فلورنس غزلان
ــ انه فصل الانتخابات والاقتراعات في أكثر من منطقة ودولة من دول العالم،البارحة اقترع الأوربيون من أجل برلمانهم المشترك، لم يكن الاقبال شديداً ومثل عزوفاً ويأسا من الموجود ، وجاءت النتائج مخيبة لكل أطراف اليسار من اشتراكيين وديمقراطيين وشيوعيين، بينما اكتسح اليمين مقاعد البرلمان، وشاركه في نصر حاسم ينبيء بمستقبل كبير لأصحاب البيئة ” الخضر” والذين يولون العالم والأرض ومن فوق ظاهرها الأولوية الكبرى ، حقهم في الحياة الكريمة والزراعة والصناعة البعيدة عن تلويث البيئة وحماية الإنسان والتلون البيئي وصيانته من الخراب والتدمير بصناعات تؤذي أكثر مما تُحَدِّث ، حصل اليمين بشكل عام ودون ان ندخل في التفاصيل لكل بلد، على أرقام لم تحصل عليها الأحزاب الممثلة لها في عدة بلدان ، كما هي الحال في فرنسا، فلأول مرة ومنذ عام 1979 لم يحصل حزب السلطة الحاكمة على نسبة من المقاعد تساوي ( 28% تقريبا)، بينما تقلص دور الحزب الاشتراكي ليحصل على نسبة ( 16,4 % ) وبهذا يتعادل تقريبا مع ( الايكولوجيست أي حزب الخضر حيث انتزعوا ما نسبته 16,2 % )، ولم تكن حال أحزاب اليسار في الدول الأوربية الأهم والأكبر أحسن منها في فرنسا، فقد اندحر حزب العمال إلى الدرجة الثالثة وينذر هذا التراجع بإقالة حكومة السيد جوردون براون ، وترتفع الكثير من أصوات النقد داخل وخارج حزبه، ناهيك عن الاستقالات في صفوف حكومته، وكلها يغمز من قدرته على الاستمرار على رأس الحكومة وهي بهذا الضعف!، حيث أن تردي النسبة التي حصل عليها حزب العمال كانت مخيبة ، ولم تتجاوز ال 15 %، بينما حصل المحافظون على 29% ،بالاضافة إلى أنها أفسحت المجال لحصول اليمين المتطرف على مقعدين!، وفي اسبانيا رغم أن الحزب الاشتراكي على رأس الحكومة فقد خسر دوره بينما ربح حزب ماريانو ” حزب الشعب ما نسبته 43% والاشتراكيون ما نسبته 38% ، وفي ايطاليا انتصر حزب الرئيس برلسكوني بنسبة 34,7 %، رغم ماترافق الانتخابات من فضائح شخصية طالت رئيس الحكومة نفسه، لكن يبدو ان المواطن الايطيالي لايعيرها أي اهتمام، وينصب اهتمامه على حياته ومعاشه ووضعه الاقتصادي وموقفه الوطني من القضايا الملحة والتي يرى فيها خطورة على بلده، بينما حصل الديمقراطيون على نسبة 26,3 % …ولم تختلف هذه النسب كثيرا عن باقي الدول السبعة والعشرين جميعاً…
نتساءل لماذا؟
لقد اقترعت الشعوب الأوربية مولية اهتمامها للوضع الداخلي، وماقامت وتقوم به الحكومة القائمة وما يأمل منها المواطن، أي أن الاقتراع لم يذهب بعيدا وتتسع دائرته لمصلحة أوربا ككل ، بل الجزء من الكل، وأبرز أنواع الخسارات تعلقت بأحزاب كانت تشكل أكثرية وتؤثر في قرارات أوربا وفي القوانين التي سنها البرلمان الأوربي، كالأحزاب الاشتراكية الاجتماعية أو الديمقراطية، وذلك نتيجة لمعاناتها داخلياً وتعرضها لهزات وخلافات جعلت الهم الوطني يأتي لاحقاً، وقد جاء هذا واضحاً وصريحاً على لسان رئيسة الحزب الاشتراكي الفرنسي السيدة( مارتين أوبريه)، حين حملت نفسها مسؤولية فشل حزبها، وأنها ستحاول مستقبلا تلافي العجز من خلال العمل على تقوية الحزب ومن خلال البرنامج الذي سيطرح ويقرأ الواقع ومايريده المواطن الفرنسي، ثم ماجاء كذلك على لسان الوزيرالاشتراكي السابق (جاك لانغ ) حين اعتبر:” أن فشل الاشتراكيين يعود لكونه ثمرة مرة لنضال الاقطاعيات والقبائل ولأنه ابتعد عن العقل والتصور والابداع وفصل بين الخطاب الرسمي والواقع العملي الحقيقي للبلاد”ــ عن صحيفة الفيغارو ــ
لكن نجاح اليمين يعني الكثير، ويدل قبل كل شيء على أن الأزمة المالية العالمية لم تجعل اليسار يكسب ويزاحم اليمين على قيادة الاقتصاد في أوربا ولم تفقد المواطن ثقته بأن اليمين هو القادر على انقاذ البلاد من الأزمة!، والنقطة الأهم والأوضح هي أن الكثير من أبناء البلد يعتبر أن الهجرة غير الشرعية وتزايد أعداد القادمين من دول الجنوب الفقير هي أحد أسباب المعضلة الاقتصادية ، وارتفاع نسبة البطالة ، وانخفاض القدرة الشرائية يعيزيها الكثيرون لأعداد المهاجرين في البلاد! وهذا ماينذر بتشدد القوانين القادمة ببرلمان يسيطر عليه اليمين وتصل أعداد مقاعده إلى 267 مقعداً..
