صفحات العالمما يحدث في لبنان

مصالحات وطنية تظلل لبنان

سليمان تقي الدين
انتهت الانتخابات النيابية وتشكّل مجلس نيابي لبناني جديد بنفس التوازنات السياسية السابقة تقريباً وبنفس الكتل النيابية. يباشر رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة حسب الدستور لاختيار رئيس الحكومة الذي يجب أن يحظى بالأكثرية العادية ويتعاون مع رئيس الجمهورية والكتل النيابية لتشكيل الحكومة العتيدة.
لرئيس الجمهورية دور أساسي دستوري هنا، فهو الذي يوقّع مرسوم تشكيل الحكومة ويؤثر في تركيبتها. لكنه بالتأكيد محكوم بعدة قواعد من أهمها التمثيل العادل للطوائف حسب المادة 95 من الدستور. هناك حصص محفوظة لجميع الفئات الطائفية على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين والتوزيع النسبي لكافة المذاهب. على الحكومة أن تراعي تمثيل الطوائف وكذلك المناطق. في نتائج الانتخابات ظهرت مجموعة من الكتل النيابية تحتكر التمثيل داخل طوائفها. يستحيل اذاً تجاوز أي كتلة من مشاركة الحكومة. فلا يمكن تمثيل الطوائف بغير احزابها المسيطرة. لكن هذا التمثيل اذا كان عادلاً فهو يفرض تشكيل حكومة وحدة وطنية. الجدل يدور الآن حول نسب تمثيل ما يسمى الموالاة والمعارضة. البعض عاد يطالب بالثلث المعطل والآخر بالتمثيل النسبي وآخرون بحصول الأكثرية على سلطة القرار في الحكومة، وهي النصف زائداً واحداً في القرارات العادية، والثلثان زائدين واحداً في القرارات المتعلقة بالمواضيع التي عدّدها الدستور وحددها في 14 موضوعاً.
لكن المهم الآن في لبنان هو جو الهدوء الذي ساد والتفاهم بعد الانتخابات وحركة المصالحات بين الأطراف المتناقضة. لم يعد هناك أي سبب للقلق السياسي من قبل الأطراف والرغبة في احتكار السلطة. بل إن هذه المصالحات والتفاهمات على جعل المواضيع الخلافية في إطار الهيئة الوطنية للحوار يجعل من تشكيل الحكومة مسألة عادية تتعلق ببعض الحصص والمصالح والنفوذ وليس بصدد مسائل خلافية وطنية. ومن المرجح أن يكون تشكيل الحكومة أسهل من الماضي، رغم بعض التعقيدات السياسية البسيطة والشخصية.
لقد شكلت الانتخابات صفحة جديدة في العلاقات السياسية وهي جاءت تتويجاً لتفاهمات اقليمية ودولية تجسدت في اتفاق “الدوحة” عام 2008 واستمرت مفاعيلها حتى الآن.
لم يعد لبنان اليوم الساحة الرئيسية للمنافسات الاقليمية والدولية. ولم يعد كذلك محلاً لاثبات النفوذ وتبادل الرسائل وتحقيق الأهداف الخاصة بنفوذ هذه أو تلك من الدول. لقد أدى التفاهم السوري  السعودي في إطار المناخ الإقليمي الجديد الذي انطلق مع السياسة الأمريكية في عهد اوباما إلى وقف التشنجات الداخلية، ولا سيّما أن الضغوط الأمريكية على سوريا من البوابة اللبنانية قد تراجعت لصالح فتح صفحة من التعاون. وقد انعكس ذلك على ملف المحكمة ذات الطابع الدولي، حيث جرى إطلاق الضباط الأربعة وابتعدت تهمة اغتيال الحريري إلى حد بعيد عن سوريا إذا لم نقل إنها برأتها نهائياً.
لقد سمعنا بعد نتائج الانتخابات فوراً تصريحات ومواقف قلبت صفحة الماضي كله وكل الخطاب السياسي التعبوي والتحريضي ولا سيّما ذلك الذي استهدف ما يسمى المحور “السوري  الايراني” وحلفاءه في لبنان، ومسألة سلاح المقاومة. لقد بدت تلك الحملات الاعلامية والخطب السياسية وكأنها مجرد استثمار سياسي انتخابي ولا تمت إلى حقيقة التناقضات اللبنانية في جوهرها. ولقد بدأت المصالحات المباشرة بعد أن كانت خيوط الاتصال تتم بالواسطة، وشهدنا لقاءات بين رموز لم يكن متوقعاً لقاؤها بعد الاتهامات المتبادلة والتراشق ببعض الكلام الجارح والتخويني.
تبرر القوى السياسية مصالحاتها بما أثاره خطاب رئيس حكومة الكيان الصهيوني ( نتنياهو) من تحديات لا سيّما على الداخل اللبناني في رفضه لحق العودة وبالتالي عودة مخاطر التوطين.
لكن المخاطر “الإسرائيلية” كانت قائمة دائماً، والجديد هو الفهم السياسي للمشكلات ولا سيّما موضوع سلاح المقاومة الذي لا يمكن معالجته إلاّ في إطار الوضع الإقليمي والحل الشامل لمسألة الصراع العربي  “الإسرائيلي”. لذا جاءت تصريحات أقطاب الموالاة الأساسيين تركز على مواجهة الخطر “الإسرائيلي” وضرورة تحصين لبنان. صحيح أن هذا التحول في المواقف يؤدي إلى الاستغراب الشديد في انتقال القوى السياسية من لغة التصعيد والصدام إلى لغة المصالحة، وهم بذلك قد أساؤا للبلد خلال السنوات الأربع الماضية من النزاعات التي كان يمكن حلها ببعض التنازلات المتبادلة، لكن اللبنانيين يشعرون بالارتياح إزاء هذه المواقف.
لقد سمعنا من أقطاب الفريقين المواقف التي تؤكد على فشل قانون الانتخاب في تحقيق الوحدة الوطنية وصحة التمثيل. وقد ذهب نقد هذا القانون إلى حد اعتباره قانون فتنة يقسم اللبنانيين قسمة طائفية ومذهبية ويؤجج العصبيات. وسمعنا نوعاً من الإجماع على العودة إلى اتفاق “الطائف” والإصلاحات التي رسمها لبناء الدولة في لبنان. إذا صدقت هذه الالتزامات فإننا نشهد مرحلة جديدة من العمل السياسي الوطني ومن جدول أعمال لهيئة الحوار الوطني يتوسع ليشمل المسائل المتعلقة باصلاح المؤسسات الدستورية وتطويرها. كما سنشهد تطوراً في العلاقات اللبنانية  السورية واللبنانية   العربية لمصلحة هذا الاستقرار.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى