رؤية محافظية للسياسة السورية
رضوان زيادة (*)
ينشغل باري روبن مدير مركز البحث العالمي للشؤون الدولية في إسرائيل في كتابه (الحقيقة حول سوريا ـ 2007) في تتبع دور سوريا الإقليمي وحدود تأثيرها، والسياسة الأمثل التي على الولايات المتحدة أن تتعامل معها ووفقها بناء على تحليل واستقصاء السياسة الخارجية السورية منذ عام 1946، التي يصفها بأنها البلد الأكثر انعداماً للاستقرار في العالم في الفترة ما بين 1946 ـ 1970.
وبعد وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة تحول عدم الاستقرار الدائم إلى استقرار مستديم من نوع جديد قائم على سياسة خارجية تدخلية في الدول المجاورة وسياسة محافظة ومتشدّدة تجاه الإصلاح الداخلي.
ويضيف روبن انه لا بلد في العالم أكثر من سوريا يطرح كلمة “الامبريالية” في وصف الأعداء الخارجيين، كما لا يوجد بلد على وجه الكرة الأرضية يعتمد سياسة الامبريالية التقليدية ذاتها. كما أن القادة السوريين لا يتقبلون الرؤية الغربية بأن البراغماتية، الاعتدال، التسوية، الاقتصاد المفتوح، والسلام هي الحل الأمثل. فعندما تتصرف سوريا براديكالية فإن ذلك يعزّز من مبدأ قوتها الأساسي الذي هو بحسب روبن إثارة الشغب، بدلاً من إضعاف موقع تأثيرها، فتحقيق السيطرة والشعبية يكون أنجع باعتماد الديماغوجية بحسب تعبيره.
ويستخدم روبن تعبيراً لفؤاد عجمي واصفاً السياسة السورية “بأن قوة سوريا تكمن في قدرتها على إثارة الشغب، بخلاف مصر التي تعتمد على الهيمنة، والسعودية التي تعتمد على ثروتها“.
الكتاب بشكل عام يعبّر عن الرؤية المحافظية لسوريا ودورها في المنطقة، ولمجمل العالم العربي الذي يعشش فيه التخلف والإرهاب وانعدام الحرية.
فيرى روبن أن فكرة الغرب فيما سبق كانت تقوم على أن اليأس من المحنة الاقتصادية والسياسة الصعبة للبلد سوف تجعل الرئيس حافظ الأسد وكذلك صدام وعرفات وباقي القادة العرب يتجهون نحو التسوية والاعتدال، ولكن، ما حصل هو أن القادة أنفسهم فكروا بطريقة معاكسة تماماً، فتعرضهم لضغط التغيير، جعلهم أكثر عناداً وتصلباً.
وهو يرصد ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مؤتمر الصحفيين في 15 ـ 8 ـ 2006 حيث أكد أن القوة والعنف وحده هو الذي يدفع الغرب إلى تقديم التنازلات، وذلك عند حديثه عن ردة الفعل الدولية على حرب إسرائيل على لبنان، حيث قال “إن العالم لا يهتم بمصالحنا وحقوقنا إلا عندما نكون أقوياء”. ولذلك يرى روبن أن الطريقة الوحيدة لجعل سوريا معتدلة في أدائها هو بالضغط عليها من أجل إقناعها بأن إثارة الشغب لن تثمر.
ويؤكد أن هذا النموذج السوري في التراجع إلى الاعتدال نسبياً برز بشكل واضح عام 1998 عندما تم الضغط على سوريا من قبل تركيا من أجل وقف دعمها لحزب العمال الكردستاني. ثم الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة عليها من أجل الدخول في عملية سلام مع إسرائيل في التسعينات.
ويضيف أن سياسة الرئيس السوري اليوم قد حولته إلى بطل في نظر الشعوب العربية، لكنه مجنون بالمعايير الغربية.
إن رفض سوريا للسلام مع إسرائيل بحسب المؤلف، والعودة إلى الانتفاضة المبنية على الإرهاب يفرض على الغرب تعديل سياسته الشرق الأوسطية. فميزة الشرق الأوسط الجديد من منظور روبن هو تحالف حماس مع سوريا وإيران وحزب الله الذي يسعى للسيطرة على المنطقة والقضاء على إسرائيل ورفض التأثير الغربي. إن نشوء التحالف يمثل تقاطعا حادا مع الماضي في قضيتين:
ـ مستوى التدخل الإيراني غير المسبوق في السياسة العربية.
ـ إعادة تظهير التركيبة القومية ـ الإسلامية الذي يرى روبن أن بشار الأسد يعد المروّج والداعم الرئيسي لها قائماً على قناعة أن الخط التقليدي القائم على تمجيد الكفاح المسلح واستخدام العنف سوف يحقق النصر الكامل، ورفض شعارات الديموقراطية والسلام والتنمية الاقتصادية. ويضاف إلى ذلك رؤية ديماغوجية تخلط العناوين السابقة ببعضها بناء على مقولة العداء مع الغرب.
يرى روبن أن هذه السياسة السورية قد أثبتت فشلها منذ الخمسينيات ويعاد استخدامها اليوم ولكن لن يكتب لها النجاح. وينهي روبن كتابه بتوصيات للسياسة الأميركية كما درج على ذلك المؤلفون الأميركيون، والتي تنطلق من عمق رؤية المحافظين الجدد لسوريا، تقوم على أن التعامل مع سوريا بالنسبة للولايات المتحدة يحتاج إلى تقييم مرن قائم على الحقائق المكوّنة عن بشار الأسد والنظام السوري، والبلد الذي هو سوريا. فسوريا اليوم بلد ضعيف ويعتمد على المدخول النفطي وعلى التجارة مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاعتماد على سياسة خارجية من أجل الحصول على عائدات اقتصادية من دول الخليج وغيرها.
من غير شك فالكتاب صدر في وقت كانت هذه الأفكار تشهد خفوتاً لها في واشنطن أو في غيرها من العواصم الغربية، ولا يعود ذلك إلى انحسار موجة المحافظين الجدد فحسب، وإنما إلى تغيّر طبيعة المعادلات في الشرق الأوسط ولا سيما العراق الذي كان ساحة لممارسة سياسة إثارة الشغب السورية.
(*) باحث في معهد الولايات المتحدة للسلام (PISU) ـ واشنطن
المستقبل – الثلاثاء 22 كانون الثاني 2008