الإخوان المسلمين : الوجه الآخر للشيعة
ثائر الناشف
لا يختلف الأمر كثيراً بين تيارين إسلاميين حركيين ، وأن تباينت الفروق المذهبية بينهما أو زاد حجم التمثيل الشعبي لأحدهما على الآخر ، وهو دائماً يميل لكفة الشيعة السياسية في أكثر من بلد ، المهم أن الجوهر واحد ، ألا وهو الحركية السياسية التي تتخذ من الدين الإسلامي ومن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منطلقاً لها في محاججة المخالفين لها فكراً وتعبيراً ، من خلال الادعاء أن الإسلام الذي تتحرك على أرضيته هو دولة قائمة بحد ذاتها سواء في المدينة المنورة بالنسبة للإخوان أو في الكوفة بالنسبة للشيعة السياسية .
على أن الإشكالية ليست محصورة في هذا المجال ، فالمدينة التي شيدت في عهد النبي محمد (ص) شيدت مثلها كذلك في عهد الأنبياء الآخرين ، والغريب أنها لم تشيد الآن في عهد مَن يدعون أنهم على خطه ونهجه ، فأين المدنية التي يدعي الإخوان والشيعة بناءها ؟.
أما الحركية التي تعني تركيب الدين على سكة السياسة المتموجة والمتغيرة بشكل دراماتيكي ، مثلما سبق وحصل في عهد المعتزلة ، فهو أسلوب يقارب ما حصل في أوروبا المظلمة قهراً وقسراً ، رغم الفصل الظاهر بين سلطة البابا الروحية وسلطة الملك الزمنية ، لكنها عند الإخوان مندمجة في أن معاً ، وهذا يستحيل في عقيدة الإسلام الذي هو غير المسيحية ، فالعصور المظلمة انتهت إلى غير رجعة بعد أن ساد عصر الصناعة ، والاستخفاف بالعقول والضحك على الذقون ولى زمانه في عصر الفضاءات المفتوحة والقرية الكونية الصغيرة ، وهذا لا يعني رضوخاً أو إقراراً لواقع الحدود السياسية التي أقرتها معاهدة فرساي 1919 ، لكنه إقرار من أوروبا نفسها أن مقولة استعادة ملك السيد المسيح الذي كانت تجيش الجيوش باسمه ، انتهى عند سعي كل دولة نحو مصالحها السياسية والاقتصادية .
فلماذا يتوهم الإخوان بعودة الخلافة الإسلامية كما يتوهم الشيعة السياسية في التأسيس لولاية الفقيه ويكفرون كل مَن لا يؤمن بها ، والسؤال هنا هل كان الخلفاء – باستثناء الخلفاء الراشدين – صلحاء أم طلحاء في أمرهم إلى الحد الذي انهارت فيه الأندلس وغيرها بفعل خلافات ضيقة وصراعات متوالية على العرش ؟ من دون أن ننسى ولاية الفاطميين والحمدانيين ، رغم كل المظاهر الحضارية التي رافقت مسيرتهم لكنها لا تتعدى سوى النذر اليسير مما ساد في عهد الراشدين الذين من بعدهم تكاثر ربان السفينة .
فهل أصبح محرماً مجرد التفكير في تأسيس دولة مدنية حديثة ومعاصرة يتساوى فيها الجميع أمام سلطة القانون والقضاء المدني ، ربما مجرد التفكير في ذلك يعني الكفر والشرك والعمالة للغرب ولإسرائيل .
حركية الإخوان تكمن في كل أفعالهم وأقوالهم التي يستندون فيها إلى أحاديث الرسول الكريم وسيرته الشريفة ، وكأنهم يريدون القول إن ثوبهم من ثوب الرسول العربي ، وبالتالي فأي تدنيس لثوب الإخوان من خلال النقد والاختلاف في الرأي ، ما هو إلا تدنيساً لثوب الرسول ، وحاشى أن يقبل أي عربي أو مسلم بهذا المنطق السقيم الذي يرى نفسه من الداخل من دون أن يراها من الخارج ، وهنا تكمن المصيبة ، عندما يتماهى الإخوان بصفات الرسول كما يتماهى الشيعة السياسية بصفات سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن رحم هذا التماهي يولد تقاطع المصالح الدنيوية ، بين حركية الإخوان الممثلة في حماس وحركية الشيعة السياسية الممثلة بحزب الله والتي تقودها عمائم طهران ومن لف لفها .
