حديث مفتوح إلى الأصدقاء في إعلان دمشق (حلقة ثانية)
أصدقاء إعلان دمشق – دمشق
تحية وطنية ديمقراطية وبعد..
– نحن ثلّة من شركائكم في المصير الوطني الديمقراطي نحدثكم من القلب والعقل. وقد بدأت حاجة الحديث منذ ظهور الإعلان على الأقل، ثم راحت تتبلور مع تداعياته اللاحقة.. وصولاً للأخيرة.
– يتمحور حديثنا حول جملة أسئلة وملفات تخص هدفنا المشترك في التغيير الديمقراطي. وكنا وما نزال نعتقد أن كيفية التعامل حيالها سوف تحدد مصير هذا الهدف (وبالأحرى مصير الإعلان والحركة الديمقراطية عموماً) مما يتطلب إطلاق حملة واسعة وورشات عمل حقيقية على امتداد ساحتنا الوطنية ومجتمعنا كله، لبحث هذه الملفات بصورة صبورة متعمقة، ضمن أجواء من الشفافية والفرصة الكافية لإحاطتها بأوسع قدر من روح التفاهم، ليس بالضبط لتحقيق حلول أو إجابات نهائية لها (عدا عن سحرية!) بل أساساً لتكريس قيم وتقاليد تنأى عن إساءة الفهم والمهاترات واستسهال الأحكام التي تنقل هذه الملفات (والحركة الديمقراطية أيضاً) لطريق المعالجات الفئوية.. والخطوات المستعجلة.. والانقسامات الأيدلوجية الوخيمة. وبتعبير آخر تكريس طرائق وتقاليد تحترم الديمقراطية وقواعدها التي تجذب المجتمع وتشق طريق التغيير الذي يكسب احترامه والتفافه.
– نقول هذا أيها الأصدقاء لأن تفكيك الاستبداد وتحقيق التغيير الديمقراطي السلمي، هو هدف غير مسبوق أو ميسور في مجتمعنا. بل هو مهمة متداخلة تنفي التبسيط والارتجال والأولويات الخادعة. لهذا يتطلب تحويل المعارضة الديمقراطية لورشة عمل واسعة، بل إحداث تغييرات عميقة في بنيتها.. ووسائلها.. وعاداتها..الخ. بهدف إنجاز خطوات ومراحل وملفات كثيرة لإطلاق حركة ديمقراطية حقيقية، وفي نفس الوقت تتعدى صعوبات جمة ربما يتصدرها القمع والتنكيل السياسي.
من هذا المنطلق اعتزمنا تجنيد أنفسنا لفتح هذه الملفات في عدة حلقات. ومشاطرتكم ما يصيبنا منها أو يقع ضمن إمكانيتنا.
وقد ظهرت تداعيات انتخاب مجلسكم وأمانته الأخيرة، لتؤكد هذه الضرورة أكثر من أي وقت مضى. فباشرنا لإصدار حلقة أولى (تخص متطلبات التغيير الديمقراطي)، ومن المؤسف إن القمع والاعتقال الذي باشرته السلطة ضد أخوتنا في الإعلان اضطرنا لتأجيل إطلاق هذه “الحلقة” مؤقتاً، ريثما نبثكم نداءنا ووقفتنا هذه حيال هذا الإجراء.
****
إننا أوجب جميعاً أيها الأخوة أن نقلّب الإجراء القمعي، خصوصاً الأذى الناجم عنه من كافة الوجوه التي تصون قيمته الأخلاقية دون أن تكافئ الطغيان. وفي نفس الوقت تجعله جزءاً من رصيد قضيتنا الوطنية الديمقراطية.
من هذا المنطلق نبين ما يلي:
1- إن أول وجوه هذا الإجراء بالنسبة لنا، هو رفض مساواة كلام الدنيا كلها، ورفض أعظم السلطات والانتصارات التي تصل للمريخ.. أو تعيد الأندلس.. أو تقطع رأس الإمبريالية، مقابل يوم واحد من حجز الحرية لأخوتنا المعتقلين، أو ترويع أي مواطن سوري أو مس خصلة من شعره أو ذرة من كرامته الإنسانية!
