوراثي الديناصوري)، الذي من حسن الحظ أن أخطاءه كبرى من النوع (الإلهي/المعجز) في غبائها وطيشها، مما ساعد على إرغامه على انسحابه من لبنان، ويساعد اليوم على تقريب الحرية والخلاص ليس للبنان فحسب بل وسوريا أيضا لكي ينسحب منها كما انسحب من لبنان…حيث يبدو أن تصويت الشعب اللبناني اليوم لـ14 آذار ليس إلا عقابا من النوع الإلهي –على حماقات من ذات المستوى ربما الشيطاني- كمثل التهديد بتكسير لبنان على رؤوس أهله، ليس التهديد فحسب بل والتنفيذ باغتيال الرئيس الحريري وسلسلة صوت الحرية في لبنان، على يد من يفترض –حسب حزب الله- أنه ممثل العمق الاستراسيجي (الأسدي)، أو بانجاز الهي مماثل يتمثل باحتلال بيروت في 7 أيار على يد الحزب الإلهي..
من هنا كان الرد هائلا بقوة الفعل ذاته، كان الرد المدني الشعبي الديموقراطي عبر انتصار قوى 14 آذار، ليبرهن لهم أنه أكبر من كل آلهتهم (التمرية) التي يصنعونها على قد قياس أجهزتهم الهضمية الإيرانو- سورية … التي تمثلت وتتمثل بفاشية جديدة من نوع خاص، إنها فاشية ماضوية ذات حشوة ثيوقراطية ملتية فارسية من جهة، تلحق بها –من جهة اخرى- مذهبية ميثية سحرية طقسية باطنية قادرة على استحضار الإمام الغائب (الشيعي) بصورة (الإله الأسدي) الحاضر المستمر، ولعل ذلك هو الذي يمكن أن يفسر لنا ما معنى أن يكون النظام العربي الوحيد المتبقي عربيا –بعد صدام حسين- الذي يلهج بايديولوجيا قومية عربية ، لكنه في الآن ذاته هو الأشد انقطاعا عن فضاء العروبة ومنظوماتها الإقليمية والدولية ومن ثم التحاقا واستتباعا لإيران …
هذه البطانة اللاهوتية: ثيولوجية ملتية كانت أم ميثية أسدية تتعين حسيا وواقعيا من خلال وعي طقوسي أساسه : فكرة القربان والتضحية في سبيل (الطوطم)، والذي مؤداه (إعلاء شأن العقيدة على حساب الإنسان ) أو التضحية بالإنسان من أجل العقيدة (الطوطم أو الوثن)، ولا غرابة في ذلك فحتى لعصرنا الحديث أوثانه :فالسلعة وثن الرأسمالية على حد تعبير ماركس ، والبروليتاريا وثن الاشتراكية ، لكن السلطة هي وثن الاستبداد والديكتاتورية، وعلى هذا تنتصب الأوثان ككوابيس على أنقاض أحلام الإنسان في الحرية، إذ باسم هذه الشرعية (الطوطمية ) المقدسة لا تبقى أية قدسية للانسان : فالتضحية بالإنسان ليس إلا استمرارا لمعنى القربان انصياعا للأمر الصادع من فوق: الله … أو ولي فقيهه أو الفوهرر أو الدوتشه أو الأب القائد أو القائد الضرورة أو الأمين العام…الخ وذلك في مصلحة القضية العليا (السلطة وثن) التي تنتج ايديولوجيتها القدسية الزائفة في صورة العقيدة الدينية أو القومية أو الوطنية، حيث الفتوى الإلهية في إيران تبرر مشروعية التزوير لأنه في مصلحة نصرة الإسلام وفق فتوى “آية الله يزدي” لتزوير الإنتخابات لصالح رئيس “يعزّز المبادئ الإسلامية في لبنان وفلسطين وفنزويلا ) ، بل ويدخل(شافيز فنزويلا حوزة تعزيز مباديء الإسلام)،إذ الأوهام الملتية الملتاثة أقواميا (فارسيا) تستعلن نفسها في صورة ( أممية سوفيتية)، لكنها طائفية وشديدة العقائدية الأقلوية المذهبية التي ملأت العالم الإسلامي فتنا غير مسبوقة منذ قيام نبيها أو إمامها المعصوم الخميني …بل إنها تجد في مصفوفتها الغرائبية العجيبة محلا إلهيا لميشيل عون (الجنرال لمتجلي لذاته وصفاته الملتاثة بارانويويا)، فأفتي لعون الحليف (ايرانيا وسوريا) بألاف الأرمن لتعزيز مبادئء الأسلام..! بوصفه تكليفا شرعيا وتوجيها أمنيا (ثوريا/ سوريا/احتياليا) تهدد وتبتز به طائفة الأرمن في ايران وسوريا دائما….
