أوباما: صوت السلام من القاهرة نتنياهو: صوت الحروب من “أورشليم”
أديب طالب
هجوم معسكر الممانعة على خطاب أوباما “القاهري”، بدءاً من زعيم القاعدة “بن لادن”، والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد خامنئي، وانتهاء بذراع إيران في لبنان وفلسطين، مروراً بكلام مخاتل لذراعها في سوريا… هذا الهجوم يؤكد مدى أهمية صوت السلام الذي أطلقه أوباما الرئيس الأميركي من القاهرة. ويؤكد مدى تاريخيته وجديته.
“القوة العظمى في العالم، لا تفرض السلام، ولا تملي على أحد، وتعمل على الشراكات بدل إملاء الحلول، وهي عازمة على صنع السلام بالتعاون مع كل الأطراف”. لم يسبق لإدارة أميركية أن كانت على هذه الدرجة من الجدية في ضرورة صنع السلام، وبهكذا هدوء وإصرار وتفهم.
ان موقف الاعتدال العربي أولاً، وثانياً ملل الشعوب من “الممانعات” الشكلية المهووسة بالسلطة لا أكثر، وثالثاً ما نشاهده من صراع على السلطة بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وبين القائد الإيراني الإصلاحي السيد موسوي ـ تسانده زوجته ـ والمرشح للرئاسة، والمغدور انتخابياً عن طريق تزوير محكم، من قبل القوى الرسمية المسيطرة والحاكمة فعلاً في إيران، هذا الصراع، واحد من مضامينه، “عدوانية” نجاد وسياساته المتطرفة تجاه الغرب والمنطقة، النافخة ليل نهار في بوق الحرب، والمستعلية والمستكبرة والمقاتلة لاعتراف من العالم بحقها في دور رئيس في إدارته وقيادته، الأمور الثلاث الآنفة: الاعتدال والملل والصراع، تؤكد أن صوت السلام الأوبامي من القاهرة جدير بالاهتمام البالغ، وجدير بالتعاون الجدي، وليس أبداً خطبة انشائية، وليس أيضاً رغبة انسان رومانسي في احقاق ذاك الصوت. السلام الأوبامي ليس عادلاً بالتأكيد، ولكنه في كل الأحوال أفضل من الحرب، وأفضل بمئة مرة من حالة اللاسلم واللاحرب التي سادت في الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام 1973 وحتى الآن، والتي حملت كل آثام الحرب، ولم تجن ثمرة واحدة من السلام.
من المميز في ما قاله الرئيس الأميركي أوباما، أن الإدارة الأميركية، تقف ـ ولأول مرة ـ في تاريخ علاقتها بالصراع العربي الإسرائيلي، تقف بعيداً ولو بدرجة متوسطة عن الدعم الأعمى المطلق لسياسات إسرائيل العدوانية، لأول مرة نرى أن ثمة اعترافاً بأن ثمة ضحية يعتدى عليها هي الشعب الفلسطيني، وليس من باب الشفقة أو العطف الانساني، وانما من باب اقتناع بالحق والاستحقاق. قد يقول البعض، وهذا صحيح، إن أوباما يساوي بين الجاني والضحية، ولكنه صحيح أيضاً أن أوباما يعترف ـ أميركياً ـ بأن ثمة ضحية، واعتراف كهذا مفيد جداً على طاولات المفاوضات المقبلة الهادفة لصنع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم. لم تعد إسرائيل حملاً وديعاً، يحاول العرب والمسلمون إلقاءه في البحر، ثمة ضحية فلسطينية عربية والجاني إسرائيل، هذا ما يراه العالم الآن!! وهذا أحد المفاصل الجوهرية والمميزة في الرؤية الأوبامية، حيث لم يعد وجها نتنياهو وليبرمان وجهين مشرقين من وجهة النظر الأميركية الحديثة، بل أكثر من ذلك فيما يراه الأوروبيون.
لماذا لا يعمل العرب والسلطة الوطنية الفلسطينية على تشكيل فريق عمل مشترك مع الأميركيين الأوباميين فضلاً عن الأوروبيين، يجهد هذا الفريق للتمسك بالجديد الأوبامي وإنمائه بهدف الوصول الى حلول واقعية معقولة للصراع العربي الإسرائيلي ولأزمة امتلاك إيران سلاحاً نووياً؟؟
ان فريقاً كهذا يصنع ضغطاً مؤثراً على اليمين الإسرائيلي العدواني الرافض للسلام جملة وتفصيلاً. وقد يحرج إسرائيل دولياً، عكس ما كان يحدث من احراج مستمر للعرب في قضايا السلام والعنف والإرهاب، ما نفعله حالياً وعلى رأسنا السيد الفلسطيني الرئيس عباس أبو مازن، ما نفعله هو الصراخ والانتظار حتى تقدم لنا أميركا رأس إسرائيل على طبق من “…”.