2- ونؤكد أن كمية العار جراء هزائمنا أمام العدو الخارجي وعربدته فوق أرضنا وبحرنا وجوّنا وجلودنا، لا تساوي شيئاً أمام خلوّ بلدانه من معتقل واحد لأسباب سياسية، خصوصاً أبناء جلدته الذين يناصرون قضايانا ويناهضون سياسته ويغيرون حكوماته بوسائلهم السلمية المدنية الديمقراطية!
3- ونؤكد أن هذه النظرة لا تنطلق من أي اعتبار وقتي فئوي يخص أخوتنا المعتقلين فقط، أو يخص ساحة أو سلطة دون غيرها. بل تنطلق من ساحة الزمن الذي جعل حق التعبير والاختلاف والكرامة الإنسانية خطاً أحمر. وجعل التنكيل والاعـتقال السياسي آخر مزبلة تميز الهمجية عن المدنية. وهذه النظرة تأبى التنكيل والانتقام حتى لخصوم الأمس لأنها تحمل الأفضل الذي يعم الجميع ولا تعود بأثر رجعي على ما قبلها. وهذا ليس “كرم أخلاق” أو منحة شخصية من طرف الديمقراطيين بل فضيلة للديمقراطية ذاتها التي لا تخص أحداً بالملكية، وهي سبيلنا الوحيد لسورية جديدة تليق بستة آلاف عام من المجتمع المدني والحضارة العالمية!
.. من هذا المنطلق نهيب بالسلطة –حرصاً وغضباً- أن تسارع لإصلاح هذا “العيب” اليوم قبل غدٍ. وليس هذا فقط، بل أن تسارع لتسخير قوتها الحاضرة في تنظيم حوار مع الرأي الآخر يليق بسورية ويمضي إلى مستقبل أفضل قبل فوات الأوان.
4- على أننا ننظر لإجراء القمع والتنكيل من زاوية مزدوجة لا يجوز إغفالها. لأن جانباً منه يخص وظيفته العضوية في الاستبداد. وجانباً آخر يخص أثره.. وأين يجب وضعه والتعاطي معه من طرف الحركة الديمقراطية!؟
فمع أن القمع يجسد قوة الاستبداد العارية، إلا أنه يترجم مأزقه المزدوج للدفاع عن سلطته الحاضرة.. ووأد اتجاه المستقبل على السواء!
إن هذا يعني اختلاف وجهة القمع (وربما مقداره وأثره أيضاً) باختلاف الجهة التي يطالها. لأن ثمة نوعين من القوى والاتجاهات التي تناهض القمع، ويتعين أن تتبع كل منهما ما تعتبره أنجع الأهداف والوسائل والأساليب لتحقيق غايتها النهائية. إحداهما تصدر من داخل عالم الاستبداد.. وثقافته، مقتفية أثره وأساليبه لاستبدال سلطته الحاضرة بأخرى من شاكلته. وينبغي الإقرار أن وتيرة القمع والتنكيل سوف تتناسب طرداً وتكون أكثر كسراً للعظام بين أبناء الجلدة والثقافة والوسائل الواحدة. كما تجد أكثرية مجتمعنا نفسها عاطلة متقطعة الأنفاس بانتظار شارة الفريق المنتصر لفتح دورة جديدة من الطغيان.. بينما يتعين أن تترعرع قوى المستقبل والديمقراطية خارج عالم الاستبداد وثقافته بهدف تطوير اتجاهات وأهداف وأساليب جديدة لتحقيق مستقبل أفضل يخرج عن طائلة الاستبداد ويمنع استيلاءه عليه!
إن هذا يعني ضرورة اتجاه القوى الأخيرة لتكريس أساليب وتقاليد للتغيير أبعد أثراً وديمومة في حياة المجتمع بأقل الأكلاف الممكنة. وبالأحرى أكثر قدرة على تفكيك مقدسات الاستبداد وجعل إجراءاته القمعية عملاً طائشاً يعود بالخزي والعار على أصحابه، ويشكل مأثرة لالتفاف الشعب وتعاظم قوته المعنوية ومبادرته السياسية!
وينبغي أن نذكر أن نضال التغيير الديمقراطي غير مسبوق ويتطلب اجتراح أهداف وأولويات وأساليب غير مسبوقة أيضاً. بما في هذا مراجعة كثير من العيوب والأخطاء التي ربما نندفع لها بتأثير التنكيل، أو عاداتنا السابقة أو ردود الأفعال أو كل هذا مجتمعاً.