كل ما نستطيع قوله أن الانتخابات كانت دون أدنى شك ديمقراطية ، وعلينا أن نتعامل مع القادم بالقدرة على استيعاب السياسة الداخلية للدول الأوربية والخارجية التي تعنينا وتعني علاقات بلداننا معها، بلداننا التي لاتعرف من الانتخابات غير الصورة أو مايسمى بالاستفتاء على سلطة وحيدة.
أو نتبع الشكل الصوري فتقام انتخابات يتنافس فيها حزب سلطة مع أحزاب ترضى عنها السلطة وتُستبعد أحزاب لا تدخل في خانة الرضى والقبول، ونقول بعدها أننا انتخبنا بشكل ديمقراطي!!
ــ لكن وكي لا نغفل أو ننكر بعض الحقائق ومانراه حتى الآن فيما يتعلق بالانتخابات المحلية المزمع القيام بها قريبا في المغرب، فنجد أن التنافس على أشده ويتم بحرية معقوله بين أحزاب قائمة ولها حرية الحركة والاعلان والنشاط،.
ــ لكن أهم الانتخابات والتي لانستطيع أن نغفلها على الاطلاق، هي انتخابات لبنان، فقد آليت الترقب والانتظار مبتعدة عن الدخول في معمعة الانتخابات والحديث عنها قبل وقوعها، ، لكني كنت أرقب بخوف وتأخذني الخشية بين خبر وآخر وعنترية وأخرى وتهديد من هنا وآخر من هناك، خوفي كان على لبنان بكل تأكيد، خوفي كان على هذه البقعة التي مازالت تحمل بعض الأمل والألق، والتي حملت الكثير من الآلام والجراح، كنت أخشى أن تنسى جراحها، كنت أخشى أن تضيع في متاهة الاصطفافات وعمليات الشد والجذب، فتقوى عليها أيدي استخدمت القوة أكثر من مرة كي تأخذ لبنان بعيدا عن صورته الديمقراطية، صورة التعايش السلمي بغض النظر عن الطوائف ، لكنه التعايش تحت سقف لبنان، خفت أن ينسى المواطن أنه لبناني قبل ايراني ولبناني قبل سوري ، ولبناني قبل مسيحي ومسلم وشيعي، كنت أريده أن يستعيد توازنه فلا يدوخ ويفقد قدرته على الرؤيا…لكنه انتصر على جراح الاغتيالات واحتلال وسط بيروت، وانتصر على ماخلفته حرب تموز وفهم لعبة السياسة المناطقية، واختار، ونحن نحترم اختياره، مهما حاول البعض الدس والشك ووضع العجلات في دواليب سيارة الاختيار وتأليب القلوب والعقول.
مع هذا صدرت أصوات التهديد : …تريد الثلث الضامن، وعدم المساس بسلاح حزب الله إن خسرت المعارضة أم ربحت ! ــ جاء هذا على لسان النائب ( محمد رعد) ــ
لا أحبذ الدخول في عمليات الثامن أو الرابع عشر…ولا يعنيني هذا بشي، ما يعنيني هو أن تقوم حكومة تناسب رغبة الاختيار ، توازن لبنان وتستطيع أن تضع حداً لكل شطط وتهاون في وحدة لبنان وقوته، أن تدعم جيشه وتدعم حكومته الوطنية الديمقراطية، وأن ينضوي أي سلاح ميليشاوي ــ بغض النظر عن انتمائه الطائفي ــ تحت قيادة وسيادة الجيش اللبناني، و نأمل من الحكومة القادمة، أن تكون عناصرها أكثر وعيا وتتعلم دروسا من الماضي المريض، فتعمل على إحداث قوانين تعني بالسياسة والثقافة والانتماء الوطني بعيدا عن المحاصصات الطائفية ومستقلة بسيادة فعلية عن التأثر بكل إملاء خارجي، ومن يدري لو تم هذا واستطاعت هذه الحكومة أن تتخلص من تراث الطوائف ولو بشكل تدريجي، فربما تنهي وللأبد السياسة الطائفية في لبنان وتصبح المواطنة اللبنانية هي السيد.
ــ كيف لنا أن ننسى انتخابات الكويت، وما حصلت عليه المرأة من نصر كبير، وكيف دارت عملية الاقتراع بحرية وديمقراطية نموذجية، هذا يبعث فينا بعض الأمل…أن الخير لابد قادم وسننتهي من عمليات الاستفتاء ونمارس حقنا الانساني ككل بلدان المعمورة بالاختيار في أن نقول نعم أولا …في أن نفضل هذا على ذاك…سيشق النور الفضاء، وينبثق الفجر مهما طالت العتمة.
باريس 9/6/2009
خاص – صفحات سورية –