كل هذه القوى المتمترسة سماويا (معتقديا ودوغمائيا وخلاسيا مهجنا قوميا عربيا أو سوريا) ، المستندة إلى تكليف الهي أو وصاية قومية ووطنية (ولاية أو وصاية أو زعامة ) انهزمت أمام ألوهية العصر الحديث، وهي (ألوهية الضمير الفردي) والأخلاقي لقوى أرضية مدنية- (تحالف 14 آذار)- عاشت فسحة فضاء من الحرية غير المتاحة في هذا الجحيم المتلف عربيا، فتمسكت بمنجزها… رغم بعث كل التعاويذ السحرية عن ياجوج وماجوج والأمريكي الذي يريد أن يختطف بلادهم وينتهك سيادتهم ، فلم يجد اللبناني خطفا لبلاده إلا على يد مشعوذي شعائر (مباديء الإسلام) وشعارات وأشعار العروبة الأسدية ، بينما سحر الحداثة الأمريكة والإسرائيلية لن يفله إلا حداثة مماثلة، وليس سحراللغة والخطابة ورنين الكلمات وفخامة العبارات وفخفخة الإيحاءات، ومن ثم تضامن آل البيت وتعويذاتهم الخارقة لسجف الزمان والمكان، حيث التوهم السحري عن النصر الذي يستحضره البدائي تمائميا، إذ يعتقد بأن ذكر الشيء كفيل بإحضاره حسيا، فيكفي أن نقول: إننا منتصرون حتى يأتينا النصر طائعا كما حدث مع حزب الله وحماس اللذين حمى الله مقاتليهم الأشاوس من العين، فلم نخسر من القيادات البطلة إلا العشرات …وخسيء العدو الذي تشاطر على الشعب فقتل الألاف …هكذا انتصرنا وسننتصر …! فالمهم أنه قد بقيت لنا حماس وحزب الله … مثلما انتصرنا في 5 حزيران سنة 1967، حيث فشلت اسرائيل في النيل من أنظمتنا الوطنية التقدمية الثورية خاصة البعثية … !
إن المعادل السياسي لنصر تحالف 14 آذار، يتمثل في استبصار الحقيقة الملفعة بدخان ايديولوجيا المصالح، اكتشاف الدناءة وهي تتخفى تحت إهاب المقدس، وهو المقدس الفلسطيني الذي لم ينتهك شرفه –حتى اسرائيليا بوصف اسرائيل عدو- كما انتهك عربيا ومن ثم إسلاميا في خدمة مصالح أنظمة الفساد واللصوصية والجريمة ، سيما من الأنظمة الأكثر ادعاء في تمثيل العروبة كالنظام الأسدي المافيوزي الطائفي ، والأنظمة الأكثر ادعاء في تمثيل الإسلام كالنظام الإيراني الأقلوي العصبوي الفارسي الذي ملأ العالم فتنا طائفية تحت ثوب براءة المقدس الفلسطيني الذي غدا المجال المفضل لاستثمارات نظام الملالي ولو على حساب جوع خمسة ملايين من الشعب الإيراني .
