الإسلام: الأزمة وإنفلونزا الخنازير
الطاهر بن جلون
ما من شيء على ما يرام. فبعد الأزمة أو بالأحرى خلالها، وما أن تعودنا على أن نعيش ونحن نتوقع اضطرابات جديدة حتى حم وباء الأنفلونزا لكي يقوي وينوع مخاوفنا. أن نموت فقراء ومصابين بأنفلونزا الخنازير؛ وهو ما يعتبر عقابا إلهيا. وبموازاة ذلك، ثمة هذا السلوك المثير للهزء والسخرية لبعض الدول الإسلامية التي ترفض تسمية المرض؛ لأنها ملزمة ليس فقط بالعزوف عن أكل لحم الخنزير، وإنما ـ وهو الأهم ـ بأن ترفض منح حق اللجوء لهذا الحيوان. وحيث إنها على معرفة ضافية بذلك، فإن الأنفلونزا سوف تتجنب الدخول إلى هاته البلدان التي قامت عبر كل العصور باطراح لحم هذا الحيوان الذي يقتات من الفضلات والقاذورات التي يرميها الإنسان. ومهما يكن، فإن ذلك هو السبب الذي يستند إليه الإسلام من أجل تحريم استهلاك لحم الخنزير. ينبغي أن نشير في هذا السياق إلى أنه لم يكن ثمة وجود في زمن الرسول للوسائل التي تضمن حفظ الأغذية القابلة للتلف. وقد قام الإسلام وهو آخر الديانات السماوية باستعادة هذا التحريم الغذائي الخاص بالديانة اليهودية لصالحه. يقول الله تعالى في الآية 173 من سورة البقرة: ‘إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ’. وتذكر الآية 60 من سورة المائدة بما يلي: ‘…قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ‘. وعلى الرغم من التقدم الكبير في المجال الصحي، فإن المسلم يرفض بشكل قطعي لحم الخنزير الذي يمثل بالنسبة له رمزا للنجاسة والقذارة . وهو لا يجد أي عنت أو مشقة في الالتزام بهذا التحريم. ثمة من لا يتوانون عن تناول الكحول دون اعتدال، لكنهم يتخذون موقفا جذريا حيال لحم الخنزير. الإدمان على الكحول يقتل في أرض الإسلام؛ وهي حقيقة يؤثر المسؤولون فيما يشبه النفاق التكتم عليها. يمكن للحم الخنزير على أهون تقدير أن يزيد من نسبة الكوليستيرول في الدم، لكنه لن يتسبب في مآس مثيلة لتلك التي يسفر عنها الإدمان على الكحول.
استغلت السلطات المصرية أزمة الأنفلونزا لكي تعدم مئات الآلاف من الخنازير التي تشرف على تربيتها الطائفة القبطية، وهي أقلية مسيحية تشكل نسبة عشرة في المائة من السكان وتستباح حقوقها باطراد. وبفعل ضغط الإسلاميين الذين لا يفلتون فرصة لإزعاج الحكومة، قررت الدولة إعدام أعداد كبيرة من الخنازير على الرغم من افتقارها لأي دليل يؤكد احتمال انتقال العدوى من الحيوان إلى الإنسان في مصر. حدث ذلك بدافع الحذر وأيضا لاتقاء انتقادات ومظاهرات الإسلاميين. كان ذلك وسيلة للتمييز حيال الأقباط ولحمل الناس على الاعتقاد بأن الأنفلونزا شأنها في ذلك شأن فقدان المناعة المكتسبة عقاب إلهي يسلطه الله على عباده الذين ضلوا عن سواء السبيل. هكذا، إذن، يراكم التيار الإسلامي انتصارات صغيرة في أفق الوصول إلى السلطة في يوم ما. وقد سبق له أن أرجع أزمة الرأسمالية إلى استخدام الربا في المعاملات المالية؛ وهو الأمر الذي يحرمه الإسلام بشكل قطعي وإن كان الالتزام بهذا التحريم محكوما بالندرة.
قررت منظمة الصحة العالمية اعتبارا لذلك و بشكل مباغت تغيير اسم المرض لكي تتجنب، من جهة، المس بكرامة المكسيك، ولكي لا تحرج، من جهة أخرى، البلدان الإسلامية. هكذا أصبح اسم المرض إيتش 1 إين 1 . يبدو هذا التغيير تقنيا وعلميا ومفصحا بشكل خاص عن توافق وإجماع. والسؤال الذي يطرح والحالة هاته: هل يسعف هذا التغيير في مقاومة الوباء بطريقة أفضل؟ بيد أن ما نلاحظه الآن يتمثل في أن الشعور بالخوف قد استقر واستشرى في كل أنحاء العالم.
نحن نعيش في مرحلة تنتج فيها الدول أسباب هلع عام، لكنها لا تتردد في الآن نفسه في طمأنتنا إلى درجة يستعصي فيها علينا التمييز بين ما هو أمر جلل وما هو مبالغ فيه. وكان أحد الصحافيين على صواب حين ذكرنا بحقيقة مؤداها ان مرض فقدان المناعة المكتسبة يقتل كل سنة مليونين من البشر في كل أنحاء العالم فيما تقتل حمى المستنقعات 1،3 مليون شخص مع استئثار إفريقيا بالنسبة الساحقة. أما بالنسبة للأنفلونزا العادية، أي أنفلونزا الشتاء، فتقتل في فرنسا فقط 7500 شخص. ينبغي لنا بموازاة ذلك أن نحتفظ بمعنويات مرتفعة وأن نستعد لاستقبال الموت لمجرد أننا صافحنا يدا أو عانقنا مكسيكية حسناء.
ترجمة: عبد المنعم الشنتوف
القدس العربي