5- عليه إن أهم وجوه تعاملنا مع إجراء القمع الأخير (بل جميع إجراءات القمع منذ ربيع دمشق) هو الإجابة عن كيفية تحويلها من مجرد محنة إنسانية تخص المناضلين، إلى قيمة إيجابية تعود بالخير على المجتمع والمعارضة والتغيير الديمقراطي معاً. وبالأحرى كيفية جعلها سبيلاً لنقل المعارضة من ساحة المهاترات عن الهزائم التي أصابتها (بدءاً من تصدع منتدى الأتاسي.. لغاية الآن على الأقل).. إلى انتصار أخلاقي يجعلها لا تخسر شيئاً سوى عـيوبها، وربما أصبحت أحوج ما تكون له الآن!
****
لقد تعهدنا أيها الأخوة أن نفكر معكم بصوت مسموع. وليس لدينا ما نخسره أو نخجل منه. لهذا لا يستثني حديثنا أطراف المعارضة جميعاً (بل المجتمع والسلطة أيضاً) لأن باعثه الوحيد الدفاع عما نعتبره حقيقياً لصالح بلدنا ومجتمعنا. وهذا ما يحفزنا لتوقع مساعدتكم، ومساعدة أنفسنا جميعاً للارتقاء لمستوى لحظتنا التاريخية ومتطلباتها.
ونصدقكم أن هناك عشرات القضايا والملفات (فكرية، سياسية، اجتماعية، تنظيمية، وربما أخلاقية أيضاً) تدخل في صلب قضية التغيير الديمقراطي، وتقع في عاتق المعارضة وصلب بنيتها ومسرح عملها لتشكيل حركة ديمقراطية!
.. هناك موضوع الأحزاب والمستقلين. الاستعمار والاستبداد. الاستقواء وعدم الاستقواء بهذا الطرف أو ذاك. معارضة الداخل والخارج. الدين والعلمانية. القطري والقومي. الإسلام السياسي والديمقراطية. التطرف والاعتدال. إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي. الاتجاه الليبرالي والاتجاهات الأخرى. الأكثريات والأقليات. المجتمع المدني ودون المدني. عالم السلطة وعالم المعارضة وعالم خارج الاثنين. متطلبات التغيير الديمقراطي ومراحله..الخ.
– ونحن لم نشك يوماً أن الديمقراطية سوف تتخللها اتجاهات وحساسيات كثيرة (وطنية، عروبية، دينية، يسارية، ليبرالية، أثنية..الخ). لكن لم يدر بخلدنا أن هذه المشكلات وغيرها هي نهاية العالم. أو أن الحركة الديمقراطية سوف تجدها أمراً شيطانياً أو محرماً لا يجوز مسّه. وفي نفس الوقت أن يجيز أحد تطويقها بأحكام نهائية تحرم شعبنا وطاقاته ومبدعيه حق المشاركة في إنضاجها على إيقاع أولويته الحقيقية لتغيير أوضاعه وتقرير مصيره الديمقراطي!
.. لم يدر في خلدنا أن معارضاً ديمقراطياً واحداً بلغ حداً من التطور لتعدي هذه الأولوية أو القفز عليها تحت أي اعتبار لا يقوده للضَياع والمجهول!!
– كنا نتوقع أن المعارضة ستجد من المبكر والمتسرع جداً الاعتقاد أنها أنجزت الجزء الضروري من قوام حركتها الديمقراطية وشروطها الأساسية، كي تنتقل لضفة أخرى من أجندة التغيير وخطواته ومرجعياته التي تدخل ساحة الفصل مع النظام. ناهيك عن تخطي هذا الطور أيضاً لدخولها نزاع البرامج والمصالح.. التي يفترض أن تترجم طوراً متقدماً من مجتمعات ديمقراطية مستقرة، بينما لا تعدو في واقعنا الملموس للأسف صورة النزاع العبثي الذي طالما ابتلع أولويات كبرى في عباءة الجملة الثورية والشعارات اللفظية والنزاع الفئوي!!
– كنا نعتقد أن التغيير الديمقراطي، وما تحوطه من صعوبات ويحمله من أهداف ومتطلبات غير مسبوقة في وضعنا السوري، سوف يحمل حساسية تكفي لإلهام المعارضة ضبط خطواتها. وبذل قصارى الجهد، وإطلاق ألف زهرة لفرش أرضية تجعل هذا الهدف موصولاً بمقدمات صبورة، عنيدة، تراكمية..الخ، وليس شعاراً طوباوياً أو من عالم آخر، تحجبه هوة سحيقة عن الواقع، خصوصاً في ضوء قوى واتجاهات وبدائل كثيرة لا تضمر خيراً للوطن والديمقراطية على السواء.