لقد كان انتصار تحالف 14 آذار انتصارا لعودة الوعي العقلاني المدني الديموقراطي القائل: إنه لن يصمد أمام الديموقراطية والليبرالية والحداثة الغربية إلا نهضة عربية مدنية ليبرالية ديموقرطية حداثية، بدأها لبنان الصغير طليعيا منذ القرن التاسع عشر، ويستأنفها اليوم مع انتصار قوى 14 آذار ضد الظلامية الطائفية والشمولية الفاشية والشعبوية الكاذبة والمبلسمة لجراح الأمة بثقافة : ما يطلبه المستمعون …والجمهور عايز كدة …المؤسسة لفلسفة إعلام (قناة الجزيرة : اعلام أحمد سعيد ومحمد سعيد الصحاف) التي كانت تعد العدة للاحتفال بنصر قوى 8 آذار الايرانو –سورية الطائفية الفاشية .. وعلى هذا فنحن مع هذا الانتصار الاستراتيجي، إنما نحن تجاه انتصار لقوانين العقل في مواجهة مثالات وعي الأسطورة ، تجاه انتصار اللوغوس: إذ يعيد الاعتبار للعقل والعقلانية والحداثة على المستوى المعرفي والحضاري والتاريخي على حساب الميثوث السحري المللي والنحلي الذي يحل الغائب محل الحاضر منذ انتصار الأشعرية على أنقاض الإعتزال الذي كان يستند إلى الحاضر كمرجع لمعرفة الغائب، أي إحلال الهناك محل الهناوفق المنطوق الأشعري ، بالضد من اللوغوس المعتزلي القائم علة معرفة الهناك من خلال لحظة الهنا المحايثة .
وعلى هذا من حقنا أن نفرح عربيا بأن ما حدث في لبنان الصغير هو صورة ميكروسكوبية مصغرة لما ينبغي أن ينتصر عربيا، بل ولما ينبغي أن ينهزم عربيا …فهذه الجولة هي الأولى لصالح عقلانية العقل عربيا بعد غيبوبة سحرية شعارية وشعائرية وطقسية وتمائمية تعكس فلول الوعي الاجتماعي لفئات المجتمع السفلي باسم كذبة الانتصار للفقراء وللقضايا الوطنية والقومية، وذلك منذ الوأد الشعبوي العسكري الانقلابي للتجربة النهضوية الليبرالية الديموقراطية منذ خمسينات القرن السابق : العشرين عربيا، ومنذ ثلاثة عقود لبنانيا، وذلك منذ نقل الجبهة الداخلية السورية إلى لبنان من قبل الطاغية حافظ الأسد وبداية المرحلة الدموية الأسدية التي دشنت للحلف المقدس الشمولي المخابراتي الأسدي مع إيران باعتماد وكيل ولي الفقيه حزب الله الإيراني وحلفائه من رعاع وحثالات المجتمع اللبناني الملحقة بسلطة العصابات المسلحة المستولية على سوريا…
إذن وبلغة سياسية مباشرة : إن انتصار تحالف 14آذار انتخابيا، كان انتصارا لكل الدلالات السياسية لانتفاضة 14 آذار المباركة 2004 التي كانت تتويجا عمليا-من منظورنا كسوريين- لمخاض ديموقراطي كانت تعيشه سوريا فيما سمي بربيع دمشق، إذ وجدنا بهذه الانتفاضة الرائعة ( ربيعا بيروتيا)، عوض علينا خيبة ومرارة سحق ربيعنا السوري على يد عصابات النظام، التي أجبرها الربيع البيروتي على الانسحاب من لبنان، ومن ثم فتح أبواب الأمل لتنسحب من سوريا…
وعلى هذا فالانتصار ليس لشعب لبنان فحسب بل ولسوريا ولمقاتليها (البروميثيوثيين) من أجل الحرية، لكل معتقليها الذين يخوضون النضال ذاته الذي خاضته وتخوضه حركة 14آذار، إذ هم يثأر منهم في المعتقلات الأسدية، حيث يلاحقون في السجون ذاتها كمسجونين مطلوبين للسجن أبدا … فتحية للدكتور وليد البني الناصع الذي قضى معظم فترة حكم الوريث الأسدي الصغيرفي السجن-(أكثر من سبع سنوات حتى الآن)- ويلاحق اليوم بالوشايات داخل السجن لكي لا يفرج عنه أبدا … تحية لوليد مع أصدقائه : – الذين عادوا إلى السجن بتوقيعهم على بيان (إعلان: بيروت -دمشق … دمشق – بيروت) ، ومن ثم عقدهم للمجلس الوطني لإعلان دمشق لتجديد ربيع دمشق : تحية لهم موقعة وموثقة ببشارة نصر أصدقائهم الديموقراطيين في تحالف قوى 14 آذار …
الحوار المتمدن