حذر حزب الله
ساطع نور الدين
في القراءات المثيرة لنتائج الانتخابات النيابية، بلغ الامر بعدد من الدبلوماسيين المعتمدين في بيروت حد القول إن حزب الله تعمد خسارة هذه المعركة السياسية، لأنه لم يكن يريد أن يتحمل مسؤولية الانتقال من صفوف المعارضة الى السلطة وتولي إدارة الوضع اللبناني في لحظة حرجة تختزل الكثير من التحديات الخارجية الخطرة.
هذه القراءة الدبلوماسية الشديدة المبالغة لا تصمد طويلا أمام مراجعة الجهد الاستثنائي الذي بلغه الحزب من اجل ان يضمن فوز المعارضة بغالبية مقاعد مجلس النواب، لكنها تخفي رغبة خارجية جدية، جرى التعبير عنها بأشكال شتى، في ان يزداد انخراط فريق المقاومة باللعبة السياسية الداخلية وغرقه في تفاصيلها، ويلبي بذلك مطلبا دوليا عاما تردد في أكثر من عاصمة قبل الانتخابات وبعدها.
حتى اللحظة الاخيرة من المعركة الانتخابية، كانت غالبية العواصم الاوروبية تتوقع فوز حزب الله بالغالبية، ليس فقط لانها كانت تتمنى هذا الفوز، ولكن ايضا لانها مهتمة بمصير جنودها المنتشرين في جنوبي لبنان في اطار القوات الدولية، التي تفضل التعامل مع المقاومة من خلال قنوات السلطة الشرعية اكثر مما تود ان يظل هذا التعامل مقتصرا على القنوات غير الرسمية التي لا تشكل ضمانة كافية بأن الجنود الاوروبيين لن يتحولوا يوما ما الى رهائن او الى اهداف في أي صراع محلي او إقليمي.
لكن التحليل الدبلوماسي القائل بأن حزب الله مرتاح لخسارته الانتخابات دقيق الى حد بعيد، لانه كان يدرك ان التهديد الاسرائيلي باعتبار لبنان دولة ارهابية يجوز استهداف جميع بناها ومؤسساتها، اذا ما تولى الحزب حكمها، لم يكن التهديد الوحيد الذي تلقته المعارضة. كان من شبه المؤكد ان يجري اعلان لبنان دولة خاضعة للهيمنة الايرانية، مع ما يعنيه ذلك من سحب للودائع والارصدة وهروب للاستثمارات العربية والاجنبية، وعقوبات دولية تشبه تلك التي تتعرض لها ايران او سوريا.
هذا فضلا عن المخاطر الداخلية التي تتمثل في صعوبة تشكيل حكومة من المعارضين انفسهم، لا سيما وأنه كان من المستحيل ان يوافق أي من الموالين على الانضمام الى مثل هذه التشكيلة، كما كان من المرجح ان ينتقل الصراع بين الفريقين من المحافل السياسية الى الشارع، ليتسبب بفراغ وفوضى تكشف حزب الله وتجرده من احد اهم عناصر حصانته وحمايته الداخلية.
قاتل الحزب بضراوة من اجل الفوز، لكنه مرتاح على الارجح لتلك الخسارة، ولعله يزداد ارتياحا عندما يتلقى تلك النداءات المتكررة الموجهة من قادة الغالبية للحوار والشراكة والتوافق، والمرفق بضمانات لسلاحه وشرعية مقاومته، كما يزداد اطمئنانا عندما يسمع تلك النصائح الملحة التي توجهها كل من واشنطن وباريس والرياض والقاهرة الى فريق الرابع عشر من آذار كي يبدي الحد الاقصى من الانفتاح على الحزب، لإشراكه في الحكم واحتوائه في اللعبة السياسية الداخلية.
رد الحزب كان حتى الآن حذرا.. أكثر من الردود التي جاءت من دمشق وطهران!