– كنا نعتقد أن هذه الملفات تتطلب –كما نوهنا- ملامسة وانفتاحاً عميقاً، ليس لإيجاد أجوبة نهائية أو سحرية لها.. بل لتأكيد جدية المعارضة في اجتراح طريقة وروحية جديدة تضعها في أفق جديد هي أحوج ما تكون له من أجل كسب نفسها ونيل احترام شعبها ومشاركته الحقيقية في تقرير مصيره الديمقراطي.
****
أيها الأصدقاء..
– نرجو ألا يعتقد أحد أن ملاحظاتنا تحمل أقل انتقاص لقيمة المناضلين ونبل قضيتهم وتضحيتهم لأجلها.
لأجل هذا ننشد مواجهة القمع والتنكيل بما يقتضي من متطلبات تليق بهذه القضية. انطلاقاً من الثقة أنها ليست عصية على المناضلين لأنها مجرد وسيلة لما هو أعظم منها. ولا بد لمن يملك الأكثر ويجود به.. أن يملك الأقل!
– إن هذه المتطلبات تخص قضية الحرية والديمقراطية. وكلاهما ليس شيئاً جاهزاً ومسبوقاً في مجتمعنا، بل ينبغي أن نفعل شيئاً جديداً لاجتراحه وشق طريقه. خصوصا أن ميراثنا يحفل بعادات وأساليب للتغيير السياسي لا تمت بصلة للتغيير الديمقراطي ومتطلباته. وهي ما تزال تخالط نضالنا الديمقراطي بكثير من العيوب والتأثير السلبي على فعالية هذا النضال وأكلافه على السواء.
غير أننا لا نعتبر هذا نهاية العالم أو مسبةً تطال الديمقراطية ومناضليها. بل هو دعوة مفعمة بالمسؤولية لتصويب هذه المشكلة بنفس الإرادة الطيبة التي تحفز النضال من أجل الديمقراطية. وهي تتطلب استقبال هذه الدعوة بما تستحق من الاهتمام والانفتاح لضبط خطواتنا على إيقاع هذه القضية وأولوياتها!!
– إننا لا نقول هذا عبثاً. فليس ما ندعو له هو المسؤول عن انفجار الانقسامات المؤسفة والاتهامات المرشحة لطعن المعارضة وقضيتها في الصميم. بل إن هذه المظاهر ما هي سوى حصيلة الأسباب والعوامل التي ندعو لتصويبها!
من هذا المنطلق لم تخدعنا الدعوات المبكرة لنزع أولوية الديمقراطية كرافعة حقيقية لقضايا المجتمع الوطنية والاجتماعية. وجعلها محط نزاع أيدلوجي لا يضمر نفعاً لهذه الاستحقاقات جميعاً!!
ولم تخدعنا الحملة التي استسهلها البعض لتفخيخ المعارضة والساحة السياسية جميعاً بانقسام لا برء منه بين (تيار ليبرالي، أو متوحش، أو مستقوي بالإمبريالية.. الخ من جهة)، واتجاه وطني.. وقومي.. واجتماعي من جهة أخرى بحسب مصطلحات أصحابه!!
كما لم يخدعنا تفسير هذه الاختلافات بانقسام بين مستقلين من جهة.. وأحزاب خشبية أيدلوجية من جهة أخرى!!
.. ومن الطبيعي أن يفضي كل هذا لترحيل ما لا يعجبنا من المواقف والموضوعات والاختلافات بعيداً عن حقلها الحقيقي وساحتها المعرفية والسياسية التي تليق بالديمقراطية وتحترم عقل شعبنا وطاقاته، إلى حقل التأويل الباطني (للمؤامرات والمناورات) التي يحيكها هذا الفريق أو ذاك!!
وقبل هذا شجعت هذه الطريقة انفلات أصوات ومواقف تذكرنا بأردأ صور الاستبداد والنظام الشمولي، لأنها استخدمت للأسف عباءة المعارضة، أو إعلان دمشق، أو التجمع، أو الانتماء الحزبي لحجز الحراك الوطني في قنينة مغلقة وتعطيل متطلباته وطعن طاقاته.. تحت بطاقة العضوية التي يذهب كل ما عداها للجحيم!!