ولعل بيان الإخوان المسلمين في سورية وغيرها ، إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ليس بخاف على أحد ، والأمّر والادهى من ذلك أن يمد إخوان سورية يدهم من خلال بيانهم المبهم إلى يد النظام السوري ، وكأن دماء الأبرياء الذين لا علاقة لهم لا في الإخوان ولا في السياسة ، ذهبت هدراً ، أو تنازل عنها الإخوان لقاء مصالحهم المستقبلية ، وأحلامهم الواهية التي لازالت تدعي أن الحل يكمن في الإسلام .
قد يحاجج بعض الاخوانيين من باب سد الذرائع ، أن الرسول (ص) مد يده أيضاً من خلال صلح الحديبية إلى ألد أعدائه في بداية عصر الدعوة ، فما المانع من أن يمد الإخوان يدهم إلى النظام السوري ؟ المانع كما أسلفنا هو في مماهة الإخوان لشخص الرسول الذي هو بشر لكنه ليس ككل البشر ، وظروف عصره تختلف عن ظروف ما سبقه وما لحقه ، فلا تجوز المقارنة بين فترتين زمنيتين يفصل بينهما عشرات القرون .
وليت الأمر ينحصر في هذه الزاوية الحادة ، بل ينفرج ليصل إلى حد مد اليد علناً لأجرم رموز النظام السوري الجنرال رفعت الأسد ، فبعض الاخوانيين القدامى الذين يعلنون استقلاليتهم عن مرجيعة القيادة اليوم ، تماما كما يفعل المفاوض السوري المستقل عن النظام إبراهيم سليمان ، يحاولون وصل الجسور وفتح القنوات مع رفعت الأسد لسبب وغير سبب ، فهل هذه هي الحركية الاخوانية المستجدة ، وهل هذه هي براغماتيتهم التي استفاقت مؤخرا على اتصالات عضوهم المستقل مؤمن محمد نديم كويفاتية مع جزار مدينة حماة وحلب ولا ننسى ضحايا سجن تدمر ، الجنرال رفعت الأسد ؟.
وإذا ما سألنا عن سبب الاتصال ، ولا ندري ما إذا كان هنالك لقاء صامت مع نجل الجنرال سومر الأسد ، فالجواب هو للتنسيق الجيد لمرحلة ما بعد سقوط النظام ، أو للتفاهم حول بعض النقاط العالقة ، والذريعة الجاهزة أن بين اللبنانيين بحور من الدماء فها هم اليوم ينتصرون لبلدهم ويتوافقون فيما بينهم ، كما أن الفلسطينيين يتفاهمون بل يفاوضون عدوهم إسرائيل ، لكن تفاوض الفلسطينيين تحت عيون المجتمع الدولي حفاظاً على الكيان الوطني وليس لأجل ضمان كرسي أو حقيبة وزارية أو للدهس على دماء الأبرياء ، وقد لا نتفاجئ أن تحذو حماس حذو إخوانها في سورية ، وتفتح قنوات التفاوض مع إسرائيل في العلن مثلما هو الحال في السر.
إن لعب الإخوان في السر والعلن ، يستدعي الكشف عن تفاصيل اللعبة السياسية ، فليكن اللعب مكشوفاً ، حتى لو كان باسم الإسلام الحنيف ، غير ذلك لا يعني سوى باطنية صماء تبطن غير ما تظهر وتفعل غير ما تقول ، تتشارك فيها كل حركات الاسلام السياسي بطابع الدهاء .