نتنياهو: صوت الحروب من “أورشليم”
من على منبر جامعة “بارايلان” القريبة من تل أبيب، وهي جامعة ذات طابع يميني عدواني، وقد اختارها بيبي منبراً جامعياً مثل أوباما، والجدير بالذكر ان هذه الجامعة قد خرجت قاتل أول رئيس وزراء إسرائيلي قد وقع أول اتفاق سلام مع الفلسطينيين، القاتل هو اليميني المتطرف ينيعال عمير، والمقتول اسحق رابين، والاتفاق هو اتفاق أوسلو بين الرئيس المرحوم السيد ياسر عرفات ورابين، والجدير بالذكر، أيضاً أن من خريجي هذه الجامعة ثمان وثمانين الفاً ممن قد احتلوا مراكز أساسية في إدارات الدولة والمجتمع الإسرائيليين. من على منبر تلك الجامعة العنصرية الحاقدة قال نتنياهو رداً على صوت السلام الأوبامي المنطلق من القاهرة. قال: “إذا حصلنا على الضمانات حول نزع السلاح، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية ـ كذا ـ، فسنصل الى حل يقوم على دولة فلسطينية منزوعة السلاح الى جانب إسرائيل. لكل علمه ولكل نشيده “الوطني” الأراضي التي ستعطى ـ كذا ـ للفلسطينيين ستكون من دون جيش ومن دون سيطرة على الأجواء، ومن دون دخول سلاح، ومن دون إمكان نسج تحالفات مع إيران أو حزب الله”. واحد من التعقيبات المهمة على تخرصات بيبي، تعقيب اليسار الإسرائيلي بأن خطاب نتنياهو خطاب مخادع، يوافق على دولة فلسطينية، وفي الوقت نفسه يضع أمام تحققها حاجزاً مبنياً بالاستثناءات، انه يضع عنزة بحجم الفيل، ثمة عدد لا ينتهي من الاشتراطات التعجيزية.
العرب بقضهم وقضيضهم، مسؤولين وشعوباً، لم يرفضوا خطاب العدواني نتنياهو جملة وتفصيلاً فقط، وانما نزلت بهم طامة الاحباط، وركب على أكتافهم الغضب المحموم، وتمنوا لو أن الف عملية استشهادية تنفذ في أرض الـ48 رداً على الخطاب المجرم، وليكن ما يكون!!، ولقد حلموا في الليلة التالية للخطاب البيبي أن السيد أوباما قد يقطع علاقاته الديبلوماسية مع إسرائيل!! ما هكذا تورد الابل يا عرب.
الأميركيون والأوروبيون، مسؤولين وشعوباً، وجدوا في خطاب العدوان شيئاً ما ايجابياً هو اعتراف إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، رغم كل الشروط التعجيزية التي وضعها المجرم نتنياهو أمام تلك الإقامة.
نتنياهو يعرف سلفاً، أن العرب سيغضبون غضبة رجل واحد، ويلقوا بصواعقهم وأعاصيرهم الكلامية على أرض، وفي سماء إسرائيل. ويعرف سلفاً أن الأميركيين والأوربيين سيجدون شيئاً ما ايجابياً في خطابه، رغم الصفة الغالبة عليه الا وهي الخداع.
نتنياهو مستاء ومرتجف جداً من مد اليد الأوبامية للعرب والمسلمين، مستاء ومرتجف جداً من أن أوباما ساوى الضحية بالجلاد، نتنياهو في أعماقه وليبرمان في علنه يريدان لو تحترق الضحية وتتبخر في الفضاء، ولقد تعوّد على القول الأميركي الخالد: “إسرائيل دائماً على حق”، نتنياهو مستاء ومرتجف جداً أن تتحول اليد الأميركية الممدودة الى جسر حقيقي مع العرب والمسلمين.
نتنياهو حصد أول ثمرة مجرمة لخطابه، وهي دق أول مسمار في نعش الجسر الذي ما يزال جنيناً.
في أول محطة بعد خطاب أوباما في القاهرة، اختلف العرب مع الرئيس الأميركي ذي الرؤية الحديثة، ومن أول ميل في طريق السلام، لم يأت نتنياهو بجديد كما قالت صحيفة الثورة السورية، هذا من حيث المضمون، أما من حيث الهدف فقد حقق أول ضربة وبمطرقة قاسية للجسر العتيد.
بورك العرب وبوركت غضبتهم المضرية وهنيئاً للممانعين، عرباً وفرساً ومن كل الأعراق، هنيئاً لهم هوسهم العجائبي في البقاء على رقاب العباد.
ونكرر ثانية وبكلمة تراثية معاصرة: ما هكذا تورد الابل والمفاوضات يا عرب!!!!!!
() معارض سوري