– من جهتنا، لم يخالجنا الشك أن موضوعات الليبرالية القديمة والجديدة، الخارج والداخل، الوطنية واللاوطنية، الأحزاب الخشبية وغير الخشبية، هي جزء يسير من عشرات الملفات التي تحتاج بالفعل لمراجعات عميقة بعين المسؤولية، بل والمهنية العالية التي تنأى عن العبث وتحترم الزمن ومتطلبات التغيير الديمقراطي. وبالأحرى لا تنشد حلولاً وإملاءات سحرية.. بل إطلاق فضاء حقيقي لانخراط مجتمعنا وطاقاته الحية في حل هذه المعضلات وسط غمار حركته الديمقراطية ومسيرتها الموعودة!!
– ولم يخالجنا الشك أن المعارضة التي لا تتعدى مناهضة المستبد (الداخلي أو الخارجي) لا تستطيع حجب انقساماتها الداخلية إلى ما لا نهاية. ولا تحمل بالضرورة جديداً لصالح شعبها والبشرية.
– وأن القمع والتنكيل الذي يأتي من طرف السلطة لا يعني بالضرورة أن الضحية على صواب دوماً من وجهة نظر قضيتها الأبعد. لأن هذه الأخيرة ليست مجرد صدى لما يفعله أو لا يفعله الطغيان!!
– وأن قيادة الحركة الديمقراطية ومرجعيتها، ليست وصفة تفتعلها هذه الجهة أو تلك. بل هي رصيد حقيقي لمجموع الحراك المدني والسياسي والتنويري الذي يؤلف مرجعية المرجعيات جميعاً. وينبغي أن نصب فيه خيرة ما لَدينا من الجهد والصدق لأنه لا يخطئ منح شهادته العادلة لكل فريق بحَسب مأثرته ورصيده الحقيقي!!
– وأن الاستقلالية أو الخشبية، ليست المكان الذي يقف فيه هذا الفرد، أو الحزب، أو حتى مجتمع برمته. بل هي الطريقة التي يتبعها هؤلاء جميعاً لتنظيم أولوياتهم ومسؤولياتهم على إيقاع قضيتهم الكبرى ومصيرهم الديمقراطي!!
– وأن المواقف والآراء التي تنفع قضيتنا أو تضرها، هي المواقف الصالحة.. أو الفاسدة. وليست المكان الذي تقف فيه داخل أو خارج جماعتنا الحزبية. ومن باب أولى ليست التصفيق بداعي المراءاة ولا حتى مجرد التأييد الأخلاقي!!
******
أيها الأخوة..
– إن إكبارنا للمناضلين وتضحيتهم من أجل الحرية والديمقراطية يملي الإقرار أننا ما زلنا في أول عهد هذا الهدف. وما زال ينتظرنا كثير من الأعمال لم نفعلها لأجله. وربما كثير من تجارب وأخطاء ينبغي مراجعتُها في سبيله. وأن قربنا أو بعدنا عن الهدف يرتهن بصحة المقدمات والقواعد التي نتبعها لهذه الغاية. وأن من الظلم أن نبدو بمظهر الشيخوخة التي لم يعد لديها ما تقدمه سوى مظهر القداسة الذي يحجب أهدافها ومسؤولياتها القادمة!
– من هذا المنطلق نوجه النداء لتحقيق وقفة خلاقة أمام هذا الطور من مسيرتنا. يحدونا أمل مراجعة الخطوات والاختلافات التي تخللتها بروح المسؤولية وسلامة القصد. وهذه المراجعة لا تحمل أي معنىً اشتراطياً ساذجاً لتقويض ما فعله أي فريق لصالح فريق آخر أو انصياعاً له. لأن الديمقراطية التي قطعنا لها العهد ليست عملاً أوامرياً انتصارياً. وليس من مشتملاتها كسر العظام من طرف أي فريق ضد آخر، بما في هذا السلطة الحاكمة والاتجاهات الأخرى.. بل إطلاق طريقة سليمة وآراء عامة تشجع انصهار التجارب والأطر جميعاً في أطر أفضل تستجيب لمشيئة الحياة وصالح الشعوب!
من باب أولى إن ما يزود الديمقراطية بالقوة لمواجهة شرعيات ونظم استبدادية تمتد عشرات العقود بل القرون، حريٌّ أن يفعله المناضلون حيال خطوات وتجارب أبصرت النور في البارحة. وهي ليست مقدسة، وليست أثمن ما يملكونه على الإطلاق!
أيها الأصدقاء..
– إن غاية ندائنا هي تأكيد الدواعي لإجراء مراجعة في صفوف المعارضة، تكون غايتها إعادة اعتبار الحراك الوطني في ساحتنا، بل جعله أفضل حالاً من أي وقت مضى. بالتالي ترتيب أولوياتها وأوراقها على هذا الأساس، بما في ذلك وضع اختلافاتها في أجواء أفضل من الحوار والتنوع والانفتاح على المستقبل.
– ونحن لم نقترح برنامجاً حرفياً لهذه المراجعة وكيفية الإقلاع بها.. لغاية لم نخفِها. خصوصا أن الحياة لا تطرح من المشكلات إلا التي تملك إيجاد حلٍ لها. ويشرفنا التأكيد إننا جزء من محيط يزخر بقدرات وحلول إيجابية.. وهو ليس خالياً من اقتراحات مفيدة لهذا الشأن!
ذلك أن النفع المرجو تحقيقه لأي برنامج يتطلب قدراً كافياً من إدراك ضروراته والتفاعل مع دواعيه الأصلية. لأن مختلف المكاسب والحلول الجاهزة تحمل إمكانية التخلي عنها للأسف ما لم توعى وتُمارس أسبابها الأصلية على وجهٍ يحقق غايتها المرجوة، مع قدر موازٍ من التطور العقلي وقيمة الجهد البشري اللازمة لمراحل أخرى!
– على أن واجب الصراحة يقتضي التأكيد إننا لا نبحث دواعي المراجعة من زاوية إدراك أو عدم إدراك “المعارضة” لها، خصوصا في الغرف المغلقة. بل من زاوية أوسع (تشكل غايةَ حديثنا) وهي وضع هذه المراجعة مع جميع الملفات ومتطلبات التغيير الديمقراطي في خدمة الحوار الأوسع لمجمل ساحتنا ومجتمعنا، بهدف تجديد اعتباره والتفافه حول قضيته ومصيره الديمقراطي.
.. وعندئذٍ فقط سوف يتبين مقدار أهمية المعارضة ومسؤوليتها التي نرجوها في أن تكون رافعة حقيقية وأمثولة طيبة لهذا الهدف!
– تأسيساً على هذا نتطلع لأخوتنا في إعلان دمشق. وإلى جميع الغيورين على قضيتنا الوطنية الديمقراطية في مختلف مواضعهم، للتجاوب مع هذه الدواعي من خلال المبادرة الآتية:
1- مسارعة كل فريق لإعلان خطاب صريح من طرفه الخاص، يؤكد مباركة هذه المراجعة متضمنة كل ما فعله ولم يفعله بعد.. لأجل قضية الوطن والديمقراطية.
2- ألا تكون هذه المراجعة معلقة أو مشروطة بما يفعله أو لا يفعله أي فريق آخر.
3- أن تكون مراجعة مفتوحة لكل أطياف الحراك الوطني الديمقراطي من أية جهة كانت. وليست محصورة في إعلان دمشق أو التجمع الوطني الديمقراطي.
4- أن تتضمن إبداء الاستعداد لمشاركة غير مشروطة في هيئة مفتوحة للحوار الوطني، تقوم فيما بعد على قاعدة الأجواء التي أطلقها هذا الالتزام.
غني عن القول أيها الأخوة، إن فضل الاستجابة لهذه المبادرة يتناسب طرداً مع سرعة الاستباق إليها من طرف أي فريق!
ما أن هيئة الحوار المشار لها، ولئن كانت مرحلة متقدمة تصون مناقب ما قبلها وتحمل خيراً لما بعدها. فإنها لا تشكل تجهيزاً مسبقاً من أي طرف في الدنيا. في نفس الوقت فهي ليست وعداً غيبياً معزولاً عن مقدماته. وليست مسيحاً أو مهدياً منتظراً. بل هي قوة ونتيجة كامنة في صلب مقدماتها. عندئذ لن تشح عنها اللمسات وإجراءات الإعلان من قبل الغيورين جميعاً. لهذه كله ينبغي صرف الجهد لتحضير أجوائها دون إبطاء.
موقع أخبار الشرق – الثلاثاء 6 أيار/ مايو 2008